روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الثامن من رواية جواد بلا فارس


جلس "آدم" فى أحد المطاعم وتحت يده ملف أخذ يطرق عليه بأصابعه فى توتر وهو ينظر الى ساعته بين الحين والآخر .. أقبلت عليه "ساندى" تتهادى فى خطواتها .. حيته قائله :
- هاى دكتور .. اتأخرت عليك
قال "آدم" بإبتسامة مجاملة :
- مش كتير
قالت بمرح وهى تجلس أمامه على الطاولة :
- سورى يا دكتور الطريق كان زحمة موت
أومأ "آدم" برأسه وبدا بأن عقله مشغولاً بشئ آخر .. طلب لها مشروباً .. تحدثا قرابة النص ساعة فى موضوعات شتى عن الجامعة والدراسة والعمل ....

الى أن قال "آدم" بجديه :

- "ساندى" كنت محتاج منك خدمة
قالت "ساندى" بلهفه :
- طبعاً انت تؤمر يا دكتور
أمسك الملف الذى كان يستند اليه ذراعه ووضعه أمامها قائلاً :
- دى دراسة جدوى لمشروع قرية سياحية فى العين السخنة .. الدراسة دى عملتها من كذا سنة .. أرباحها خيالية ومضمونة جداً
ابتسمت "ساندى" قائله وهى تتفحص الملف :
- طبعاً طالما حضرتك اللى عاملها تبقى ممتازة يا دكتور "آدم"
قال "آدم" وهو ينظر اليها بتمعن :
- الدراسة دى أنا محتاج ليها ممول
ثم قال بضيق :
- كنت المفروض انى أنا هكون أحد الممولين فيها بس مش هينفع دلوقتى أشارك فى راس المال
ثم قال بلهفه :
- أنا عارف ان والدك رجل أعمال ومش بس كدة .. عنده شركة سياحية كبيرة ومنافس قوى فى السوق
ابتسمت "ساندى" بتفاخر وهى تقول ضاحكة :
- فعلاً بابا حقق اسم كبير أوى فى عالم السياحة
قال "آدم" بجدية :
- وعشان كده أنا حابب انه يمول المشروع ده .. المشروع ده من أضخم المشاريع اللى اتعملها دراسة جدوى .. وكمان المكان نفسه خيالى مش ممكن تتخيلى روعته ... وكل شئ موجود فى الملف ده
قالت "ساندى" مبتسمة :
- طيب وليه حضرتك متعرضش على بابا المشروع ده بنفسك
قال "آدم" مبتسماً وهو يرجع ظهره للخلف :
- ما أنا هعرضه بنفسي ..ربس انتى متخيله رجل أعمال زى باباكى بيتعرض عليه كام مشروع وكام دراسة جدوى .. ايه اللى يخليه يلتفت لمشروعى وياخده بجديه
ضحكت "ساندى" بدلال قائله :
- عايزنى أكون واسطة يعني
ابتسم ابتسامته الساحرة وهو يقول بلؤم :
- بالظبط كده
ابتسمت وهى تقول بخبث :
- أخبار نتيجة الإمتحان المفاجئ ايه ؟
ابتسم "آدم" ولمعت عيناه وهو يقول :
- امتحان مفاجئ ايه اللى بتتكلمى فيه .. قولى أخبارك امتحان الفاينال ايه
ابتسمت "ساندى" وقد لمعت عيناها عندما أخرج "آدم" ورقة من جيبه ووضعها أمامها .. نظرت "آيات" بفرحة وعدم تصديق الى الاسئلة الموجودة فى الورقة ثم نظرت الى "آدم" قائله بمرح :
- يا سلام عليك يا دكتور .. كده تمام أوى وشكلنا هنعمل مع بعض أحلى بيزنس
ابتسم "آدم" وقال محذراً :
- الورقة دى ليكي انتى بس ولو اتسربت يمين ولا شمال .. انتى عارفه أنا ممكن أعمل ايه يا "ساندى"
قالت ضاحكة وهى تضع الورقة فى حقيبتها :
- ليه هو أنا مجنونة ولا ايه .. أسربها عشان ياخدوا درجات عاليه .. انا مالى انشاله الدفعة كلها تسقط .. المهم انى ضمنت الفول مارك
ابتسم "آدم" قائلاً :
- استنى منك رد امتى ؟
قالت بحماس :
- بابا مسافر وراجع من السفر خلال اسبوعين ان شاء الله ويمكن أقل كمان .. أول ما ييجي مش هخليه يقوم من على الملف غير لما يقراه كله .. وأنا واثقه فيك يا دكتور وعارفه ان أكيد بابا هينبهر بدراسة الجدوى اللى عملتها
اتسعت ابتسامة "آدم" وهو يقول :
- اتفقنا يا "ساندى"

**************************************
جلست "آيات" فى كافيتيريا الكلية تنقل احدى الأجزاء التى فاتتها من المحاضرة الى دفترها .. اقتربت منها "أسماء" فرفعت "آيات" رأسها لتنظر اليها ببرود ثم عادت تكمل كتابتها .. جلست "آسماء" فى المقعد المجاور لها وقالت :
- "آيات" مالك فى ايه ؟ .. انتى مخصمانى ولا ايه ؟
قالت "آيات" ببرود دون أن تنظر اليها :
- مفيش حاجة
قالت "أسماء" بحده :
- لا فى .. مش معبرانى .. بتحضرى المحاضرات من غيري .. بتصل بيكي بتردى بالقطارة .. فى ايه يا "آيات" .. من يوم المكالمة اللى كنتى مضايقه فيها وانتى بتعامليني وحش
نظرت اليها "آيات" بحده وقالت :
- كنت فاكراكى صحبتى .. كنت فاكراكى بتخافى عليا بجد .. بس بجد أنا اتصدمت فيكي يا "أسماء"
قالت "أسماء" بدهشة :
- ليه كل ده ايه اللى حصل فهميني ؟
قالت "آيات" بصوت خافت حتى لا تلفت نظر أحد ممن حولها :
- لما قولتلك على اللى حصل بينى وبين "آدم" أعدتى تقوليلى عادى ومفيهاش حاجة وكل المخطوبين بيعملوا كده .. تعرفى ان دي حاجة النبي قال عنها انها زنا وانها طريق بيودى للزنا .. وانتى حتى مفكرتيش تنصحيني وتقوليلى لا يا "آيات" اللى حصل ده غلط .. لا فضلتى تقولى انى طفلة فى ابتدائى وان ده طبيعى طالما بنحب بعض
ثم جمعت أشيائها من فوق الطاولة وحملت حقيبتها وهى تقول قبل أن تغادر :
- بجد اتصدمت فيكي يا "أسماء"
رحلت "آيات" لتترك "أسماء" متجمدة مكانها .. لحظات ونهضت هى الأخرى سارت تبحث عن "آيات" الى أن وجدتها تخرج من باب الكلية فتوجهت تجاهها بسرعة وجذبتها من ذراعها بشدة وجعلتها تلتفت اليها ثم صاحت بحنق :
- وأنا كنت هعرف منين يعني ان كده غلط .. ليه أسألتى الظن فيا وقولتى انى مش بحبك ومش بخاف عليكي .. أنا معرفش ان كده غلط .. ما كل الناس حولينا بيعملوا كده ومن غير خطوبة حتى .. ليه شوفتيني وحشة كدة يا "آيات"
ثم اغرورقت عيناها بالعبرات وهى تقول بصوت باكى :
- احنا صحاب من أربع سنين عمرك شوفتيني أذيتك ولا عملت حاجة تحسسك انى مش بحبك ؟ .. ها ردى عليا .. أصلا أنا مليش صحاب غيرك وربنا يعلم انى بحبك أكنك أختى وحتى مش بحاول أتعرف على بنات تانية لانى حسه ان انتى صحبتى بجد .. وعارفه انك بتحبينى زى ما أنا بحبك .. تيجيى دلوقتى تقوليلى انى مش خايفة عليكي .. والله ما اكنت أعرف .. أنا افتكرت الموضوع عادى ولما لقيتك مضايقة وبتعيطي قولت اهونها عليكي شوية عشان مبحبش اشوفك مضايقة
ثم قالت بألم :
- بس شكراً اوى يا "آيات" شكرا اوى على الكلام اللى سمعتيهولى ده .. أنا صاحبه وحشة وزبالة ابعدى عنى بأه
قالت ذلك ثم توجهت الى بوابة الكلية وهى تحاول مداراة دموعها التى تجمعت داخل عينيها .. وقفت "آيات" فى مكانها تنظر اليها وهى تبتعد .. ثم تنهدت بضيق شديد وجلست على أحد المقاعد بوجوم

*************************************
طرقت "آيات" باب مكتب "آدم" ودخلت وقد بدا على وجهها العبوس قالت بهدوء :
- "آدم" هعطلك عن حاجة
قال وهو ينهض ويقف أمامها :
- لا أبداً
وقف ينظر اليها والى المكياج الذى كان يغطى وجهها .. والى التيشيرت الضيق الذى أبرز تفاصيل جسدها .. وضعت الكتب من يدها ووقفت أمامه وقد عقدت ذراعيها أمام صدرها وهى تقول بضيق :
- اتخانقت مع "أسماء"
قال "آدم" وهو يشعر بالملل من الإستماع الى المشكلة :
- اتخانقتوا ليه ؟
قالت "آيات" بحنق :
- أنا اتغبيت أوى معاها وقولتلها كلام مكنش ينفع أقوله وهى مضايقه منى دلوقتى
قال "آدم" ببساطة :
- خلاص كلميها واعتذريلها وصالحيها
قالت "آيات" بحزن :
- خايفة مترضاش تصالحنى
فقال "آدم" بنفاذ صبر :
- يعني عايزانى أعملك ايه يعني .. أكلمها بدالك وأقولها معلش صالحى "آيات"
شعرت "آيات" بالصدمة من الإسلوب الذى خاطبها به .. فرسمت ابتسامة على شفتيها بصعوبة وأخذت كتبها وقالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :
- معاك حق هكلمها وأعتذرلها .. شكراً يا "آدم" وآسفة عطلتك
خرجت مسرعة وأغلقت الباب خلفها وهى تشعر بقطرات الدموع فى عينيها .. لكنها سيطرت عليها ومنعتها من الإنهمار

**************************************

دخلت والدة "إيمان" المطبخ لتجدها واقفة وتغلى شيئاً ما ذو رائحة قوية فقالت لها وهى تتشمم الرائحة المنبعثة من الطنجرة :
- ايه ده بتعملى ايه يا "إيمان"
قالت "إيمان" بوجوم دون أن تنظر اليها :
- شوربة كرنب
قالت أمها بإستغراب :
- ايه شوربة كرنب دى ؟
قالت "إيمان" بهدوء :
- عشان التخسيس يا ماما
قالت أمها وهى تتأفف من الرائحة :
- بس دى ريحتها صعبة أوى يا "إيمان" هتشربيها ازاى دى
قالت "إيمان" بنفاذ صبر :
- هشربها وخلاص
قالت أمها وهى تنظر اليها :
- طيب اتغدى الأول ده أنا عاملة صنية مكرونة بالبشاميل من اللى بتحبيها
قالت "إيمان" بحنق وهى تضع الشوربة فى طبقها :
- مكرونة بشاميل ايه يا ماما بقولك هشرب كرنب عشان أخس .. يعني أقرف نفسي بأم الشوربة دى عشان آكل شوية مكرونة يضيعوا كل اللى عملته
قالت أمها وهى تغادر المطبخ :
- أنا مالى يختى هو أنا اللى هاكل ولا انتى .. انتى حرة اعملى اللى تعمليه
جلست "إيمان" ممسكة بطبقها أمام التلفاز وهى تجبر نفسها على شرب هذا السائل ذو الرائحة القوية

*************************************
نظرت "أسماء" من العين السحرية لتجد "آيات" واقفة أمام الباب .. ترددت قليلاً قبل أن تفتح لها .. نظرت "آيات" اليها بحزن .. فبادلتها "أسماء" بنظرة عتاب .. دخلت "آيات" وأغلقت الباب قائله بحزم :
- بصى وقبل ما تقولى أى حاجة .. حقك عليا .. أنا غلطت فعلاً وقولتلك كلما صعب .. اعملى فيا بأه اللى انتى عايزاه بس مش ماشية من هنا غير لما تقوليلى انك صالحتيني
ابتسمت "أسماء" ونظرت اليها بعتاب قائله :
- يعني لو قولتلك مش هصالحك مش هتمشى وهتفضلى أعده هنا على طول
ابتسمت "آيات" قائله :
- أيوة
قالت "أسماء" بلؤم :
- طيب مش هصالحك .. عشان تفضلى معايا هنا على طول
عانقتها "آيات" قائله :
- متزعليش منى يا "سمسم" والله بحبك أوى ومقدرش أستغنى عنك خالص
فى تلك اللحظة تعالت أصوات أبوى "أسماء" بالصراخ ودخلا فى احدى شجاراتهما .. فصرخت "أسماء" فيهما :
- اقفلوا عليكوا الباب فى ناس هنا
نظرت "آيات" اليها بحزن .. فقالت "أسماء" بضيق :
- "آيات" امشى دلوقتى
أومات "آيات" برأسها وقد تعالت حدة أصواتهما .. أغلقت "أسماء" باب غرفتها عليها ونامت على فراشها تضع فوق رأسها وسادة تكتم بها تلك الأصوات التى تمنت أن تخرس للأبــد

**************************************
جلست "آيات" فى حجرة المعيشة تضع اللاب توب فوق قدميها وهى تنظر الى صورة "آدم" التى تحتفظ بها على حاسوبها .. قفز قلبها فرحاً عندما وجدت اتصالاً من "آدم" ردت قائله :
- ألو
قال "آدم" والذى كان جالساً أمام حاسوبه :
- ازيك يا حبيبتى عاملة ايه
قالت بهدوء :
- الحمد لله ازيك انت
قال بلامبالاة :
- الحمدلله .. بتعملى ايه
ابتسمت وهى تقول :
- أعدة بتفرج على صورتك
ابتسم بسخرية وهو يقول :
- فرحتيني
اتسعت ابتسامتها وهى تقول :
- لما بحس انك وحشنى ببص للصورة عشان أحس انك معايا
قال "آدم" بلامبالة :
- وأنا كمان عايز صورة ليكي عشان لما تكونى مش معايا أبصلها وأحس انك معايا
قالت بلهفه :
- طيب استنى هبعتلك صورة دلوقتى
قال "ببرود" :
- ماشى يا حبيبتى
أخذت "آيات" تنظر الى عشرات الصور التى تحتفظ بها فى حاسوبها ثم قالت :
- محتارة .. مش عارفه أبعتلك أنهى صورة
صمت "آدم" وقد انشغل بالحديث مع "ساندى" عبر الفيس بوك .. قالت "آيات" وهى تنظر الى الصور :
- انت شكلك مبتحبش الميك آب .. أبعتلك صورة من غير ميك آب ؟
قال "آدم" وتركيزه مع "ساندى" :
- ابعتى اللى تحبيها وأكيد هتعجبنى
ابتسمت "آيات" وهى ترسل الصورة وقالت :
- خلاص بعتها
صمتت قليلاً ثم قالت :
- انت مشغول ولا ايه
قال "آدم" بسرعة :
- لا أبداً برد على واحد صحبى مسافر
قالت "آيات" بحزن :
- طيب شوفتها
قال كاذباً :
- أيوة شوفتها .. زى القمر يا حبيبتى
عقدت "آيات" ما بين حاجبيها وقد شعرت ببروده .. فقلت بهدوء :
- طيب يا "آدم" أنا هقفل دلوقتى عشان تتكلم مع صاحبك براحتك
قال "آدم" بسرعة :
- لا يا حبيبتى أنا معاكى خلاص
قالت بهدوء :
- أنا أصلاً هنام دلوقتى .. خلى بالك من نفسك ومتسهرش كتير عشان محاضرة بكرة .. تصبح على خير
- تصبحى على خير
قبل أن تغلق قال "آدم" :
- "آيات" .. بحبك أوى
ابتسمت قائله :
- وأنا كمان بحبك أوى .. باى
أنهت "آيات" المكالمة وهى تشعر بالحزن .. أحياناً تشعر بقرب "آدم" منها وبحبه الكبير لها .. وأحياناً تشعر به بعيداً غريباً بارداً .. اعترفت لنفسها بأنها حتى الآن لم تستطع فهمه .. اعترفت لنفسها بأنها تشعر بشئ غريب فى قلبها .. شئ يقلقها ويشعرها بالخوف .. شئ يجعلها تفتقد جزءاً من شعورها بالأمان .. شئ القلق ملازماً لها .. تمنت أن تستطيع فهمه .. وأن تستطيع احتوائه .. وأن تستطيع أن تجعله لا يقوى على فراقها .. ولا يتمنى إلا قربها

****************************************

أنهى "آدم" محادثته مع "ساندى" وأغلق حاسوبه وخرج يبحث عن أمه اقترب من غرفتها ليجدها ساجدة على الأرض فوق سجادة الصلاة .. سمع همهمتها وصوت نحيبها .. جفل قلبه لمرآها هكذا .. نظر اليها بحزن لأنه يعلم جيداً بأنه سبب بكائها .. وكأنه لا يطيق النظر اليها أكثر عاد الى غرفته مرة أخرى وآوى الى فراشه وهو ينظر الى سقف الغرفة .. دقائق بعدها امتدت يده الى أحد أدراج الكمودينو ليخرج منه بعض الصور .. أخذ يتأمل صوره مع والدته منذ بضع سنوات .. وتلك الإبتسامة الساحرة التى تملأ وجهه .. تأمل ابتسامة والدته الحانية وهو يشعر وكأنها تضفى عليه المزيد من الحزن والألم .. نظر الى صورة أخرى على أحد المكاتب الفاخرة وهو يبتسم بسعادة للمصور .. وصورة تجمعه بـ "زياد" صديقه فى أحد الأماكن والتى تبدو بأنها يُعاد بناؤها أو ترميمها .. أعاد الصور مكانها وتحولت نظراته من الحزن الى القسوة .. وتمتم بصوت منخفض :
- مش هسيبك غير لما أرجع حقى منك يا "سراج" الـتيييييييييت و أربيك انت وابنك
أغمض عينيه وبداخل رأسه صورة لـ "سراج" تجمعه بإبنه .. "عاصي"

************************************
توقفت سيارة "آدم" أمام الفيلا .. ركبت "آيات" قائله بإبتسامة :
- معلش اتأخرت عليك
ابتسم قائلاً :
- عادتك ولا هتشتريها
ضحكت بعذوبه قائله :
- بأه كده يا "آدم" ماشى
انطلق فى طريقه فقالت له :
- حبيبى فى مكان عايزه أروحه الأول
قال لها :
- فين ؟
قالت "آيات" :
- هوصفلك الطرق
طلبت من "آدم" التوقف أمام أحد فروع جمعية رسالة .. نظر "آدم" الى المنطقة السكنية حوله .. فقالت له "آيات" :
- مش هتأخر عليك هسلم بس حاجة وأرجع على طول
رآها "آدم" تتوجه الى داخل الجمعية فشعر بالدهشة .. انتظرها حتى عادت وركبت بجواره .. سألها بإستغراب :
- كنتى بتعملى ايه هنا ؟
قالت "آيات" بشئ من التردد :
- أنا مشتركة فى الجميعة
قال "آدم" وهو يفرس فيها :
- مشتركة فيها ازاى يعني ؟
قالت "آيات" :
- بكتب الكتب على الكمبيوتر وبجيبهالهم على سي دي وهما بيحولوها لطريقة برايل عشان الناس اللى فقدوا بصرهم يعرفوا يقروها ويستفيدوا منها
شعر "آدم" بالدهشة وهو يستمع اليها .. أدار المحرك وسار فى طريقه دون أن يتحدث اليها .. توقف أمام أحد المطاعم ونزلا معاً .. جلست "آيات" على المقعد المجاور له وانتظرا احضار النادل لما طلبا .. قالت له "آيات" وهى شارده :
- تعرف يا "آدم" ساعات بحس اننا محظوظين أوى .. ربنا ادانا حاجات كتير حلوة وفى ناس كتير أوى محرومة منها
نظر "آدم" اليها وكأنها يحاول استكشافها .. أكملت دون أن تنظر اليه :
- ربنا خد منى ماما الله يرحمها .. ودى حاجة صعبة أوى انى أتحرم منها ومن حضنها .. بس ربنا عوضنى بأب حنين أوى .. بيحبنى وبيخاف عليا .. بس فى ناس ربنا حرمها من الاتنين من الأب ومن الأم .. أو بيكونوا عايشين بس مش حنينين وطيبين
ظل ينظر اليها صامتاً .. فنظرت اليه قائله بحزن :
- واحدة صحبتى كده .. باباها ومامتها عايشين بس مش حنينين عليها .. مش بيعرفوا يتفاهموا معاها ولا بيعرفوا يتفاهموا مع بعض على طول خناق وزعيق .. بتصعب عليا أوى
وجدت "آدم" صامتاً فقالت بسرعة وهى ترسم ابتسامة على شفتيها :
- معلش صدعتك بكلامى .. عارفه انك مبتحبش تتكلم فى المشاكل
نظرت أمامها تتطلع الى المنظر الذى يطل عليه المطعم .. أما "آدم" فإستمر فى تفرسه فيها .. ومشاعر كثيرة متناقضة تتصارع بداخله .. فكر أنه بعد أقل من اسبوعين سيكشف أوراقه .. وسيخبر "آيات" بالحقيقة وبالسبب الذى دفعه لخطبتها ولكتب كتابها .. رغماً عنه قفز الى رأسه سؤالاَ .. تُرى ماذا سيكون شعورها وقتها ؟ .. ماذا ستشعر بعدما تعلم أنها كانت جزء من خطته للنيل من عمها وابتزازه ؟ .. ماذا ستشعر بعد أن تعلم أنه ما تقرب إليها إلا من أجل استعادة حقه المسلوب ؟ .. زفر بضيق وهو ينظر اليها بغضب .. أراد أن يصرخ فيها .. لماذا أنت طيبة هكذا ؟ .. لماذا أنتِ صادقة هكذا ؟ .. لماذا لا تكونين مثل "ساندى" و مثل "بوسي" ومثل باقى الفتيات من طبقتك ؟ .. لماذا لا تكونين مانيكان للعرض مثلهن .. لماذا تلك البراءة التى لم تستطيعي اخفاءها جيداً خلف مكياجك وملابسك المثيرة ؟ .. لماذا أحببتيني لهذه الدرجة ؟ .. لماذا لا تكونين كعشرات الفتيات اللاتى ينجذبن الى وسامتى وعملى وثرائي دون الإهتمام بما أحب وبما أكره ؟ .. لماذا تتسللين الى داخل عقلي لتكتشفيه ؟ .. لماذا لا تكتفين بما أظهره لكِ ؟ .. لماذا تريدين المزيد ؟
.. لماذا لا تتركيني وشأنى لأكمل خطتى كما خططت ؟!
حانت من "آيات" التفاته اليه لترى علامات الضيق على وجهه ..فقالت بلهفة :
- "آدم" فى حاجة مضايقاك ؟
زفر بضيق قائلاً وهو يحاول التصرف بطريقة طبيعية :
- شوية مشاكل فى الشغل متشغليش بالك
ابتسمت له ونظرت فى عينيه قائله :
- معلش يا حبيبى بس انت ان شاء الله هتقدر تحلها .. معلش مفيش شغل مفيش فيه مشاكل .. متضايقش نفسك
تطلع اليها للحظة ثم أبعد عيناه عنها وهو يشعر بذلك الشئ يعود ليجثم على صدره مرة أخرى

طلب "آدم" من "آيات" الإنتظار أمام المطعم حتى يحضر سيارته التى صفها على بعد عدة شوارع بسبب زحمة السير .. سمعت "آيات" ضحكات لشابين بالقرب منها فلم تلتفت اليهما سمعت أحد الشابين يتجرأ عليها بالكلام بكلماته المبتذلة .. التفتت ونظرت اليه نظرة محذرة إلا أن الفتى وجد فيها دافعاً ليزيد من مضايقتها .. شعرت بالحنق وهى يميناً ويساراً وهى تقول فى نفسها :
- انت فين يا "آدم"
اقترب الشاب منها فالتفتت اليه تقول بحده :
- احترم نفسك خطيبي جاى دلوقتى ولو شافك هيبهدلك
قال الشاب بمياعه :
- يا خسارة هو القمر مخطوب .. ينفع كده يعني تكسر قلبي ده دبت فيك خلاص يا جميل
قالت بغضب وهى تبتعد خطوة للخلف :
- قولتلك احترم نفسك
قال الشاب مبتسماً :
- أحبك وانت متعصب .. هو فى كده .. حتى وانت متعصب زى القمر
توقف "آدم" بسيارته أمام "آيات" التى لاحظ علامات الخوف على وجهها واقتراب الشاب منها .. بمجرد أن رأت "آيات" سيارة "آدم" توجهت اليها مسرعة وركبت ورمقت الفتى بنظرة غاضبة فتجرأ الشاب وأرسل لها قبلة فى الهواء تحت مرئى من "آدم" .. انطلق "آدم" بسيارته يشق طريقه بين السيارات .. كنت تلهث وكأنها كانت تجرى .. نظر اليها ليجد جبينها المعقود و نظراتها الغاضبة .. قال وهو يتظاهر بأنه لم ينتبه لما حدث :
- فى حاجة ؟
أخذت نفساً عميقاً وحاولت الابتسام وهى تنظر له قائله :
- لا يا حبيبى مفيش حاجة
ثم التفتت لتنظر من الشباك المجاور لها وقد عقدت حاجبيها مرة أخرى وتبدلت نظرة الغضب الى نظرة حزن .. لم يكن ضيقها بسبب الشاب الذى ضايقها فحسب .. بل بسبب "آدم" الذى لم يهب لنجدتها أو لتلقين الفتى درساً .. تنبهت "آيات" جيداً لنظرات "آدم" التى رأت ووعت ما يحدث .. ومع ذلك لم يحرك ساكناً وكأنها لا تخصه .. وكأنها ليست خطيبته وحبيبته وكرامتها من كرامته .. وكأنها لن تصبح بعد عدة أيام زوجته وعرضه .. شعرت بالحزن فى قلبها .. تُرى ألا يغار عليها الى هذا الحد ؟ .. اى رجل فى مكانه كان تصرفه سيكون مختلفاً .. كان سيثور ويغضب ولربما تشاجر مع الفتى من أجلها .. لماذا حتى لا يطيب خاطرها بكلمة .. لماذا يتظاهر بأنه لم يرى ما حدث .
راقب "آدم" تعبيرات وجهها .. تنهد فى ضيق .. شعر بالإختناق .. شعر بأنه لم يعد يتحمل تلك الأيام التى تفصله عن يوم كتب الكتاب .. لتنتهى لعبته

************************************
عادت "آيات" الى منزلها لتلقى بنفسها على فراشها حزينة دامعة العينين .. قال لها "آدم" قبل أن تخرج من السيارة :
- بحبك يا "آيات"
ولأول مرة تمسع منه تلك الكلمة دون أن يقفز قلبها فرحاً .. شعرت بشئ يسلب فرحتها بها .. شعرت بها وكأنه يقولها لأنه يجب أن يقولها .. شعرت وكأنها كلمة ألقاها لسانه دون أن يمررها على قلبه .. أخذت تتسائل .. تُرى أيحبنى بالفعل ؟ .. لماذا إذن أشعر بالخوف والقلق والحيرة من نظرات عينيه ونبرات صوته .. تُرى أندم على ارتباطه بى .. أيرانى غير مناسبة له .. أيخشى من جرح مشاعرى برفضه اياى .. أمسكت هاتفها تنهدت بعمق ثم اتصلت بـ "آدم" .
كان "آدم" واقفاً يستند على سيارته وينظر الى أضواء القاهرة من فوق جبل المقطم عندما وجد اتصالاً من "آيات" رد قائلاً :
- أيوة يا "آيات"
قالت "آيات" بسرعة وكأنها تخشى هروب الكلمات منها :
- "آدم" .. انا عايزة أقولك حاجة واسمعنى للآخر ومتردش غير لما أقولك .. ماشى
صمت "آدم" فقالت بصوت مضطرب :
- "آدم" أنا عمرى ما حبيت حد .. ولا عمرى حسيت بحاجة ناحية أى ولد غير المشاعر العبيطة اللى أى بنت بتحسها فى ثانوي .. بس عمرى ما شاورت على راجل واتمنيت انه يكون جوزى
صمتت قليلاً ثم قالت بأعين دامعة :
- انت أول واحد أحس نحيته بكده .. أول واحد أقول هو ده الراجل اللى نفسي يكون جوزى .. ونفسى أعيش معاه فى بيت واحد .. ونفسي يحبنى زى ما بحبه .. انت كبرت أوى فى نظرى لما دافعت عنى يوم ما سواق التاكسى كان بيزعقلى .. احترمتك أوى وحسيتك راجل أوى وعشان كده حسيت انى معجبة بيك .. ولما شوفتك السنة دى معرفش احساسى ده كبر .. ولما اتقدمتلى كنت طايره من الفرح وبجد حبيتك أوى يا "آدم" لانى شوفت فيك كل اللى كنت بتمناه فى فارس أحلامى
كان "آدم" يستمع اليها فى وجوم .. فأكملت بصوت باكى :
- بس لو انت حاسس ان مش أنا فتاة أحلامك .. وانك ندمت ومش عايز تكمل .. قولى يا "آدم" .. متخفش أنا هتفهم ده لانى عارفه ان مينفعش نكمل مع بعض لو واحد فينا مش متقبل التانى وخايف يقوله كده عشان ميجرحوش
تساقطت العبرات من عينيها وقالت بصوت مرتجف :
- أنا عارفه ان ده هيكون صعب عليا بس ده أحسن عندى مليون مرة من انى اكتشفت بعدين انك اتجوزتنى عشان متجرحنيش .. "آدم" فى اللحظة اللى أنا بكلمك فيها دلوقتى أنا مستعدة أسمع منك كلمة مش عايزك يا "آيات" .. لو انت حاسسها قولها دلوقتى .. لأنك لو أجلتها أنا معرفش ساعتها هقدر أتحملها ولا لاء
أغمض "آدم" عينيه وهو محتفظاً يصمته .. فأكملت بصوت مرتجف والعبرات تتساقط على وجنتيها :
- "آدم" خليك صريح معايا .. لو مش عايزنى وندمت قولى دلوقتى وأنا هقول لبابا ان مفيش نصيب ده لو انت خايف تتكلم مع بابا .. ولو خايف عليا متخفش أنا فاهمة ان الخطوبة بتبقى فترة للتعارف وعشان كل واحد يقدر يشوف هو ده الانسان اللى يتمناه ولا لاء .. يعنى أنا هعذرك ومش هضايق منك يا "آدم"
صمتت "آيات" وهى تحاول السيطرة نفسها ومسح عبراتها التى أغرقت وجنتيها .. قاتل "آيات" بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :
- "آدم" أنا خلصت ومستنية ردك .. حابب تكمل معايا ولا لاء ؟
صمت "آدم" .. وظهرت الحيرة فى عينيه .. والأسى على وجهه .. طال صمته .. فحثته "آيات" قائله والدموه تبلل عينيها من جديد :
- أنا حسه بيها بس عايزة أسمعها منك عشان أفضل فكراها .. عشان تنسيني كل الكلام الحلو اللى سمعته منك قبل كده
صمت فقالت بحده :
- "آدم" رد عليا .. قولتك خلاص أنا فهمت .. بس عايزة أسمعها .. قولها وخلاص وهقفل بعدها ومش هضايقك تانى .. انت عايز تكمل معايا ولا لاء ؟
عض "آدم" على شفتيه بقوة .. وتنهد بقوة ثم أغمض عينيه قائلاً :
- أيوة عايز أكمل معاكى
شعرت "آيات" بالدهشة فلم تكن تلك الإجابة التى شعرت بأنها على طرف لسانه .. قالت "آيات" :
- بجد يا "آدم" .. يعني مش ندمان ؟
قال "آدم" بهدوء وهو يبلع ريقه بصعوبه :
- لا مش ندمان
تنهدت "آيات" بإرتياح وضحكت وسط دموعها قائله :
- حسه انى بحلم .. مكنتش متوقعة انك تقولى كده
اتسعت ابتسامتها وهى تمسح دموعها قائله :
- الحمد لله .. كنت خايفه أوى .. كده ارتحت
لكن شعور "آدم" كان أبعد ما يكون عن الراحة .. ظل يستمع الى السعادة فى نبرات صوتها وكل كلمة تشعره بسواد قلبه أكثر فأكثر .. قالت "آيات" :
- شكلك بره مش كده ؟
تمتم :
- أيوة
قالت "آيات" مبتسمه :
- طيب يا حبيبى متتأخرش ولما تروح طمنى عليك مش هنام إلا لما تتصل
تمتم "آدم" :
- لا نامى يمكن أتأخر
ابتسمت قائله بحنان :
- مش هعرف أنام الا لما أطمن انك فى البيت .. خلى بالك من نفسك
قال "آدم" بخفوت :
- مع السلامة
قالت "آيات" قبل ان يغلق :
- بحبك أوى
صمت "آدم" للحظات .. ثم قال بصوت مضطرب :
- وأنا كمان
ابتسمت وأنهت المحادثة وهى تتنهد فى راحة
أما "آدم" فأخذ ينظر الى الفراغ الشاسع أمامه .. وهو يسمع كلماتها تتردد فى أذنيه .. تشعره بالحيرة والأسى
عاد الى بيته واتصل بها يخبرها بوصوله .. بدل ملابسه وتوجه الى فراشه .. ظل ينظر الى سقف الغرفة .. ثم فجأة قام وتوجه الى حاسوبه وفتح رسالة "آيات" والتى أرفقت بها صورتها والتى لم يفتحها بعد .. ظل ينتظر تحميل الصورة وهو لا يعرف لما أراد رؤيتها .. ظلت أصابعه تطرق على الماوس بعصبيه .. الى أن ظهرت الصورة .. اختارت صورة بدون أى زينه .. وابتسامتها العذبه تنير وجهها .. ظل يتأمل ملامحها بإهتمام .. نظر الى عينيها وتذكر أخر كلماتها : بحبك يا "آدم" .. شعر فى تلك اللحظة بالخوف .. الخوف الشديد .. سيطر شعور الخوف عليه وأخذ فى التزايد فأغلق حاسوبه بسرعة لتختفى صورتها من أمام عيناه .

Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق