روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل التاسع من رواية قطة فى عرين الأسد


فى اليوم التالى ذهبت "سهى" الى عملها فى وجوم .. كان يبدو عليها الحزن وعلى عينيها آثار البكاء .. تطلعت "مريم" و "مى" كل منهما الى الآخرى .. لم تتحدث "سهى" طوال اليوم ولم تناكف فى "مى" كعادتها .. فقط انكبت فوق حاسوبها لكن بدا وكأنها لا تحرك الماوس تحت أصابع يدها .. فقط تنظر الى الشاشة شاردة .. ظلت هكذا طوال اليوم حتى آتى موعد الانصراف .. قالت "مى" لـ "مريم" :
- ها خلصتى
قالت "مريم" وهى منهمكة فى علمها :
- لأ لسه .. عايزة ألحق أخلص كل الشغل اللى ورايا قبل سفرى ان شاء الله

سألتها "مى" قائله :
- ليه مش أستاذ "عماد" قالك انك هتشتغلى عن طريق النت
نظرت اليها "مريم" ويبدو على وجهها علامات التعب وقالت :
- أيوة بس أكيد أول كام يوم مش هعرف أشتغل هكون مشغوله مع أهلى .. وعشان كده حابه أخلص جزء كبير من شغلى .. عشان ما أتأخرش فى تسليم الشغل
أومأت "مى" برأسها وقالت :
- ماشى يا حبيبتى .. أنا ماشية بأه أشوفك بكرة
- مع السلامة
خرجت "مى" وألقت "مريم" نظرة على "سهى" لتجدها فى دنيا آخرى تماماً .. نادتها قائله :
- "سهى" .. "سهى"
التفتت اليها "سهى" قائله :
- أيوة يا "مريم"
نظرت اليها "مريم" بقلق وقالت :
- انتى مش هتمشى ؟
قالت بوجوم :
- آه .. لا .. لسالى شويه
لحظات وانفجرت "سهى" فى البكاء .. شعرت "مريم" بقلق شديد اتجاهها فهبت واقفه واتجهت اليها وضعت يدها على كتفها قائله :
- "سهى" مالك فى ايه .. بتعيطي ليه .. "سهى"
حاولت "سهى" تمالك نفسها ووقف بكائها .. أعطتها "مريم" منديلاً من حقيبتها فكفكفت دموعها وقالت بصوت مرتجف :
- مفيش أنا كويسه
جذبت "مريم" أحد المقاعد وجلست بجوارها قائله :
- لا مش كويسه طبعاً .. قوليلى مالك ايه مضايقك يمكن أقدر أساعدك
نظرت اليها "سهى" وقالت :
- مش هتقدرى تساعديني
- جربي
صمتت "سهى" قليلاً ثم قالت بخجل :
- مش هقدر أحكيلك على المشكلة .. بس كل اللى أقدر أقولهولك انى اتهنت اهانه جامده أوى أوى .. والمشكلة اللى تعبانى انى شايفه نفسى غلطت فعلاً واستحق الإهانه دى
نظرت اليها "مريم" قائله :
- طيب طالما شايفه انك كنتى غلط .. يبقى تحاولى تصلحى الغلط ده
قالت "سهى" بمرارة :
- ياريت بس معدش ينفع اللى حصل حصل
قالت "مريم" بهدوء :
- لو معرفتيش تصلحى الغلط .. يبقى على الأقل توقفيه فوراً ومتكرريهوش تانى أبداً مهما حصل
نظرت اليها "سهى" وقالت بأعين دامعه :
- أنا حسه انى واحدة رخيصة أوى .. مش عارفه أعمل ايه وازاى أشيل الإحساس ده من جوايا
ربتت "مريم" على كتفها وقالت :
- "سهى" هكلمك بصراحة لانى بحبك .. ولانى طلبتى منى النصيحة .. "سهى" اعرفى حاجه واحده .. سعادتك فى قربك من ربنا مش فى بعدك عنه .. ربنا مبيحرمش الا الحاجات اللى بتضرنا فعلاً .. هو اللى خلقنا وهو أدرى بينا من نفسنا .. احنا اتخلقنا فى الدنيا دى مش عشان ناكل ونشرب وننام وبس .. لأ .. احنا اتخلقنا عشان نعبد ربنا .. نعبده صح زى ما قالنا .. مش نعبده بمزاجنا .. أكيد كلنا بنغلط .. بس فى فرق بين غلطه وغلطه .. وحتى لو اتنين غلطوا نفس الغلطه .. فى فرق بينهم .. لان الأول ممكن يتمادى فى الغلط ويستمر فيه ويموت عليه ويبعث يوم القيامة عليه .. أما التانى يعمل الغلط ويندم عليه ويبكى من الندم عشان غلط فى حق ربنا قبل ما يكون فى حق نفسه ويقرر انه ميعملش الغلط ده تانى طول عمره وربنا يقبل توبته ويموت وهو مفيش عليه الذنب ده
كانت "سهى" تستمع اليها فى استكانه وهدأت نفسها بعد سماع تلك الكلمات .. قالت "سهى" بشك :
- يعني لو مرجعتش للغلط ده تانى ربنا هيسامحنى أكنى مغلطتش أصلاً
ابتسمت "مريم" قائله :
- أيوة بالظبط كده .. الغلط ده يتمحى تماماً .. بس بشرط .. تكون توبه بجد .. وتندمى بجد .. وتقررى بجد انك مترجعيش لاى حاجه غلط بتعمليها .. وتصلحى من نفسك وتبعدى عن الحاجات اللى تغضب ربنا
أومأت "سهى" برأسها ثم قالت ل "مريم" :
- على فكرة متفكريش ان الموضوع كبير .. لأ دى حاجه بسيطة بس أنا اللى حساسه شويه .. يعتبر مفيش حاجه أصلا بس هما كلمتين بس اتقالولى واضايقت منهم
ابتسمت "مريم" قائله :
- تمام يا جميل .. ولو احتجتى تتكلمى تانى أو تسألى عن حاجه أنا موجوده
ابتسمت "سهى" قائله :
- على فكرة انتى طيبة أوى .. قفل آه .. بس طيبة
ضحكت "مريم" قائله :
- أنا قفل
شاركتها "سهى" ضحكاتها قائله :
- ده القفل يقولك قومى وأنا أعد مطرحك
ثم قالت :
- بس بنت جدعه .. وطيبة .. ومش غلسة وبتحدفى طوب زى "مى"
قامت "مريم" قائله وهى تتوجه الى مكتبها :
- "مى" على فكرة طيبة أوى هى كمان .. لو قربتى منها هتحبيها
جلست "مريم" على مكتبها .. ونظرت اليها "سهى" مبتسمه ثم عادت الى عملها .

******************************************
طرقت "سارة" باب غرفة المكتب الخاصة بـ "مراد" فى الفيلا .. سمعت صوته يدعوها للدخول .. دخلت وأغلقت الباب بهدوء وتقدمت وهى متوترة قليلاً وقالت :
- معلش يا أبيه عطلتك
نظر اليه "مراد" الذى بدا منهمكاً فى قراءة احد الكتب وقال :
- خير يا "سارة"
قالت بإرتباك :
- انت قولتلى هتفكر فى موضوع شغلى فى الشركة
وضع "مراد" الكتاب أمامه على المكتب وبدا عليه التبرم وقال بنفاذ صبر :
- نفسي أفهم هتستفادى ايه
قالت بحنق :
- يا أبيه أنا زهقانه من الأعدة فى البيت ..عايزة أحس انى بعمل حاجه مفيدة .. وبعدين هو أنا هشتغل عند حد غريب .. أنا هشتغل عندك فى الشركة
صمت "مراد" وبدا عليه التفكير .. طال صمته .. ثم نظر اليها قائلاً :
- ماشى يا "سارة" أنا موافق تشتغلى عندى فى الشركة
اتسعت ابتسامتها وقالت بسعادة :
- بجد يا أبيه .. يعني خلاص وافقت
قال "مراد" بحزم :
- أيوة .. بس بشرط هتشتغلى فى المكان اللى أنا أحدده
أمأت رأسها وقالت بحماس :
- ماشى يا أبيه موافقه
قال "مراد" وهو يعود أخذ الكتاب من فوق المكتب :
- خلاص بكرة ان شاء الله جهزى نفسك عشان ننزل سوا
قالت مبتسمه بحماس :
- ماشى .. شكراً يا أبيه


***********************************

قالت "نرمين" لـ "سارة" بسخرية وهما جالستان فى غرفة هذه الأخيرة :
- والله .. طيب كويس أوى انه حن واتعطف واتكرم عليكي ووافق انك تشتغلى فى شركته
ضحكت "سارة" وصفقت بيدها قائلاً :
- مش مصدقه .. الحمد لله انه وافق
قالت "نرمين" بحنق :
- أنا مش عارفه ايه السجن اللى احنا عايشين فيه ده .. ما البنات بتشتغل عادى وبيخرجوا لوحدهم عادى .. اشمعنى احنا يعني اللى محبوسين كده .. مبنخرجش الا مع "مراد" أكننا أطفال فى الحضانه .. هانت والسنة تبتدى فى الكلية وأخرج أشم نفسي شوية
ابتسمت "سارة" قائله :
- آل يعني لما تروحى الجامعة هتشمى نفسك .. "مراد" بيخلى السواق يوصلك ويرجعك ومش كدة وبس بيعرف كل مواعيد محاضراتك وسكاشنك
قالت "نرمين" بحنق :
- بس على الأقل هشوف ناس غيركوا .. دى حاجه صعبة أوى حسه انى مش بنت زى باقى البنات .. ده ولا السجن يا شيخة ايه ده
قالت "سارة" بهدوء :
- بصى هو "مراد" بيخاف علينا عشان بنات .. وانتى شايفه أصلاً البلد دلوقتى مش أمان خالص .. وكل شوية نسمع عن حوادث خطف واغتصاب وقتل وسرقة يعني هو معذور برده فى خوفه علينا
قالت "سارة" بغضب :
- بس مش كده يفكها شويه .. فيها ايه يعني لما تشتغلى فى الشركة ليه كل التفكير ده .. وايه المشكلة يعني لما نروح نزور صحباتنا ليه دايماً هما اللى ييجوا يزورونا واحنا مبنزورش حد .. ده حتى الخروج مش بيوافق عليه .. بالله عليكي دى عيشة .. دى عيشة تخنق بجد .. ده أنا مش عارفه أصلاً هنتجوز ازاى لا حد بيشوفنا ولا بنشوف حد .. حتى صحابه لما بييجوا يزوروه بيفرض علينا حظر تجول لحد ما يمشوا
قالت "سارة" بضيق :
- أهى دى الحاجه الوحيدة اللى مضيقانى
ابتسمت "نرمين" بخبث وقالت :
- بس طلعتى مش سهل يا سارة
- تقصدى ايه ؟
- يعني .. الراجل معدش بييجى قولتى تروحيله بنفسك
صاحت "سارة" بحنق :
- ايه تروحيله دى متنقى ألفاظك .. اخرجى يا "نرمين" شوفى حاجه اتسلى بيها غيري
قامت "نرمين" وقالت بتهكم وهى تغادر الغرفة :
- ده على أساس ان التسليه ماليه البيت

*******************************************

ذهبت "مريم" الى دار المسنين حيث تعيش والدة "ماجد" .. دخلت غرفتها .. وجدتها كما تتركها كل مرة .. نائمة على فراشها تنظر الى سقف الغرفة ويبدو أنها تسبح فى عالم آخر .. جلست بجوارها ومررت يدها على شعرها وقالت بحنان :
- ازيك يا ماما .. أخبارك ايه .. ماما .. ردى عليا .. أنا "مريم" .. "مريم" مرات "ماجد"
بدا وكأن المرأة لا تسمعها ولا تلفت اليها .. أكملت "مريم" وهى تنظر اليها بأسى :
- كان نفسي أعرف أخدك معايا يا ماما .. كان نفسي تكون صحتك اتحسنت وأقدر أسفرك معايا .. أنا مسافرة يا ماما .. مسافرة النجع .. أهل بابا الله يرحمه عرفوا طريقى .. وجولى .. وعايزنى أعيش معاهم .. وأنا خلاص كلها كام يوم وهسافرلهم
فجأة وجدتها "مريم" ولأول مرة تحرك رأسها تجاهها وتنظر اليها .. ابتسمت "مريم" بفرح وقالت :
- ماما انتى سمعانى مش كده .. فاهمة أنا بقولك ايه .. مش كده
ظلت المرأة تنظر اليها بدون أن تتكلم .. فأكملت "مريم" بحماس :
- ماما كلميني .. طيب هزى راسك .. أنا حسه انك فهمتيني لما قولتلك انى مسافرة النجع
تجمعت العبرات فى عين المرأة .. وبدا عليها التأثر الشديد .. مسحت "مريم" على رأسها وقالت لها بحزن :
- عارفه ان جرحى وجرحك كبير أوى .. بس أنا عايزاكى تتحسنى يا ماما .. احنا الاتنين ملناش الا بعض .. أنا عارفه ان نفسك ترجعى النجع تانى .. البلد اللى اتولدتى فيها وعشتى فيها .. وعشان كده عايزاكى تتحسنى عشان أقدر أخدك تعيشي معايا
ثم أكملت قائله بإبتسامه :
- أنا هبقى على تواصل مع مديرة الدار .. وكمان أكيد هاجى أزورك ان شاء الله .. والمرة الجاية الى أشوفك فيها تكونى اتحسنتى وأقدر أخدت معايا
قبلت "مريم" يد المرأة ووجنتها .. بدت نظرات المرأة اليها حانية للغاية .. ولاح شبح ابتسامه على شفتيها .. ابتسمت "مريم" بسعادة وهى ترى هذه الإستجابه منها .. توجهت الى مديرة الدار وأعلمتها بأمر سفرها وأخبرتها "مريم" أنها ستستمر فى الاتصال بها حتى تستطيعالإطمئنان على حالة والدة "ماجد" .. خرجت "مريم" من الدار ووجدت فى الخارج صندوقاً للصدقة من أجل الدار فتحت حقيبتها وأخرجت منها ما يسره الله لها ووضعته فى الصندوق بنية شفاء والدة "ماجد" .. كانت "مريم" تعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم "داووا مرضاكم بالصدقة" .. دعت لها أن يشفيها الله عز وجل وتعود الى رشدها مرة أخرى

كانت الزيارة التاليه هى الأصعب على نفس "مريم" لكنها أصرت عليها .. توجهت الى المقابر حيث دفن "ماجد" رفعت يديها ودعت الله له كثيراً والعبرات تنهمر من عينيها لتغرق وجهها .. ظلت واقفة وسط المقابر تنظر الى تلك القبور التى حولها .. يا الله كل هؤلاء فقدوا حياتهم وأرواحهم وتركوا خلفهم أمهات وآباء وأبناء وزوجات .. وأولئك سيلحقون بهم بدورهم .. كل فى ميعاده الذى كتبه الله له .. ظلت تنقل بصرها من قبر الى آخر وهى تتسائل ما الذى يدور داخل كل قبر الآن .. من من هؤلاء يتعذب بعمله ويتحول قبرة الى حفرة من حفر النار .. ومن يجازى بعمله الطيب ويتحول قبره الى روضة من رياض الجنة .. شعرت بالتأثر الشديد .. ظلت تدعو لـ "ماجد" ووالدها ووالدتها وأختها ولكل موتى المسلمين .. ثم أخيراً استدارت لتنصرف وهى تشعر أن فى قلبها جرحاً كبيراً تأمل أن يندمل يوماً ماً.

*******************************************
كانت والدة "صباح" تجهز العديد من أنواع الطعام المختلفة .. وتضعها فى المبرد .. دخلت عليها "صباح" قائله :
- اييه كل الوكل ده ياماى .. احنا عازمين جبيله ولا اييه
ابتسمت لها أمها قائله :
- لا يا بنيتى .. بنت خوكى .. "مريم" .. جايه كمان كام يوم .. ولازمن نستجبلها امنيح
قالت "صباح" بتبرم :
- اييوة بس مش كل ده يعني .. أصلاً بوى جال انها سفيفه يعنى ملهاش فى الوكل
قالت لأم بغضب :
- اييه الكلام اللى عاتجوليه ده يا "صباح" .. امشى انجرى شوفيلك حاجه اعمليها .. لسه البيت عايزين نجلبه فوجيه تحتيه .. يلا يا بت مبتصليش اكده
قالت "صباح" بتهكم :
- والهانم بجه كانت بتشتغل اييه فى مصر
ابتسمت أمها قائله :
- مخبرش بس باين عليها بتشتغل شغلانه مهمه لانها جالت لابوكى ان فى يدها مصالح ناس متجدرش تسيبهم وتمشى من غير ما تجولهم .. وكمان أبوكى جالى انها باين عليها متنورة ومتعلمه امنيح
خرجت "صباح" من المطبخ متبرمه وهى تتمتم بحنق :
- آني أحسن منيها مليون مرة


*******************************************

دخل "طارق" الى مكتب "مريم" رفعت "مى" رأسها لترى القادم .. خفق قلبها بشدة عندما رأت "طارق" أمامها .. نظر "طارق" الى مكتب "مريم" الخالى ثم تطلع الى الفتاتان قائلاً :
- مساء الخير .. هى مدام "مريم" مش موجودة
شعرت "مى" بالخجل من أن تطلع اليه .. كانت تخشى أن تفضح عيناها ما يعتمل بداخلها فخفضت بصرها قائله بصوت خافت :
- فى مكتب أستاذ "عماد" شوية وراجعه
ابتسمت له "سهى" قائله :
- على فكرة هى مش مدام
نظرت اليها "مى" بحده .. التفت اليها "طارق" قائله بإستغراب :
- بس هى قالتلى انها متجوزة .. يعني مكتوب كتابها وفى دبلة فى ايدها
قالت "سهى" مبتسمه :
- أيوة كان مكتوب كتابها وخطيبها اتوفى من زمان
نظر اليها "طارق" بدهشة وقال :
- يعني هى مش مكتوب كتابها
قالت "سهى" وهى تتفحص تعبيرات وجهه بخبث :
- لأ زى ما قولتلك جوزها مات
قالت "مى" بحده وقد شعرت بالضيق الشديد لكثرة أسئلته عن "مريم" :
- لو سمحت هنا مكان شغل مش عشان نتكلم فى خصوصيات
التفت اليها "طارق" قائلاً :
- آسف مكنتش قصدى أتكلم فى خصوصيات
فى تلك اللحظة دخلت "مريم" الى المكتب .. التفت اليها "طارق" وابتسم ابتسامه واسعة .. نظرت اليه "مريم" دون أن تبادله الإبتسام ثم جلست الى مكتبها قائله بجديه :
- اتفضل يا أستاذ "طارق"
جلس "طارق" وهو لا يرفع نظره عنها .. شعرت بالضيق من نظراته المثبته عليها .. أخرجت ملف وحاولت بسرعة انهاء المقابله .. تطلع "طارق" الى الملف ثم قال مبتسماً :
- زى ما توقعت شغل من الآخر
ثم نظر اليها قائلاً :
- انتى مكسب لأى شركة تشتغلى فيها
شعرت "مريم" بالضيق من كلماته ومن نظراته ومن وجوده .. كانت نظرات "مى" مثبته عليهما وعلامات الحنق والضيق على وجهها .. أما "سهى" فكانت تنظر اليهما مبتسمه بخبث .. قالت "مريم" بجديه :
- لو مفيش تعديلات يبقى خلاص هنبتدى طباعة ان شاء الله من 3 ل 6 أيام وحضرتك تستلم الشغل
قال وهو ينهض :
- خلاص تمام ان شاء الله أشوفك بعد 3 أيام
نظرت اليه "مريم" وقالت بحزم :
- قولت من 3 ل 6 يعني الأفضل حضرتك تنتظر لما أبعت ميل بإن الأوردر وصل بدل ما حضرتك تيجي على الفاضى
نظر اليها نظره أشعرتها بالخجل فأخفضت بصرها .. قال مبتسماً :
- أفضل آجى بنفسي .. متشكر على الشغل الجامد ده
خرج من المكتب .. فهتفت "سهى" بمرح :
- يا سلام على التثبيت اللى كان عيني عينيك ده
التفت اليها "مريم" بحنق وقالت :
- "سهى" ايه اللى بتقوليه ده
قالت "سهى" ضاحكة :
- يا بنتى مشوفتيش كان بيبصلك ازاى .. لا وايه "أفضل آجى بنفسي"
قاطعتها "مى" بغضب قائله وهى تنهض من على مكتبها :
- "سهى" كفاية لو سمحتى .. "مريم" مبتحبش الاسلوب ده
قالت ذلك وخرجت من المكتب بعصبيه .. رفعت "سهى" حاجبيها بدهشة قائله :
- مالها دى
شردت "مريم" وهى تفكر فى سبب غضب وعصبية "مى" بهذا الشكل

*****************************************

دخلت "سارة" مع "مراد" الى أحد المكاتب .. كان مكتباً صغيراً فى حجرة صغيره .. التفت اليها "مراد" قائلاً :
- مهمتك يا "سارة" هى انك تدخلى كل المعلومات اللى فى الملفات دى على الكمبيوتر
أشار الى كومة من الملفات على المكتب وأكمل قائلاً :
- هبعتلك السكرتيرة تشرحلك بالظبط هتدخلى البيانات على البرنامج ازاى .. وبعدها تشتغلى لوحدك
قالت "سارة" بضيق :
- يعني شغلى هيكون فى الأوضة دى بس يا أبيه
قال بجديه :
- أيوة .. مش هتحتاجى أى حاجه تانيه .. الملفات موجودة والكمبيوتر موجود
قالت "سارة" برجاء :
- طيب يا أبيه مفيش شغله تانيه ممكن أعملها غير دى .. دى حاجه ممله أوى
قال "مراد" بحزم :
- احنا اتفقنا انك هتشتغلى الشغلانه اللى هخترهالك .. يلا اتفضلى على المكتب وهبعتلك السكرتيرة دلوقتى
جلست "سارة" على مكتبها واجمه .. نظرت الى الملفات على مكتبها وهى تقول فى نفسها " أنا اللى جبت ده كله لنفسي"

*******************************************

دخل "مراد" الى مكتبه .. وبعد دقائق حضر "طارق" الذى جلس قبالته على المكتب وهو يقول :
- ايه الأخبار .. المحامى عمل ايه مع "حامد"
قال "مراد" بهدوء وهو يتفحص الملفات أمامه :
- خلاص فضينا الشراكة ودفعنا الشرط الجزائي
قال "طارق" بإرتياح :
- أحسن غار فى داهيه
وضع الملف الذى فى يده أمام "مراد" الذى نظر اليه قائلاً :
- ايه ده ؟
ابتسم "طارق" قائلاً :
- ده شغل الفنانه اللى ماسكلنا الحملة
أخذ "مراد" الملف وتطلع الى التصميمات بإمعان .. ثم قال :
- تمام .. ممتاز
شرد "طارق" قليلاً .. تطلع اليه "مراد" قائلاً :
- هنبدأ امتى
قال "طارق" :
- متقلقش احنا مجهزين كل حاجه وعلى أول الاسبوع ان شاء الله كل الناس هتعرف اسم الماركة بتاعتنا
أومأ "مراد" برأسه وترك ملف التصميمات وعاد الى تفحص الملف الذى أمامه .. نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مراد" عايز أسألك على حاجه
قال "مراد" دون أن يرفع نظره اليه :
- اسأل
بدل على "طارق" التردد قليلاً لكنه قال :
- ازاى تلفت نظر واحدة ليك .. اذا كانت قفله كل الأبواب فى وشك
تطلع "مراد" الى "طارق" فى صمت .. ثم ابتسم قائلاً :
- هى مطلعه عينك أوى كده
ابتسم "طارق" قائلاً:
- بصراحة أيوة .. يعني حتى الكلام مش عارف أتكلم معاها .. بحسها انها بتقطم فى الكلام .. وكلامها ناشف وجد أوى
صمت "مراد" وأخذ يفكر قليلاً ثم قال :
- طيب خلى بالك ليكون فى حد فى حياتها
قال "طارق" بثقه :
- لأ مفيش .. هى كان مكتوب كتابها وبعدين مات من فترة .. وهى مش مرتبطة دلوقتى
قال "مراد" :
- بص يا "طارق" أنا مبحبش اللف والدوان .. أنا مليش الا فى الكلام المباشر .. يعني أنا لو مكانك هروحلها وأقولها أنا معجب بيكي .. وعايز أتقدملك .. ده لو انت فعلاً معجب بيها وسألت عنها كويس وواثق من أخلاقها وواثق انها انسانه كويسه وتصلح زوجه ليك
فكر "طارق" قليلاً ثم قال :
- يعني رأيك أقولها كده خبط لزق انى عايز أتجوزها على الرغم من انها مش مديانى وش خالص
قال "مراد" وهو يعاود فحص الملفات التى امامه :
- أنا قولتلك لو أنا مكانك كنت هعمل ايه .. انت حر بأه اختار الاسلوب اللى يناسبك .. لكن أنا بحب أجيب من الآخر
أخذ "طارق" يفكر فى كلام "مراد" .. وقد بدأ يميل الى وجهة نظره.

*****************************************

عاد "مراد" الى بيته وبصحبته "سارة" التى أشارت لها "نرمين" للذهاب الى غرفتها .. نظرت اليها "نرمين" وقالت بمرح :
- ها قوليلى عملتى ايه .. شوفتى "طارق"
ألقت "سارة" حقيبتها على السرير وقالت بحنق :
- لأ مشفتش حد .. مشفتش أى حد .. لا "طارق" ولا غير "طارق"
قالت "نرمين" بدهشة :
- ازاى يعنى
صاحت "سارة" بغضب :
- أخوكى دفنى فى مكتب فى آخر دور فى الشركة .. وأعدت طول النهارد أدخل أرقام على البرنامج بتاع الشركة لما خلاص جالى حول
ضحكت "نرمين" بسخرية قائله :
- كان لازم أتوقع كده .. أنا برده استغربت لما "مراد" وافق .. قولت يمكن تعبان ولا حاجه .. لكن كده اتأكدت انه سليم
جلست "سارة" على فراشها قائله :
- يعني لا شوفت "طارق" .. ولا شكلى هشوفه .. وبالمنظر ده شكلى هتعمى قريب ومش هشوف حد أصلاً
ضحكت "نرمين" وربتت على كتفها قائله :
- لينا الجنة يا بنتى لينا الجنة .. أنا راحه أوضتى
دخلت "نرمين" غرفتها .. لتجد هاتفها يرن .. ردت قائله :
- السلام عليكم
أتاها صوت رجل عبر الهاتف :
- ألو .. الآنسه "نرمين"
قالت "نرمين" بإستغراب :
- أيوة أنا .. مين حضرتك
قال الرجل بصوت رخيم :
- أنا واحد عارفك بس انتى متعرفيهوش
قالت "نرمين" بحده :
- انت بتستهبل
قال الرجل :
- لأ مش بستهبل تحبي أثبتلك
قالت بحده :
- أنا هقفل السكة .. متتصلش هنا تانى
قال الرجل بسرعة قبل أن تغلق الخط :
- اسمك "نرمين خيري" وأخوكى الكبير "مراد" و عندك أخت أكبر منك اسمها "سارة" ووالدك متوفى .. وانتى فى آخر سنة فى الجامعة .. وعندك 22 سنة
قالت "نرمين" بإستغراب شديد :
- انت عرفت المعلومات دى كلها ازاى .. انت مين بالظبط ؟
قال الصوت هامساً :
- أنا معجب
قالت بسخريه :
- نعم .. معجب !
قال بنفس الصوت الهامس :
- أنا مش معجب بس أنا عاشق ولهان
قالت "نرمين" بحده :
- لو ماقولتش انت مين هقفل السكة
قال الرجل :
- بكرة تعرفى انى مش بعاكس يا "نرمين" .. وانى فعلا معجب بيكي .. وحابب أتعرف عليكي
قالت بحده :
- أنا مبتعرفش على حد
- أنا مش أى حد يا "نرمين أنا الراجل اللى هيبقى جوزك .. يعني تتكلمى معايا بإسلوب أحسن من كده
أغلقت الخط فى وجهه وهى تشعر بالدهشة من جرأة ذلك الرجل الذى يعرف عنها كل شئ .. جلست شاردة تحاول أن تخمن من يكون هذا الرجــل !

*************************************

تقابلت "صباح" مع "جمال" فى مكانهما المعتاد خلف أحد الأبنية التى لم يتم الانتهاء من بنائها .. قال "جمال" وهو يمعن التفكير :
- يعني هيا هتيجي كمان كام يوم .. وهتعيش حداكوا على طول
قالت "ًصباح" :
- بوى جال انها هتعد شهر وبعدين تشوف هتعد حدانا ولا هترجع مصر
نظر اليها "جمال" قائلا :
- شكلها اييه .. حلوة ؟
صاحت "صباح" بغضب :
- مالك انت حلوة ولا مش حلوة .. ان شاء الله تطلع قرد مسلسل انت مالك
قال "جمال" ضاحكاً :
- انت بتغيري ولا اييه
قالت "صباح" بحده :
- "جمال" آنى روحى فى مناخيري كفاية عليا المحروسة اللى عمالين يستعدوا لاستجبالها ولا كأن الوزير هيزورنا
قال "جمال" ساخراً :
- طبعاً مش بنت "خيري"
ثم أكمل بغل :
- "خيري" اللى ضيع مستجبل عمى واتشرد بسببه
قالت "صباح :
- تانى يا "جمال" ليه بتفتح الموضوع ده تانى عاد
قال "جمال" ببرود :
- خلاص جفلنا عليه
اقتربت منه "صباح" قائله :
- "جمال" آنى بدى نتلم فى بيت واحد بجه
قال لها "جمال" بنفاذ صبر :
- يووووه انتى يا معندكيش حكى الا حكى الجواز ده
صاحت "صباح" بغضب :
- اييوه آنى كنت حسه من الأول انك بتلعب بيا يا "جمال" .. كنت عايزنى أجيبلك أخبار الخلج حدانا مش اكده .. ومبدكش تتجوزنى واصل .. آنى اللى غلطانه أصلا وأستاهل ضرب التييييييت انى سمحت لواحد من عيلة "الهوارى" انه يجرب منى وهو مكنش يحلم يشوفنى حتى فى منامه
صاح "جمال" بتهكم :
- ليه فاكره نفسك مين عاد يا "صباح" .. متفوجى لنفسك وشوفى انتى من عيلة مين وآنى من عيلة مين .. انتى فاكره انى ممكن أتجوز واحدة من عيلتكوا .. ده انتوا أساساً عيلة تييييييييييييييت ومستحيل أتجوز منيكوا
دفعته "صباح" بيدها بغضب وقالت :
- والله العظيم لنتجم منيك يا جمال بكرة تشوف صباح هتعمل فيك اييه
دفعها "جمال" بيده قائلا :
- ابجى وريني هتعملى اييه .. هتروحى تجولى لأبوكى "جمال" كان بيسرح بيا يابوى .. عشان خوكى "عثمان" يفرغ طبنجته فى راسك ونرتاح منيكي
قال ذلك وانصرف .. وتركها تتلوى من الغضب والحقد والرغبة فى الإنتقام لكرامتها المهانه .


*****************************************
خرج "مراد" من شركته وطلب من السائق ايصال "سارة" الى الفيلا .. ثم التفت اليها قائلاً :
- مش هروح دلوقتى هتمشى شوية
- طيب والعربية يا أبيه
- مش مشكلة هاخد تاكسي
سار "مراد" فى شوارع القاهرة وتحت سمائها .. جلس على أحد الكافيهات المطلة على النيل .. وأخذ يتطلع اليه متئملاً ما حوله .. أخرج من جيبه دفتر صغير وقلم أنيق .. ظل يسطر بضع كلمات .. سرقه الوقت .. واندمج فى الكتابه .. كان متنفسه الذى يعشقه .. هو الكتابه .. كلما شعر بالرغبة فى البوح بمكنونات نفسه أخرج دفتره وقلمه ودون ما يشعر به من مشاعر وأحاسيس خفيه .. لا يعلمها الا هو وربه .. دفتر وراء دفتر .. حتى تجمع لديه أعداد كبيرة منها .. يحتفظ بها فى خزينة مكتبه .. كان يبدأ فى الكتابة بحال وينتهى بحال آخر .. كانت دائماً تريحه وتزيل حمل كتفيه الثقيل .. كان يشعر بنفسه أخف وبقليه أرق .. أطلق تنهيده عميقه .. وأخذ ينعش رئتيه بالهواء المنعش الذى يهب فى تلك الليلة الساحرة .. سمع صوت ضحكات طفل صغير .. التفت فوجد على بعد خطوات زوجين بصحبة ابنهما الصغير .. كان الصغير يضحك بمرح لمداعبة والده له .. نظر اليهم "مراد" مبتسماً .. كان كلما زاد الرجل من مداعباته زاد الصغير من ضحكاته واتسعت ابتسامة "مراد" أكثر .. بعد فترة أخذ الصغير يتلهى بالطعام أمامه وانشغل به .. فاقترب رأسى الزوجان من بعضهما البعض .. هو هامساً وهى مستمعه مبتسمه .. أشاح "مراد" بوجه عنهما وقد شعر بغصه فى حلقه .. ووغزة فى قلبه .. وقال في نفسه "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" خشية أن يحسدهما دون أن يقصد .

فى الصباح صلت "مريم" صلاة الإستخاره للمرة التى لا تتذكر عددها .. وارتدت ملابسها واستعدت لإستقبال عمها "عثمان" الذى حضر بسيارته الفارهه وحمل حقائبها الى السيارة .. جلست بجواره فى المعقد الأمامى وهى تبتسم بسعادة فها هى مقبلة على موطن والدها وبيته وعائلته .. شعرت بأن السعادة قد آن أوانها .. تُرى هل كان شعورها صحيحاً أم خاطئاً ؟!

Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق