روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الخامس والعشرون من رواية جواد بلا فارس


عادت "آيات" الى غرفتها وهى ترتعش بشدة .. وقلبها يخفق بقوة .. توجهت الى النافذة تتأكد من كون "آدم" لم يتبعها .. جلست على فراشها ومازالت يداها ترتعشان .. أعادت فى عقلها ما حدث منذ قليل .. تملكها شعور بالخوف والغضب فى آن واحد .. خوف من أن يتعرض لها مرة أخرى وظلت تتساءل فى نفسها .. ماذا يريد .. لماذا تصرف هكذا .. يا لجرأته .. بل يا لوقاحته .. شعرت بالغضب من امساكه بها وقربه منها على هذا النحو ......


لم تشعر الا والعبرات تتساقط فوق وجنتيها .. ماذا يظننى .. كيف يتعامل معى بهذا الشكل .. أيظننى سهلة الى هذه الدرجة .. يقترب منى وقتما شاء وكيفما شاء .. كيف يجرؤ على الاقتراب منى ولمسى بهذا الشكل .. أبدلت ملابسها بملابس النوم .. فلم تشعر فى نفسها بأى رغبة فى العودة للحفل .. كانت تخشى أن تواجهه مرة أخرى .. وحتى وإن لم تواجهه .. لن تستطيع التحدث مع أى شخص الآن .. فالشى الوحيد الذى تشعر به الآن .. هو الرغبة فى البكاء .. لا تعرف تحديداً لماذا تبكى .. لكنها فقط كانت تريد أن تبكى .. وبكت !

***************************************

فتح "آدم" باب الشاليه ولحقه "زياد" .. استقبلته أمه قائله :
- خلاص يا حبيبى أنا جاهزة وتممت على كل حاجة فى الشاليه
لكنها فوجئت به يقبل عليها ويمسك كتفيها قائلاً وابتسامة واسعة على محياه :
- "آيات" عايشه يا ماما .. مماتتش
اتسعت عينا أمه من الدهشة وقالت :
- بتقول ايه يا ابنى
هزها بيديه وقال بحماس والسعادة فى عينيه :
- بقولك "آيات" .. الحمد لله عايشة .. شوفتها يا ماما
نقلت أمه نظرها بينه وبين "زياد" فقد ظنت أن حزنه عليها جعله يتخيل رؤيتها .. قال "زياد" مبتسماً :
- شكلها فعلاً ممتتش .. واللى ماتت دى كانت واحدة تانية
التفت اليه "آدم" وقال بلهفة :
- أنا مش قادر أصبر عايز أروح أشوفها تانى وأتكلم معاها
قال "زياد" محذراً :
- اهدى شوية يا "آدم" .. البنت كانت هتطبلك الأمن .. مش عايزين مشاكل
شهقت أم "آدم" قائله :
- تطلبلك الأمن .. ليه يا ابنى
فال "زياد" بمرح :
- ابنك لما شافها فضل ماسك فيها مش عايز يسيبها والبنت كانت يا عيني مرعوبة ومخضوضة وده برضه متبت فيها بإيده وسنانه
ابتسم "آدم" قائلاً :
- أعمل ايه يعني .. كنت هتجنن لما شوفتها أدامى
ثم قال بحزن :
- بس مدتنيش أى فرصة أتكلم معاها .. ولا انى أشرحلها أى حاجة
قال "زياد" مطمئناً اياه :
- متقلقش بكرة تتكلموا مع بعض وتقولها كل الكلام اللى جواك .. بس اهدى كده واعقل عشان الأمور دى متتاخدش الا بالهداوة
لم يستطع "آدم" النوم .. ظل ممدداً فوق فراشه واضعاً اللاب توب فوق قدميه يتأمل صورتها والابتسامه على شفتيه لا تغادرهما .. لم يصدق حتى تلك اللحظة أن "آيات" مازالت على قيد الحياة .. تمنى أن يذهب اليها ويتحدث معها فما كان يطيق هذا الانتظار .. لكنه خشى أن يسبب لها المزيد من الخوف .. اختفت ابتسامته وهو يتذكر كيف كانت خائفه منه .. فزعه .. تحاول افلات نفسها من بيد يديه بعنف .. تنهد وهو يعلم أن الأمر لن يتم بسهولة .. فبالتأكيد مازالت تحمل له فى نفسها البغض والرفض .. لكنه لن يدع الأمور على حالها .. يجب أن يقنعها بأنه تغير .. وأنه ترك كل ما يغضب ربه .. وبأنه عاد مرة أخرى انساناً نقياً .. وأنه نادم على كل ما فات ..تذكر جرمه فى حق نفسه .. وفى حق ربه .. فتساءل فى نفسه .. هل تقبلت توبتى يارب .. هل عدت فعلاً انساناً نقياً .. هل أمازلت غاضباً على .. شعر بالتكاسل لكنه أجبر نفسه على النهوض من فراشه .. توضأ وصلى ركعتين لله عز وجل .. يستغفره فيها ويرجو مغفرته .. ويرجو أن يقربه من "آيات" .. وأن تكون له دون سواه

***************************************
جلس "عاصى" فى بار قريته .. فى احدى يديه كأساً وفى الأخر فتاة ! .. رن هاتفه فرد بلهفه :
- ايه الأخبار
قال الشخص على الطرف الآخر :
- ازيك يا أستاذ "عاصى" .. الحلفة خلصت دلوقتى
سأله بإهتمام :
- ها ايه اللى حصل
- مفيش حفلة زى أى حفلة .. بس كانوا مقسمين الستات فى جهه والرجاله فى جهه عشان كده معرفش أدخل وسطيهم وأدور على "آيات"
زفر "عاصى" بضيق قائلاً :
- وبعدين .. معملتش حاجة يعني .. زى ما روحت زى ما جيت
قال الرجل :
- لا طبعاً ودى تيجي .. صحيح أنا معرفتش أخدلها صورة كدة ولا كدة وهى جوه الحفلة .. بس لما طلعت خدتلها شوية صور فى الجون
سأله "عاصى" بلهفه وهو يبتعد عن الفتاة التى معه :
- ها كمل
قال الرجل بحماس :
- فى الأول افتكرتها هتمشى وتسيب الحفلة .. فمشيت وراها .. ولما لقيت واحد جاى نحيتها استخبيت وراقبتهم
- واحد مين ؟
- "آدم خطاب" اللى كان شغال فى جولدن بيتش
رفع "عاصى" حاجبيه قائلاً :
- كمل
- كان باين عليهم بيتخانقوا .. هو ماسكها وعايز يحضنها وهى بتزعق فيه وبتبعد عنه .. بس خدت صورة فى الجووون مش واضح فيها انها كانت بتزقه أو بتحاول تبعد نفسها عنه
ضحك "عاصى" قائلاً :
- حلو أوى كده .. الصورة دى هتعمل بيها زى ما اتفقنا
قال الرجل :
- متقلقش يا أستاذ "عاصى" .. بكرة الصبح هتلاقى الخبر منور من الجرنال بتاعنا
شعر "عاصى" بالإنتصال ولمعت عيناه وهو يقول :
- أما نشوف أنا ولا انتى يا بنت عمى .. ابقى خلى أخوكى ينفعك

*************************************
سمعت "آيات" ضحكات صديقتيها تتعالى بعدما دخلتا البيت .. مسحت دمعاتها المتساقطة على وجهها بظهر يدها .. سمعت "إيمان" تقول لـ "أسماء" :
- شكلها نامت النور مطفى
قالت "أسماء" بمرح :
- هربت من الحفلة وسابتنا نتعجن لوحدنا
طرقت "أسماء" الباب ثم فتحته لـ .. تُصدم من وجه "آيات" الباكى .. كانت جالسه فى منتصف فراشها الصغير وعينيها ممتلاتان بالدموع .. أقبلت الفتاتان عليها وقال "إيمان" بدهشة :
- "آيات" انتى كنتى بتعيطي
جلست "أسماء" بجوارها قائله :
- مالك يا "آيات" حد ضايقك فى الحفلة ؟
قالت "آيات" بصوت مبحوح :
- شوفت "آدم"
قالت "أسماء" :
- دكتور "آدم" ؟ .. وبعدين .. كلمك ؟
أخذت تقص عليهما ما حدث بعدما غادرت الحفل .. فصاحت "أسماء" بحنق :
- هو فاكر نفسه ايه .. ازاى يعمل كده
قالت "إيمان" وهى تشعر بالغضب هى الأخرى :
- بجد راجل مش محترم
قالت "آيات" بصوت مرتجف وقد شعرت برغبة فى البكاء مرة أخرى :
- لما نادى عليا وشوفته محستش بأى حاجة .. عارفه أكنه واحد غريب عنى معرفوش .. لكن لما عمل معايا كده ومسكنى بالشكل ده بجد حسيت انى بكرهه .. ازاى يتجرأ ويعمل كده
قالت "أسماء" بحيره :
- بس أنا مش فاهمة كان عايز منك ايه
قالت "آيات" بحده :
- ولا أنا فاهمة .. كل اللى طالع عليه .. "انتى مكنتيش معاها" .. مفهمتش هو بيقول ايه خوفت منه أوى شكله مكنش طبيعي خالص .. لولا ان كان فى واحد خارج من القاعة وندهتله مكنتش عرفت أهرب منه
قالت "إيمان" بحزم :
- لازم تقولى لأخوكى يا "آيات" .. لازم يعرف ان فى معاكى راجل .. ممكن يكون عمل كده عشان فاكرك لوحدك وملكيش حد
قالت "أسماء" بإستغراب :
- أنا أصلاً مش فاهمة ليه يقرب منك كدة ويمسكك مش عايز يسيبك .. هو عارف كويس أوى ان خلاص كدة الموضوع انتهى وكمان هو أصلاً مكنش بيحبك .. ايه بأه اللهفة اللى ظهرت عليه فجأة دى
قالت "آيات" بحنق :
- معرفش ومش عايزة أعرف
سألتها "أسماء" :
- هتقولى لأخوكى ؟
تنهدت "آيات" قائله :
- أيوة بكرة ان شاء الله هعرفه بموضوع خطوبتى القدمة .. بس خايفة أقوله على اللى حصل النهاردة يروح يتشاكل معاه
قالت "إيمان" بتشفى :
- أحسن خليه يتشاكل معاه عشان يتربى ويتعمل الأدب .. أنا اصلا مش عارفه انتى ليه ما قولتيش لأخوكى انك كنتى مخطوبة لـ "آدم"
قالت "آيات" بمرارة :
- مجتش فرصة للكلام وبعدين محبتش أتكلم فى الموضوع ده وأفتحه تانى .. وكمان متخيلتش أبداً انه ممكن ييجي الحفلة أنى أشوفه .. أنا عارفه انه فى قرية منافسه لينا فقولت مستحيل نتقابل أبداً
ربتت "أسماء" على قدمها قائله :
- طيب يا حبيبتى نامى دلوقتى وبكرة نفكر هنعمل ايه
حاولت "آيات" النوم لكن النوم خاصم جفونها .. ظلت مستيقظة حتى قبل الفجر بقليل .. قامت وصلت ركعتى قيام الليل .. وصلت الفجر ووضعت جسدها على فراشها وغطت فى نوم عميق

*************************************

استيقظ "كريم" وخرج من غرفته ليسمع أصوات فى المطبخ .. توجه اليه ليرى "على" يعد الفطار .. فإبتسم له قائلاً بصوت ناعس :
- صباح الخير يا "على"
التفت له "على" قائلاً :
- صباح النور
توجه "كريم" الى الحمام بينما أعد على الطاولة ووضع فوقها الطعام المعد .. فتح الباب وتناول الجرائد الموضوعه أمامه ثم وضعها فوق الطاولة .. التفت الاثنان حول طاولة الطعام فقال "على :
- الحفلة كانت حلوة امبارح أنا شايف ان الناس كانت مبسوطة
قال "كريم" وهو يلوك الطعام فى فمه :
- أنا برده شايف كده .. طبعاً كان في ناس مش عاجبها الوضع بس ده طبيعي .. لولا اختلاف الأراء لبارت السلع .. كل واحد بيدور على الحاجة اللى مناسبه له ولمبادئه ولتخليه مبسوط وضميره مرتاح
قال "على" وهو يتناول احدى الجرائد من فوق الطاولة :
- عجبنى فكرة الجرايد اللى بتتوزع على كل القرية كل يوم الصبح
ابتسم "كريم" قائلاً :
- فكرة "آيات" .. ما شاء الله عليها دماغها جامدة
تجمدت نظرات "على" على أحد العناوين فى الجريدة ثم ما لبث أن تغيرت ملامحه .. نظر اليه "كريم" بتمعن قائلاً :
- ايه ؟ .. متقولش بدأووا هجوم .. أصلاً دى حاجة متوقعة .. أكيد فى ناس كتير مش هيعجبها الإسلوب المحترم اللى احنا شغالين بيه
بدا على "على" الوجوم وهو يعطى الجريدة لـ "كريم" .. أخذ "كريم" الجريدة ونظر اليها ليتقلى الخبر الصاعقة .. تمتم يقرأه بصوت خافت :
- مشهد عاطفى يجمع بين مدير قرية جولدن بيتش السابق و شقيقة مدير قرية الماسة
امتقع وجه "كريم" واحتقنت به الدماء عندما رآى الصورة المنشورة تحت الخبر .. "آدم" ممسكاً بوجه "آيات بكفيه مقترباً منها بوجهه وكلاهما ينظر الى عين الآخر .. أطرق "على" برأسه وقد أصابه الحزن لما يشعر به "كريم" الآن .. وضع نفسه موضع "كريم" فول كانت الصور المنشورة لـ "إيمان" أخته لكاد أن يجن الآن .. نهض "كريم" دون أن يتفوه بكلمة وأحضر هاتفه واتصل بـ "آيات" وهو مازال ممسكاً بالجريدة فى يده
صاحت "أسماء" النائمة :
- "آيات" ردى على موبايلك أو افصليه
استيقظت "آيات" .. وشعرت بالتوتر لإتصال "كريم" .. ظنت انها يريد أن يسألها لما غادرت الحفل مبكراً .. وستضطر الى أن تقص عليه كل شء .. ردت قائله :
- السلام عليكم .. أيوة يا "كريم"
سمعته يقول بحزم شديد :
- وعليكم السلام .. واقف مستنيكي أدام باب الشقة اطلعيلى فوراً
ازداد توتر "آيات" واضطرابها .. لماذا يتحدث اليها بجفاء هكذا .. ليس معقولاً أن هذا بسبب مغادرتها الحفل مبكراً .. تمتمت وهى ترتدى اسدالها :
- استر يارب
فتحت باب الشقة وهالها وجه "كريم" المحتقن .. خرجت وواربت الباب خلفها ونظرت الي قائله :
- خير يا "كريم"
رفع الجريدة أمام عينيها .. تجمدت الدماء فى عروقها وبردت أطرافها وهى تتطلع الى صورتها مع "آدم" والى العنوان الذى يشى بوجود علاقة بينها وبينه .. شهقت بقوة وهى تضع كفها على فمها .. طوى "كريم" الجريدة وأبعدها عن ناظريها وهو يقول بصرامة :
- أنا عايز أسمع منك انتى كمان قبل ما أروح أربي الكلب ده
ثم أغمض عينيه للحظة وتمتم بخفوت :
- أستغفر الله
تساقطت العبارت من عينيها .. ثم ما لبثت أن تعالت شهقاتها بالبكاء وهى لا تصدق أن عرضها أصبح شئ يُلاك فى الصحف وعلى ألسن الناس .. أغمضت عينيها بشدة وجسدها يرتجف بقوة .. نظر اليها "كريم" بتمعن .. ثم ما لبث أن جذبها لحضنه وهو يقول لها :
- فهميني يا "آيات" .. ازاى الصورة دى اتاخدت
لم تستطع الرد الا بمزيد من البكاء .. ربت على رأسها قائلاً :
- طيب اهدى .. اهدى عشان نعرف نتكلم
فى تلك اللحظة خرج "على" من السقة المجاورة واشار الى "كريم" قائلاً :
- ادخلوا هنا أنا نازل
جذبها "كريم" الى الشقة وأغلق الباب .. وجهها للجلوس على الأريكة وجلس بجوارها وهى مازالت تبكى .. ربت على ظهرها قائلاً :
- ممكن تهدى شوية .. عايز أفهم منك اللى حصل .. عشان الموضوع ده مستحيل أعديه بالساهل كده
توقفت عن البكاء وقالت بصوتها الباكى ووجهها الممتلئ بالعبرات :
- هو الىل مسكنى غصب عنى ومكنش راضى يسيبنى .. أصلاً اللى متعرفوش انه كان خطيبي
صمت "كريم" قليلاً من وقع الخبر عليه .. ثم بإنفعال :
- ازاى يعنى .. "آيات" اتكلمى وقوليلى كل حاجه متخبيش عنى حاجة
صمتت "آيات" قليلاً لتتمالك نفهسا .. ثــم .. قصت عليه كل شئ .. كل شئ .. وانتهت بقولها :
- مكنتش فاكره انى هيكون موجود فى الحفلة .. ولما نادى عليا افتكرته هيحاول يتكلم بس .. لكنه مسكنى من دراعى ومكنش راضى يسيبنى أمشى وفضل يقرب منى غصب عنى
انتهت من حديثها ورفعت عينيها تنظر الى "كريم" فلم تجد وجهه الا محتقناً أكثر وفى عينيه نظرة غضب شديد .. أوقفها قائلاً :
- ارجعى انتى وأنا هتصرف
نظرت اليه بقلق قائله :
- هتعمل ايه ؟
قال بحزم وهو يسوقها الى شقتها :
- قولتلك هتصرف
عاد الى شقته وبدل ملابسه فى عجاله ومازالت نظرة الغضب فى عينيه ثم توجه الى الخارج وهو يحمل هاتفه ومفاتيح سيارته .. اتصل بـ "على" وقال :
- "على" هتعرف تتصرف النهاردة من غيري ؟
سأله "على" بقلق :
- أيوة .. بس انت مش هتيجي الشغل يعني ؟
قال "كريم" بإقتضاب :
- مسافر القاهرة .. وهتابعك فى التليفون
- ماشى .. ترجع بالسلامة ان شاء الله
انطلق "كريم" يشق طريقه خارج القرية .. اتصل بـ "زياد" .. فلم يجد اجابة .. حاول مرات ومرات الى أن استيقظ "زياد" من نومه وأجاب بعينين نصف مفتوحتين :
- ألو
قال "كريم" بحزم :
- "زياد" قولى عنوان صحبك
هرب النوم من عيني "زياد" وجلس على فراشه قائلاً :
- صحبى مين ؟
- دكتور "آدم"
قال "زياد" بقلق :
- ليه عايز عنوان فى ايه ؟
- أنا فى طريقي للقاهرة عايزه فى حاجه مهمة
شعر "زياد" بالتوتر .. هل من الممكن أن تشتكى "آيات" من "أدم" الى "كريم" .. بإعتباره مدير القرية والمسؤل عنها ! .. رد قائلاً :
- احنا مسفرناش يا "كريم" .. احنا هنا فى العين السخنة
- طيب ثوانى
أوقف "كريم" سيارته على جانب الطريق ثم قال :
- اديني رقم الشاليه بتاعه
أخبره "زياد" عن رقم الشاليه .. فأنهى "كريم" المكالمة سريعاً .. حاول "زياد" الإتصال بـ "آدم" دون جدوى فارتدى ملابسه وتوجه الى الشاليه يطرق بابه .. فتحت له والدة "آدم" فسألها بلهفة :
- "آدم" هنا يا خالتى ؟
- أيوة يا ابنى نايم جوه
انطلق "زياد" الى غرفة "آدم" ليوقظه قائلاً :
- "آدم" .. "آدم" قوم .. "آدم"
استيقظ "آدم" وهو ينظر الى "زياد" بدهشة .. ثم أغمض عينيه مرة أخرى قائلاً :
- عايز بأه يا "زياد" .. أنا منمتش الا الصبح
قال "زياد" بقلق :
- "كريم" اتصل بيا وكان مسافرلك على القاهرة وطلب منى عنوانك .. قولتله اننا لسه هنا مسفرناش فطلب رقم الشاليه بتاعك
فتج "آدم" عينيه ونظر اليى "زياد" بدهشة وقال :
- مش فاهم .. كان هيسافرلى القاهرة ؟ .. ليه ؟
- مش عارف يا "آدم" بس مش مرتاح .. خايف تكون "آيات" دى حاكتله على اللى حصل امبارح
جلس "آدم" على فراشه وهو يقول بإمتعاض :
- وهو ماله هو .. دى حاجه بيني وبينها
فتح "زياد" فمه للرد عليه لكن صوت جرس الباب قاطعه .. نظر كلاهما الى وجه الآخر .. ثم نهض "آدم" وتوجه الى الباب وهو يقول لأمه :
- ماما ادخلى جوه بعد اذنك
دخلت والدته غرفتها وهى تقف خلف الباب تستمع الى ما يدور فقد شعرت بالقلق ينتابها .. فتح "آدم" الباب وهو يغمض عينه ليحميها من نور الصباح الذى غزاها .. نظر اليه "كريم" بحزم وصرامة وقال :
- ممكن نتكلم شوية
شعر "آدم" بالدهشة فالرجل الضاحك المرح الذى قابله بالأمس تحول 180 درجة وصار وجهه كحجر صوان .. ونظرات غاضبة يصوبها تجاهه .. أدخله "آدم" الى غرفة الصالون وأشار له بالجلوس قائلاً :
- اتفضل
تحدث زياد" قائلاً :
- خير يا "كريم" فى ايه ؟
رفع "كريم" الجريدة أمام ناظريهما .. خطف منه "آدم" الجريدة وهو يتطلع الى الخبر المنشور والى صورة "آيات" .. اتسعت عينا "زياد" فى ذهول ثم ما لبث أن هتف "آدم" بغضب :
- ولاد التييييييييييييييت
رفع عينيه ليرتطم بنظرات "كريم" الغاضبة .. قال "كريم" بعنف :
- ممكن أفهم ايه اللى انت عملته مع "آيات" امبارح ده .. ازاى تتهجم عليها كده
هتف "آدم" وهو يشغر ببركان غضب بداخله بسبب ما نُشر عن "آيات" :
- وانت مالك انت ومال "آيات" .. انت مدير القرية لكن مش من حقك تدخل فى حاجة تخص النزلاء اللى عندك
قال "كريم" بحزم وهو يعقد ذراعيه أمام صدره :
- انا أخوها .. يعني ليا الحق انى أتدخل فى كل حاجة تخصها .. وليا الحق انى أحاسبك دلوقتى على اللى عملته امبارح .. عايز أمسع منك حالاً تفسير للى حصل امبارح
قال له "آدم" بدهشة :
- أخوها ازاى يعني .. "آيات" ملهاش اخوات
قال "كريم" بحده :
- أخوها فى الرضاعة مش بالنسب .. ودلوقتى منتظر منك اجابة لانى مش هعدى الموضوع ده بالساهل .. حتى اللى نشر الخبر ده لازم هيتعاقب على السب والقذف اللى عمله
تنهد "آدم" وهو يشعر بعلقه قد توقف عن العمل لا يستطيع التفكير بوضوح فمنذ الأمس وهوي تلقى الصدمات واحدة تلو الأخرى .. قال "زياد" محاولاً تهدئه الأمور :
- "آدم" مكنش قصده يا "كريم" .. هو بس انفعل لما شافها .. مكنش مصدق نفسه .. لأنه كان فاكرها ماتت
قال "كريم" بدهشة شديدة :
- ماتت .. وايه اللى خلاه يفتكرها ماتت
قال "آدم" بوهن وهو يشير الى الأريكة :
- اعد وأنا احكيلك
توجه "آدم" الى غرفته ليحضر شهادة الوفاة التى استخرجها لـ "آيات .. والتى شعر "كريم" بالصدمة وهو يتطلع اليها .. ثــم .. تحدث "آدم" ليخبره بجانبه من القصة .. ران الصمت طويلاً الى أن قال "آدم" بخجل :
- أنا آسف انى اتصرفت كده .. بس حط نفسك مكانى .. واحدة انت مستلمها من المشرحة ودافنها بإيدك وعملت لها شهادة وفاة وفجأة لقيتها أدامك .. غصب عنك مش هتعرف تتحكم فى مشاعرك ومش هتعرف تفكر بوضوح
تنهد "كريم" بضيق وهو يقول :
- المشكلة دلوقتى فى الخبر اللى اتنشر ده
ظهر الغضب عى وجه "آدم" وهو يقول :
- متقلقش أنا هعرف شغلى مع اللى عمل كده .. سيبهولى
قال "كريم" بحزم وهو ينهض :
- أنا هعذرك بس عشان الكلام اللى قولته دلوقتى وعشام الموقف الصعب اللى اتعرضتله .. بس مش هسمحلك انك تقرب من أختى تانى .. الرابط اللى كان بينكوا خلاص انتهى .. مش عايز أشوفك تضايقها تانى
ثم قال بغضب مكبوت :
- أما اللى نشر الكلام ده فأنا لازم أرفع عليه قضية سب وقذف
أومأ "آدم" برأسه وهو يقول بصرامة :
- معاك حق .. ارفع عليه القضية عشان يتربى على اللى عمله ده .. بس أنا برده مش هسيبه
خرج "كريم" دون أن يضيف كلمة أخرى .. ألتقط "آدم" الجريدة التى تركها "كريم" على الطاولة وأخذ يتطلع الى تفاصيل الخبر والتى كانت تتحدث عن علاقة خفيه بينهما .. امتقع وجهه والتفت يغادر الشاليه .. لحق به "زياد" وهو يسأله :
- على فين يا "آدم"
قال وهو يركب سيارته بسرعة :
- رايح الجريدة اللى نشرت الخبر ده
انطلق "زياد" خلفه بسيارته .. كانت جريدة محلية لم يجد صعوبة فى الوصول الى مقرها .. نزل "آدم" وهو يحمل بيده الجريدة وأخذ يسأل عن صاحب الاسم الموضوع فى بداية المقال الى أن وجده .. دفعه "آدم" فى كتفه وهو يهتف :
- ايه الكلام اللى انت نشرته ده
شعر الرجل بالخوف لأول وهلة ثم ما لبث أن قال :
- ايه .. خبر زى أى خبر
صاح "آدم" بعنف :
- الخبر ده تنزله تكذيب دلوقتى حالاً انت فاهم
قال الرجل ضاحكاً بسرخة :
- لا مش فاهم .. تكذيب ايه انت بتحلم
كان رد "آدم" وهو لكمة قمية سددها الى وجه الرجل مع تعالى صيحات الاستنكار من الجميع .. جذبه "زياد" قائلاً :
- خلاص يا "آدم" كفايه
ألقى "آدم" الجريدة فوق الرجل الملقى على الأرض وقال بإشمءزاز :
- أنا هعرفك ازاى تنشر خبر زى ده .. أنا والبنت اللى فى المقال هنرفع عليك قضيتين سب وقذف ومش هسيبك الا وانت محبوس
هم بأن يضربه مرة أخرى لكن "زياد" أحكم قبضته عليه وهو يجذبه الى خارج المبنى .. هتفت "زياد" قائلاً :
- مش هتجيبها لبر يا "آدم" .. مش هترتاح الا لما تجيب لنفسك مصيبة
ركب "آدم" سيارته وهو يشعر بالحمق الشديد فسأله "زياد" :
- رايح فين ؟
قال "آدم" وهو ينطلق فى طريقه :
- رايح فى داهية
أخذ ينطلق بسيارته لا يلوى على شئ وهو يفكر فى مدى الأذى الذى سببه الى "آيات" .. شعر بالضيق الشديد وهوي فكر فى حالها الآن بعد نشر هذا الخبر وهذه الصورة التى تجمعه بها .. زفر بضيق وضرب على الموقد بقبضته بقوة شديدة وهو يهتف :
- الله يخربيتك كنت ناقصك انت كمان

***********************************
- ايه اللى منشور فى الجرنال ده يا "آيات" ؟
شعرت "آيات" بالخجل الشديد وهى تستمع الى تلك العبارة عبر الهاتف .. لم تكن تعلم أن المتصل هو "أحمد" والا ما كانت قامت البرد عيه .. صمتت فحثها قائلاً بصوت غاضب :
- "آيات" قوليلى معناه ايه الكلام ده .. ازاى تتصوروا مع بعض كده .. انتى رجعتيله تانى يا "آيات"
صاخت "آيات" بحنق :
- دى حاجة ملكش انك تتدخل فيها .. ولو سمحت أنا هقفل دلوقتى عشان مش قادرة أتكلم
انفجرت "آيات" فى البكاء .. جلست "أسماء" بجوارها تطيب خاطره .. دخلت "إيمان" حاملة كوب عصير لمون وأعطته الى "آيات" قائله :
- اشربى ده يا حبيبتى
قالت "آيات" من بين بكائها :
- أنا عملت ايه عشان يحصلى ده كله .. ربنا يسامحه طلعلى منين ده معرفش .. بسببه بقت الناس تتكلم عنى وسمعتى بقت زى الزفت
صاحت "أسماء" بقوة :
- محدش يقدر يتكلم عن سمعتك .. ده جرنال حقير أصلاً محدش بيصدق كلام الجرايد
قالت "آيات" بصوت باكى :
- والصورة .. والصورة اللى منشورة .. لو مصدقوش الكلام الصورة هتخليهم يصدقوا
زفرت "إيمان" بحنق شديد وهى تقول :
- الناس دى معندهاش دين ولا أخلاق ده قذف محصنات وخوض فى الأعراض .. ربنا ينتقم منهم
قالت"آيات" وهى تحاول السيطرة على بكائها :
- اعمل ايه دلوقتى ؟ .. مش هقدر أطلع من البيت واشوف حد .. أكيد كل اللى فى القرية شافوا الصورة
فى تلك اللحظة رن جرس الباب .. فإرتدت "إيمان" اسالها وتوجهت لفتحه .. خفق قلبها بقوة عندما وجدت "كريم" الذى خفض بصره بمجرد أن رآها .. وكذلك فعلت هى ووقفت متوترة ..فقال بهدوء :
- لو سمحتى قولى لـ "آيات" تلبس وهستناها تحت
قالت "إيمان" بصوت مضطرب :
- حاضر
نزل "كريم ينتظرها بالأسفل .. عدة دقائق ووجدها أماه تنظر يميناً ويساراً .. قال وهو يشعر ينظر الى عينيها التى بدا عليهما آثار البكاء :
- انتى كويسة
ارتجفت شفتاها وأطرقت برأسها والدموع تتجمع فى عينيها من جديد .. تنهد "كريم" بأسى وربت على كتفها قائلاً بحنان :
- متخفيش أنا هعرف أجيبلك حقك منه .. كلمت المحامى بتاع أستاذ "فؤاد" وان شاء الله هنمشى فى اجراءات القضية
رفعت "آيات" رأسها ونظرت اليه فى اضطراب .. شعرت بشئ من الحزن والألم وهى تقول :
- بس الموضوع مش مستاهل قضية .. يعني .. يعنى هو كده هيدخل السجن ؟
قال "كريم" بحزم :
- ازاى مش مستاهل قضية يكتب عنك خبر زى ده وينشر صورة ليكي ومن غير ما يتأكد من أى معلومة فى الخبر بتاعه .. لازم طبعا يتعاقب ده قذف
قالت "آيات" وقد فهمت ما يعنيه :
- آه آه يستاهل طبعاً .. أنا افتكرتك بتتكلم عن .. عن ... "آدم"
قال "كريم" وهو يتنهد بضيق :
- ده حكايته حكايه هو كمان
نظرت اليه قائله :
- ايه اللى حصل ؟ .. انت روحتله ؟
قال "كريم" بتهكم :
- الأستاذ مطلعلك شهادة وفاة
فغرت "آيات" فاها بدهشة .. فروى لها "كريم" ما سمعه من "آدم" .. تجمعت الخيوط فى عقلها واستطاعت تفسير تصرفاته الغريبة ليلة أمس وطريقته فى التعامل معها والتى أشعرتها وقتها بالخوف منه .. لم تستطع انكار شعورها بالتفهم لمتصرفاته التى ضايقتها بالأمس .. فبالتأكيد كانت الصدمة شديدة عليه .. نظر اليها "كريم" بتمعن وقال :
- مش عايزك تشيلى هم حاجة .. خلاص أنا تكلمت معاه ومش هيقربلك تانى .. والصحفى برده مش عايزك تشيليى همه
التفت اليه وهى تقول بمرارة :
- بعد ايه .. الناس خلاص قرأت اللى موجود فى الجرنال انت ناسى ان الجرايد بتتوزع على القرية كلها .. يعنى كل الناس قراته
دمعت عيناها فقال لها بحنان :
- احتسبي يا "آيات" أجر الأذية دى .. انتى مش هتكونى أحسن من أم المؤمنين عائشة اللى خاضوا فى عرضها .. وهى من هى .. وربنا سبحانه وتعالى قال "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ " .. قولى الحمد لله وادعى انه يرفع عنك البلاء ده .. ومتقلقيش حتى لو متحاسبش فى الدنيا فربنا هيتولى عقابه فى الآخره
تمتمت "آيات" وهى تكفكف دمعها :
- الحمد لله

تمددت "آيات" على فراشها وهى تشرد فى كلام "كريم" الذى رواه لها عن "آدم" وعن ظنه أنها فارقت الحياة .. تذكرت "آيات" نظرات عينيه يوم أمس ولهفته عليها .. ودموعه التى كانت تملأ عينيه .. شعرت بالدهشة .. لماذا يهتم بدفنها وبدفن "حليمة" و بإستخراج شهادة وفاة لها .. لماذا شعر بهذه السعادة لدرجة أنه بكى عندما وجدها حية أمامه .. لماذا هذا الإهتمام ؟! .. ظل السؤال فى عقلها بلا اجابة

********************************
التفت "زياد" ليقول لـ "آدم" الجالس بجواره على الشط :
- "آدم" أنا رأيى تسيب العين السخنة دلوقتى لان بجد الدنيا مولعه على الأخر
صمت "آدم" لبعض الوقت وهو ينظر الى البحر ثم قال :
- مش همشى
نظر اليه "زياد" قائلاً :
- طيب هتعمل ايه ؟ هتفضل آعد هنا فى قرية "شكرى" ؟
لمعت عينا "آدم" واحتفظ بصمته .. فهتف "زياد" :
- أنا مش حابب استنى فى القرية المقرفة دى
ثم أشار الى بعض الفتيات والشباب على بعد عدة أمتار منهما والذين يلهون معاً بجرأة قائلاً :
- مش شايف المناظر .. الواحد حاسس انه فى مكان موبوء
ثم زفر بحده وقال :
- أنا خلاص قرفت بأه من الشغلانه دى .. حاسس بجد انى عايز أسيب المكان ده .. انا بقالى سنين بشتغل فى السياحة لما جبت أخرى خلاص
قال "آدم" بثقه :
- متقلقش هلاقى حل
التفت اليه "زياد" قائلاً :
- حل ايه ؟
قال "آدم" وقد لمعت عيناه بلؤم :
- بكرة تعرف
ثم عاد ينظر الى البحر أمامه وهو عازم على التمسك بـ "آيات" بكل ما أوتى من قوة

**************************************
حاولت "آيات" فى الأيام التاليه اشغال نفسها بعملها ونسيان ما حدث .. كانت تشعر بالحزن والألم عندما ترى اثنان ينظران اليها ثم تنحى احداهما وتهمس فى أذن الأخرى .. لكنها حاولت أن تحتسب أجر ذلك البلاء الذى وقع بها .. كانت تعمل بهمة ونشاط لكى ترهق عقلها وجسدها حتى لم يعد لديها قدرة على التفكير فى همومها .. لكن السؤال عن سر اهتمام "آدم" بها ظل فى رأسها بلا اجابة ..

مارست" إيمان" عملها المعتاد فى صالة الألعاب الرياضية .. كانت تشعر بسعادة بالغة لممارسة هذا العمل لانه يشجعلها على اللعب هى الأخرى ومشاركة هؤلاء الفتيات فى محاولة انزال وزنها .. علمت منهم وصفات مجربة فى فقدان الوزن وكونت مجموعة من الفتيات ليشجعوا بعضهن البعض على السير على أحد الأنظمة الغئاشية لفقدان الوزن .. وكانت هى قائدة تلك المجموعة .. شعرت بالحماس الشديد فى مواصلة النظام الغذائي هذه المرة .. فلكم بدأت فى الأنظمة والتى كان مصيرها الفشل الذريع لقلة حماستها ولقلة عزيمتها .. اما هذه المرة فالأمر مختلف .. كانت ولأول مرة منذ فترة طويلة تشعر بالسلام الداخلى مع نفسها .. وكأنها تصالحت معها .. وبدأت فى النظر الى نفسها بشئ من الإيجابية .. انهت كتابة التقرير الإشرافى الذى طلبه "كريم" من كل مشرفى القرية وتسليمه له فى نهاية كل اسبوع .. ذهبت فى اتجاه مكتبه تقدم قدماً وتؤخر الأخرى .. لا تعلم لما يعتريها هذا التوتر الشديد كلما صادفته أو تحدثت معه .. حاولت البحث عن "آيات" لإعطائها الملف لتسلمه بدلاً منها .. لانها شعرت أنها لان تملك الجراة لموادهته وخاصة بعدما حدث فى الإجتماع .. توجهت "آيات" الى مكتب "كريم" وسلمته تقرير "إيمان" عن صالة الألعاب الرياضية .. تفحص الملف بنظرة سريعة وقبل أن تغادر "آيات" أوقفها قائلاً :
- هى لسه مضايقة منى ؟
قالت "آيات" على الفور :
- لا بالعكس .. دى محرجة منك جداً .. عشان اللى حصل وانها فهمتك غلط فى الإجتماع
أومأ "كريم" برأسه وغادرت "آيات" المكتب

***************************************
أنهت "أسماء" عملها وشعرت بالإرهاق والجوع فتوجهت الى الإستراحة المخصصة للموظفين .. جلست على احدى الطاولات وبدأت فى تناول طعامها .. سمعت فتاتين فى الطاولة بخلفها تقول احداهما للاخرى :
- لا بس فى ناس محترمة برده
ردت الاخرى قائله :
- أيوة فى ناس محترمة بس اللى اسمه "على" ده راجل قليل الأدب بيبص للبنات بصات وحشه واتحرش بيا قبل كده
انحشر الطعام فى حلق "أسماء" .. امتدت يدها الى كوب الماء وتناولت عدة رشفات منه وهى تسمع التاة تقول :
- معاكى حق أنا برده مبرتاحلوش خالص حتى بفكر نشتكيه للأستاذ "كريم" .. هو راجل محترم وأكيد هيمشيه
قال الفتاة :
- يا ستى مش عايزين مشاكل .. ممكن "على" ده يقول اننا بنتبلى عليه وشكلنا احنا اللى هيكون وحش
بدا الدموع فى عيني "أسماء" وتجعد جبينها بقوة وهى تتذكر تحرشات "هانى" بها والتى كادت أن تتنساها وتنسى كل ما حدث قبل قدومها الى القرية .. لكن ها هى تلك الذكريات الكريهة تعود لتطفو على سطح ذكرياتها مرة أخرى .. قامت من فورها وألقت نظرة على الفتاتان ثم توجهت منطقة كالسهم تبحث عن ... "على" !
كانت تشعر ببركان غضب بداخلها .. كادت أن تأتى بما فى معدتها وهى تتذكر اضطرارها للإستسلام لـ "هانى" بسبب خوفها وجبنها .. اعادت كلمات الفتاة فى عقلها وشعورها بالخوف من الكلام والتحدث بما يحدث معها .. تخيلت "على" وهو يفعل مع الفتاة كما فعل "هانى" معها .. أخذ غضبها فى التزايد الى أن وصل لقمته .. ها هى وجدت مبتغاها .. "على" جالس على أحد المقاعد فى الحديقة .. انطلقت فى اتجاهه .. وقفت أمامه وهى تصرخ فيه بغضب هادر :
- عامل فيها راجل محترم .. هو ده بأه الدين اللى ربنا قال عليه
نظر اليها "على بدهشة شديدة وهو يحاول استيعاب ما تقول .. فأكملت بغضب :
- انت انسان حقير ومعندكش أخلاق وأنا مش هسكت أنا هقول لأستاذ "كريم" ولو معملش حاجة وطردك من هنا أنا هسيب القرية دى لان ميشرفنيش انى أشتغل مع واحد سافل زيك
قالت ذلك ثم غادرت مسرعة .. امتقع وجه "على" بشدة وهو يستمع الى تلك الكلمات التى انهالت بها عليه .. هب واقفاً وركض خلفها ثم وقف أمامها يمنعها من التحرك ونظر اليها بغضب قائلاً :
- ايه اللى انتى بتقوليه ده
صاحت بغضب متهكمة :
- أيوة مثل مثل .. ما انت رائع أوى فى التمثيل .. انت عارف كويس أنا بتكلم عن ايه
كاد "على " أن يجن من حديثها واسلوبها فصاح بغضب :
- والله ما فاهم انتى بتتكلمى عن ايه بالظبط .. ولا فاهم انتى ليه بتشتميني كده
قالت "أسماء" وهى تنظر الييه بإشمئزاز :
- سمعت بنتين وهما بيتكلموا مع بعض فى الكافيتيريا عن اللى انت بتعمله فى البنات وتحرشاتك بيهم ونظراتك ليهم .. انت بجد انسان حقير أوى بجد .. وراسم نفسك وعامل انك محترم بس أهو ربنا كشفك على حقيقتك
نظر اليها "على" بأعين تشع غضباً وهو يضم قبضتى يده بقوة حتى ابيضت أصابعه وهرب الدم منها .. قال بصرامة :
- والله العظيم لو مكنتيش بنت أنا كنت عرفت شغلى معاكى .. مين البنتين اللى بتقولى انك سمعتيهم بيتكلموا عنى ؟
نظرت اليه "أسماء" وقد شعرت ببعض الخوف من نظرات عينيه الغاضبة فلم يسبق لها أن رأته غاضباً هكذا .. قالت بتوتر :
- أعدين فى الكافيتيريا
أشار لها بحزم أن تلحق به وقال :
- وريهملى
ذهبت معه فى اتجاه الكافيتريا .. حمدت الله أن الفتاتان مازلتا فى معقديهما .. أشارت "أسماء" فى اتجاه طاولتهما فإتجه اليهما "على" .. بمجرد أن رأوه توقفوا عن الكلام .. نظر اليهما "على" بغضب قائلاً وهو يحاول أن يتحكم فى أعصابه :
- أنا عملت ايه بالظبط ؟ .. ايه اللى قولتوه عنى ؟
وقفت "أسماء" تراقب ما يحدث بإهتمام وقد عقدت ذراعيها أما صدرها .. قالت احدى الفتيات بإرتباك :
- ما قولناش حاجة عنك يا أستاذ "على"
صاحت أسماء" بحده وقد ظنت الفتاة خائفة من "على" :
- متخفيش منه .. قولى اللى حصل
قالت الفتاة وهى تنظر الى "اسماء" بإستغراب :
- مفيش حاجة حصلت .. أنا متكلمتش على أستاذ "على" خالص
قالت "أسماء" بحدة وهى تقترب من الفتاة :
- ازاى يعني أنا سمعتك بتقولى انه بيبص للبنات بطريقة وحشه وانك اتحرش بيكي
احمر وجه الفتاة بشدة وأطرقت برأسها وهى تقول :
- أنا مكنش قصدى الأستاذ "على" .. انا كان قصدى "على" اللى بيشتغل فى الروم سيرفيس
اضطربت "أسماء" وهو تشعر بالخطأ الفادح الذى وقعت فيه .. قال "على" بصرامة :
- اسمه ايه بالظبط ؟
أخبرته الفتاة عن اسمه كاملاً .. فطلب منها الحضور معه .. توجه بالفتاة الى مكتب "كريم" وقصت الفتاة عليه ما حدث .. و طلبت حضور فتاة أخرى والتى أكدت أن هذا هو ما حدث معها هى الأخرى .. لم يكن مصير "على" هذا سوى الطرد من القرية .. فرحل وهو مطرق الرأس بعدما سمع تعنيفاً شديداً من كل من "كريم" و "على" .. خرج "على" من مكتب "كريم" بعد انتهاء المشكلة متوجهاً الى شقته .. ما كاد يصل الى البناية حتى وجد "أسماء" واقفة أسفلها وقد بدا عليها التوتر .. تجاهلها تماماً وأطرق برأسه وهو يهم بدخول البناية لكنها أوقفته قائلاً :
- لو سمحت
توقف دون أن ينظر اليها .. صمتت لبرهه ثم قالت بإضطراب :
- أنا آسفة
لم يتحدث بشئ .. فأكملت :
- لما سمعتها بتقول "على" .. افتكرت انها تقصدك انت
قال "على" بهدوء :
- كان لازم تتأكدى الأول قبل ما توجهيلى الاتهام .. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" .. وانتى متبينتيش انتى هاجمتى على طول
قالت بحده :
- قولت خلاص أنا آسفة .. أنا لما سمعت كده حسيت ان دمى اتحرق لان الموقف ده صعب ان أى بنت تتعرضله .. عشان كده اتكلمت معاك بالاسلوب ده
صمت "على" لبرهه ثم أخذ نفساً عميقاً وقال بهدوء دون أن ينظر اليها :
- أنا مش ممكن اعمل كده أبداً .. مش ممكن هأذى بنت لا بلمسة ولا بكلمة ولا حتى بنظرة لانى عارف كويس ان كما تدين تدان .. لو عملت كده فى أى بنت أكيد فى يوم من الأيام ربنا هيردهالى فى أختى أو أمى أو مراتى لما أتجوز .. عشان كده أنا بخاف أعمل أى حاجة غلط مع أى بنت وبحافظ عليهم أكنهم اخواتى .. مش عشان بس خايف من عقاب ربنا .. لأ .. عشان ربنا يحافظلى على الانسانه اللى هتكون مراتى
دخل "على" البناية .. ظلت "اسماء" واقفة وقد شعرت بوخزات الدموع فى عينيها .. تؤلمها وتحرقها .. حاولت السيطرة على نفسها فلم تستطيع .. حاولت وقف عبراتها ومنعها من الإنهمار فلم تستطع .. حاولت التحرك من مكانها فلم تستطع .. ما كانت تشعر به بداخلها شل حركتها تماماً .. تساقطت على وجنتيها العبرات ساخنة حارقه .. ثم التفتت تنظر الى البوابه الخالية والتى عبر منها "على" منذ قليل .. ولأول مرة فى حياتها .. شعرت بقلبها يخفق بطريقة لم تعهدها من قبل !
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق