روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الثالث عشر من رواية قطة فى عرين الأسد


بعد ساعة .. حضر المأذون بصحبة "مراد" وفى مشهد غريب عجيب فى أحد زوايا المستشفى .. بدأت مراسم الزواج وأخذ المأذون يلقن كلماته لـ "عبد الرحمن" و "مراد" .. والتى انتهت بـ "مراد" وهو يقول بحنق وضيق شديد :
- قبلتُ زواجهــا
تنهدت "بهيرة" فى راحة وتوجهت الى غرفة "مريم" .. واقتربت من فراشها قائله بحنان :
- خلاص يا بنيتي كتبوا الكتاب
شعرت "مريم" بالألم فى قلبها وروحها ورغماً عنها تساقطت العبرات على وجنتيها وهى تحاول أن تكتم شهقات بكائها .. قالت جدتها لـ "بهيرة" فى حده :
- خلاص عيملتوا اللى رايدينه .. حججتوا حلمكوا بجواز ابنكوا من بنتنا


نظرت اليها "بهيرة" وقالت :
- فى حاجات كتير ما بتعرفيها .. وآنى مستحيل أضر "مريم" واصل
ثم التفتت الى "مريم" قائله :
- شدى حيلك يا بنيتي عشان تسافرى على مصر فى أجرب وجت .. لازمن تبعدى عن المشاكل اللى اهنه .. ومتجلجيش واصل "مراد" ولد خوى راجل وهيعرف يحافظ عليكي لحد ما أجيلك
ثم اقتربت من أذنها هامسه :
- بس لحد ما أجيلك متجبيش سيرة لحدا عن موضوع "ماجد" .. احنا مش ناجصين مشاكل دلوجيت .. ماشى يا ابنيتي
أومأت "مريم" برأسها فى صمت وهي تشعر بالإرهاق والوهن .. قالت "بهيرة"
- هسيبك دلوجتى ترتاحى
خرجت "بهيرة" من الغرفة واقتربت من "مراد" الذى كان واقفاً وعلامات الغضب والضيق على وجهه وقالت :
- اسمعنى امنيح .. أول ما تجدر تجوم وتجف على رجلها تاخدها طوالى على مصر .. وآنى هبجى أحصلكوا بس لما أطمن على الحال اهنه
أومأ "مراد" برأسه بصمت فأكملت قائله :
- مش لازمن أمك وأخواتك يعرفوا باللى حوصل
قال "مراد" بسخريه وتهكم :
- أمال أقولهم ايه .. حب من أول نظرة .. ومقدرتش أستنى لما أرجع القاهرة فكتبت عليها فى الصعيد من غير ما أعرف حد منكم ! .. لا وكمان مش قادر أتحمل فراقها فعجلت بالدخله وجبتها فى ايدي على القاهرة
قالت "بهيرة" بحده :
- جول اللى تجوله .. المهم مش عايزه أمك تعرف ان جوازتك فيها مشاكل .. مش عايزاها تسود عيشة البنيه .. لحد ما أجيلكم ونشوف حل للمشكلة دى
ثم أكملت بحزم :
- خلى بالك منيها امنيح حطها جوه عينك .. البنيه غليانه وملهاش حدا .. دى أمانه فى رجبتك حافظ عليها لحد ما أرجعلك
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- ربنا يسهل .. ولو انى مش طايق حتى أشوفها أدامى .. مش عارف ازاى هتحمل انى أدخلها بيتي وأأعدها مع ماما وأخواتى البنات
قالت "بهيرة" :
- متظلمهاش يا ولدى .. متظلمهاش
أقبل الطبيب مطمئناً الجميع على وضع "عثمان" قائلاً :
- الحمد لله جميع الأعضاء سليمه والمطوة اتضربت فى مكان خالى من الأعضاء .. هو بس نزف كتير ومحتاجين نقل دم لان فصيلته مش متوفره حدانا
قال "سباعى" بإهتمام :
- فصيلته ايه يا دكتور ؟
قال الطبيب :
- B نيجاتيف
قال "مراد" بسرعة :
- نفس فصيلتي
التفت اليه الطبيب قائلاً :
- طيب اتفضل معانا عشان ناخد منك عينه الأول نحللها
ربت "عبد الرحمن" على كتف "مراد" قائلاً :
- ربنا يبارك فيك يا ولدى

*******************************************

فى صباح اليوم التالى دخل "عبد الرحمن" غرفة حفيدته بالمستشفى للإطمئنان على صحتها .. وجدها جالسه فى فراشها ساكنه صامته تراقب السماء من شباك الغرفة .. اقترب منها قائلاً :
- كيفك دلوجيت
قالت بصوت مبحوح وكأنها انتهت للتو من البكاء :
- الحمد لله
جلس "عبد الرحمن" بجوارها على الفراش وأخرج من جيبة ورقة وفتحها أمام عينيها وأشار بإصبعه على موضع بها وقال :
- دى شهادة وفاة زوجك الأول .. مكتوب اهنه اسمه .. "ماجد خيري الهواري" .. انتى كنتى بتعرفى انه من عيلة "الهوارى" اللى بينا وبينها مشاكل ؟
هزت "مريم" رأسها نفياً وقالت :
- لأ مكنتش أعرف .. معرفتش غير لما جيت هنا
طوى "عبد الرحمن" الورقة وقال بحزم :
- اوعى تجيبي سيره لحدا واصل انك كنتى مرت "ماجد" .. وخصوصى "مراد" اوعى تجبيله سيره واصل .. لانى معرفش أبوه جاله ايه وفهمه ايه .. ومش عايزه يأذيكي يا بنيتي
قالت "مريم" بإستغراب :
- مش فاهمه .. ليه يأذيني لما يعرف انى مرات "ماجد" .. وليه الأسرار دى كلها .. وليه محدش بيجيب سيرة "ماجد" هنا كأنه مكنش موجود .. ليه كل ده
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- فى حاجات كتيره مبتعرفيهاش ومادام أبوكى الله يرحمه مجالكيش عليها يبجى الأحسن تفضلى مش عارفاها .. أهم حاجه اوعى تجيبي سيره لزوجك انت كنتى مرت أخوه أو انك بتعرفى مكان أخوه
صمت قليلا ثم قال :
- "بهيرة" بتعرف مش اكده
أومأت "مريم" برأسها قائله :
- أيوة عارفه .. وهى كمان قالتلى مجبش سيرة لحد
تمتم "عبد الرحمن" :
- كنت متأكد انها بتعرف .. وعشان اكده جوزتك لـ "مراد" مش لـ "جمال"
اقترب منها ووضع يده على ذراعها ونظر الى عينيها وقال بصرامة :
- الحاجة الوحيدة اللى بدك تعرفيها وتكون متأكده منيها ان أبوكى كان راجل زين ولا كل الرجال وكان يعرف ربنا .. مهما سمعتى غير اكده اوعى تصدجى أى كلمه تتجال على أبوكى
صمت "عبد الرحمن" قليلاً ثم قال :
- وينها "زهرة" أم "ماجد" .. لساتها عايشه ؟
قالت "مريم" بأسى :
- أيوة عايشة .. فى دار مسنين .. حالتها الصحية صعبة جدا .. مبتتكلمش ومبتتحركش .. صدمة موت "ماجد" الله يرحمه كانت شديده عليها أوى .. خاصة بعد وفاة بابا وماما واختى .. مقدرتش تتحمل كل ده وراحت فى دنيا تانيه
قال "عبد الرحمن" بأسى :
- اتعذبت كتير جوى .. واتظلمت كتير جوى .. ربنا يشفيها ويبرد نارها
ثم قال شارداً :
- يا ترى يا "بهيرة" ناويه على اييه .. هتكشفى المستور ولا هتسيبى كل حاجه لحالها اكده
نظرت "مريم" اليه بإستغراب .. شعرت بأن هناك أشياء كثيرة تخفى عليها .. صممت بينها وبين نفسها أن تكشف كل تلك الأسرار .. لكن دون أن تفضح أمرها كما أمرها "عبد الرحمن" و "بهيرة" .. أخذت تتساءل ... لماذا يحذرها الجميع من اخبار "مراد" بأنها كانت تعرف أخيه .. تُرى هل يعرف أصلاً أن لديه أخ .. واذا كان يعرف فلماذا لم يتلقى مع "ماجد" أبداً .. "ماجد" نفسه لم يخبرها أبداً بأن له أخ .. تُرى هل كان "ماجد" يعرف وأخفى ذلك عليها .. أم هو مثلها لم يكن يعرف بوجود هذا الأخ !!

***********************************************

- ماشى موافقة
نطقت "نرمين" بهذه العبارة وهى تشعر بشئ من التوتر الممزوج بالفرحه .. قال الصوت الرجولى بلهفه وسعاده :
- حبيبتى أنا مش قادر أوصفلك فرحتيني أد ايه .. أخيراً هشوفك .. ياااه انتى كنتى وحشانى أوى يا "نرمين"
ابتسمت بخجل وقالت :
- بس مش عايزة أتأخر .. نص ساعة بس
قال بسرعة :
- أمرك يا حبيبتى متقلقيش هنتكلم مع بعض ونحط النقط على الحروف بس .. مش عايز أكتر من كده
ثم قال بلهفه :
- تحبيى نتقابل امتى وفين ؟
قالت "نرمين" بحيرة :
- مش عارفه .. بس ياريت يكون مكان عام وفيه ناس كتير
ضحك الرجل وقال :
- انتى خايفه منى ولا ايه
قالت بتوتر :
- لأ بس مش هينفع أقابلك الا فى مكان عام
- طيب يا حبيبتى مفيش مشكلة هختار كافيه كويس ومليان ناس على آخره عشان تبقى مطمنه .. اتفقنا
ابتسمت قائله :
- اتفقنا
قال بلهفه :
- امتى ؟
فكرت قليلاً ثم قالت :
- يفضل النهاردة .. لان "مراد" احتمال يرجع فى أى وقت .. ولو رجع مش هعرف أخرج بسهوله
- خلاص اتفقنا النهاردة فى أى ساعة تحدديها .. وهفضى نفسي عشانك .. هنتظر منك تليفون تعرفيني المعاد اللى يناسبك
قالت بخجل :
- خلاص اتفقنا هشوف ظروفى هنا وهعرف أخرج امتى وأكلمك
- منتظر مكالمتك على أحر من الجمر يا حبيبتى .. هتوحشيني لحد ما اشوفك .. خلى بالك من نفسك .. لا اله الا الله
تمتمت مبتسمه :
- محمد رسول الله
أنهت المكالمة وهى تشعر بسعادة بالغه وبقلبها يقفز فرحاً .. فتحت دولاب ملابسها لتختار ما سترتديه فى تلك المقابله .. أخرجت معظم دولابها على السرير ووقفت أمام المرآه تحاول اختيار ما تراه جميل عليها .. نظرت الى ملابسها بحنق .. فقد كانت محتشمة للغاية .. ودت لو كان لديها شيئاً ضيقاً أكثر ليبرز جمال جسدها الأنثوى .. زفرت فى ضيق وهى تجرب ملابسها لتختار من بينهم .

**********************************************

خرج "جمال" من غرفة العمليات للمرة الثانيه .. طمأنهم الطبيب على حالته .. وعلى نجاح العمليه .. وأذن بالخروج لـ "مريم" .. خرجت "مريم" بصحبة جدها وجدتها وتوجهت فى بيتهما .. استقبلتهم "صباح" قائله :
- كيف "عثمان" دلوجيت يابوى
- الحمد لله يا بنيتى امنيح .. آنى جيت أوصل "مريم" وأمك يرتاحوا ورايح تانى دلوجيت على المستشفى
قالت "صباح" بلهفه :
- طيب خدنى معاك يا بوى

فى المستشفى وفى غرفة "جمال" .. التف حوله "سباعى" و زوجته و "مراد" و "بهيرة" .. قالت أمه وهى تجلس بجواره باكيه :
- عين وصبتك يا ولدى عين وصبتك
قال "سباعى" :
- الحمد لله انها جت على أد اكده
قال "جمال" :
- مسكوا اللى طخنى ؟
تنهدت أمه فى حسره قائله :
- لا يا ولدى لسه الشرطة بتحجج
قال "جمال" بتهكم :
- هو الموضوع محتاج تحجيج .. أكيد اللى طخنى واحد من عيلة "السمري" ومش بعيد يكون "عثمان"
صاحت "بهيرة" بحده :
- وايه دليلك على اكده .. ولا رمى الناس بالباطل بجه سهل أوى اكده
ابتسم "جمال" بخبث قائلاً :
- يعملوا اللى يعملوه المهم انى هتجوز بنتهم
نظر الجميع الى بعضهم البعض ثم نظروا الى "مراد" الذى كان واقفاً دون أن يظهر أى شئ على وجهه .. فقالت أمه :
- يا ولدى خلاص .. الموضوع ده اتحل
قال "جمال" بدهشة :
- موضوع ايه اللى اتحل
قال "سباعى" :
- خلاص يا ولدى بنت علية "السمري" اتكتب كتابها
صاح "جمال" بحده :
- اتكتب كتابها على مين ؟
قال "سباعى" وهو يشير الى "مراد" :
- على ولد عمك
نظر "جمال" الى "مراد" بغضب :
- ليه تعمل اكده يا ولد عمى .. ليه تعمل اكده .. انت عارف انى كنت هتجوزها
قال "مراد" بحنق شديد :
- والله ان كان عليا أنا مش طايق أسمع اسمها اصلاً ولا عايز اتجوزها .. ولو الموضوع اتحل دلوقتى أنا مستعد أطلقها وأخلص من المصيبة اللى ربنا ابتلانى بيها دى
اقتربت "بهيرة" من فراش "جمال" وأمرت الجميع بالخروج للتحدث هى و "جمال" بمفردهما .. خرج الجميع فنظرت الى "جمال" وقالت بصرامة :
- آنى بعرف امنيح انت ليه عيملت اكده يا ولد خوى
صمت "جمال" ولم يرد فأكملت قائله وهى تمعن النظر اليه :
- انت كان بدك تنتجم من "خيري" نفسه .. ولما عرفت انه مات بجيت زى المجنون مستنى أى معلومة عن ولاده .. وأنى متأكده ان فى حدا من عيلة "السمري" بينجلك المعلومات دى .. كنت بتعرف ان "عبد الرحمن" بيدور على ولاد ابنه .. وكنت مستني يظهرله ولد عشان تفتن عنه لعيلة "المنفلوطى" .. لكن اتحسرت لما عرفت ان عنده بنت واحده .. ففكرت بطريجه تانيه للانتجام .. طريجه ترد بيها اللى حوصل زمان .. فوجعت البنية فى روطة وخليت علية "السمري" هما اللى يترجوك تتجوزها .. وانت ما بدك الا الانتجام من "خيري" فيها .. مش اكده يا ولد خوى
ظل "جمال" محتفظاً بصمته فنظرت اليه "بهيرة" بإحتقار قائله :
- مكنتش أعرف ان جواك حقد وغل اكده .. انت جواك سواد كبير يا "جمال" .. والسواد اللى فى جلبك ده عامى بصرك وبصيرتك وهيضيعك لو مافوجتش لنفسك يا ولدى .. النار مبتحرجش غير صاحبها .. فوج لنفسك واتعظ من اللى حصلك .. ده ذنب البنيه المسكينه اللى افتريت عليها وطعنت فى شرفها .. لو ضميرك مفاجش وصحى .. يبجى متلومش الا نفسك لان انتجام ربنا كبير .. ودعوة المظلوم مستجابه .. خاف من مكر الله يا ولدى خاف .. انت لساتك محتاج علاج كتير عشان تجدر تجف على رجلك من جديد .. ويا عالم هتجف ولا لا .. انت محتاج لربنا جمبك .. كيف هتدعى ربنا انه يشفيك وانت ظالم اكده .. كيف بدك ربك يستجيبلك وينجيك من اللى انت فيه وانت ظالم حرمه بتدعى عليك ليل ونهار .. بكررهالك تانى يا ولدى .. دعوة المظلوم مستجابه ومفيش بينها وبين الله حجاب .. هاى البنت ضعيفة ولحالها لكن سلاحها هو دعاها .. والسلاح هاد أقوى من ميت طبنجه وبندقيه .. سلاح فتاك يا ولدى خاف منيه
قالت ذلك ثم خرجت وتركت "جمال" خلفها واجماً شارداً .

****************************************

توقفت سياره فارهه على بداية الشارع المؤدى الى شركة الدعاية .. ما هى إلا لحظات حتى أتت "سهى" من بعيد تتهادى فى خطواتها .. فتحت باب السيارة وركبت والتفتت بجانبها وقالت مبتسمه :
- ازيك يا "سامر"
ابتسم لها قائلاً :
- ازيك انتى يا "سهى
قالت برقه :
- كويسه الحمد لله
انطلق بسيارته ثم التفت اليها متطلعاً اليها بجرأة قائلاً :
- بس ايه القمر ده .. انتى كل مرة أشوفك فيها بتبقى أحلى من المرة اللى قبلها
ضحكت بدلال قائله :
- دى أقل حاجه عندى
صاح بمرح :
- يا جامد انت
ثم قال :
- تحبي نروح سينما .. بقالى كتير أوى مدخلتهاش
قالت مبتسمه :
- مفيش مشكلة .. نروح سينما
توقفا أمام باب السينما يتفحصان الأفلام المعروضة .. قال "سامر" رومانس ولا أكشن ؟
التفتت اليه قائله بدلع :
- رومانس طبعاً مليش فى جو العنف ده
اقترب منها قائلاً :
- أحبك وانت رومانسي .. أنا كمان طالبه معايا رومانسية النهاردة
قطع "سامر" التذاكر ودخلا الى القاعة وجلسا فى مقعدهما .. بدأ عرض الفيلم .. وتشابكت الأيدي ومال بجسده تجاهها ليلتصق بها دون ممانعة منها .

**************************************

ساعدت جدة "مريم" فى توضيب أغراض "مريم" فى حقيبتها .. كانت "مريم" تشعر بالحزن والاسى لإضطرارها مغادرة بيت جدها .. اقتربت منها جدتها وعانقتها قائله :
- متجلجيش يا بنيتي مش هنتركك لحالك .. هنيجي نزورك .. ولما الحال يهدي اهنه أكيد هتيجي تزورينا
ترقرقت العبرات فى عين "مريم" وقال :
- مكنتش حابه أسيبكوا .. وياريتنى هرجع أعيش لوحدى .. لأ ده انا هعيش مع واحد معرفوش
قالت جدتها بأسى :
- ربنا يريح جلبك يا بنيتي ويسعد أيامك .. معلش ربنا وكيلك
تمتمت "مريم" :
- ونعم بالله
دخل جدها الغرفة واقترب منها مقبلاً رأسها قائلاً :
- لو احتجتى لأى حاجه اتصلى بينا هكون عندك طوالى .. وآنى كل فترة والتانية هتلاجيني حداكى فى مصر
ابتسمت له "مريم" بتأثر وقالت :
- تسلم يا جدو
عانقها "عبد الرحمن" والدموع تترقق فى عيناه وقال :
- على عيني أتحرم منيكي يا بنيتي .. بس ان شاء الله هتلاجيني حداكى دايماً .. واعرفى ان اهنه ليكي عيلة وعزوه .. وهنكون جمبك دايماً .. وبيتنا مفتوح ليكي فى أى وجت
تساقطت العبرات فى عينيها وهى تتعلق بثيابه كما تعلقت بها من قبل .

**************************************

- يعني ايه اتجوزت يا "مراد" ؟!
هتفت "ناهد" بتلك العبارة فى دهشه وهى تستمع الى خبر زواج ابنها منه عبر الهاتف فقال "مراد" بحنق :
- اللى حصل يا ماما
قالت أمه بحده :
- يعني ايه اللى حصل .. وطالما لقيت عروسه وعجبتك ليه ما قولتليش .. وهو فى حد يكتب كتابه فجأة كده ومن غير خطوبه
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- اللى حصل .. المهم دلوقتى احنا راجعين النهاردة ان شاء الله
قالت "ناهد" بدهشة:
- انتوا مين ؟
- أنا وهى
- ازاى يعني ؟ .. وعمتك ؟
- لا هتفضل هنا شوية
قالت "ناهد" وهى تتنهد بضيق :
- هقولك ايه يعني .. صحيح أنا كان نفسي انك تتجوز النهاردة قبل بكرة .. بس كان نفسي أفرح بيك وأحضر كتب كتابك
صمتت قليلاً ثم قالت مستفهمه :
- كتب كتاب بس مش دخله مش كده ؟
قال "مراد" بعصبيه :
- بقولك يا ماما راجعه معايا
صاحت "ناهد" بغضب :
- وكمان دخله .. ده انت بتستهبل بجد يا "مراد" .. ايه ده عمرى مشوفتش جوازه فى كام يوم .. اهلها ازاى رضيوا بكده .. انت فى حاجه مخبيها عليا ؟
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- لأ مفيش حاجه مخبيها .. وبعدين أهلى وأهلها عارفين بعض كويس .. يعني الموضوع بالنسبه لهم مش غريب .. وبجد مش هعرف أتكلم دلوقتى لانى مشغول جداً .. أنا جاى النهاردة بالليل نبقى نتكلم براحتنا
قالت وهى تحاول اخفاء ضيقها :
- ماشى يا "مراد" .. منتظراك انت وعروستك .. مش عارفه أقولك ايه .. مبروك يا ابنى .. طالما انت مرتاح ومبسوط أنا كمان هبقى مرتاحه ومبسوطه
تنهد قائلاً :
- الله يبارك فيكي
أنهى المكالمة وهو يزفر بضيق .. كان يشعر بغضب شديد لهذا المأذق الذى وجد نفسه بداخله .. وهذا الزواج الذى يرفضه عقله تماماً

********************************************

هتفت "سارة" بدهشة :
- انتى بتتكملى جد يا ماما .. "مراد" اتجوز ؟
قالت "ناهد" بحنق :
- أيوة اتجوز .. وجاى هو ومراته النهاردة
صاحت "نرمين" بغضب :
- واحنا ايه بأه ان شاء الله .. لزمتنا ايه .. هو احنا مش أهله برده .. فى واحد يسافر يومين وفجأة يتصل بأهله فى التليفون يقولهم أنا اتجوزت وراجع أنا وعروستى
قالت "ناهد" بحزم :
- بقولك ايه يا "نرمين" أنا مش عايزه مشاكل .. خلاص هو مرتاح كده خلاص .. "مراد" مش صغير وأدرى بمصلحته .. أهم حاجه انه اتجوز أنا كنت هموت وأشوف اليوم ده
قالت "سارة" بإستغراب :
- بس مش غريبة ان "مراد" يغير رأيه بالسرعة دى ويقرر انه يتجوز
قالت "ناهد" :
- لأ مش غريبة .. لأن أصلاً قبل ما يسافر كان وافق انى أدورله على عروسه
قالت "نرمين" بتهكم :
- عايزه تفهمينى انه راح النجع وشاف واحده ماشيه فى الشارع قام مشى وراها وعرف بيتها واتقدملها واتجوزها
قالت "ناهد" بنفاذ صبر :
- لأ .. "مراد" قالى ان العيلتين عارفه بعض .. تلاقى عمته "بهيرة" هى اللى اختارتهاله وشافها وعجبته واتجوزها
هتفت " نرمين":
- ماما انتى مقتنعه باللى انتى بتقوليه ده .. "مراد" شاف واحده وعجبته واتجوزها كل ده فى أقل من اسبوع .. "مراد" أصلاً مبيقتنعش بأى بنت بسهولة .. وبعد جوازته الأولانيه بأه صعب جداً ومش سهل كده يتجوز فجأة
قالت "ناهد" بنفاذ صبر :
- بقولكوا ايه اللى حصل حصل .. حياته وهو حر فيها
قالت "نرمين" شارده :
- تفتكروا هيعيش معانا هنا ولا هياخدلها بيت لوحدها
نظرت اليها "نرمين" و "ناهد" فى حيرة .. فقالت "ناهد" :
- مش عارفه متكلمناش فى النقطة دى
قالت "نرمين" :
- معتقدش ان "مراد" ممكن يسيبنا عايشين لوحدنا من غير راجل وكمان الفيلا كبيرة
قالت "سارة" بحزن :
- افرضى هى أصرت انه يسيبنا
هتفت "سارة" :
- يعني هو هيروح آخر الدنيا يعني .. ممكن يشوفلها مكان قريب من هنا
قامت "ناهد" قائله :
- الكلام ده سابق لأوانه لما يبقى "مراد" ييجى نبقى نفهم منه هو ناوى على ايه
أوقفتها "نرمين" قائله :
- ماما أنا زى ما قولتلك خارجه النهاردة أجيب اللبس
التفتت اليها "ناهد" وقالت :
- يا بنتى استنى "مراد" أحسن
قالت "نرمين" بحنق :
- يا ماما هو أنا صغيرة .. وبعدين أنا هروح كارفور بس .. مش هلف فى حته تانيه
صمتت "ناهد" فترجتها "نرمين" قائله :
- يا ماما عشان خاطرى أبوس ايدك وافقى .. "مراد" راجع النهاردة بالليل يعني مفيش فرصة أخرج فيها الا النهاردة
قالت "ناهد" محذرة :
- مش عايزه تأخير .. ساعتين بالكتير وتكونى هنا
قالت "نرمين" بحماس :
- متقلقيش وقبل ساعتين كمان
- طيب وخدى العربية بالسواق معاكى
قالت "نرمين" بسرعة :
- لأ لأ مفيش داعى .. هاخد تاكسى عشان لو احتجتى العربية .. يلا سلام طالعه ألبس
غادرت "نرمين" مسرعة قبل أن تترك لأمها فرصة للإعتراض.

***************************************
توقفت سيارة الأجرة أمام أحد المطاعم الراقية .. تلفتت "نرمين" يميناً ويساراً .. ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة وهمت بأن تتصل .. سمعت خلفها صوتاً يقول :
- اتأخرتى عليا أوى
التفتت لتفاجأ بـ "حامد" صديق أخيها .. نظرت اليه بدهشة واضطراب فابتسم قائلاً :
- شكلك مصدومة .. ايه مكنتيش متوقعه انه أنا
أخفضت بصرها وقالت بخجل :
- لأ مكنتش متوقعه
همس قائلاً بخبث :
- طيب ايه .. عجبتك ؟ .. مفاجأة حلوة يعني ولا وحشة
شعرت بالإحمرار يغزو وجنتيها ولم تستطع أن تتحدث فقال لها :
- طيب تعالى نتكلم جوه
شعرت بالتوتر الشديد والتفتت يميناً ويساراً خوفاَ من أن يراها أحداً يعرفها .. لمس "حامد" ذراعها بيده ليوجهها داخل المطعم نظرت اليه وجذبت ذراعها بسرعة .. ابتسم قائلاً :
- طيب ادخلى انتى
دخلت "نرمين" وهى تتفحص وجوه رواد المطعم .. اختار "حامد" احدى الطاولات فى احد زوايا المطعم .. كانت تشعر بالتوتر الشديد .. نظر "حامد" اليها وابتسم قائلاً :
- مالك متوتره كده
قالت بصوت مضطرب :
- مفيش .. أصل دى أول مرة أخرج فيه مع واحد
ابتسم ونظر اليها نظرة أشعرها بالخجل وقال :
- أنا مش أى واحد .. خلاص احنا نعتبر مرتبطين .. باقى بس موافقة أخوكى
اقترب النادل فسألها عما تشرب .. ذهب النادل لإحضار ما طلبوا .. فهمس لها "حامد" :
- وحشتيني أوى .. لما وافقتى انك تقابليني مكنتش مصدق نفسي .. تعرفى انى من الصبح من ساعة ما كلمتك وأنا مش عارف أركز فى الشغل
ابتسمت بخجل فقام وجلس على المقعد المجاور لها وقربه منها شعرت بالتوتر فابتسم قائلاً :
- ايه خايفه من ايه احنا فى مكان عام زى ما طلبتى أهو .. والناس حولينا من كل اتجاه .. بس مش حابب أعد بعيد عنك
كانت "نرمين" متوتره للغايه ومشاعرها مضطربة مزيج من السعادة والخوف .. همس اليها :
- ممكن أسمع صوتك .. انتى ما قولتيش حاجه من ساعة ما أعدنا
قالت بصوت خافت :
- أنا مش هتأخر همشى بسرعة .. فقول اللى انت كنت عايز تقولهولى
قرب رأسه منها قائلاً :
- كنت بس عايز أشوف ردك فعلك لما تعرفى أنا مين .. وأتأكد انك موافقة عليا .. عشان محرجش نفسي مع "مراد"
ثم قال :
- ها .. عجبتك ولا لأ ؟
ابتسمت وخفضت بصرها فى خجل .. فابتسم بخبث قائلاً :
- تمام كده السكوت علامة الرضا .. كده خدت موافقتك باقى موافقة أخوكى
رن هاتف "نرمين" فاضطربت ونظرت الى هتفتها وقالت بتوتر :
- دى ماما
قال "حامد" :
- ردى عليها
قالت بتوتر وهى تضع هاتفها فى حقيبتها :
- لأ أنا همشى أحسن
- استنى احنا ملحقناش نعد سوا
نهضت بالفعل وقالت :
- معلش فعلاً مش هينفع أتأخر أكتر من كده
حملت الأكياس التى تحوى الملابس التى اشترتها قبل القدوم الى المطعم .. فغادر "حامد" المطعم معها قائلاً :
- استنى هوقفلك تاكسى .. مع انى نفسي أوصلك بنفسي
قالت بصوت خافت :
- مش هينفع
ابتسم وأمال برأسه اتجاهها قائلاً بخبث :
- بكره كل حاجه هتنفع
أبتعدت عنه .. فأوقف احدى السيارات .. ركبت فى المقعد الخلفى فانحنى على الشباك وابتسم قائلاً :
- طمنينى عليكي لما توصلى
ابتسمت له وأومأت برأسها .. أخرج "حامد" بعض المال ودفع أجرة السائق ولوح لها بيده فنظرت اليها مبتسمه قبل أن تنطلق السيارة .. تابع "حامد" السيارة بعينيه وبمجرد أن رحلت التفت لأحد الرجال الواقفين فى أحد الجوانب أمام المطعم وأخذ منه هاتفه الذى كان ممسكاً به بيده .. أخذ "حامد" يشاهد الصور التى جمعته بـ "نرمين" داخل المطعم وخارجه ثم ابتسم ولمعت عيناه خبثاً وقال :
- قشطة أوى .. تسلم يا باشا نردهالك فى الأفراح
قال له الرجل ضاحكاً :
- انت .. ده انت شيطان .. ربنا يكفينا شرك
نظر اليه "حامد" قائلاً بمرح :
- طيب يلا بينا نشوف أى حته نسهر فيها .. مزاجى حلو أوى النهاردة وعايز أتبسط على الآخر

************************************************
- خلى بالك منيها
قالت "بهيرة" هذه العبارة بنبرة حازمة وهى تودع "مراد" أمام سيارته .. فتنهد قائلاً :
- مع السلامة يا عمتو
عانقها مودعاً .. وسلم على "سباعى" قائلاُ :
- أشوفك بخير يا عمو
قال "سباعى" :
- طريج السلامة يا ولدى .. على مهلك وانت سايج .. الله معك
ركب "مراد" سيارته متوجهاً الى بيت "عبد الرحمن" .. فى بيت "عبد الرحمن" وقفت "مريم" تودع جدها وجدتها و "صباح" بأعين دامعه .. ما هى الا دقائق وأوقف "مراد" سيارته أمام الباب .. خرج اليه "عبد الرحمن" ورحب به قائلاً :
- أهلاً يا ولدى اتفضل اتفضل
سلم عليه "مراد" قائلاً بإقتضاب :
- معلش مضطر أمشى دلوقتى
قال له "عبد الرحمن" :
- طيب يا ابنى ثوانى أنادى لـ "مريم"
وقف "مراد" أمام سيارته فى انتظارها .. دخل "عبد الرحمن" الى البيت وحمل حقيبة "مريم" قائلاً :
- يلا يا بنتى .. جوزك بره
شعرت "مريم" بالإضطراب وبالألم يغزو بطنها وينتشر به من فرط التوتر .. قبلت رأس جدتها ويديها قائله :
- هتطمن عليكي بالتليفون دايماً يا تيته .. وان شاء الله فى أقرب وقت هاجى أزورك
قالت جدتها بأعين دامعة :
- ربنا ينورلك طريجك يا ابنيتي .. ويكفيكي شر ولاد الحرام .. مع السلامة يا غالية
خرجت "مريم" تسير خلف جدها .. التفت "مراد" وأسرع بحمل الحقيبة من يد "عبد الرحمن" .. هم بأن يضعها فى شنطة السيارة عندما وقعت عيناه على "مريم" .. تسمر فى مكانه وهو يمعن النظر اليها .. هربت من عيناه ونظرت الى يديها الممسكة بحقيبة يدها .. تعرف عليها "مراد" بمجرد أن رآها .. نعم انها نفس الفتاة التى قابلها أمام المركز الصحى والتى كانت تنظر اليه بإمعان شديد .. وضع الحقيبة فى السيارة فإلتفتت "مريم" تقبل يد جدها قائله بصوت مضطرب :
- مع السلامة يا جدو
قبل "عبد الرحمن" رأسها وقال :
- مع السلامة يا بنيتي .. خلى بالك من نفسك .. ولو احتجتى أيتها حاجه كلميني رقمى معاكى
دخلت "مريم" السيارة بجوار "مراد" وهى تشعر بتوتر لم تشعر به من قبل .. شعرت وكأنها عاجزة عن التنفس فى فرط توترها وهى جالسة الى جواره .. كانت تأخذ نفسها بصعوبة شديدة .. و .. انطلق "مراد" بسيارته بصحبة "مريم" فى طريقه الى القاهرة.


*********************************************

طرقت "سارة" باب غرفة "نرمين" فأذنت لها بالدخول .. وقفت "سارة" بجوار أختها فى الشباك قائله :
- أعده لوحدك ليه
قالت "نرمين" مبتسمه وهى تلعب بخصلات شعرها :
- عادى يعني
قالت "سارة" :
- "مراد" اتصل .. اتحرك على الطريق هو وعروسته
قالت "نرمين" بحده :
- أنا لسه مش مصدقه ان "مراد" اتجوز .. حاجه غريبه جداً .. مش فاهمه ايه سلق البيض ده .. وازاى هنعيش مع واحدة غريبة منعرفهاش
قالت "سارة" بهدوء :
- طالما عجبت "مراد" يبأه هى أكيد بنت كويسه
قالت "نرمين" :
- بقولك ايه متوجعيش دماغى أنا مبسوطة ومش عايزه حاجه تعكنن عليا
نظرت اليها "سارة" بإمعان قائله :
- وايه اللى باسطك كده .. متفرحيني معاكى
قالت "نرمين" بنفاذ صبر :
- "سارة" روحى شوفيلك حاجه اعمليها بعيد عنى
توجهت "سارة" الى الباب قائله :
- انا غلطانه أصلاً انى عبرتك وجيت أعد معاكى
خرجت "سارة" فإرتسمت ابتسامه على شفتى "نرمين" وهى تتذكر مقابلتها لـ "حامد" اليوم .

*******************************

ساد الصمت بينهما لأكثر من ساعة .. لم يتفوه أحدهما ببنت شفه .. اختلست "مريم" النظر الى "مراد" فخفق قلبها بشدة .. قالت فى نفسها : يا الله ما أشد الشبه بينهما كأننى أرى "ماجد" أمام عيناى .. بدا وكأن "مراد" الذى كان شارداً انتبه فجأة لوجودها بجواره .. التفت وألقى عليها نظره ثم عاد ونظر أمامه مرة أخرى .. تحدث فجأة قائلاً بحزم :
- ماما واخواتى ميعرفوش بتفاصيل الجوازه دى ولا بالمشاكل اللى حصلت فى النجع .. هنفهمهم ان جوازنا طبيعي .. يعني مش عايز حد فيهم يعرف الوضع بينا
قالت "مريم" وقد شعرت ببعض الراحة :
- هو حضرتك عايش مع مامتك واخواتك ؟
نظر اليها شزراً وقال بإقتضاب :
- أيوة
أخذت تفكر تُرى هل أخواته هو فقط أم أخوات "ماجد" أيضاً .. سألته قائله :
- هما أد ايه ؟
رد بإقتضاب :
- بنتين
ابتسمت فى نفسها .. سألته بإهتمام :
- اخوات حضرتك من نفس الأم والأب ؟
نظر اليها بدهشة وقال بحده :
- ايه السؤال الغريب ده
شعرت "مريم" بالحرج الشديد فتمتمت بخفوت :
- أنا آسفه
نظر "مراد" أمامه وبدا وكأنه يجاهد ليتحكم فى أعصابه .. قال بقسوة :
- مش عايزك تختلطى بيهم ولا تتكلمى معاهم كتير طول فترة وجودك معانا .. دول بنات محترمة ومتربين كويس .. ومش عايز حد يأثر عليهم
شعرت "مريم" بمهانة شديدة .. وبوغز الدموع فى عينيها لكنها تمالكت نفسها سريعاً .. فآخر شئ تريده هو البكاء أمام هذا الرجل القاسي .. ألقى "مراد" نظرة عليها ثم قال ببرود :
- جوزك اتوفى من أد ايه ؟
نظرت اليه بدهشة قائله :
- عرفت منين ؟
قال بسخرية :
- أكيد عرفت فى كتب الكتاب لما جدك ادى قسيمة جوازك وشهادة الوفاة للمأذون
صمت قليلا ثم أعاد سؤاله ببرود :
- مات من أد ايه ؟
شعرت بالحنق لأنه يتدخل فى خصوصياتها .. فقالت بضيق :
- من سنة
ضحك بسخرية قائلاً :
- سنة .. ولحقتى تنسيه وتدورى على غيره
شعرت "مريم" بالمهانة مرة أخرى فإسلوبه لم يكن محتملاً بالنسبة لها .. صكت على أسنانها وكظمت غيظها .. فأكمل "مراد" متهكماً :
- وملقتيش غير الصعيد .. أديكي اتدبستى فى جوازه
لم تتفوه "مريم" بكلمه نظر اليها فوجدها ساكنه هادئه لا تظهر أى من انفعالاتها الداخليه فأغاظه ذلك فأكمل ساخراً بقسوة :
- دلوقتى عرفت ليه كنتى بتبصيلي أوى ومركزة معايا أدام المركز الصحي
خفق قلب "مريم" والتفتت لتنظر اليه .. فتلاقت أعينهما شعرت بأن عيناه كعين الصقر مصوبتان اتجاهها وقال بوقاحه :
- اظاهر ان "جمال" مكنش مكفيكي
فاق ما قاله قدرتها على الإحتمال فصرخت فيه :
- وقف العربية .. بقولك وقف العربية
نظر "مراد" أمامه ببرود دون أن يمتثل لطلبها .. فتحت "مريم" باب السيارة وصرخت قائله :
- لو موقفتش العربية هنزل منها وهى ماشية
صرخ فيها "مراد" بغضب :
- اقفلى الباب ده وبطلى جنان
قالت بإصرار :
- بقولك وقف العربية دلوقتى حالاً يا إما هنزل منها وهى ماشية
ضغط "مراد" على الفرامل بقوة فأصدرت السيارة صوتاً مرعباً .. توقفت السيارة فأسرعت "مريم" بمغادرتها حاملة حقيبة يدها .. مشيت فى الإتجاه العكسي .. فى طريقها الى النجع مرة أخرى .. نظر اليها "مراد" من مرآة السيارة بغضب ثم انطلق بسيارته فى طريقة مرة أخرى .. مشت "مريم" مسرعة وهى تشعر بغضب بالغ .. كان غضبها يعميها على التفكير .. لا تعلم حتى الى أين ستذهب فى هذا الليل الذى قد أسدل أستاره .. وهى وحيده فى هذا الطريق الصحراوى الذى تسمع فيه من بعيد عواء الذئاب .. لكنها لم تعد تبالى بأى شئ لا تبالى أبداً .. سارت عدة أمتار ثم فجأة وجدت سيارة قادمة من الخلف وتقطع عليها الطريق لتتوقف أمامها .. التفتت لترتطم نظراتها بنظرات "مراد" الغاضبة .. ران الصمت عليهما لفترة .. ثم قال "مراد" بلهجة آمرة دون أن ينظر اليها :
- اركبي
ظلت واقفه أمامه وهى فى حيرة من أمرها .. فأعاد ما قال بصوت أكثر قسوة :
- قولتلك اركبي
تنهدت "مريم" بعمق .. ثم لفت حول السيارة وأعادت الجلوس فى معقدها .. أدار "مراد" سيارته وعاد فى اتجاه القاهرة مرة أخرى .. صمت كلاهما .. كانت "مريم" تتنفس بسرعة وقلبها يخفق بإضطراب .. قال "مراد" بصرامة دون أن ينظر اليها :
- اياكى تكرريها تانى
لم تجيبه .. ولم ينتظر رداً .. وأكملا طريقهما فى صمت .. صمت لم يقطعه كلمة من أى منهما .. ولا حتى نظرة .
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق