روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل السابع عشر من رواية قطة فى عرين الأسد


استيقظت "مريم" فجراً وتوضأت وارتدت اسدالها .. نظرت الى "مراد" النائم فى حيرة .. أتوقظه أم لا .. اقتربت منه .. يا الله ما أشد الشبه بينه وبين "ماجد" .. لم تكن لتجرؤ على النظر اليه وهو مستيقظ خشية أن يسئ تفسير نظراتها كما فعل من قبل .. لكنها الآن تتفرس فى ملامحه التى طالما أحبتها وعشقتها .. كان لديها عشرات الصور لـ "ماجد" لكن الصورة التى أمامها الآن حية تتنفس وتتحرك .. أخذت تتطلع الى ملامحه وهى تستعيد ذكرياتها مع "ماجد" .. وقفت دقائق عدة الى أن انفتحت تلك العينان لتنظران اليها فى ظلام الغرفة .. فزعت وانتفض جسدها ورجعت خطوة للخلف .. جلس "مراد" على فراشه وهو مازال ينظر اليها .. كانت تشعر بإضطراب وتوتر بالغ قالت بصوت مضطرب للغاية :
- الفجر .. وانت كنت نايم

كانت تتلعثم بشدة .. هربت من أمام ناظريه وخرجت من الغرفة وهى مغتاظه من نفسها بشدة .. صلت فى حجرة المعيشة وأيقظت البنات وأسرعت بالعودة الى الغرفة والتظاهر بالنوم قبل أن يعود "مراد" من المسجد

*********************************************
جلس "سامر" فى حجرة الإجتماعات فى انتظار حضور "مراد" و "طارق" .. دخل "طارق" واقترب من "سامر" قائلاً :
- ألف مبروك يا "سامر" وآسف جداً انى معرفتش آجى امبارح
جلس "طارق" قبالته فابتسم "سامر" قائلاً :
- ولا يهمك يا "طارق" .. "مراد" قالى امبارح
فتح "طارق" أحد الملفات التى أمامه وقال :
- ها ايه الأخبار بعت كام لوحة
ضحك "سامر" قائلاً:
- معظم اللوحات اللى كانت معروضة امبارح اتباعت
ضحك "طارق" قائلاً :
- كويس انى مجتش كان زمانك فلستنى .. أصلاً رسمك كتير بيعجبنى لو كنت جيت كنت خدتهم كلهم
قال "سامر" بخبث :
- سيبك انت من اللوح .. هو ايه اللى بيحصل بالظبط .. المزة بتاعتك لقيتها جايه امبارح مع "مراد"
قال "طارق" بإستغراب :
- مزة مين
ابتسم "سامر" وهو يغمز بعينه قائلاً :
- الديزاينر بتاعتنا اللى كل شوية تتحجج وتروح الشركة تشوفها
أغلق "طارق" الملف بعنف وهتف بـ "سامر" :
- انت قولت لـ "مراد" ايه ؟
قال "سامر" :
- ما قولتلوش حاجه عنك قولتله بس انى كنت رايح أظبطها وبعدين معجبتنيش
شعر "طارق" الضيق وهتف به :
- مكنش لازم تنطق أصلاً .. ممكن دلوقتى ياخد عنها فكرة غلط
قال "سامر" وهو يضيق عيناه :
- هى ايه الحكاية بالظبط
قال "طارق" بضيق :
- الحكاية ان "مراد" اتجوزها
هتف "سامر" بدهشة :
- ايه .. اتجوزها .. أنا كنت فاكرها صحبته
نظر اليه "طارق" بغيظ قائلاً :
- ليه من امتى كان "مراد" بيصاحب يعني .. انت مش عارف طبعه ولا ايه
قال "سامر" :
- ده أنا عكيت الدنيا آخر عك .. عشان كده حسيته غار لما قولته انى كنت رايح أظبطها
سأله "طارق" بإهتمام :
- غار ازاى يعني
قال "سامر" :
- مرضاش يخليها تتكلم معايا ولا حتى رضى يقف معايا وطول الوقت وهو واقف فى جمب معاها كإنه بيحرسها .. ولما حاولت أوجهلها كلام تانى استأذن وخدها ومشى
كان "طارق" يمعن التفكير فيما سمعه من "سامر"
كان "مراد" فى مكتبه وعلامات الالم على وجهه .. كان يشعر بألم شديد فى ساقه .. طوال الأيام الماضية لم يخلع ساقه الصناعية أبداً وذلك بسبب مشاركة "مريم" اياه غرفته .. لم يكن ليجرؤ على أن يظهر اعاقته أمامها .. كان يتحمل الألم أثناء نومه إلى أن اشتد به وأصبح لا يطاق .. فإضطر الى خلعها فى مكتبه .. وأمر السكرتيرة بإحضار "طارق" و "سامر" الى مكتبه .. بعد قليل حضر الاثنان فقال "مراد" محاولاً تجاهل الألم فى ساقه :
- خلونا نتكلم هنا
جلس الإثنان وقال "سامر" :
- طيب يا جماعة نتكلم الأول فى الماركة الجديدة والمشروع اللى متعطل ده
قال "طارق" موجهاً حديثه لـ "مراد" :
- "مريم" هتبتدى الشغل امتى الوقت مش فى صالحنا
اندهش "مراد" من شعور الضيق الذى راوده وهو يسمع اسم "مريم" من "طارق" بلا ألقاب .. ظهرت علامات الضيق على وجهه وتظاهر بالإطلاع على الملف الذى أمامه وهو يقول بجدية وحزم :
- اسمها "مدام" مريم
نظر اليه "طارق" بتمعن .. وظهر عليه الضيق هو الآخر .. فقال "سامر" :
- طيب هتبتدى الشغل امتى ؟
قال "مراد" وهو ينظر اليه :
- هتفق معاها النهاردة ان شاء الله
قال "سامر" :
- طيب تمام .. يبقى نجتمع معاها فى أقرب وقت ويفضل يكون بكرة عشان تبتدى هى الشغل من بكرة أو بعده بالكتير
نظر اليه "مراد" بحده وقال بحزم :
- مفيش داعى تيجى الإجتماع .. نتفق احنا التلاته على اللى احنا عايزينه وأنا هبلغها
قال "سامر" بتوتر :
- طيب تمام زى ما تحب أنا مكنش قصدى حاجه
تابع "طارق" "مراد" بعينيه والذى كان يبدو عليه العصبية ثم قال بهدوء :
- خلاص يا "مراد" زى ما انت قولت .. وعامة زى ما انت عارف ذوقى وذوقك واحد يعنى اتفق معاها انت على اللى انت شايفه وان شاء الله أنا و "سامر" مفيش اعتراض بالنسبة لنا
أومأ "مراد" برأسه دون أن ينظر اليهما .. وانتهى الإجتماع .. خرج "سامر" أولاً وقبل أن يخرج "طارق" بدا عليه التردد ثم التفت الى "مراد" قائلاً :
- اسمه "ماجد"
رفع "مراد" رأسه بحده ونظر الى "طارق" .. فأكمل "طارق" بهدوء :
- عامة هتلاقى عندك فى قسيمة الجواز كل بياناته لازم المأذون يكون كاتبها
قال ذلك ثم انصرف وترك "مراد" شارداً .. اذن فالإسم الذى كانت تردده "مريم" أثناء مرضها كان اسم زوجها .. تُرى أأحبته لدرجة أن تذكر اسمه فى مرضها وهو الذى توفى منذ أكثر من عام ! .. أيعقل انها مازالت تحبه حتى الآن ؟! .. أخذت الأسئلة تلاحقه دون أن بجد لها أى اجابه ..

************************************************

طرقت "ناهد" باب غرفة "نرمين" فتحت "نرمين" فى وجوم فقالت "ناهد" وهى تنظر اليها بإمعان :
- "نرمين" مالك .. بقالك يومين أعدة فى أوضتك ومش راضية تنزلى تعدى معانا .. فى ايه
قالت "نرمين" محاولة اخفاء ما تشعر به :
- مفيش يا ماما .. مصدعة شوية
اقتربت منها "ناهد" وتفحصت حرارتها وقالت :
- حرارتك عادية .. أمال من ايه الصداع اللى بقاله يومين ده
قالت "نرمين" بنفاذ صبر :
- خلاص يا ماما شوية وهيروح أنا هنام دلوقتى
قالت "ناهد" بحنان :
- طيب يا حبيبتى ولما "مراد" ييجى هخليه ياخدلنا معاد من الدكتورة ونشوف سبب الصداع ده ايه
قالت "نرمين" :
- ماما مفيش داعى أنا كويسة
قالت "ناهد" بإصرار :
- حبيبتى لازم نعرف سبب الصداع ده ايه ده بقاله يومين مش بيروح .. يلا نامى دلوقتى ولما ييجى "مراد" هصحيكى
دخلت "نرمين" وألقت بنفسها على الفراش وتركت لعبراتها العنان وهى تعلم جيداً أنه لا يوجد دواء فى العالم بإستطاعته أن يريحها ويشفى ما ألم بها .

************************************************

- كيفك يا ابنيتي وكيف جوزك
تلقت "مريم" اتصالاً من جدها وجدتها فكانت سعادتها غامرة وقالت :
- الحمد لله بخير يا جدو ازيك وازى تيته .. وعمو أخباره ايه دلوقتى
قال "عبد الرحمن" :
- امنيح يا بنيتي لا تجلجى .. من آخر اتصال بيناتنا وهو عم يتحسن يوم بعد يوم الحمد والشكر ليك يا رب
قالت "مريم" بتأثر :
- وحشتنى أوى يا جدو انت وتيته .. وازى "صباح" عاملة ايه
قال "عبد الرحمن " :
- امنييحه الحمده لله .. وانتى يا بنيتي وحشانا كتير ربنا يطمنا عليكي دايماً
اغرورقت عينا "مريم" بالعبرات بعدما أنهت المكالمة .. لكم اشتاقت اليهما بشدة ..

قال "عبد الرحمن" لزوجته :
- الحمد لله اطمنا عليها
قالت "زوجته: بأسى :
- وحشتنى جوى جوى يا حاج .. ياريت نبجى نروح نزورها جريب .. احنا علينا ليها حج بردك
قال "عبد الرحمن" وهو يتنهد بحسره :
- حج ليها ولأبوها .. ظلمته كتير جوى .. لولا ظلمى ليه كان زمانى عارفها من زمان .. ياريتنى كنت حوطت على "خيري" ولدى زى ما "سباعى" و "بهيرة" حوطوا على "خيري الهواري" .. كان زمانى متحرمتش منه ومن ولاده
قالت زوجته بحزن :
- ياما جولتلك يا حاج .. "خيري" راجل ويعرف ربنا بلاش تجسى عليه .. بس انت مكنتش بتسمع لحدا واصل
قال "عبد الرحمن" بأسى :
- كان الغضب والشك عميني .. والكلام اللى كنت عم بسمعه مكنش جليل .. كان لازمن أعرف انه بجه راجل وادرى بصالحه .. كان لازمن أبجى واثج فيه أكتر من اكده
قالت زوجته :
- خلاص يا حاج اللى فات مات .. ربنا يسامحنا كلياتنا .. كلياتنا أسأنا الظن فيه .. ربنا يجدرنا ونعوض بنته عن اللى عيميلناه فى أبوها الله يرحمه

**********************************************
دخل "سباعى" حجرة "جمال" بالمشفى وهتف قائلاً :
- كيفك دلوجيت يا ولدى
قالت زوجته الجالسه بجوار "جمال" تطعمه بيدها :
- امنييح يا حاج .. الحمد لله
قال "جمال" مبتسماً :
- امنييح يا بوى .. بس الوكل اللى عم توكلنى اياه أماى هو اللى هيجصف عمرى عن جريب
هتفت أمه فى عتاب :
- اكده يا "جمال" ده آنى عملالك الوكل ده بيدي ومرضيتيش حد يمد يده فيه غيري
قال "جمال" :
- تسلم يدك يا أماى
التفت "جمال" الى والده وقال :
- لسه مليجيوش اللى عيمل اكده يا بوى
قال "سباعى" وهو يجلس على أحد المقاعد :
- آنى لسه جاى من الجسم دلوجيت .. وعرفت انهم ليجيو سلاح مرمى فى صندوج الزبالة اللى جمب البيت .. عم يدوروا دلوجيت السلاح ده بتاع مين وبيجولوا هيبعتوه المعمل الجنائي عشان يعرفوا الرصاصة انطخت منيه ولا لا
قال "جمال" بغل :
- آه لو أعرف مين اللى طخنى كنت جتلته بيدي
قال "سباعى" نحذراً :
- سيب الحكومة تتصرف يا ولدى هما أدرى بشغلهم .. ولما يعرفوا اللى طخك هما اللى هيجيبولك حجك منييه محناش عايشين فى غابة عاد
صمت "جمال" وهو يفكر بالتوعد لمن جرؤ وأطلق عليه النار يوم عرسه

************************************************** *

عاد "مراد" فى المساء حاملاً أحد الملفات فتح الباب وتوجه أولاً الى مكتبه .. وضع الملف على المكتب وأخذ فى البحث عن قسيمة الزواج التى وضعها فى أحد أدراج المكتب .. قاطعه فجأة اتصال هاتفى ينبئه بخبر زرفت له عيناه الدموع .. وبكى قلبه ألماً وحسرة ... موت عمته "بهيرة"
شعر "مراد" بالأمل فى قلبه وروحه لقد افتقد حضناً حانياً لا تقل محبته لها عن محبة "ناهد" .. استرجع وقال :
- انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً منها
قال "سباعى" بصوت باكى :
- الله يرحمها كانت ست مشفتش زييها .. الله يغفرلها ويرزقها الجنة
قال "مراد" وهو يحاول أن يفيق من صدمته :
- هجيلكوا حالا يا عمى
قال "سباعى" :
- بلاش تيجي يا ولدى .. عيلة المنفلوطي هيكون عينيهم مصحصحه لانهم هيبجوا عارفين ان أكيد "خيري" أو ولاده هيكونوا فى الدفنه
قال "مراد" بحزم :
- لازم أحضر دفنة عمتى يا عمى .. أنا جاى حالا
أغلق "مراد" الهاتف وهو يشعر بالحزن والأسى .. حملته قدماه بصعوبة الى أن توجه الى غرفة المعيشة حيث اجتمع الجميع وأنبأهم بهذا الخبر .. فتعالت الشهقات بالبكاء المرير .. كانت "مريم" تبكى تلك السيدة الطيبة من أعماق قلبها فلقد أحبتها ليس فقط لكونها أنقذتها من الزواج من "جمال" بل لأنها عمة "ماجد" لمست طيبتها وحنيتها فشعرت وكأنها افتقدت أمها للمرة الثانية .. أصرت "ناهد" على السفر مع "مراد" .. على الباب وقفت "سارة" تودعهما فالتفت "مراد" الى "سارة" الباكية قائلاً :
- مش هنتأخر يا "سارة" ان شاء الله هنرجع بكرة بالليل .. خلى بالك من أختك
صمت قليلا ثم قال :
- ومن "مريم"
أومأت "سارة" برأسها والدموع تنهمر من عينيها ..


دخلت "مريم" غرفة "مراد" وانهارت على الأريكة .. كانت تبكى "بهيرة" وتبكى الوضع الذى أصبحت فيه بمفردها .. فها هى منقذتها من هذا الزواج قد رحلت عن الدنيا .. جلست تسترجع وتدعو لها بالرحمة والمغفرة .. لم تشعر "مريم" بمضى الوقت وهى جالسه على الأريكة تحتضن قدميها الى صدرها .. أمسكت هاتفها الموضوع بجواها ونظرت الى الساعة التى تشير الى الثانية عشر الا خمس دقائق .. ياااه كم هى الآن فى أمس الحاجة لكلمة واحدة من كلمات "ماجد" .. تلك الكلمات التى تبث فيها الأمل وتحثها على الصبر وتطيب جروح روحها .. نظرت بلهفة الى تلك الأرقام وهى تتبدل كل دقيقة الى أن أتت اللحظة المنشودة .. قامت بلهفة وتوجهت الى الحقيبة الصغيرة التى تخفيها بين ملابسها فى الرف المخصص لها بالدولاب .. بحثت عن الخطاب الذى يحمل الرقم التالى .. أخذته بلهفة وجلست على الأريكة تحتضنه بين كفيها وتتعلق به كالغريق الذى يتعلق بقشة فى وسط بحر عميق مظلم .. همت بفتح الخطاب .. لكن يداها توقفت فجأة وتسمرت مكانها عندما وقع نظرها على الدبلة التى نقلتها "ناهد" من يدها اليمنى الى يدها اليسرة .. رفعت نظرها لتنظر الى فراش "مراد" وكأنها تنظر الى "مراد" نفسه .. توقف عقلها عن العمل للحظات ثم عاد ليعمل بسرعة جنونية .. أمن حقها أن تفتح هذا الخطاب ؟ .. هل هذا أمر صحيح ؟ .. أتعد هذه خيانة ؟ .. كيف خيانة وهذا ليس بزواج طبيعى ؟ .. حتى ولو لم يكن زواج طبيعى فهذا زواج أمام الله عز وجل ؟ .. هل لـ "مراد" عليها حقوق الزوج أم لا ؟ .. أليس من حق الزوج أن تحفظه فى نفسها ؟ .. أيصح أن تكون متزوجة من رجل وتقرأ خطابات رجل آخر ؟ .. هل هذه خيانة ؟ .. ظلت الأسئلة تقفز الى عقلها بسرعة لدرجة لم تستطع معها الإجابة على أى منها .. كيف لا تقرأ خطابات "ماجد" ؟ كيف تحرم منها ؟ .. تلك الخطابات هى سلواها الوحيدة فى هذه الدنيا؟ .. كيف تستطيع منع نفسها من فتح هذا الخطاب ومعرفة ما بثها اياه "ماجد" ؟ .. كيف تمنع نفسها من الشئ الوحيد الذى أبقاها محتفظة بعقلها بعدما آلم بها من مصائب ؟ .. كيف تمنع نفسها من الشئ الوحيد الذى يجعلها تتواصل مع "ماجد" كما لو أنه مازال حيا ؟ .. لكن كيف تخون "مراد" أمام الله إن كانت هذه بالفعل تعد خيانة ؟ .. أهذا فعلا محرم ؟ .. أهذه خيانة ؟ .. لا ولم ولن تكون خائنة .. تلك الكلمة القاسية لن تسمح بأن تنحدر لمستواها يوماً .. ظلت تحتضن الخطاب بين كفيها وفى عينيها ألم وحيرة كبيرة .. تقافزت العبرات من عينيها كل عبرة تصارع الأخرى لتسقط قبلها .. ظلت جالسه تحتضن الخطاب وهى لا تدرى ماذا تفعل .. وأخيرا حسمت أمرها ونهضت وأعادت الخطاب مرة أخرى الى الحقيبة بأيدٍ مرتعشة دون أن تقرأه .. أغلقت الدولاب ووقفت أمامه تسند جبينها اليه وقلبها يعتصر ألماً وقهراً وهو يقول : آسفة حبيبى لم يعد يحل لى قراءة خطاباتك الآن لأننى أصبحت زوجة لآخر .

دُفنت "بهيرة" وقد زرفت عليها دموع الرجال والنساء .. كانت "بهيرة" تتمتع بالحكمة ورجاحة العقل والطيبة وكان لها شعبية كبيرة وسط القبيلة .. صلى الجميع صلاة الجنازة وشيعوا جثمانها .. شارك "مراد" فى دفن عمته وقلبه يبكى قبل عيناه .. ظل يدعو لها ويستغفر لها الى أن حثه "سباعى" على مغادرة المقبرة .. توجه الجميع الى بيت "سباعى" كبير عائلة الهواري .. قدم "عبد الرحمن" واجب العزاء وجميع أفراد عائلة السمري الذين أحزنهم فقد تلك المرأة .. تجمعت النساء أيضاً فى بيت "سباعى" وقامت زوجته بواجب الضيافه .. بكت الكثير من النساء لفقدها فكل منهن تتذكر موقفاً طيباً من تلك المرأة فلكم ساعدت المحتاجين ورفقت بحال المظلومين ونصرت المستضعفين فكانت مثالاً للمرأة الصالحة .. فانهالت الدعوات لها بالرحمة والمغفرة

*************************************

أمضت "مريم" ليلها ساهرة وقد جفاها النوم .. خرجت فى الصباح لتجد "نرمين" و "سارة" جالستان فى الحديقة فلحقت بهما .. وجلست بجوارهما .. قالت "نرمين" بصوت باكى :
- مش قادرة أصدق انها ماتت واننا مش هنشوفها تانى
تمتمت "سارة" باكية :
- ربنا يرحمها
قالت "مريم" بتأثر :
- اللهم آمين .. بجد كانت ست طيبة أوى
ثم التفتت الى الفتاتان قائله :
- لازم تعملولها صدقة جارية يا بنات .. هو ده اللى هينفعها دلوقتى
أومأت الفتاتان برأسيهما فى صمت .. قالت "مريم" :
- بتصل بطنط "ناهد" كتير موبايلها مقفول .. هقوم أتصل بجدو وأشوف الأخبار ايه
قالت "سارة" :
- اتصلى بـ "مراد"
نظرت اليها "مريم" وأومأت برأسها بتوتر .. فهى لا تعلم رقم "مراد" وحتى لو علمت فما كانت ستجرؤ على الإتصال به .. اتصلت بجدها وعرفت منه أنهم انتهوا من دفنها .. لحظات واتصل "مراد" بـ "سارة" واخبرها أنهم سيضطرون للمبيت وسيحضرون فى الغد .. واتصل بمكتبه وأخبر سكرتيرته بسفره اليوم وبأن تعمل على الغاء كل مواعيده واجتماعاته لهذا اليوم ..

**************************************

- البقاء لله يا حبيبتى
قال "حامد" ذلك على الهاتف فهتفت "نرمين" بغضب وهى تغلق باب غرفتها جيداً :
- أفندم عايز ايه
قال "حامد" :
- تؤ تؤ اتكلمى معايا بإسلوب أحسن من كدة وإلا انتى عارفه كويس ايه اللى ممكن يحصل
أجهشت "نرمين" فى البكاء وقالت :
- انت عايز منى ايه حرام عليك .. "مراد" لو عرف هيقتلنى ويقتلك
قال "حامد" :
- وعشان ميعرفش هتعملى اللى هقولك عليه دلوقتى خاصة ان "مراد" مسافر يعني هتقدرى تتحركى بحرية
قالت بريبه :
- اعمل ايه
قال "حامد" :
- هتدخلى زى الشاطرة مكتب أخوكى هتلاقى عليه ملف اسمه "دراسات مصنع الملابس" هتجبيلى الملف وهكون مستنيكي فى العربية ادام الفيلا تيجي تسلميني الملف وامسح أدامك الصور ولا من شاف ولا من درى
قالت "نرمين" وهى تعاود البكاء :
- انت عاوزنى اسرق اخويا
- تؤ تؤ عيب عليكي دى مش سرقة
قالت "نرمين" بحده :
- لو لقى الملف مش موجود هيسألنا كلنا
قال "حامد" :
- متقلقيش يا قلبي انا هاخد منه نسخه وأرجعهولك تانى
قالت "نرمين" باكية :
- مش هقدر اعمل كده
قال "حامد" بغضب :
- طيب حلو اوى سلام بأه عشان عايز ابعت رسالة مهمة لاخوكى تجيبه من الصعيد على ملى وشه
هتفت "نرمين" بلهفه :
- لا استنى ارجوك اوعى تبعت حاجه لـ "مراد" ده هيموتنى
قال "حامد" ببرود :
- هستناكى ادام باب الفيلا الساعة خمسة .. خمسة ودقيقة هبعت صورك لاخوكى .. سلام يا حبي
أجهشت "نرمين" فى البكاء وهى لا تدرى ماذا تفعل اتلبي طلبه منها .. أم تخاطر بأه يرى "مراد" تلك الصور التى تم التلاعب بها والتى بالتأكيد ستثير جنونه ؟!

******************************************
فى الخامسة الا ربع فوجئت "نرمين" برسالة من "حامد" يذكرها بموعدهما أمام الفيلا .. وأرفق مع الرسالة احدى الصور التى تم التلاعب بها فأجهشت فى البكاء وهى تقول :
- حسبي الله ونعم الوكيل
كان خوفها من رد فعل اخيها أكبر من حذرها وأكبر من قدرتها على التفكير بوضوح .. فدخلت المكتب وأخذت تبحث عن الملف المطلوب .. لم تستغرق وقتاً فى البحث فقد كان الملف موضوعاً فوق المكتب وهو أول ما وقعت عليها عيناها .. أخذت الملف بأيدٍ مرتجفة .. وغادرت الفيلا دون أن يراها أحد .. مشيت فى اتجاه البوابة وقدماها تصطكان ببعضهما من شدة الخوف .. كانت تعلم بأنها تضيف الى رصيد أخطائها خطأ جديداً لكنها كانت تشعر بأنه ليس فى يديها حيلة فهى لن تخاطر بأن ينفذ "حامد" تهديده ويرسل الصور لـ "مراد" .. خرجت من البوابة لتجده قد اصطف سيارته على بعد أمتار جالساً أمام المقود وينظر اليها مبنتسماً .. شعرت بالكره الشديد له .. وانقلبت كل ذرة اعجاب له فى قلبها الى احتقار .. توجهت الى السيارة وهى تنظر حولها خشية ان يراها أحد ثم فتحت باب السيارة ومدت يدها بالملف .. أمرها قائلاً :
- اركبي لحد يشوفك
قالت له بتوتر :
- لا خد الملف وامسح الصور
أخرج هاتفه وقال :
- اركبي هتخلى الناس تاخد بالها مننا
نظرت حولها وركبت خشية ان يراها أحد فى مثل هذا الوقت .. بمجرد ان دخلت السيارة أحكم اغلاق الأبواب آلياً .. فزعت "نرمين" وحاولت فتح الباب ففشلت نظرت اليه برعب فضحك قائلاً :
- وقعت فى المصيدة يا جميل
أجهشت "نرمين" فى البكاء وهى تحاول فتح الباب قائله :
- افتح الباب .. ارجوك افتح الباب
قال "حامد" وهو يخرج من جيبة قطعة قماش مغمورة بسائل مخدر :
- أخوكى خسرنى صفقة بالملايين كل ده عشان بوست موظفه عنده طيب يشوف بأه اللى هيحصل فى أخته .. أخته الحلوة اللى أنا واثق انها هتخاف تفتح بقها بكلمة واحدة
كانت كلماته مفعمة بالكرة والبغض .. أخذت "نرمين" بالصراخ لكن قبل أن تصل صرخاتها الى أحد أطبق على فمها وأنفها بالمخدر ففقدت وعيها .. أدار السيارة وانطلق بها ...
لم تسير السيارة الا عدة أمتار ليضطر "حامد" الى الضغط على المكابح بعدما ظهرت أمامه "مريم" تمنعه من التحرك بسيارته وتضرب بيدها على السيارة من أمام وتصرخ مستنجدة بالناس .. لم يستطع التحرك الى الأمام فحاول الرجوع الى الخلف لكن صرخات "مريم" قد لفتت انتباه أحد المارة فأقبل على السيارة من الخلف فصرخت به قائله وهى تشعر بالإنهيار التام :
- أرجوك الحقنى .. الراجل ده خاطف اختى
انضم اليهما أحد المارة فلم يستطع "حامد" التحرك بسيارته .. فبحركة سريعة فتح الباب ودفع "نرمين" منه فتحركت "مريم" من مكانها أمام السيارة وأخذت تبعد "نرمين" عن عجلات السيارة فإنطلق "حامد" بأقصى سرعة .. جلست "مريم" بجوار "نرمين" تحمل راسها وهى تبكى :
- "نرمين" .. انتى كويسة .. ردى عليا عمل فيكي ايه
قال الرجل :
- شكلها اغمى عليها
حاولت "مريم" افاقتها ففشلت .. ساعدها الرجل على حملها داخل الفيلا شكرته وصرفته سريعاً .. فزعت "سارة" لرؤية "نرمين" فى هذه الحالة :
- "نرمين" .. ايه اللى حصل يا "مريم" .. أغمى عليها ولا ايه ؟
قالت "مريم" بلهجة آمرة :
- خليكي معاها هقفل البوابة وأرجعلك
خرجت "مريم" مسرعة وتأكدت من غلق البوابة جيداً ثم عادت ادراجها .. قالت لـ "سارة" :
- الدكتور اللى جالى يوم ما تعبت ده قريبكوا مش كدة
قالت "سارة" وهى تبكى :
- أيوة قريبنا ده "أحمد" ابن خالتى
قالت "مريم" لهفة :
- بسرعة اطلبيه خليه ييجى
بعد فترة بدأت "نرمين" فى الإفاقه نظرت الى ما حولها بفزع وأخذت تصرخ وتبكى أخذتها "مريم" فى حضنها قائله :
- متخفيش يا حبيبتى انتى فى البيت
قالت "سارة" بإستغراب :
- هى ملها مفزوعة كدة
قالت "مريم" :
- "سارة" روحى هاتيلها كوباية ماية لو سمحتى
تعلقت "نرمين" بـ "مريم" وكأنها تخشى عودة "حامد" من جديد .. هدأت "مريم" من روعها وقالت :
- الدكتور قريبكوا جاى دلوقتى .. هنقوله ان اغمى عليكي .. ماشى .. متجبيش سيرة عن اللى حصل لحد ما أفهم منك الموضوع
أومات "نرمين" برأسها .. بعد نصف ساعة حضر "أحمد" .. كان شاباً فى الخامسة والعشرين متوسط الطول ابيض البشرة ذو عينين رمادتين .. قالت له "مريم" :
- عايزين بس نطمن عليها لانها تعبت شوية واغمى عليها
نظر "أحمد" الى "نرمين" التى يبدو عليها آثار البكاء فشرحت له "مريم" قائله :
- هى زعلانه على موت عمتها الله يرحمها
أجهشت "نرمين" فى بكاء حار فجلست "مريم" بجوارها وعانقتها .. فقال "أحمد" :
- متقلقيش هى بس تريح نفسها وتاخد الدوا ده وان شاء الله هترتاح كتير
أخذت "مريم" منه الروشته وشكرته .. فقال :
- هو "مراد" لسه فى الصعيد مش كدة
أومأت برأسها فقال :
- لو تحبوا أستنى معاكوا هنا .. لولا ان ماما تعبانه ونايمة فى السرير كنت كلمتها تيجي تعد معاكوا
قالت "مريم" بسرعة :
- لا مفيش داعى وكمان بلاش تقلق طنط .. هى "نرمين" شوية وهتبقى كويسة
أومأ برأسه ونظر الى "نرمين" بقلق ثم قال :
- طيب لو احتجتونى فى أى وقت كلمونى
قالت "مريم" :
- شكراً
أوصلته للبوابة وأغلقتها خلفه جيداً .. وعادت الى "نرمين" .. كانت "سارة" بجوارها جلست "مريم" أمام "نرمين" وهما يتبادلان النظرات .. قالت "مريم" بهدوء :
- احكيلى اللى حصل بالظبط
نظرت اليها "نرمين" قائله بصوت مضطرب :
- انتى شوفتيني ؟
قالت "مريم" :
- كنت واقفة فى البلكونة وشوفتك وانتى خارجة من البوابة ولقيتك بتركبي العربية معاه جريت ساعتها عشان أشوف مين ده اللى خرجتي تركبي معاه ومن غير ما تقولى لحد انك خارجة .. اول ما خرجت من البوابة شوفته وهو بيخدرك فجريت على العربية واعدت اصرخ لحد ما اتنين كانوا مشيين جم وساعتها هو خاف ورماكى من العربية
شهقت "سارة" وهى تقول :
- الكلام ده صح يا "نرمين" ؟
اجهشت "نرمين" فى البكاء وهى تقول :
- انا فى مصيبة .. "مراد" هيقتلنى
جلست "مريم" بجواها وعانقها قائله :
- حبيبتى اهدى واحكيلى كل حاجة عشان نقدر نتصرف
قصت عليهما "نرمين" كل شئ بالتفصيل من اول مكالمات "حامد" وخروجها معه الى ابتزازه لها بالصور .. ثم أضافت باكية :
- والله العظيم اللى فى الصور ده محصلش .. انا معرفش هو ازاى عمل كدة
قالت "مريم" بإهتمام :
- وريني الصور كدة
قالت "نرمين" :
- مسحتها
ثم قالت فجاة :
- لأ استنى آخر صورة اللى بعتهالى النهاردة ممسحتهاش
أخذت "مريم" تنظر الى الصورة جيداً بنظرات خبيرة ثم قالت بحزم :
- على فكرة واضح جداً انها متفبركة ده شغل فوتوشوب وشغل هواه كمان مش بروفيشنال
قالت "نرمين" وقد شعرت بالأمل :
- بجد يعني واضح انها مش حقيقية ؟
قالت "مريم" بثقه :
- ايوة لو دققتى فيها هتعرفى انها مش طبيعية .. وكمان انتى نسيتى ان أنا ديزاينر يعني اقدر بسهولة اميز الفرق بين الصورة الأصلى واللى داخل عليها تعديلات
قالت "نرمين" باسى :
- بس "مراد" لو شافها مستحيل يصدق انها متعدلة
قالت "مريم" بحزم :
- انتى ليه فكرتى بالشكل ده يا "نرمين" .. ليه فكرتى انه هيقتلك وليه فكرتى انه مش هيصدق .. أظن اخوكى عارفك كويس وعارف اخلاقك .. ايوة انتى غلطتى وكان المفروض تعترفى بالغلط ده بدل ما تصلحى الغلط بغلط اكبر .. الراجل ده كان هيفضل يبتزك طول عمرك ومكنش هيقف عند حده أبداً .. عارفه ليه ؟ .. لانه عرف واتأكد انك ضعيفة وجبانة ونقطة ضعفك هى خوفك من أخوكى .. عشان كدة قدر يستغل نقطة ضعفك دى كويس .. أما لو كنتى من البداية لما عرفتى انك غلطتى جيتى لـ "مراد" واعترفتيله بكل حاجة مكنش الراجل ده قدر يبتزك وكان "مراد" قدر يوقفه عند حده .. لكن للاسف انتى بضعفك وبخوفك سمحتيله انه يتحكم فيكي .. الحل كان فى انك تعترفى بغلطك وستتحملى عقاب اخوكى ساعتها .. كان الموضوع هيكون أسهل بكتير أوى من كل اللى حصل ده ..
قالت "نرمين" بأسى :
- انا كنت خايفة .. كنت خايفة "مراد" يعرف
قالت "مريم" بحزم :
- وخوفك ده خلاه يتحكم فيكي أكتر وطلباته تزيد أكتر وخلاكى تسرقى ملف من مكتب اخوكى وخلاكى تروحى تقابليه أدام الفيلا وتركبي جمبه فى العربية .. وأظن انتى عرفتى دلوقتى ايه اللى كان ناوى يعمله .. ولو كان ده حصل كان هيفضل برده يبتزك لانه عرف انك ضعيفة وهتخافى تحكى لاخوكى وكنتى هتفضلى فى الدوامة دى طول عمرك .. يبأه ايه الأسهل ..؟؟ انك تعترفى بغلط صغير وتتحملى عقابلك عليه .. ولا تتمادى وتصلحى كل غلطة بغلطة أكبر وأكبر ؟؟ وتضيعي نفسك وحياتك وتسمحى لواحد حقير زى دة انه يتحكم فيكي ؟؟
قالت "سارة" بقلق :
- طيب والحل دلوقتى
قالت "مريم" بحزم :
- لازم اخوكوا يعرف .. محدش هيوقفوا عند حده غيره
قالت "نرمين" باكية :
- طيب نحاول نحل الموضوع مع بعض وانتى يا "مريم" ممكن تتصلى بـ "حامد" وتهدديه
قالت "مريم" بصرامة :
- اللى زى ده عايز راجل يقفله .. لو أنا اتصلت هيعرف ان أنا كمان خايفة من "مراد" .. وهيعرف انه قدر يلمس نقطة ضعفنا كلنا .. ومستحيل هيتراجع .. وحتى لو تراجع .. اللى زى ده لازم يتربى .. لازم يعرف ان مش من الساهل انه يتعدى على حرمة غيره .. مينفعش واحد زى ده نسكت عليه .. لازم يتربي ويتعلم الادب
نظرت الى "نرمين" قائله :
- نامى دلوقتى وبكرة لما "مراد" ييجى انتى بنفسك هتحكيله كل حاجه
قالت "نرمين" بضعف :
- مش هقدر احكيله .. قوليله انتى يا "مريم"
نظرت اليها "مريم" وقالت بإصرار :
- لا يا "نرمين" انتى اللى هتحكيله .. يسمع منك احسن ما يسمع منى أو من أى حد تانى
دثرتها "مريم" وبقيت بجوارها الى ان نامت .. ودخلت غرفة "مراد" وهى تفكر فى هذا المأذق الذى وقعت فيه "نرمين" .

******************************************

فى اليوم التالى اتصل "مراد" بـ "سارة" ليخبرها بأنه و "ناهد" فى طريقه الى القاهرة .. ظلت "نرمين" تبكى طوال الوقت "وسارة" و "مريم" بجوارها يهدؤنها .. انتفضت بفزع عندما سمعت صوت سيارة "مراد" .. نزلت "مريم" وفتحت البوابة التى تغلقها طول الوقت بإحكام .. توقف "مراد" بسيارته ونظر اليها قائلاً :
- قافلين البوابة بالنهار ليه
قالت "مريم" وهى تتحاشى النظر اليه :
- عادى
سبقها "مراد" بسيارته التى اوقفها أمام باب الفيلا نزلت "ناهد" وسلمت عليها "مريم" قال "مراد" وهو يعود لركوب سيارته :
- انا راجع المكتب يا ماما
لفت "مريم" بسرعة حول السيارة وقالت له :
- لا .. لو سمحت فى حاجه لازم نتكلم فيها
تركتهما "ناهد" يتحدثان معاً وصعدت الى غرفتها .. نظر اليها "مراد" بقلق وقال :
- فى ايه
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة كانت تخشى تلك المواجهة ولكنها تعلم أنها شئ لابد منه .. قالت بهدوء :
- ممكن نتكلم فى مكتبك لو سمحت
نزل "مراد" من السيارة وهو يرمقها بنظرات متفحصه .. سبقها الى المكتب فقالت :
- ثوانى وراجعه
لم يتكلم "مراد" بل سدد اليها نظرات تريد اختراقها لتصل الى معرفة ما يحدث .. صعدت "مريم" الى غرفة "نرمين" وقالت :
- يلا يا "نرمين" .. أخوكى مستنينا فى المكتب
قالت "نرمين" بفزع :
- قولتيله حاجه
قالت "مريم" وهى تنظر اليها بشفقة :
- لا يا حبيبتى قولتلك الاحسن انتى اللى تحكيله بنفسك
امسكتها من يدها وسحبتها ورائها .. كانت "نرمين" تشعر بأن قبلها على وشك التوقف من شدة الرعب .. دخلتا الى غرفة المكتب وأغلقته "مريم" خلفها .. نظرت "مريم" الى "مراد" الذى وقف وقد شبك يديه خلف ظهره وأخذ ينقل نظره بينهما فشعرت بالرعب هى الاخرى وعذرت "نرمين" فى خوفها .. لم تعد قدما "نرمين" قادرتان على حملها فجلست .. قال "مراد" بصرامة :
- فى ايه .. ايه اللى بيحصل بالظبط
اقتربت منه "مريم" وقالت بهدوء وهى تحاول أن تخفى توترها :
- "نرمين" عايزة تقولك حاجه .. بس لو سمحت خليك هادى واسمع كل كلامها للآخر .. هى هتحكيلك بنفسها .. يعني محدش فتنلك عليها .. لا .. هى اللى جتلك تتكلم بنفسها
التفتت "مريم" لتنصرف فنادتها "نرمين" قائله بصوت باكى :
- لا يا "مريم" عشان خاطرى متمشيش
اعادت "مريم" ادراجها .. نظر "مراد" الى "نرمين" وقال بقلق :
- فى ايه يا "نرمين"
نظرت "نرمين" الى "مريم" التى أومات برأسها تشجعها على الكلام .. فاخذت نفساً عميقاً وهى تحاول التماسك .. واخذت تقص عليه كل شئ بصوت مرتجف مبحوح من كثرة البكاء .. انتهت من كلامها وران الصمت فى الغرفة لا يسمع فيها الا صوت عقارب ساعة الحائط .. ما هى الا لحظات من السكون قبل أن تهب العاصفة .. صاح "مراد" وهو يمسكها من ذراعها ليوقفها بقوة :
- بتقولى ايه .. ايه اللى انتى بتقوليه ده
اسرعت "مريم" تحاول نزع ذراعها من يده وهى تقول بلهفه :
- براحة عليا .. هى غلطت ومعترفه بده وجت حكيتلك بنفسها
بدا وكأن "مراد" لم يسمع كلمة مما قالتها "مريم" واشتدت قبضته على ذراع "نرمين" الى ان صرخت وبكت من الألم وهو يصرخ قائلاً :
- دى التربية اللى انت اتربتيها .. دى الاخلاق اللى علمنهالك .. مش مكفيكى مقابلتك له راحه كمان تركبي معاه العربية .. افرضى كان قدر الحقير ده انه يخطفك .. عارفه كان هيحصل فيكي ايه يا "نرمين"
بدا وكأنه سيهم بضربها .. بكت "مريم" وهى تحاول تخليصها من قبضته وهى تقول :
- "مراد" لا يا "مراد" عشان خاطرى .. هى غلطت بس عشان خاطرى متضربهاش .. هى جت اعترفتلك هى لو كانت وحشة مكنتش اتكلمت .. سيبها بأه عشان خاطرى
كانت نيران الغضب تشتعل داخل عيناه ..دفعته "مريم" بقدر ما استطاعت وخلصت "نرمين" من قبضته وقالت لها بلهفه :
- بسرعة اطلعى على أوضتك
خرجت "نرمين" مسرعة وهى تبكى استقبلتها "سارة" بالخارج وأصعدتها الى غرفتها .. وقفت "مراد" وبدا وكأنه يوشك على الفتك بشخص ما .. قالت له "مريم" وهى تتحدث بسرعة :
- فكر قبل ما تعمل اى حاجه .. ما تأذيش نفسك مامتك واخواتك ملهمش غيرك .. لو اشتكيته انا هشهد عليه ودول كذا قضية فى بعض خطف وابتزاز يعني هيورح فى داهية ان شاء الله
بدا وكأنه لم يسمع كلمة مما قالت .. كانت تعبيرات وجهه تشع غضبا ويضم قبضتى يده بقوة .. ثم خرج مسرعاً متوجهاً للخارج .. شعرت "مريم" بالفزع .. خشت أن يتهور ويقتل "حامد" .. أسرعت خلفه بعدما أخذت طرحة لها كانت تركتها فى غرفة الجلوس لفت بها شعرها ونزلت مسرعة وفتحت باب السيارة وركبت بسرعة قبل أن ينطلق .. كانت عيناه تشعان غضباً بدا وكأنه لا يشعر حتى بوجودها معه .. خرج من البوابه وانطلق بسيارته كالسهم .. توقف بالسيارة أمام شركة "حامد" هم بالنزول فامسكته "مريم" من ذراعه قائله :
- فكر قبل ما تعمل اى حاجه تندم عليها
نظر اليها وبدا وكأنه يريد الفتك بها وصرخ فيها بغضب :
- اخرسى خالص .. ومتتحركيش من العربية .. لو نزلتى منها هموتك
خرج "مراد" من السيارة بعدما أحكم اغلاق ابوابها .. ظلت "مريم" تدعو وتستغفر ربها .. وهى تشعر بالقلق والخوف

صعد "مراد" الى الشركة وتوجه الى مكتب "حامد" كالثور الهائج الذى لا يستطيع أي شئ ايقافه .. قامت السكرتيرة تقول :
- لو سمحت يا فندم .. ساعات العمل النهاردة انتهت
لم يتلفت اليها "مراد" بل لم يسمعها اصلاً اقتحم مكتب "حامد" الذى فزع عندما رآه .. أطبق "مراد" بقبضتيه على ملابسه ونزعه من الكرسي نزعاً ولكمه الى ان سقط ارضاً .. قال "حامد" للسكرتيرة بفزع :
- اطلبي السيكيوريتى بســـ ........
لم يكمل كلامه فقد أوقفته لكمة أخرى من "مراد" جعلت الدماء تنفجر من فمه وأنفه لتسيل على ملابسه .. لم يكد يفيق من اللكمة حتى أعقبه "مراد" بالأخرى وأطبق على ملابسه ليسدد له ركله بركبته اليسرى فى بطنه جعلت "حامد" يحبس أنفاسه من شدة الألم ويسقط أرضاً أمام قدمى "مراد" .. قال "مراد" وهو يقبض بأصابعه على شعره ويرفع رأسه :
- بتتعدى على أختى يا تييييييييييييييييت فاكرنى هسكتلك .. ليه مش شايفني راجل أدامك .. ده أنا هموتك بايدي .. أنا هربيك يا تيييييييييييييت من أول وجديد
أعقب كلامه بلكمة اخرى ألقت بـ "حامد" على الارض فى وضع الجنين وهو لا يقوى حتى على الصراخ من شدة الألم كان يتنفس بصعوبة وبجواره بركة من الدماء التى اتفجرت من فمه بعدما فقد بعضاَ من أسنانه .. اخذ "مراد" يكيل له الركلات حتى حضر السيكيوريتي وأبعدوا "مراد" عنه بالقوة .. خلص "مراد" نفسه من قبضتهم ثم اقترب من "حامد" وصرخ قائلاً :
- والله ما هسيبك يا تيييييييييييييييت .. وهطلع حالاً اعملك محضر فى القسم
حاول رجلى الأمن مساعدة "حامد" واتصل أحدهما بالإسعاف أما "مراد" ثم توجه الى المكتب وحمل حاسوبه وألقاه أرضاَ وحطمه تحطيماً ثم أخذ هاتفته الموضوع على مكتبه واخرج الميمورى ثم ألقى بالهاتف من النافذة ليسقطت متهشماً على الأسفلت بعدما عبرت احدى السيارات فوقه
التفت أحد رجال الأمن يحاول الإمساك بـ "مراد" فصرخ به "مراد" قائلاً :
- هتعمل ايه هتسلمنى للبوليس انا اصلا اللى رايح أبلغ دلوقتى عن التييييييييييييييت ده وهقول فى المحضر انى ضربته
نظر رجل الأمن الى "مراد" بشئ من القلق .. فقد كانت من الواضح من فرق الطول والحجم أنه إن دخل مع "مراد" فى معركة فسيخرج وحاله ليس بأفضل من "حامد" .. نزع "مراد" نفسه من يده وخرج من الشركة التى كانت خالية من الموظفين فى مثل هذا الوقت.

******************************************

قاد "سامر" سيارته حتى وصل الى المرفأ .. نزل وبصحبته "سهى" التى أحاط كتفيها بذراعه .. سارا حتى وصلا الى أحد اللانشات .. كان مجهزاً من الداخل كما لو كان يشبه منزل على الطراز الحديث .. كانت "سهى" منبهرة بجماله وقالت له :
- روعة يا "سامر"
ابتسم لها معانقاً اياها وقال :
- ده مكانى المفضل باخده واطلع بيه وانسى الدنيا كلها
ابتسمت قائله :
- حلو اوى بجد
أعاد ترتيب خصلات شعرها التى عبثت بها الرياح ونظر اليها قائلاً بهيام :
- هاا ايه رايك .. أجيب صحابي ؟
بدا عليه التردد فحثها قائلاً :
- حابب ان المكان ده هو اللى يكون شاهد على حبنا .. وعلى جوازى منك يا "سهى"
صمتت والحيرة والتردد فى عينيها فقال لها هامساً :
- انا بحبك اوى ومقدرش أعيش من غيرك .. احنا خلاص بقينا روح واحدة يا "سهى" ومش ممكن نبعد عن بعض أبداً .. يا ترى انتى بتحبينى زى ما بحبك ؟
أومات برأسها قائله :
- طبعاً بحبك يا "سامر"
قبل يدها وأخرج هاتفه واتصل بصديقين له ثم التفت اليها قائلاً :
- حالا وهيكونوا هنا
وبالفعل كما لو كان قد اتفق معهما مسبقاً .. لم يمضى الكثير من الوقت حتى أتى صديقاه .. ليشهدان على ما أسموه زواجاً .. وتركا الإثنين لينعمان بليلتهما الأولى فى هذا الزواج الباطل والذى افتقد شرطين مهمين من شروط الزواج الصحيح .. الشرط الاول هو الاشهار بين الناس والذى لم يتحقق فى هذا الزواج السري الذى اخفياه عن أعين الجميع .. وأما الشرط الثاني هو اذن الولى .. فلا يجوز للمرأة ان تزوج نفسها بنفسها فلابد لها من ولى كأب أو أخ أو عم أو خال حتى ولو كانت المرأة بالغة .. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ) كررها ثلاث مرات .. وقال الله عز وجل فى سورة النساء (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) .. لم يكن الشيطان ثالثهما فحسب .. بل كان الشيطان
متوغلاً فى أعماق كل منهما يزين لهما المعصية فتتحول النار الى جنة .. والخطأ الى صواب .. والحرام الى حلال .. والقذرارة الى لذة

*****************************************
أوقف "مراد" السيارة أمام قسم الشرطة تحت انظار "مريم" التى أخذت تنظر الى ملابسه الممزقة الدامية وهى لا تدرى اهذه دمائه أم دماء "حامد" .. كانت تشعر بالفزع لكنها خشيت الحديث معه وهو فى هذه الحاله .. خرج من السيارة دون أن يلتفت اليها وأحكم اغلاق السيارة .. ظلت قابعه فى السيارة لأكثر من ساعة الى أن رأته يعود أدراجه بعدما قدم البلاغ .. سار بالسيارة فى صمت .. التفتت تنظر اليه بدا أهدأ وان كانت مازالت علامات الغضب على وجهه .. توقف بالسيارة فى مكان خالى تجهله .. ساد الصمت .. لم تحاول قطع هذا الصمت .. نزل من السيارة ووقف يستند على مقدمتها وقد أولاها ظهره .. تركته لفترة طويلة واقفاً هكذا .. ثم نزلت من السيارة وتقدمت منه ببطء وحذر .. وقفت بجواره .. ثم قالت بصوت هادئ :
- انت كويس
لم يجيبها ولم يلتفت اليها .. فقالت :
- ممكن لو سمحت موبايلك أطمنهم علينا زمانهم قلقانين
بدا وكأنه لم يسمعها .. ثم بعد لحظات .. أخرج هاتفه من جيبه وأعطاه لها دون أن ينظر اليها .. أخذت الهاتف وبحثت فى سجل المكلمات الصادرة فقد تذكرت انه اتصل بـ "سارة" وهو على الطريق .. ثم ابتعدت قليلاً واتصلت بها :
- أيوة يا "سارة"
- ................
- أنا معاه
- ................
- ايوة كويس
-.................
- راح للراجل ده وبعدين راح القسم قدم بلاغ
- ................
- طيب ماشى لو فى جديد هبلغكوا .. بس طمنى طنط "ناهد" زمانها قلقانه
- ................
- ماشى .. مع السلامة
أنهت "مريم" المكالمة وعادت لـ "مراد" مدت يدها بالهاتف .. فلم يلتفت اليها .. أعادت يدها الممدودة وهى تتطلع اليه .. كانت تعلم بأنه يشعر بشعور قاسى للغاية .. صدمته فى تصرفات أخته و فى تصرفات هذا الرجل الذى يقول أنه صديق "مراد" .. بالتاكيد لم يكن ليتخيل ان يصدر منه شئ كهذا .. ثم خوفه وفزعه على اخته وما كان سيحدث لها لولا ان نجاها الله وحفظها .. ظلت واقفه بجواره ساكنه للحظات .. ثم تركته وعادت الى السيارة وهى تشعر بالوهن والإرهاق من تلك الاحداث المتلاحقة .. امضى عدة دقائق واقفاً ساكناً .. ثم رأته يلتف ويركب بجوارها .. ظنت بأنه سينطلق بالسيارة .. لكنه نظر اليها وتطلع الى ملابسها قائلاً بصوت هادئ :
- انت ازاى خرجتى كدة ؟
نظرت "مريم" بإضطراب الى ملابسها .. فقد كانت ترتدى عباءة استقبال داكنة اللون .. تصلح لأن ترتديها أمام الناس لولا أنها مخصرة قليلاً فأبرزت القليل من تفاصيل جسدها الأنثوى .. قالت بتوتر :
- دى عباية .. يعني فى ناس بتلبسها عادى
قاطعها "مراد" قائلاً :
- ضيقة متخرجيش بيها تانى
تلاقت نظراتهما .. لمحت نظرة غريبة فى عيناه لم تألفها من قبل .. أشاحت بوجهها بسرعة وهى تشعر بقلبها تتعالى دقاته .. فعل المثل وأشاح بوجهه ونظر أمامه وانطلق فى طريقه الى البيت.



Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق