روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل التاسع عشر من رواية جواد بلا فارس




استيقظت أم "آدم" من نومها وخرجت من غرفتها لتجد "آدم" واقفاً فى الشرفة .. اتجهت اليه وقالت :
- صباح الخير يا "آدم"
التفت "آدم" وابتسم بوهن قائلاً :
- صباح النور يا ماما
نظرت اليه أمه بإستغراب وقالت :
- انت ايه اللى مصحيك بدرى كده ؟
قال "آدم" وقد بدت على وجه تعبيرات حزينه وفى عينيه حيرة استشعرتها أمه من أول وهلة :
- أنا منمتش أصلاً
اقتربت منه ووقفت بجواره على سور الشرفة ونظرت اليه قائله بإهتمام :
- خير يا ابنى فى ايه
تنهد "آدم" محاولاً تخليص نفسه من ضيقه الذى يجثم على صدره .. صمت ولم يجيب فحثته قائله :
- أنا أمك يا "آدم" لو فى حاجة قولى يا ابنى يمكن أقدر أساعدك
التفت "آدم" اليها وقال بحزن وضيق :
- "آيات" .. والدها اتوفى
صمتت والدته قليلاً ثم قالت :
- "آيات" خطيبتك القديمة مش كده ؟

أومأ برأسه فقالت أمه بأسى :
- لا حول ولا قوة الا بالله ربنا يرحمه ويغفرله
قال "آدم" وهو ينظر الى الشمس التى بدأت آشعتها تلوح فى الأفق :
- باباها كان مديون واضطرت تبيع كل ميراثها عشان تسدد ديونه .. وحتى الفيلا باعتها ومعرفش هى عايشه فين ولا ازاى
ثم زفر بضيق قائلاً :
- وراحت لـ "سراج" عمها تطلب منه شغل
سألته أمه بإستغراب :
- وانت يا ابنى عرفت كل ده ازاى هو انتوا لسه بتكلموا بعض
قال "آدم" بضيق :
- عرفته وخلاص .. حاولت أكلمها كتير مردتش عليا وفين وفين لما ردت .. ولما طلبت عنوانها وانى أطمن عليها قالتلى انها لا عايزة تشوفنى ولا عايزه تسمع صوتى وانها مش هتشغل الشريحة دى تانى ومن ساعتها وموبايلها مقفول
تابعت أمه بإهتمام تعبيرات الضيق على وجهه .. لاحت ابتسامه حانيه على شفتيها وهى تقول :
- انت حبتها يا "آدم" ؟
نظر "آدم" الى أمها بحزن وعيناه تقول : نعم .. أحبها .. أحبها
اتسعت ابتسامة أمه وهى تقول بحماس :
- دى بنت طيبة وبنت حلال .. أول ما شوفتها بصراحة معجبنيش شكلها يعني كانت بتحط مكياج كتير ولبسها ضيق فبصراحة اضايقت بس لما اتكلمت معاها حسيت انى ارتحتلها أوى وحسيت انها مؤدبة ومحترمة
ابتسم "آدم" بوهن قائلاً :
- حبيتها يعني ؟
قالت أمه بحماس :
- بصراحة أيوة .. ومادمت انت كمان حبيتها يبقى يا ابنى متضيعهاش من ايدك
اختفت ابتسامة "آدم" وهو يقول :
- ماما انتى متعرفيش اللى حصل ولا تعرفى احنا سبنا بعض ليه وازاى
نظرت اليه أمه نظرة مشجعة على الحديث .. فأخذ نفساً عميقاً ثم قص عليها كل شئ .. بدأ من الخطة التى وضعها لخطبة "آيات" وابتزاز "عبد العزيز" بورقة زواجها لإسترجاع حقه الذى سلبه "سراج" و "عاصى" .. الى علاقته بـ "بوسى" وفضحها اياه عند "آيات" والفيديو الذى صورته لهما معاً .. انتهى من كلامه الذى شعر بالضيق الشديد وهو يقصه على مسامع والدته .. كان ينظر الى أمامه أثناء حديثه وهو لا يجرؤ على النظر اليها .. شعر بالحزن والندم الشديد وهو يتذكر ما فعله بـ "آيات" .. ومن قبلها نفسه .. ران الصمت طويلاً .. كانت أمه تحاول استيعاب ما قال .. تحاول استيعاب أن بأن ابنها زانى .. ومخادع .. تحاول استيعاب مدى السوء الذى وصل اليها "آدم" .. لكنه فلذة كبدها .. وسيبقى كذلك .. مهما فعل ستسامحه وتحاول أن تقومه وتدعو له بالهداية .. وضعت يدها على كفته وهى تنظر الى تعبيرات وجه .. والى عيناه التى بدأت فى اللمعان بما فيهما من عبرات .. ثم قالت بحنان :
- ربنا غفور رحيم يا ابنى .. وزى ما قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون" .. ومن رحمة ربنا ان باب التوبة مفتوح فى كل وقت وكل زمان وكل مكان .. بس انت ارفع ايدك وقول يارب .. ده مفيش أكرم منه ولا أرحم منه .. بيغفر ويسامح ويمحى كل ذنوبك فى ثانيه .. بس انت توب واستغفر يا حبيبى ومتخليش الشيطان يوسوسلك انك ملكش توبة أو ان ربنا مش هيغفرلك
نظر اليها "آدم" بلهفة وتطلب عيناه وترجوها الإستزاده من هذا الكلام الذى يبعث فى نفسه الأمل .. فأكملت بحماس :
- فى قصة النبي صلى الله عليه وسلم حكاها أنا مش حفظه الكلام بالظبط بس هحكيهالك أكنها قصة .. كان زمان أوى قبل ما ربنا يرسلنا النبي صلى الله عليه وسلم .. كان فى راجل قتل 99 روح .. والراجل ده حس فى يوم انه عايز يتوب وعايز يبقى بنى آدم كويس .. راح لراهب وقاله انه عايز يتوب وانه قتل 99 واحد .. الراهب قاله انت ملكش توبه .. فراح الراجل ده موت الراهب وكمل عدد اللى قتلهم ل 100 .. بعد كده الناس قالته فى عالم كبير روحله وقوله انك عايز تتوب .. راح للعالم ده وقاله انه قتل 100 انسان وعايز يتوب .. العالم قاله وايه اللى مانعك انك تتوب ! .. توب بس لازم تسيب المكان اللى انت فيه لان المكان ده مكان مش كويس وهيجرك تانى للمعاصى والذنوب لو انت فضلت فيه .. وروح البلد الفلانيه دى فيها ناس كويسه هياخدوا بايدك .. الراجل مكدبش خبر بس وهو فى الطريق مات .. وعشان هو كان فعلا عايز يتوب وهو واقع بيحتضر اتجه بصدره ناحية البلد الطيبة الى كان رايحلها .. بعد ما مات نزلت ملايكة الرحمة عايزين يقبضوا روحه .. ونزلت ملايكة العذاب عايزين يقبضوا روحه .. والملايكة اتخاصموا عليه .. ملايكة الرحمة قالوا ده تاب وكان عايز يقرب من ربنا واستغفر لذنوبه ورايح للبلد اللى فيها صحبة كويسة عشان يساعدوه على التوبة .. وملايكة العذاب قالوا ده راجل معملش أى حاجة خير فى حياته ولا حتى حسنه واحدة .. ساعتها ربنا ارسل ملاك فى صورة انسان خلوه حكم بينهم .. قالهم قيسوا المسافة بين البلد اللى عاش فيها الراجل ده وبين المكان اللى مات فيه .. وكمان قيسوا المسافة بين البلد الطيبة اللى كان رايحلها وبين المكان اللى مات فيه .. واذا طلعت المسافة الأولى أكبر من التانية يبقى تقبضه ملايكة العذاب .. واذا كانت المسافة التانية أكبر من الأولى يبقى تقبضه ملايكة الرحمة .. قاسوا المسافة ولقوا ان المسافة الأكبر هى اللى بين المكان اللى مات فيه وبين البلد الطبية اللى كان رايحلها فقبضته ملايكة الرحمة وربنا غفرله ذنوبه كلها .. رغم انه معملش أى حسنة فى حياته لحد ما مات .. بس مات على توبة وعلى نيه صادقة فى التوبة وعلى عمل يدل على انه فعلا تاب

شعر "آدم" بقشعريرة تسرى فى جسده وهو يستشعر رحمة الله عز وجل .. تذكر بالفعل الحديث الذى قاله النبي صلى الله عليه وسلم والذى شرحته أمه الطيبة دون أن تتذكر نصه .. "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمَّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإنّ بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط. فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضَيْن، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة"
تأملت أمه انفراجة أساريره فإبتسمت قائله :
- "إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" يا ابنى .. وربنا سبحانه وتعالى بيقول " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "
تنهد "آدم" فى راحة وقد بدأ الأمل يدب فى أوصاله .. الأمل فى الكثير والكثير .. الأمل فى التوبة .. الأمل فى التطهير من ذنوبه وآثامه .. الأمل فى أن يصبح انسان أفضل .. الأمل فى استرجاع "آيات" .. من المؤكد أنها لن ترفض العودة اليه اذا ما لمست صدق توبته .. التفت الى أمه قائلاً بحماس :
- تفتكرى ممكن "آيات" ترجعلى لو حست فعلاً انى اتغيرت وانى ندمت على كل اللى عملته ؟
أشارت أمه الى السماء بإصبعها وقالت :
- اسأله وهو يديك .. مفيش حاجة بعيده عليه .. وربك بيقول " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "
أخذ "آدم" نفساً عميقاً وزفره فى راحة وقد شعر بصدره قد اتسع وشرح .. اتسعت ابتسامته وهو ينظر الى أمه ثم قبل رأسها ويديها وهو يقول بتأثر :
- ربنا يخليكي ليا يا ماما وميحرمنيش منك أبداً
نظرت اليه بحنان قائله :
- ويباركلى فيك يا ابنى وميحرمنيش منك أبداً

************************************
استيقظت "آيات" من نومها وجلست على فراشها تفكر فى وضعها والى الطريق المسدود الذى وصلت اليه .. تنهدت فى يأس وهى تتذكر مقابلة عمها التى ِأشعرتها كم هى وحيدة فى هذه الدنيا دون سند أو دعامة ترتكز عليها .. اغرورقت عيناها بالعبارت وهى تتذكر دعامتها التى فقدتها .. أبيها الحبيب .. الذى تشعر الآن بدونه بالضياع .. أغمضت عينيها وهى تتخيله أمامها تلقى بنفسها بين ذراعيه وتريح رأسها على كفته وتترك له همومها ليزيحها بيديه من فوق كتفيها .. ثم يعانقها بشدة يخفيها بين ذراعيه ويحميها من شرور الناس وأذاهم .. فتحت عينيها لتعود مرة أخرى الى واقعها المرير وهى تقول لنفسها .. همومك لن يزيحها غيرك يا "آيات" .. ولن يحميكى احداّ غيرك .. يجب أن تعتادى ذلك .. يجب أن تكونى أقوى .. فالضربة التى لا تقسمك يجب أن تجعلكِ أقوى ..

توجه "عاصى" الى كلية التجارة بجامعة القاهرة يحاول أن يتقصى أى معلومات تقع تحت يديه عن "آدم" .. قابل هناك احدى الطالبات التى قالت له :
- أيوة عارفاه بس هو السنة دى واخد أجازة بس كان بيدي سنة رابعة السنة اللى فاتت
قال "عاصى" بإهتمام :
- أصل أنا قريبه وكنت مسافر ومش عارف أوصله لانه غير رقمه وكمان غير مكان سكنه .. متعرفيش أأقدر ألاقيه فين .. أو مين هنا من الدكاترة قريب منه ويعرفه عن قرب
قالت الفتاة بحماس :
- ممكن تسأل العميد
بدا على "عاصى" التردد قليلاً فالعميد لن يأتيه الا برقمه وعنوانه وهو لا يريد تلك المعلومات .. بل يبحث عما يستطيع به أن يلوى ذراع "آدم" .. فقال للفتاة :
- أنا فعلاً هسأل العميد .. طيب انتى متعرفيش الطلبة هنا بيقولوا عليه ايه .. أكيد انتوا بينكوا وبين بعض بتبقوا عارفين الدكتور الكويس من الوحش وبتكون عارفين حاجات ممكن العميد ميعرفهاش
قالت الفتاة وقد شعرت بالإستغراب من أسئلته :
- لأ أنا معرفش عنه حاجة غير انه كان خاطب واحدة من الكلية السنة اللى فاتت وسابوا بعض .. غير كده معرفش حاجة عن دكتور "آدم" .. وهو معاملته مع الطلبة كويسة
قال "عاصى" بإهتمام :
- قولتيلى كان خاطب واحدة من الكلية .. طيب متعرفيش سابوا بعض ليه .. وهو اللى سابها ولا هى اللى سابته
بدأت الفتاة بالشعور بعدم الراحة من أسئلته الغريبة فقالت بنفاذ صبر وهى تهم بالانصراف :
- لا معرفش سابوا بعض ليه .. عن اذنك
أوقفها "عاصى" وقال بلهفة :
- طيب اسمها ايه البنت دى ؟
قالت الفتاة بحنق :
- اسمها "آيات اليمانى" .. ممكن تعدينى ؟
نظر "عاصى" الى الفتاة بدهشة وقال :
- "آيات اليمانى" ؟ .. تقصدى "آيات عبد العزيز حسان اليمانى" ؟
قالت وهى تغادر مسرعة :
- معرفش
لكن "عاصى" لم ييأس .. سأل حتى تأكد من أن "آيات" هى الفتاة التى خطبها "آدم" ثم انفصلا .. شعر بمزيج من الدهشة والانتصار .. فها هو يعرف معلومة جديدة قد يتوصل من خلالها الى نقطة الضعف التى سيخترقها للوصول الى "آدم" .. ومن ثَم تحطيمه

***********************************

أثناء تناول طعام الغداء قالت "أسماء" :
- متتصلى بعمك كده يا "آيات" يمكن يكون شافلك الشغل اللى قالك عليه
قالت "آيات" وهى تتناول طعامها :
- مش معايا رقمه .. وبعدين قالى أروحله بعد يومين
قالت "أسماء" :
- اليومين فاتوا خلاص
توقفت "آيات" عن تناول الطعام وقالت بيأس :
- تفتكرى فعلاً هيشغلنى ؟
قالت "حليمة" بحماس :
- طبعاً يا بنتى الضفر ميطلعش من اللحم ومهما كان انتى بنت أخوه
قالت "آيات" بتهكم :
- يا دادة انتى مشفتيش قابلنى ازاى .. أكنى واحدة غريبة ميعرفهاش
قالت "حليمة" وهى مازالت تصر على أن كل الناس طيبين مثلها :
- معلش دى ساعة شيطان .. لما يشوفك تانى النفوس هتصفى ويخدك تحت جناحه
قالت "آيات" بشرود :
- ياريت فعلاً النفوس تصفى أنا مليش غيره دلوقتى
نظرت اليها "اسماء" بعتاب قائله :
- وأنا ودادة "حليمة" روحنا فين يعني
نظرت اليهما "آيات" بإمتنان وقالت :
- انتوا دلوقتى كل أهلى وكل صحابي
ابتسمت حليمة وهى تربت على كتفها وكتف "أسماء" قائله :
- وانتوا الاتنين بناتى اللى مخلفتهمش .. أنا لا اتجوزت ولا خلفت بس ربنا رزقنى بيكوا انتوا الاتنين تونسوا وحدتى
ابتسمت الفتاتان لطيبة "حليمة" وحنانها .. قامت "حليمة" بعدما أنهت طعامها فنظرت "أسماء" الى "آيات" قائله :
- هو لسه فى ناس بالطيبة دى
ابتسمت "آيات" وهى تقول :
- عارفه .. لما كنت فى المسجد كنت بحفظ سورة الفرقان ولما قرأت الآية اللى بتقول "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا " افتكرت دادة "حليمة" على طول
قالت "أسماء" بتأثر :
- فعلاً ست طيبة أوى وبيتمر فيها العشرة .. على الأقل هى أحن عليا من أمى اللى ولدتنى
اغرورقت عيناها بالعبارت فجلست "آيات" على المقعد المجاور لها وأحاطت كتفيها بذراعها وهى تقول :
- خلاص بأه مش بحب أشوفك زعلانه
مسحت "أسماء" عبرة كادت أن تفر من عينها وهى تقول :
- خلاص مش زعلانه
ابتسمت الفتاتان كلاهما فى وجه الأخرى لتدب كل منهما الأمل فى نفس صاحبتها

*******************************
توجهت "آيات" مرة أخرى الى شركة عمها .. فليس لها ملجأ سواه .. جلست فى مكتب مديرة مكتبه تنتظر أن يُسمح لها بالدخول .. طلب "سراج" من مديرة مكتبه أن تبقى معها حتى لا تطيل المكوث .. دخلت "آيات" بحرج أكبر من الحرج الذى لازمها فى أول زيارة لها .. ابتسمت له بإضطراب فأشار لا بالجلوس فى ترفع .. جلست "آيات" بتوتر وهى تقول :
- حضرتك قولتلى أجى كمان يومين عشان موضوع الشغل
قال "سراج" وهو ينشغل بالتطلع الى الملفات الموضوعه على المكتب أمامه :
- لا لسه ملقتش حاجة مناسبه
شعرت "آيات" بالإحباط وقالت :
- أنا مستعده أشتغل أى حاجة مش شرط حاجة محددة
قال "سارج" وهو مازال منهكاً فيما يفعل :
- انتى حديثة التخرج ومفيش خبرة فى أى حاجة عيازانى أشغلك ايه فى شركة كبيرة زى شركتى اللى أقل واحد فيها معاه خبره 3 سنين
شعرت "آيات" بالحزن والضيق .. أشار "سراج" لمديرة مكتبه بطرف خفى ففعلت كما فعلت المرة السابقة :
- "سراج" بيه حضرتك عندك اجتماع كمان خمس دقايق
قامت "آيات" بتثاقل وعلامات الحيرة والإضطراب على وجهها فقال لها "سراج"و هو ينظر اليها :
- سيبي بياناتك ولو لقيت حاجة مناسبة هبقى أبلغك
خرجت "آيات" من مكتبه وهى تملى مديرة مكتبه بمرارة رقمها وعنوانها فسألتها المرأة بإهتمام :
- ده عنوان بيتك مش كدة
قالت "آيات" بشرود :
- لا ده عنوان ست كانت بتشتغل عندنا أنا أعده معاها فى بيتها
غادرت الشركة كما فى المرة السابقة .. عيناها ممتلأتان بالدموع .. دونت المرأة بيانات "آيات" فى ورقة ووضعتها فى أحد الأدراج وعادت الى الانهماك فى عملها عازمة على الاتصال بـ "آدم" فى نهاية اليوم بعد الإنتهاء من عملها لإبلاغه بعودة "آيات" مرة أخرى
عادت "آيات" الى البيت وقصت على "أسماء" ما حدث فقالت لها :
- ده راجل تيييييييييت صحيح
قالت "آيات" بألم :
- حسسنى انى راحة أشحت منه .. أنا خلاص مستحيل أروحله تانى .. مستحيل أطلب منه أى حاجة تانى
ثم قالت :
- وأصلاً مكنتش مركزة ساعتها ومليت مديرة مكتبه رقمى القديم .. نسيت انى كسرت الشريحة وغيرت الرقم
قالت "أسماء" وهى تتنهد بتحسر :
- وهنعمل ايه دلوقتى يا "آيات" ؟

*******************************
- يعني "آيات" بنت عمى كانت خطيبة "آدم"
ألقى "عاصى" تلك العبارة على مسامع "سراج" الذى اتسعت عيناه دهشة وهو يقول :
- معقوله .. انت متأكد يا "عاصى"
قال "عاصى" بثقه :
- أيوة متأكد .. واللى عرفته ان حصل مشكله بينها وبينه يوم كتب الكتابة بعد ما المأذون جه .. بس محدش يعرف ايه هى المشكلة دى بالظبط
أخذ "سراج" يفكر وقد علمت الدهشة ملامحه .. فقال "عاصى" بحزم :
- لازم أعرف من "آيات" كل حاجة .. اكيد تعرف معلومات عن "آدم" ممكن تفيدنا ونقدر نستخدمها ضده
قال "سراج" وكأنه يتذكر أمراً :
- آه على فكرة كانت هنا النهاردة
قال "عاصى" بإهتمام :
- وبعدين ؟
قال "سراج" بلامبالاة :
- قولتها لسه ملقتلهاش شغل وانى هبقى أتصل بيها لو لقيت حاجة مناسبه
قال "عاصى" بحنق :
- يا بابا .. طيب وبعدين هنوصلها ازاى دلوقتى ؟
قال "سراج" وهو يضغط الزر لينادى مديرة مكتبه :
- أنا قولتها تسيب رقمها وعنوانها
دخلت المراة وقالت :
- ايوة يا فندم
قال لها "عاصى" بلهفة :
- "آيات" بنت عمى سابت بياناتها قبل ما تمشى ؟
أومأت المراة برأسها وقالت :
- أيوة سابت رقمها وعنوانها
قال "عاصى" بعجاله :
- طيب هاتيه بسرعة
توجهت الى مكتبها وأخرجت الورقة التى احتفظت لها وسلمتها الى "عاصى" الذى نظر اليها وعلى شفتيه باتسامة انتصار .. ما كادت تعود الى مكتبها حتى ضربت جبينها بكفها وهى تتمتم بغيظ :
- أووووف .. غبية
أمسكت هاتفها واتصلت بـ "آدم" الذى أجابها بلهفة قائلاً :
- ألو .. ها فى جديد
قالت المرأة بضيق :
- أيوة البنت جت تانى
قال "آدم" بلهفة وهو يهب واقفاً :
- ها وبعدين
قالت المرأة بصوت خافت وهى تتلفت حولها :
- "سراج" بيه قالى آخد منها بياناتها قبل ما تمشى .. وكتبتلى رقمها وعنوانها
قال "آدم" بسعادة وقد اتسعت ابتسامته وأمسك قلمه من فوق المكتب بلهفة :
- طيب مليني الرقم والعنوان
قالت المرأة بحرج :
- مش معايا
اختفت ابتسامة "آدم" وهو يقول بإستغراب :
- مش قولتى انها اديتك رقمها وعنوانها
قالت المرأة :
- أيوة بس "عاصى" بيه طلبهم واديتله الورقة ونسيت أكتبها عندى
قال "آدم" بغيظ :
- أعمل فيكي ايه دلوقتى
قالت المرأة بسرعة :
- متقلقش هحاول أتصرف
قال "آدم" بحزم :
- الرقم والعنوان عايز أعرفهم فى أقرب وقت .. النهاردة قبل بكرة
قالت المرأة بثقه :
- متقلقش هحاول أوصلهم
خرج "عاصى" من مكتب "سراج" فأسرعت بانهاء المكالمة .. وتابعته بعينيها الى أن انصرف وهى تفكر فى طريقة تحصل بها على الورقة التى سلمتها الى "عاصى" بيدها

************************************

عاد "على" الى بيته مستنداً الى والده ووالدتها .. جهزت "إيمان" غرفته وفراشه .. مدد عليه جسده المتعب من آثار الضرب والكدمات .. أسرعت والدته بالذهاب الى المطبخ لإعداد ما يتقوى به ابنها .. نظرت اليه "إيمان" بإشفاق وقالت :
- انت كويس يا "على" ؟
قال "على" مبتسماً بضعف :
- الحمد لله يا "إيمان"
جلست على المقعد امامه وقالت بحماس مصطنع :
- ان شاء الله الظروف هتبقى أحسن وهتلاقى الشغلانه اللى بتحلم بيها
قال "على" بتهكم :
- طبعاً طبعاً
علمت "إيمان" بأن كلماتها لن تصلح لمواساته فنهضت وهى ترمقه بنظرات حانيه .. اخرج "على" مصحفه من درج الكمودينو بجوار فراشه الصغير و وأخذ يقرأ فى كتاب الله الى أن وصل الى الآية فى سورة الإسراء التى تقول " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا " .. تنهد "على" فى ضيق من نفسه وهو يشعر بأن انمك فى طلب الدنيا وخف شيئاً فشيئاً عن سعيه وعمله لدار البقاء .. تمتم فى خفوت :
- استغفر الله العظيم
ومازال يستغفر حتى أذن المغرب .. فتحامل على نفسه متثاقلاً وذهب الى الحمام ليتوضأ .. رأته والدته فساعدته فى الوضوء .. ثم نظرت اليه بدهشة عندما وجدته متوجهاً الى الباب وقالت له :
- رايح فين يا "على" ؟
قال وهو يرتدى حذائه :
- اشتقت للصلاة فى المسجد
جلس "على" على أحد المقاعد يصلى .. أخذ ينظر الى الأرض بحسرة وقد اشتاق لوضع جبهته عليها خضوعاً لله عز وجل .. أنتهى من صلاته وقد شعر بسكينة فى قلبه .. اقترب منه أحد الرجال ذو السمت الإسلامى والذى كان يعرفه شكلاً دون أن يتحدث معه .. قال له الرجل :
- شفاك الله وعافاك يا أخى
ابتسم له "على" قائلاً :
- جزاكِ الله خيراً
ابتسم له الرجل ببشاشه وقال :
- افتقدتك اليومين اللى فاتوا .. لانى متعود أشوفك دايماً فى المسجد ما شاء الله عليك
قال "على" بأسى :
- مفيش كنت تعبان شوية
نظر الرجل الى ذراع "على" الموضوع فى الجبيرة وقال :
- حادثة ؟
صمت "على" قليلاً ثم قال :
- يعني حاجة زى كدة
ربت الرجل على كتف "على" وقد انتبه الى تعبيرات الحزن والأسى على وجهه وقال :
- أبشر ان شاء الله
نظر اليه "على" قائلاً :
- تفتكر فى أمل ؟
ابتسم الرجل وقال :
- النبي صلى الله عليه و سلم علمنا ان " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ "
تمتم "على" :
- عليه الصلاة والسلام
أكمل الرجل قائلاً :
- وكمان النبي صلى الله عليه وسلم قالنا "ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة" .. أحسن الظن بالله يكن كما ظننت ان شاء الله
قال "على" للرجل :
- فعلاً أنا كان نقصنى اليقين فى إجابة دعائي .. جزاك الله خيراً انك ذكرتنى
ربت الرجل على كتفه .. ظل "على" جالساً فى المسجد يقرأ من كتاب الله حتى حان موعد العشاء فأداها فى جماعة .. ظل يدعو الله كثيراً فى سجوده وهو يعلم أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .. فظل يدعوه بيقين فى اجابة دعائه وبالرضا والتسليم لقضائه

**********************************
سمعت "آيات" صوت الجرس وهى جالسة فى غرفتها تقرأ فى مصحفها .. فالتفتت الى "اسماء" الواقفة فى الشرفة وقالت :
- مين اللى بيخبط علينا
نظرت اليها "أسماء" قائله :
معرفش تلاقى حد من جيران دادة "حليمة"
ثم قالت :
- فى عربية شيك أوى وقفت تحت البيت ونزل منها راجل شكله مش من المنطقة تفتكرى هو اللى بيخبط ؟
قالت "آيات" بإستغراب :
- هيكون مين يعني ؟
قالت "أسماء" وهى تمط شفتيها :
- معرفش بس أول ما الراجل دخل من المدخل سمعت بعدها بشوية صوت الجرس
لم تكد تنتهى من جملتها حتى طرقت "حليمة" باب الغرفة ونظرت الى "آيات" وهى تقول بحماس :
- "آيات" يا بنتى .. ابن عمك بره
انتفضت "آيات" وهبت واقفة وهى تقول :
- ابن عمى مين ؟
نظرت "أسماء" بدهشة تتابع ما يحدث فقالت "حليمة" مبتسمة :
- "عاصى" ابن عمك آعد بره فى الصالون مستنيكي
تبادلت الفتاتان نظرة دهشة .. قالت "أسماء" بلهفة :
- قومى البسى بسرعة أكيد جاى يتكلم معاكى عن الشغل اللى طلبتيه من عمك
ارتدت "آيات" ملابسها فى عجالة وقلبها يخفق بشدة من فرط توترها .. خرجت فوقف "عاصى" يستقبلها مبتسماً وهو يمد يده اليها قائلاً :
- ازيك يا "آيات"
شعرت بالحرج فمدت يدها تسلم عليه .. ثم نزعتها من يده سريعاً وهى تقول :
- الحمد لله .. اتفضل
أشارت الى المقعد فجلس .. دخلت "حليمة" وقدمت له الشاى بينما كانت "أسماء" تستمع الى حديثهما وهى واقفة بالقرب من الصالون .. بدأ "عاصى" حديثه قائلاً :
- أولاً بعتذر انى كنت مقصر فى حقك الفترة اللى فاتت بس أنا مكنتش هنا .. أنا كنت فى العين السخنة ولسه راجع من كام يوم وراجع تانى على هناك
قالت "آيات" بإبتسامة مجاملة :
- لا أبداً لا تقصير ولا حاجة
قال "عاصى" بإبتسامة مشجعة :
- طيب بما ان مفيش زعل يبقى نخرج نتعشى مع بعض
شعرت "آيات" بالحرج فأسرع قائلاً :
- عشان نتكلم فى تفاصيل الشغل
قالت "آيات" بلهفة :
- شغلى ؟
قال "عاصى" بحماس :
- أيوة هتشتغلى معايا .. بس عايزن نتكلم فى التفاصيل مع بعض وفرصة ندردش شوية وأعرف أخبار بنت عمى
صمتت "آيات" قليلاً ثم قالت :
- طيب ممكن صحبتى تيجي معانا
قال بدهشة :
- صحبتك ؟
قالت "آيات" شارحة :
- أيوة هى عايشة معايا هنا
شعر "عاصى" بالضيق لأنه أراد التحدث معها بمفردها لكنه خشى أن ترفض فقال :
- طبعاً طبعاً دى تنورنا
ابتسمت "أسماء" الى كانت تستمع الى الحوار فإستأذنت "آيات" لترتدى ملابسها .. دخلت "أسماء" الغرفة تنتظرها وبمجرد أن أغلقت "آيات" الباب قالت "أسماء" بسعادة :
- الحمد لله أخيراً الدنيا هتبتدى تتظبط معانا
قالت "آيات" بضيق :
- كان ايه لزمته موضوع العشا ده .. ما كان قالى التفاصيل هنا وخلصنا
قالت "اسماء" بحماس :
- يا بنتى وفيها ايه ما نتعشى معاه وبعدين ما أنا هكون معاكى مش هتكونى لوحدك
كانت "آيات" تشعر بعدم اقتناع لكنها أرغمت نفسها على إمرار هذا الأمر من أجل حل مشكلتها الحالية .. مضى بهما "عاصى" الى أحد المطاعم الراقية .. تذكرت "آيات" زيارتها السابقة لذلك المطعم مع والدها .. مرت سحابة حزن أمام عينيها لتلك الذكرى .. ثم ما لبثت أن نفضت تلك الذكريات من رأسها ورسمت على شفتيها ابتسامة مجاملة عندما نظر اليها "عاصى" مبتسماً .. قالت "أسماء" بمرح :
- حلو أوى المكان ده
ابتسم لها "عاصى" قائلاً :
- كويس انه عجبك
ثم التفت الى "آيات" قائلاً :
- وبنت عمى .. عاجبها المكان ولا لأ
ابتسم "آيات" قائله :
- أيوة .. جميل
شرع فى طلب الطعام لثلاثتهم .. نظر اليهما "عاصى" مستفهماً :
- انتوا صحاب من زمان
قالت "أسماء" بمرح :
- بألنا أكتر من 4 سنين مع بعض
التفت اليها "عاصى" قائلاً :
- وانتى خريجة ايه يا آنسة "أسماء"
قالت "أسماء" مبتسمه :
- أنا زى "آيات" ما احنا كنا زمايل فى الجامعة ومن هناك اتعرفنا على بعض وبقينا صحاب و أكتر من الإخوات
رفع "عاصى" حاجبيه قائلاً :
- واضح فعلاً انكوا قريبين من بعض أوى بدليل انكوا عايشين مع بعض
توترت "أسماء" فلم ترد مناقشة أسباب تركها لبيتها .. التفت "عاصى" الى "آيات" قائلاً :
- شكلك من النوع الهادى يا "آيات" .. أعده ساكته ومبتتكلميش
قالت وقد بدأت تضيق ذرعاً من جلوسها معه :
- لأ عادى
ثم قالت بجدية :
- ياريت نتكلم فى الشغل .. ايه التفاصيل اللى قولت اننا هناقشها مع بعض
فى تلك اللحظة حضر النادل ووضع أمامهم أصناف الطعام .. بدأ "عاصى" فى تناول طعامه وهو يقول :
- أنا عندى قرية سياحية فى العين السخنة .. وحابب انك تشتغلى معايا هناك
قالت "آيات" بحذر :
- هشتغل ايه بالظبط ؟
قال "عاصى" وهو يلوك الطعام فى فمه :
- الشغلانه اللى تختاريها .. ممكن تشتغلى فى العلاقات العامة أو فى الاستقبال أو فى أى مكان تختاريه فى القرية .. زى ما تحبي
صمتت "آيات" وهى تفكر فى كلامه .. فانتهزت "أسماء" الفرصة لتقول فى مرح :
- ويا ترى الشغل ده لـ "آيات" لوحدها .. مفيش حاجة تنفع صحبتها
التفت اليها "عاصى" وقال مبتسماً بلؤم :
- لا طبعاً .. أكيد فى لصحبتها
ابتسمت "أسماء" بسعادة وهى تقول :
- اتفقنا
التفت "عاصى" الى "آيات" ورفع حاجبيه وهو ينظر الى ملابسها متفحصاً وهو يقول :
- بس طبعاً محتاجة لوك تانى خالص
نظرت اليه "آيات" بدهشة وهى تقول :
- ازاى يعني ؟
قال "عاصى" وهو يشير الى ملابسها :
- مينفعش ده يكون لبس واحدة شغالة فى قرية سياحية وخاصة لو فى العلاقات العامة أو بتتعامل تعامل مباشر مع زوار القرية والسياح .. لازم يبقى لبسك أشيك من كده وكمان مينفعش يبقى وشك كده من غير ميك آب
ثم نظر الى "أسماء" وابتسم بخبث قائلاً :
- يعنى خليكي حلوة زى صحبتك
ابتسمت "أسماء" فقال "عاصى" وهو يتفحصها هى الأخرى :
- برده انتى كمان محتاجة شوية تعديلات
ثم قال بحماس :
- عامة متقلقوش هنديكوا سلفة من مرتبكوا تشتروا بيها لبس مناسب .. لازم قبل ما تروحوا القرية تكونوا على سنجة عشرة .. عشان أى حد بيشتغل فى القرية بيكون عنوان ليها
شعرت "آيات" بالضيق الشديد من كلامه .. نظر اليها "عاصى" متفحصاً وهو يقول :
- مالك يا "آيات" مبتكليش ليه ؟
قالت "آيات" بوجوم :
- شبعانه
قال "عاصى" بخبث :
- إلا قوليلى يا "آيات" انتى مخطوبة ؟
قالت "آيات" وعقلها منشغل فى طريقة للهرب من تلك السهرة التى أصبحث ثقيلة عليها :
- لأ
فسألها قائلاً :
- ولا اتخطبتى قبل كده ؟
نظرت اليه بحده وهى تتساءل فى نفسها .. هل يعلم بأمر خطبتها من "آدم" أم لا .. قالت فجأة :
- معلش أنا تعبانه ممكن نروح ؟
نظرت اليها "أسماء" بإستغراب ممزوج بالحنق .. أما "عاصى" فنظر اليها متفرساً محاول تخمين ما تفكر وما تشعر به .. استجاب لمطلبها دون الحاح حتى لا يضايقها .. أوقف سيارته تحت البيت وهو يقول بمرح :
- طبعا لما تبتدوا الشغل معانا فى العين السخنة هيكون ليكوا شاليه مخصوص .. يعني موضوع السكن مش عايزكوا تقلقوا منه خالص
ثم ابتسم وهو ينظر الى "آيات" قائلاً :
- مش عايزك تقلقى أبداً يا "آيات" طول ما أنا جمبك
ارتبكت "آيات" من نظراته ونزلت من السيارة هى و "أسماء" فلوح لهما مودعاً .. صعدت "آيات" الى البيت تتبعها "أسماء" بمجرد أن دخلت "أسماء" الغرفة أغلقتها عليهما وهى تقول :
- ليه قومتى بسرعة يا "آيات" أنا حسيت انه اضايق من كده
قالت "آيات" بضيق شديد :
- يضايق ولا يتفلق
سألتها "أسماء" قائله :
- ايه فى ايه من ساعة ما أعدنا معاه وانتى مش مظبوطة ولاويه بوزك
نظرت اليها "آيات" بحده قائله :
- انتى مسمعتيش الكلام اللى قاله .. عايز يلبسنا على مزاجه وكمان يخليني أحط ميك آب عشان أبقى عنوان يشرف قريته .. أهو أنا بأة ميلزمنيش الشغل فى قريته دى
هتفت "أسماء" بضيق :
- محسسانى انه قالنا البسوا بكيني
قالت "آيات" بغضب وقد احمر وجهها بشدة :
- ده بيقول ان لبسك انتى مش عاجبه .. لبسك اللى أنا شيفاه ضيق ومينفعش يتخرج بيه أصلاً
قالت "أسماء" وقد بدأ غضبها يتصاعد هى الأخرى :
- وماله لما نلبس لبس شيك وراقى زى ما هو عايز .. انا مستعدة أوافق على أى حاجة .. أى حاجة مقابل انى أشتغل وأصرف على نفسى ومرجعش بيت خالتى تانى .. لو هو ده شرطه أنا موافقه
قالت "آيات" بحزم وهى تقف فى مواجهتها :
- بس أنا مش موافقه ومش ممكن أوافق
قالت "أسماء" بحده :
- لو موافقتيش هنموت من الجوع مستحيل يشغلنى من غيرك
قالت "آيات" وهى تتوجه الى ملابس البيت لتستبدلها بملابسها التى ترتديها :
- مفيش حد بيموت من الجوع
هتفت "أسماء" بغيظ وهى تلقى بحقيبة يدها فوق الفراش :
- انتى ليه عنيده كده ؟
التفتت اليها "آيات" وهى تقول بصرامة :
- أنا مش هلبس لبس ضيق يا "أسماء" .. وأظن انتى كنتى بتلبسى ضيق أدام ابن خالتك وشوفى وصلتيه بلبسك انه يعمل ايه
اتسعت عينا "أسماء" من الغضب فهتفت بغضب هادر :
- طيب أنا ابن خالتى اتحرش بيا عشان كنت بلبس ضيق .. انتى بأه الراجل اللى فى الاتوبيس اتحرش بيكي ليه ... ها .. ما انتى بتلبسى واسع وبرده اتحرش بيكي .. يعني مش باللبس .. اى واحدة دلوقتى بيحصلها تحرش مهما كانت لابسه حتى لو ماشية لابسه شوال .. وده مش عيب فى البنت ده عيب فى ولاد التيييييييييييييييت اللى ماشيين فى الشارع
قالت "آيات" بحزم :
- أولاً أنا لبسى مش واسع للدرجة .. أيوة أوسع منك وأطول منك بس عارفه انى برده لبسى لسه مش صح .. ثانياً بأه العيب من البنت وعليها ذنب كبير لما تلبس لبس يثير الرجاله اللى ماشية فى الشارع ويستفزهم .. مش بقول ان اللى بيتحرش ده صح .. لا ده أصلاً مش راجل ومفيش فيه ريحة الرجولة وبكرة يحصل فى أخته وأمه وبنته ومراته اللى هو بيعمله فى بنات الناس لإن كما تدين تدان .. بس البنت لما تبقى نازله من بيتها ولابسه لبس مبين كل تفاصيل جسمها وواحد يمد ايده ولا يتحرش بالكلام يبأه هى مشتركة معاه فى اللى حصل ومشتركة معاه فى الذنب لأنها عرضت جسمها زى ما بتتعرض الجارية فى سوق العبيد .. ما ينفعش تحطى أدام كلب حتة لحمة وتلوميه انه كلها .. لو مش عايزاه ياكلها خلاص خبيها مش تسبيها مكشوفة أدامه .. لكن لما تبقى واحدة محترمة خارجه من بيتها ولابسه لبس محترم وواحد يقل أدبه عليها فهى معليهاش أى ذنب ومش بتاخد أى سيئات والسيئات بتكون من نصيبه هو لوحده لأنها لبست محترم ومعملتش أى حاجة تستفزه أو تثيره .. يعني البنت اللى بتلبس وحش دى شريكة فى جريمة التحرش عشان كده مقدرش أقول عليها ضحية .. أما البنت اللى بتلبس محترم هى دى فعلا الضحية .. وكفاية ان ربنا يكون غضبان على الأولى .. وراضى عن التانية
التزمت "أسماء" الصمت وهى تفكر فى كلام "آيات" التى قالت كتقرير لما انتهى عليه نقاشهما :
- أنا مش هلبس حاجة تغضب ربنا عشان أرضى "عاصى" أو عشان أرضى أى حد
ثم قالت بحنق :
- أنا حسه بذنب فظيع عشان سلمت عليه بإيدي رغم ان "سمر" نبهتنى كتير للموضوع ده وقالتلى مينفعش أسلم على راجل بإيدي .. أنا اتحرجت لما مدلى ايده .. بس مكنش لازم اعمل كده مهما كان هو مين ومهما كنت هتكسف .. لأن مفيش راجل ولا بنت ولا أى مخلوق فى الدنيا يستاهل انى اغضب ربنا عشانه
خرجت من غرفتها وتركت "أسماء" شارده فيما سمعت

***********************************

سمعت والدة "آدم" عدة طرقات على باب غرفتها فى الصباح الباكر .. فنهضت من فراشها بعجالة وفتحت الباب لتجد "آدم" واقفاً أمامها فقالت بقلق :
- خير يا ابنى
قال "آدم" :
- أنا مسافر القاهرة يا ماما
قالت أمه وهى تنظر اليه بتمعن :
- خير يا ابنى حصل حاجة ؟
تنهد "آدم" بضيق قائلاً :
- "آيات" لسه قافله تليفونها وهموت وأطمن عليها .. مش قادر أستنى أكتر من كده
ابتسمت أمه بحنان وربتت على كتفه قائلاً :
- متقلقش ان شاء الله تلاقيها وتجبها معاك
قبل "آدم" رأسها قائلاً :
- ادعيلي يا ماما
انصرف آدم فرفعت أمه كفها الى السماء وقالت :
- يارب يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع عليه ضالته
انطلق "آدم" بسيارته الى القاهرة وهو عازم على اصلاح أموره مع "آيات" فلم يعد يطيق بعدها عنه ولو للحظة .. أرادها معه .. بجواره .. فى حياته .. تشاركه اياها .. لن يتركها وحدها وهو أدرى الناس بمدى طيبتها وبرائتها .. لن يتركها وسط الغابة لتلتهمها الضباع والكلاب .. سيكون زوجها وحاميها .. يحتاج منها فقط أن تسامحه .. ولن يتوانى عن اسعادها .. توجه فى بادئ الأمر الى الفيلا .. خرج من سيارته وألقى عليها نظرة من الخارج .. لفت نظره أحد الحراس .. نعم لقد رآى هذا الحارس من قبل .. أقبل عليه قائلاً :
- مساء الخير
نظر اليه الحارس وقد تذكره فقال :
- مساء النور يا دكتور "آدم"
ألقى "آدم" نظرة على الفيلا ثم نظر اليه قائلاً :
- محدش موجود فى الفيلا مش كدة
قال الحارس :
- لو تقصد حد من طرف عيلة "اليمانى" فلأ مفيش .. اللى هنا ناس جديدة سكنت بعد ما باعوا الفيلا
سأله "آدم" بإهتمام :
- متعرفش "آيات" بنته راحت فين ؟
قال الحارس :
- لا معرفش
ثم قال وكأنه تذكر شيئاً :
- بس هى يوميها مشيت مع دادة "حليمة" اللى كانت شغاله عندهم
قال "آدم" بلهفة وقد شعر بأنه وصل الى طرف الخيط الذى سيوصله بـ "آيات" :
- طيب متعرفش "حليمة" ساكنة فين ؟
هز الحارس رأسه نفياً وقال :
- لا والله معرفش
- ولا معاك رقمها ؟
- لا والله
تنهد "آدم" بحسرة ثم توجه الى سيارته وانطلق بها يفكر .. كيف سيصل الى "آيات"

توجه "زياد" الى شاليه "آدم" ففتحت له والدة "آدم" وهى تبتسم قائله :
- أهلا يا "زياد" يا ابنى اتفضل
قال "زياد" مبتسماً وهو يدخل البيت :
- ازيك يا خالتى أخبارك ايه
ابتسمت وهى تغلق الباب قائله :
- بخير يا ابنى الحمد لله .. اتفضل
ألقى "زياد" نظرة على الشالية ثم التفت اليها قائلاً :
- أمال فين "آدم" يا خالتى ؟
قالت له :
- "آدم" نزل القاهرة يدور على خطيبته القديمة
اتسعت عينا "زياد" دهشة وقال :
- ايه ؟ .. ولا جبلى سيرة
ثم توجه الى باب الشالية قائلاً :
- طيب يا خالتى أنا هكلمه على الموبايل
هتفت قائلاً :
- استنى يا ابنى أحطلك الغدا أنا سايباه يتردد على النار
قال "زياد" وهو يفتح الباب :
- تسلمى يا خالتى مرة تانية ان شاء الله
هاتف "زياد" "آدم" وقال له :
- ايه يا ابنى تسافر القاهرة كده من غير ما تعرفنى
قال "آدم" وهو يتوقف عند احدى اشارات المرور :
- معلش يا "زياد" أنا سافرت بدرى ومرضتش أقلقك
قال "زياد" بإهتمام :
- انتى ليه سافرت طيب .. حصل حاجة
قال "آدم" :
- أيوة حصل
قال "زياد" بقلق :
- ايه اللى حصل ؟
صمت "آدم" قليلاً ثم قال وفى عينيه سحابة حزن ولوعة :
- فى انى بحبها مش قادر أعيش من غيرها
ضحك "زياد" قائلاً :
- انت وقعت ولا الهوا رماك
قال "آدم" بحنق :
- مش فايقلك دلوقتى يا "زياد"
قال "زياد" بجديه :
- طيب عملت ايه .. وصلت لايه ؟
تنهد "آدم" وقال :
- كل اللى وصلتله ان الفيلا اتباعت ومحدش يعرف هى راحت فين بس الحارس قال انها مشيت مع الدادة بتاعتها .. "آيات" كانت بتحبها أوى فأكيد الست دى عارفه مكان "آيات" .. ده ان مكنش الاتنين مع بعض دلوقتى
قال "زياد" يحفز صديقه :
- متقلقش ان شاء الله هتلاقيها
قال "آدم" بحماس :
- أنا دلوقتى طالع على الجامعة .. كان ليها صاحبة قريبة منها أوى اسمها "أسماء" هحاول أوصل لعنوانها وأنا متأكد ان "أسماء" هتكون عارفه طريقها لانهم كانوا صحاب أوى و "آيات" كانت بتحبها
قال "زياد" :
- طيب تمام .. بلغنى بالتطورات يا "آدم"
ثم هتف فجأة :
- آه صحيح أنا أصلاً كنت بتصل بيك عشان أقولك حاجة مهمة أوى
قال "آدم" بأهتمام وهو ينطلق بسيارته بعدما فُتحت الإشارة :
- خير ؟
قال "زياد" :
- القرية التالتة اتأجرت
صمت "آدم" قليلاً ثم قال :
- اتأجرت لمين ؟
قال "زياد" :
- لا معرفش .. لسه مش عارفين مين اللى أجرها بس من الواضح انه سخن أوى .. العمال نزلين توضيب فيها وعربيات عفش داخلة خارجة .. لو استمروا على معدل الشغل ده يبقى هيفتتحها قريب أوى
قال "آدم" بإهتمام :
- ياريت يا "زياد" تجبلى كل المعلومات عن اللى أجر القرية وعن شغله وهل له فى السياحة ولا لأ .. عايز أعرف كل حاجة عنه
قال "زياد" بثقه :
- متقلقش على ما ترجع أكون جبتلك أراره ان شاء الله .. يلا انت ربنا يوفقك
انشغل "آدم" بالتفكير فى مستأجر القرية الثالثة .. لكن "آيات" اخترقت تفكيره رغماً عنه وحجبت عنه أى شئ سواهــا

********************************
هتفت "آيات" وهى واقفة على الباب قائله :
- يلا يا "أسماء"
قالت لها "حليمة" الواقفة بجوارها :
- متقلقيش يا بنتى ان شاء الله هتلاقى شغل كويس انتى و "أسماء"
نظرت اليها "آيات" وهى تقول :
- يارب يا دادة
عزمت "آيات" على البحث عن عمل بنفسها مع "أسماء" ..وعلى بدء الطريق من بدايته .. وأحسنت الظن بخالقها .. أقبلت "أسماء" تقول :
- خلاص خلصت
نزلت الفتاتان وقد شيعتهما "حليمة" مودعة وهى تقول بطيبتها المعهودة :
- ربنا يفتح فى وشكوا أبواب الرزق يارب ويكفيكوا شر ولاد الحرام ينورلكوا طريقكوا يارب
دخلت "حليمة" البيت وتوجهت الى غرفتها وأمسكت مصحفها واتكئت على الأريكة وهى ترتديها نظارتها وتقرأ فى كتاب الله .. نزلت الفتاتان الدرج .. وقبل أن تخرجا من البوابة أقبل أحد السكان وبصحبته فتاة .. تحاشت الفتاة النظر اليهما وبدا عليها التوتر .. أمسكها الشاب من ذراعها وتوجه بها الى أول شقة وفتح الباب ودخلا سوياً .. خرجتا من البوابة فانحنت "أسماء" على "آيات" قائله :
- شوفتى اللى انا شوفته
قالت "آيات" بتقزز :
- أيوة شوفت
قالت "أسماء" بغيظ :
- مش المفروض الشاب ده عايش لوحده .. مين بأه الحلوة اللى دخلت معاه دى
قالت "آيات" بضيق :
- مش أول مرة أشوفها داخله معاه الشقة .. وكل ما تشوفنى ترتبك وتتوتر وتدارى وشها
قالت "أسماء" بحده :
- وازاى السكان ساكتين على كدة
قالت "آيات" وهى تحث السير :
- معرفش يمكن محدش واخد باله .. سبيه ربنا مش بيسيب حد
توجهت الفتاتان لعدة عناوين جمعتاها من الجرائد لشركات ومكاتب تطلب موظفين .. كانت كل منهما تحمل فى يدها ملفها بكل أوراقها وشهاداتها .. وكل منهما تحمل فى قلبها أملاً بألا تعود فارغة اليدين

********************************
توجه "آدم" الى عنوان "أسماء" الذى حصل عليه من الكلية .. وقف قليلاً قبل أن يفتح له رجلاً .. تنحنح "آدم" وقال له :
- حضرتك والد "أسماء" ؟
أومأ والد "أسماء" برأسه وقال :
- خير فى حاجة ؟
قال "آدم" :
- انا كنت عايز أسألها عن حاجة .. هى موجودة ؟
قال له والدها وهو ينظر اليه نظرة متفحصة :
- لا مش موجودة انت مين ؟
قال "آدم" :
- أنا دكتور فى كليتها كنت بدرسلها مادة السنة اللى فاتت .. وكنت عايز أسألها عن واحدة صحبتها .. اسمها "آيات"
قال والدها بحدة :
- أصلاً أنا معرفش بنتى فين .. هربت من بيت أمها
نظر اليه "آدم" بدهشة وقد عُقد لسانه .. فتنهد الأب بحسرة قائلاً :
- من يوميها وأنا بدور عليها ومش عارف أوصلها .. روحت للفيلا اللى كانت عايشة فيها "آيات" صحبتها لأنها أقرب صاحبه ليها أو بمعنى أصح صحبتها الوحيدة .. لقيت الحارس بيقولى انهم باعوا الفيلا وان والد "آيات" اتوفى وميعرفش "آيات" راحت فين
تنهد "آدم" بحسرة ويأس وهو يقول :
- يعني ايه .. مش هنعرف نوصلهم
نظر اليه أبوها برجاء وهو يقول :
- ياريت لو عرفت حاجة تبلغنى .. أنا لفيت على الاقسام وعلى المستشفيات وبرده معرفتش أوصل لأى حاجة
قال "آدم" فجأة وقد تذكر شيئاً :
- طيب ما تكلمها على الموبايل ولا أفله موبايلها برده
تنهد أبوها بحسرة وقد لمعت عيناه بالعبرات وهوي قول بحرج :
- "أسماء" فى آخر يوم فى امتحانتها موبايلها اتسرق .. وقفت الشريحة وعملت واحدة جديدة بس كان بيجيلها مكالمات كتير معاكسات وادتنى فى مرة الموبايل أرد على اللى بيعاكسها وآخر ما زهقت قولتلها تغير رقمها
ثم أطرق برأسه قائلاً بحرج ممزوج بالندم :
- ومخدتش منها رقمها الجديد
نظر اليه "آدم" بتمعن قائلاً :
- طيب مامتها .. أكيد مامتها عارفه رقمها
قال أبوها بتهكم :
- مامتها متعرفش انها غيرت رقمها أصلاً
شعر "آدم" بالحنق والضيق فهل يعقل ألا يعرف أبوان رقم هاتف ابنتهما ! .. قبل أن ينصرف "آدم" تبادل والدها معه الأرقام وقال له برجاء ولهفة :
- أرجوك لو وصلت لحاجة عنها أو عن صحبتها "آيات" تبلغنى على طول
قال له "آدم" بلهفة :
- وانت كمان لو عرفت حاجة ياريت تبلغنى
انصرف "آدم" وقد شهر بأنه فقد بداية الخيط مرة أخرى !

*****************************************

تعبت الفتاتان من كثرة اللف على الشركات والمكاتب .. خارت قواهما فتوجهتا الى أحد المطاعم .. قالت "آيات" :
- يا بنتى بلاش مصاريف احنا لو الفلوس اللى معانا خلصت مش عارفه هنعمل ايه
قالت "أسماء" وهى تنظر الى قائمة الطعام لتتخير منها :
- يا ستى مرة واحدة مش هتفرق .. خلاص بطنى نشفت من الأكل اللى بناكله
قالت "آيات" وقد جرى ريقها هى الأخرى :
- طيب بس واحنا ماشيين ناخد معانا تيك أواى لدادة "حليمة"
قالت "أسماء" :
- لسه شركة الديكور مروحنلهمش
قالت "آيات" بحماس :
- طيب ناكل ونروحلهم وان شاء الله تصيب المرة دى
قالت "أسماء" بيأس وهى تنظر الى قائمة الطعام مرة أخرى :
- ان شاء الله

مر "عاصى" على مكتب مديرة مكتب "سراج" فى طريقه الى مكتب والده فأوقفته بسرعة قائله :
- "عاصى" بيه
التفت اليها قائلاً :
- أيوة
قالت المرأة :
- لو سمحت عايزة عنوان الآنسة "آيات" اللى اديته لحضرتك عشان أضم بياناتها فى البرنامج اللى مسجلين فيه أسماء اللى بيشتغلوا فى الشركة
بحث "عاصى" فى محفظته عن الورقة ثم أعطاها اليها بلامبالاة .. وتوجه الى مكتب والده .. ابتسمت المرأة وقد ظفرت بالورقة .. وأول ما فعلته بعد ذلك هو الإتصال بـ "آدم"

وقف "آدم" فى مكانه المفضل فوق جبل المقطم .. شعر بالضيق وقد أغلقت جميع الأبواب فى وجهة .. هتف قلبه بلوعة .. أين أنتِ يا "آيات" .. أين أنتِ ؟! .. اتسعت عيناه دهشة ورهبة ولهفة عندما رآى اسم مديرة مكتب "سراج" على هاتفه فأسرع يرد قائلاً :
- ها وصلتى لحاجة
قالت المرأة :
- ايوة جبت منه الورقة وفيها رقمها والعنوان اللى هى ساكنه فيه قالتلى انه عنوان واحدة كانت شغاله عندهم
قال "آدم" وهو يلف حول نفسه وقد شعر بالحماس والنشوة تدب فى أوصاله :
- طيب ابعتيهولى فى رسالة بسرعة .. بسرعة
انتظر رسالتها على أحر من الجمر وصلت رسالتها فشعر للوهلة الأولى بالإحباط لوجود نفس الرقم الذى يحمله لـ "آيات" والذى تغلقه دائماً .. لكنه تعلق بالعنوان كالغريق الذى يتعلق بطوق نجاته .. ركب سيارته وانطلق الى حيث تسكن

***********************************

أثناء جلوس الفتاتان معاً لتناول طعامهما .. رآيا فجأة الطاولة تهتز أمامهما وتتراقص فوقها أكواب الماء .. فأمسكتا فى الطاولة .. نظرت "آيات" حولها وهى ترى كل شئ يتحرك .. كان الزلزال يبدو قوياً .. ما هى إلا دقيقة حتى توقف الاهتزاز .. وعاد كل شئ الى مكانه .. وسكن الماء فى الأكواب .. لكن فى مكان آخر .. فى حى آخر لم يعد كل شئ الى مكانه .. بل انهار رأساً على عقب .. ذلك البناء القديم الذى سرت الرطوبة فى جدرانه كسريان الدم فى الشرايين .. فلم يتحمل تلك الهزة فتصدع الى أن انهار أمام أعين الناس المتسعة رهبة وخوفاً .. تعالت أصوات النساء بالصراخ والنحيب لانهيار هذا البيت فوق رؤس أصحابه .. وأسرع الرجال بطلب الاسعاف ومحاولة رفع الحطام لإنقاذ ما يمكن انقاذه .. لكن دوى فجأة صوت انفجار قوى فى المكان .. انفجرت أحد الأنابيب من تحت الأنقاض لترسل ألسنة لهب عالية الى السماء .. رجع الجميع الى الخلف وتعالت أصوات الصراخ مرة أخرى ممزوجة بصيحات الإستنكار .. لم يكد ينتهى دوى الانفجار الأول حتى أعقبه آخر .. وأصبحت الأنقاض كجمرة النار المشتعلة تحترق بكل ما فيها .. لم تستطيع دلاء الماء الممتلأه أن تطفئ من حدة غضب النيران المشتعلة .. لأن منبعها كان من الأعماق تحت الأنقاض المنهارة فوق الجثث .. حاول الجميع الاتيان بكل ما يستطيع لتنطفئ النيران .. وتُنقذ الأرواح .. اقترب "آدم" بسيارته من المكان .. هاله مرآى النيران المشتعلة وصوت الصراخ والنحيب .. لم يستطيع دخول الشارع لكثرة الزحام .. فأوقف سيارته على ناصيته وترجل منها ودخل وسط الزحام .. نظر الى العقار المنهار فى لوعة وهو يبحث بعينيه عن رقم 19 .. رقم بيت "حليمة" والذى تقطن فيه حبيبته "آيات" .. لم يجد .. توقفت الأرقام عند 18 .. ثـــم .. البناء المنهار .. نظر الى ألسنة اللهب والى الرجال الذين يسعون الى اطفائها .. التفت فى لوعة يسأل أحد الرجال :
- لو سمحت فين البيت رقم 19 ؟
تعلقت عينا "آدم" بشفتى الرجل وقد اضطرب تنفسه وتعالت ضربات قلبه المفزوع .. قال الرجل وهو يضرب كفاً بكف :
- لا حول ولا قوة الا بالله .. البيت رقم 19 هو البيت اللى وقع ده
التفت "آدم" ينظر الى الأنقاض فى لوعة وحسرة وألم وقد انخلع قلبه من مكانه .. اقتحم الصفوف وأخذ يصرخ وعيناه معلقتان بالكتلة الأسمنتيه المنهارة :
- "آيات" .. "آيات"
اخذ بجنون يحاول رفع أحد الجدران المنهارة وهو يصرخ بإسمها فى لوعة .. سُمعت أصوات سيارات المطافئ والاسعاف .. أبعدوا الجميع عن النيران وأخذوا فى محاولة اطفائها والسيطرة عليها .. نظر "آدم" بأعين دامعة متسعة من الفزع الى العقار وقد انهمرت الدموع من عينيه فى ألم .. ساعد الرجال مرة أخرى على رفع الأنقاض وعلى اخراج .. الجثث !

انهار "آدم" على الأرض يبكى بعدما تأكد الجميع من أن جميع ساكنى العقار هم الآن فى ذمة الله عز وجل .. بكا بقلبه المكلوم وعينه الثكلى .. ما أشد قسوة الفقد .. الفقد الأبدى .. تعالت شهقاته بالبكاء وارتجف جسده بشدة وهو يتمتم :
- لأ .. لأ
لم يرد أن يصدق أنها رحلت .. أنه لن يراها مرة أخرى .. هب وقفاً واتجه الى سيارته وهو لا يرى أمامه من فرط دموعه المنهمرة .. وانطلق خلف سيارة الاسعاف التى جمعت الجثث .. فى مشرحة المستشفى تجمهر بعض الأهالى للتعرف على جثث ذويهم واستيلامها .. وقف "آدم" بعينيه اللاتان بدتا كجمرتا نار من شدة احمرارهما .. كان يخشى الدخول .. لم يجد فى نفسه الجرأة على ذلك .. كان قلبه يبكى قبل عيناه كلما دخل أحد من الأهالى وعاد يبكى وقد تعرف على احدى الجثث .. انتظر الى أن انفض الجمع .. دعا الله أن تكون جميع الجثث قد استلمها أصحابها .. دخل وقلبه يخفق فى وجل .. سأل أحد العاملين بلوعة :
- لو سمحت كل الجثث اتعرفوا عليهم أهاليهم ؟
قال الرجل وهو يشعر بالأسى لتلك المأساة :
- لا يا ابنى لسه فى جثتين محدش اتعرف عليهم لحد دلوقتى
قال "آدم" بصوت مرتجف باكى :
- طيب لو سمحت عايز أشوفهم
نظر اليه الرجل بحسرة قائلاً :
- لا حول ولا قوة الا بالله انت كان ليك حد ساكن فى العمارة دى ؟
أومأ "آدم" برأسه ومازال جسده يرتعش .. أدخله الرجل الى المشرحة التى تراصت الجثث فوق طاولاتها .. اقترب الرجل من احدى الجثث وقال :
- طيب يا ابنى فى جثتين واحدة لست كبيرة وواحدة لبنت بس منظرها صعب ومش باين منها حاجة صعب انك تتعرف عليها .. اللى انت بتدور عليها صغيرة ولا كبيرة
قال "آدم" ودموعة تتساقط فوق وجهه :
- صغيرة
ثم أكمل بصوت مرتجف :
- بس كانت عايشة مع ست كبيرة
نظر اليه الرجل بحزن فقال "آدم" وهو يحاول تمالك نفسه :
- وريهالى
قال الرجل وقد أشفق عليه من رؤيتها :
- يا ابنى قولتك مش باين منها حاجة
قال "آدم" بحزم :
- وريهالى
امتثل الرجل لطلب "آدم" واقترب من الجثة ثــم .. ازاح الغطاء عنها .. ظهرت علامات الألم الشديد على وجهه وقد انعقد جبينه بقوة وهو ينظر الى الجثة التى تفحمت عن آخرها .. اقترب منها ومد يده المرتعشة يزيح الغطاء عنها أكثر لعله يتبين أى شئ يدله إن كانت "آيات" أم لا .. كانت بالفعل يصعب التعرف عليها .. لكن وقع فى قلبه أنها هى .. أخذ ينظر الى حجم جسدها وطولها ويقارنه بـ "آيات" .. بدت قريبة منها .. نفس الحجم ونفس الطول .. التفت الى الرجل قائلاً بصوته المرتجف :
- ورينى الجثة التانية
تقدم الرجل الى احدى الجثث .. وقف "آدم" أمامها .. فأزاح الرجل الغطاء .. شهق "آدم" بقوة وأخذ يبكى بحرقة وهو ينظر الى "حليمة" التى بدت ملامحها واضحة رغم الحروق التى أصابتها .. انفجر فى بكاء مرير .. قال له الرجل فى أسى :
- متقلقش يا ابنى هى متعزبتش بالنار .. الخبطة اللى فى دماغها دى موتتها على طول يعني محستش بحاجة
لم تكن صرخات "آدم" بالبكاء نابعة من تعرفه على "حليمة" .. بل تعرفه على "حليمة" جعله يجزم بأن الجثة الأخرى هى لـ "آيات" .. التفت اليها وأخذ جسده ينتفض بقوة لم يشعر بنفسه إلا وهو بنحنى ليأخذها بين ذراعية ضاماً اياها اليه بشدة .. آخذ يردد اسمها وسط بكائه الذى يشق القلوب .. أغمض عينيه بشدة وهو يضمها اليه أكثر لا يريد تركها .. اقترب منه عامل المشرحة مع زميله فى محاولة تهدئته ونزع الجثة من بين يديه .. لكنه تشبث بها بشدة بين أحضانه .. ولم يسمح لهم بنزعها من بين يديه .. رفع رأسه ينظر الي وجهها المتفحم وقد غطت الدموع وجهه .. لم يشعر بالخوف أو الفزع من شكلها .. بل أخذ يسقط عليها صورة "آيات" فى مخيلته .. ارتجفت شفتيه وهو يقبل وجنتها .. وضمها اليه مرة أخرى وهى ترتجف بين يديه من شدة نحيبه وقد أغمض عيناه وهو يردد اسمها فى لوعة
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق