روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الثامن عشر من رواية جواد بلا فارس


جلس "سراج" فى بار قريته السياحية وقد علا وجهه علامات الإستغراق فى التفكير .. اقترب منه أحد الرجال قائلاً :
- "عاصى" بيه
التفت اليه "عاصى" .. فقال الرجل :
- مدير القرية اللى حضرتك طردته بعد ما البلطجية اتهجموا علينا
قال "عاصى" بغلظة :
- ماله سي زفت ده ؟
تردد الرجل قليلاً ثم قال :
- سمعنا انه اشتغل فى قرية جولدن بيتش
التفت "عاصى" اليه بحده وترك كأس الخمر من يده وقال بإستغراب :
- يعني ايه اشتغل فى جولدن بيتش
قال الرجل وقد بدا عليه الإرتباك :


- ده اللى عرفناه يا "عاصى" بيه .. "آدم" مدير القرية لما عرف ان حضرتك طردته عرض عليه مرتب كبير وشغله فى القرية
قال "عاصى" وعيناه تشعان شرراً :
- شغله ايه ؟
قال الرجل :
- مسكة ادارة المطعم
لكم "عاصى" الكأس الموضوع على البار بقبضته فوقع على الأرض وقد أصدر صوتاُ عالياً أثناء تهشمه .. انتفض الرجل وهو ينظر الى "عاصى" الذى بدا وكأنه تحول الى وحش كاسر زمجر قائلاً :
- وطبعاً التيييييييييييييت ده قالوا على كل أسرارنا فى ادارة القرية .. زمانه عرفه كل كبيرة وصغيره فى قريتنا
صاح فى الرجل قائلاً :
- روح انت .. وأى حاجة جديدة تحصل بلغهالى فوراً
أومأ الرجل برأسه وانصرف من أمام "عاصى" وهو يتنهد فى ارتياح .. عض "عاصى" شفتيه بقوة وهو يتوعد "آدم" قائلاً :
- ماشى يا تيييييييييييييت .. مبقاش أنا "عاصى" ان ماخليتك تلف حولين نفسك

**************************************
دخلت "آيات" المطبخ تساعد "حليمة" التى قالت :
- روحى انتى يا بنتى دول شوية فول وشوية طعمية مش هياخدوا منى حاجة
قالت "آيات" وهى تسخن الخبز :
- مفيش مشكلة يا دادة هساعدك
استيقظت "أسماء" ومرت على المطبخ فى طريقها الى الحمام وقالت بصوت ناعس :
- صباح الخير
- صباح النور
- صباح النور يا بنتى
قالت "آيات" وقد عزمت امرها على الذهاب الى عمها :
- على فكرة يا "أسماء" أنا استخرت ربنا .. وهروح النهاردة ان شاء الله لعمى
ابتسمت "أسماء" قائله :
- كويس .. وان شاء الله خير
كانت "آيات" متوترة للغاية من تلك المقابلة .. مضت سنوات طوال لم ترى فيها عمها "سراج" و لا أولاده .. تُرى أمازال يتذكر شكلها .. ايتذكر اسمها .. ماذا ستكون رده فعله عندما يراها أمامه .. تطلب منه وظيفة تكسب منها لقمة عيشها .. تنهدت "آيات" بحسرة ولاحت فى عينيها العبرات وهى تتذكر والدها وفقدانها له .. ترك فقدانه شرخاً كبيراً فى نفسها .. شعرت بأنها كشجرة اللبلاب التى فقدت دعامتها وأخذت فى التمايل .. لكنها أبداً لن تسمح لنفسها بالسقوط .. ستواجه الحياة وسلاحها هو قربها من الله عز وجل .. كانت "آيات" تحاول التقرب اليه بقدر ما تستطيع .. أبدلت ملابسها بأخرى أوسع منذ أن عادت من العمرة .. وإن كانت ملابسها لم تتصف بعد باللباس الشرعى .. إلا أنها شعرت براحه كبيرة عن تلك الملابس الضيقة التى اعتادت الخروج بها .. ومنذ أن عادت من العمرة لم تضع أى زينة على وجهها .. فأصبح أكثر اشراقاً ونعومة .. تنهدت "آيات" وشعور بالقلق يتسرب اليها .. كانت تخشى لقاء عمها .. تخشاه بشدة

*************************************
قامت والدة "آدم" بتحضير الفطور على الطاولة .. ثم ذهبت لايقاظ ابنها .. طرقت طرقة خفيفة ثم فتحت الباب .. لكنها تسمرت فى مكانها وبدأت العبرات تبلل عينيها وهى تنظر الى "آدم" الساجد على الأرض .. وضعت كفها على فمها لتكتم شهقات بكائها وأغلقت باب الغرفة ببطء .. جلست على أحد المقاعد وهى تبكى وتناجى ربها :
- يارب اهديه يارب .. يارب اصرف عنه كل سوء .. يارب عينه على نفسه وعلى شيطانه .. يارب اهديه أنا قلبي راضى عنه ارضى عنه يارب .. ارضى عنه
سمعت باب غرفته يُفتح فمسحت عبراتها بسرعة وقالت تقول له :
- يلا يا "آدم" عشان تفطر
التف الاثنان حول الطاولة .. كانت أمه تنظر اليه من حين الى آخر بنظرات فرحة ممزوجة بالحنان والرضا .. تقابلت نظراتهما فابتسم "آدم" ثم قال :
- ادعيلى يا ماما
قالت أمه بنبرة صادقة :
- والله يا ابنى بدعيلك دايماً .. ربنا ينورلك طريقك ويهديك يا "آدم"
اتسعت ابتسامته وهو يغادر الشاليه متوجهاً اى مكتبه فى القرية .. لأول مرة منذ شهور طويلة جداً يشعر براحة فى صدره .. كان شعور الضيق مازال يلازمه الا أنه هذا اليوم كان أخف وطأه .. استسمتع بهذا الشعور من الراحه الذى افتقده طويلاً .. دخل مكتبه وشرع فى ممارسة عمله بحماس .. دخل "زياد" المكتب ليقول :
- صباح الخير يا "آدم"
ابتسم له "آدم" قائلاً :
- صباح النور يا "زياد" .. ايه الأخبار .. مدير قرية الفيروز اللى اطرد أخباره ايه معانا
قال "زياد" وهو يجلس أمامه على المكتب :
- مبسوط على الآخر
ضحك "آدم" قائلاً :
- زمان "عاصى" هيموت من الغيظ
قال "زياد" بتوتر :
- يا خوفى المرة دى متجيش سليمة زى المرة اللى فاتت
قال "آدم" بحزم :
- ميقدرش يعمل حاجة أنا زودت الحراسة على القرية ومدى أوامر للبودى جاردز لو شافوا حد بيبلطج فى القرية يموتوه ضرب لحد ما يبانله صاحب
قال "زياد" فجأة :
- ايه أخبار بنت أخو "سراج" اللى انت كنت خاطبها ؟
قال "آدم" بإستغراب :
- اشمعنى يعني ليه بتسألنى
قال "زياد" :
- أصل أبوها مات
شعر "آدم" بالصدمة وهو يستمع لخبر موت "عبد العزيز" وهتف قائلاً :
- لا حول ولا قوة الا بالله
ثم نظر اليه قائلاً :
- انت عرفت منين ؟
قال "زياد" :
- قريته فى الجرنال من فترة
شعر "آدم" بالقلق على "آيات" فهو يعلم أنها ليس لها أقارب .. وليس لها أحداً فى هذه الدنيا إلا والدها .. أسرع "آدم" يخرج هاتفه ويتصل بـ "آيات" ..

جلست "آيات" مع "سمر" و "إيمان" و "أسماء" .. فى غرفتها ببيت "حليمة" .. عندما رن الهاتف .. نظرت الى الرقم وشعرت بإضطراب بالغ عندما علمت أن "آدم" هو المتصل .. أخذت تتساءل فى نفسها عن سبب اتصاله .. ماذا يريد منها .. نظر اليها الثلاث فتيات وهى تمسك هاتفها وتنظر اليه بتوتر .. سالتها "أسماء" بإهتمام :
- ايه .. مين يا "آيات" ؟
قالت "آيات" بتوتر :
- "آدم"
أسرعت "سمر" قائله :
- متعبريهوش
انقطع الاتصال فقالت وهى مازالت تحاول تخمين سبب اتصاله :
- أصلاً مكنتش هرد
عاود الإتصال مرة أخرى فقالت "إيمان" :
- طيب شوفى عايز ايه
قالت "سمر" بحزم :
- لأ هيكون عايز منها ايه يعني .. خلاص الموضوع انتهى وده واحد نصاب وكداب المفروض متتكلمش معاه تانى ولا تثق فيه أبداً
قالت "أسماء" فى حيرة :
- بس ليه بيتصل تفتكرى عايز ايه يا "آيات" ؟
تنهدت "أسماء" بضيق ثم أغلقت هاتفها تماماً حتى لا يعاود الإتصال بها وهى تقول بضيق :
- معرفش ومش عايزه أعرف

شعر "آدم" بالتوتر عندما حاول الاتصال بها مرة اخرى ليجد هاتفها مغلق .. زفر بضيق فسأله "زياد" قائلاً بإهتمام :
- ايه مبتردش ؟
قال "آدم" بحنق وهو يكتب رسالة على هاتفه :
- كان بيرن وفجأة لقيته مقفول .. أكيد مش عايزه تكلمنى
نظر اليه "زياد" قائلاً :
- هتبعتلها رسالة ؟
قال "آدم" وهو يكتب رسالته :
- أيوة
أرسل "آدم" رسالته وقلبه وعقله منشغل بـ "آيات" وحالها بعد وفاة والدها .. شعر بالأسف لفقدانها والدها لعلمه بمدى تعلقها به .. وبمدى حبها له واعتزازها به .. رق قلبه لحالها وأخذ يتخيل شعورها بمرارة الفقد التى ذاق مثلها بعد وفاة والده .. حاول الاتصال بها مرة أخرى لكن الهاتف ظل مغلقاً .. انصرف "زياد" دون أن يشعر به "آدم" .. دخل الفيس بوك وتوجه الى حسابها .. أخذ يبحث عن اسمها دون جدوى .. طردته من عالمها تماماً .. حاول الإتصال بها مرة أخرى دون جدوى .. زفر بضيق وقد أخذ القلق منه مبلغه

************************************

فى المساء .. ألقت "آيات" نظرة على "أسماء" النائمة بجوارها .. ثم أسندت ظهرها الى واسادتها وهى تفكر فى لقاء الغد .. قررت الذهاب الى عمها فى الغد .. امتدت يدها الى هاتفها تفتحه .. اندهشت عندما وجدت رسالة من "آدم" .. فتحتها بأيدي متوترة وقرأت ما فيها :
- "آيات" البقاء لله عرفت ان والدك توفى .. أنا عايز أطمن عليكي
نظرت "آيات" الى الرسالة بسخرية ممزوجة بمرارة شعرت بها فى قلبها .. هتفت بداخلها .. تريد أن تطمئن على ؟! .. ما أرق قلبك ؟! .. تنهدت فى ضيق وتركت هاتفها على الأرض بجوار السرير وحاولت النوم

استلم "آدم" تقريراً بوصول رسالته فأسرع بالنهوض من فوق فراشه وأمسك هاتفه الموضوع على المكتب واتصل بها .. نظرت "آيات" الى الهاتف وهى تشعر بالإضطراب .. ثم ما لبث أن اختفى اضطرابها وظهرت علامات الألم على وجهها وهى تتذكر كيف خدعها وكيف لعب بعواطفها ومشاعرها وكيف استغل حبها له ليصل الى ما يريد .. وكيف خانها مع تلك المرأة .. وكيف تجرأ وفعل هذا الذنب الكبير .. هتفت بصمت .. ماذا تريد منى .. لم أعد أملك شيئاً تريده .. لم أعد أملك أى مال .. لم أعد أملك أحداً تستطيع ابتزازه .. لم أعد أملك اى شئ فى هذه الدنيا .. ابحث عن غيري لتستغلها وتلعب بها .. لن أمسح بأن أكون لعبة فى يدك مرة أخرى .. أغلقت "آيات" هاتفها تماماً .. ووضعت رأسها على وسادتها وقد فاضت عيناها بالعبرات .. تنظر الى هاتفها على الارض بحزن وألم

شعر "آدم" بالحزن عندما وجد هاتفها مغلقاً مرة أخرى .. قال فى نفسه .. لماذا يا "آيات" .. ما أردت سوى الإطمئنان عليكِ .. لماذا تبعديني عنكِ هكذا بلا رحمة .. لماذا لا تستمعى الى أعذارى ومبرراتى لما فعلت .. لست شخصاً كريهاً كما تظنين .. بل أنا شخص مريض يا "آيات" .. مريض بذوبى وآثامى وأخطائى .. أنا أولى بشفقتك من نفورك .. وأولى بعطفك وحنانك من بغضك .. جلس على فراشه وهو يتنهد فى حسره وهو يتذكر كيف أضاعها من بين يديه

***********************************
تقدمت "آيات" تعبر أورقة الشركة بإرتباك ظاهر .. شعرت بتوتر معدتها وكأنها ذاهبة الى امتحان مصيري .. كادت أن تعود ادراجها لكنها تذكرت الضيقة التى وقعت فيها .. وكيف أنها بلا مال وبلا عمل .. ويجب أن تتصرف بسرعة قبل أن ينفذ مالها ومال "أسماء" .. دخلت غرفة مديرة أعمال "سراج" وهى تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى .. وقفت أمامها بإضطراب وهى تقول :
- لو سمحتى عايزة أقابل الأستاذ "سراج اليمانى"
نظرت اليها السكرتيرة وقالت بروتينيه :
- فى معاد معاه ؟
قالت "آيات" بتوتر :
- لأ .. بس ياريت حضرتك تقوليله بنت أخوه "عبد العزيز" عايزه تقابله
نظرت اليها المرأة نظرة متفحصة .. ثم قامت من فوق مكتبها وتوجهت الى مكتب "سراج" قائله :
- فى واحدة بتقول انها بنت أخو حضرتك وعايزه تقابلك
نظر اليها "سراج" بدهشة ثم ما لبثت أن ظهرت تعبيرات التعالى الممزوج بالغضب على وجهه ثم قال بحنق:
- قوليلها مش فاضى
التفتت السكرتيرة لتغادر فأوقفها قائلاً :
- ولا أقولك استنى .. دخليها .. بس ادخلى معاها ولما أشاورلك تقولى ان فى اجتماع
قالت المرأة بطاعة :
- حاضر يا فندم
جلس "سراج" وقد أسند ظهره الى الخلف ورفع رأسه بتعالى مستعداً لرؤية ابنة أخيه .. ابنة أخية الذى تبرى منه أمام الناس لعدم رضاه عن طرقه الملتوية فى تسيير أعماله .. دخلت "آيات" تتقدمها مديرة أعماله .. نظر اليها نظرة متفحصة .. بدت متوترة وهى تتطلع الى عمها الذى لم تره منذ سنوات طويلة .. ظل كلاهما ينظر الى الآخر بصمت بترقب .. ابتسمت "آيات" بصعوبة وهى تقول :
- ازيك يا عمو
صمت "سراج" لبرهة ثم قال بدون ترحيب حقيقي :
- أهلا أهلا ازيك
قالت آيات" بتوتر :
- الحمد لله
أشار لها بالجلوس قائلاً :
- اتفضلى اعدى
جلست "آيات" تضع حقيبتها أمامها وهى تفرك يديها فى قلق .. نظرت اليه قائله :
- حضرتك عرفت ان بابا اتوفى ؟
عقد "سراج" ما بين حاجبيه للحظات ثم قال :
- آه عرفت
نظرت اليه "آيات" بمزيج من الدهشة والحزن .. وهى تقول فى نفسها .. ومادمت قد علمت فلماذا لم تسأل اذن عن ابنة أخيك ؟! .. صمتت قليلاً ثم قالت بتوتر وخجل :
- حضرتك عرفت ان بابا الله يرحمه كنا عليه ديون واننا بعنا كل حاجة عشان نسدد الديون دى
قال "سراج" بلامبالاة :
- أيوة عرفت دى كمان
صمتت "آيات" لا تدرى ما تقول .. كان اللقاء أبرد مما توقعت .. كادت أن تغير رأيها وترحل دون أن تخبره بالسبب الحقيقي الذى دفعها الى المجئ اليه .. لكنها تذكرت محنتها فأرغمت نفسها على البقاء .. نظرت اليه بإستغراب فهو لم يسأل حتى اين تقيم ولا من أين تعيش .. تنهدت بعمق ثم قالت بألم :
- أنا اضطريت أبيع الفيلا وأبيع الشركة والعربية وكل حاجة عشان الديون تتسدد .. انا بس كنت عايزة من حضرتك ......
توترت وشعرت بالخجل فلم تستطع أن تنظر الى وجهة .. خفضت رأسها وقالت :
- يعني .. أنا محتاجة وظيفه
أرجع "سراج" ظهره الى الخلف .. ران الصمت للحظات ثم قال بصوته الأجش :
- طيب تعالى بعد كام يوم أكون حاولت أشوفلك شغلانه
ثم قال :
- انتى خريجة ايه ؟
قالت "آيات" بلهفة :
- بكالوريوس تجارة
قال "سراج" :
- اشتغلتى فين قبل كده ؟
قالت "آيات" بتوتر :
-لا انا مشتغلتش قبل كده دى أول مرة
ابتسم "سراج" بخرية ثم ما لبث أن قال :
- طيب هحاول أتصرف
فى تلك اللحظة دخل "عاصى" المكتب .. نظر اليه والده بدهشة .. قال "عاصى" وهو يلقى نظرة على "آيات" :
- مساء الخير .. معلش مكنتش أعرف ان عندك حد
قال "سراج" وهو يشير الى "آيات" :
- دى بنت عمك "عبد العزيز"
نظر اليها "عاصى" وقد رفع حاجبيه يرمقها بنظرة متفحصة أخدلتها .. ثم قال :
- "آيات" .. مش ممكن .. كبرتى واحلويتي
شعرت بسخونه فى وجهها وقد تضرجت وجنتاها بحمرة الخجل وأخفضت رأسها .. ابتسم قائلاً :
- ازيك ايه أخبارك
قالت بخفوت وهى تتحاشى النظر اليه :
- الحمد لله
أشار "سراج" لمديرة أعماله بطرف خفى فقالت على الفور :
- بفكرك بإجتماع حضرتك اللى هيبدأ دلوقتى يا "سراج" بيه
نهضت "آيات" على الفور وقالت بجرح :
- شكراً يا عمو .. أنا همشى دلوقتى وهاجى لحضرتك مرة تانية ان شاء الله تكون شوفتلى موضوع الشغل
أومأ "سراج" برأسه وقال بنبرة متعاليه :
- ان شاء الله
التفت "عاصى" الى والده بعد خروج "آيات" قائلاً بإستغراب :
- شغل ايه اللى بتتكلم عنه
قال "سراج" بتهكم :
- ابوها مات مديون وسابها على الحديدة ومش لاقيه وظيفه تعيش منها وجيالى أشوفلها شغل
قال "عاصى" :
- وقولتلها ايه
قال "سراج" بنفاذ صبر :
- قولتلها هبقى أتصرف .. المهم قولى هو انت ايه اللى نزلك القاهرة مش قولت هتفضل فى العين السخنة
ٌقال "عاصى" بصرامة :
- جاى أنخور ورا التيييييييييييت اللى اسمه "آدم" ده .. وأشوف أى حاجه أقدر أمسكها عليه والوى دراعه بيها
ثم هتف بغضب :
- تصور التييييييييت ده شغل عنده مدير القرية بتاعتنا اللى طردته
ثم قال وكأنه يتحدث الى نفسه :
- بس وربنا ما أنا عاتقه .. هخليه يندم على اليوم اللى فكر فيه انه يقف قصادى ويتحدانى

بمجرد خروج "آيات" من مكتب "سراج" أسرعت مديرة أعماله بمهاتفة "آدم" الذى كان فى منتصف اجتماع هام .. لكنه استأذن منهم ليرد عليها لظنه بأنها تحمل له أخباراً هامة عن "سراج" و "عاصى" .. قال بلهفة :
- أيوة
قالت مديرة أعمال "سراج" وهى تتلفت حولها لتتأكد من عدم وجود من يسمعها :
- أيوة يا دكتور "آدم"
قال بإهتمام :
- فى حاجة جديدة ؟ .. أنا فى اجتماع دلوقتى
قالت بسرعة :
- أيوة من شوية جت واحدة وقالت انها بنت أخو "سراج" بيه
اتسعت عينا "آدم" دهشة وقال :
- "آيات" ؟
انتبه "زياد" الذى كان جالساً على طاولة الإجتماعات الى اسم "آيات" فنظر الى "آدم" بإهتمام .. قالت مديرة أعماله "سراج" :
- مش عارفه اسمها
قال "آدم" بلهفة واهتمام :
- متعرفيش جتله ليه ؟
قالت المرأة :
- كانت جايه طالبه منه شغل
قال بدهشة :
- شغل ؟
قالت :
- أيوة قالت ان باباها كان مديون وباعوا كل حاجة الفيلا والشركةوانها عايزه شغل عشان تصرف منه على نفسها
خفق قلب "آدم" فى لوعة وصمت قليلا وهو يقول :
- يعني هى دلوقتى بتدور على شغل .. وباعت كل حاجة ورثتها ؟
قالت المرأة :
- ده اللى فهمته من كلامها
قال "آدم" بحزم :
- طيب لو جتله تانى بلغينى .. ضرورى جداً .. فاهمة
تمتمت المرأة بطاعة :
- أيوة فاهمة .. سلام دلوقتى

خرجت "آيات" وهى تشعر بالتوتر الشديد .. هربت دمعة من عينيها وهى تخرج من الشركة .. كان تعلم بوجود مشاكل بين أبيها وعمها لكنها لم تتوقع أن يقابلها بمثل هذا البرود .. ما ذنبها هى فى خلافاته مع والدها .. كيف يعاملها بمثل تلك القسوة .. كادت "آيات" أن توقف سيارة أجرة للعودة الى منزلها .. لكنها تذكرت بأنها يجب أن تقتصد فى نفقاتها حتى تجد وظيفة تضمن لها مرتب فى آخر كل شهر .. فهى لا تثق فى أن "سراج" سيجد لها عملاً .. رغم قدرته على ذلك بمجرد اشارة من اصبعه .. لكنها شعرت كما لو كان يريد الانتقام من والدها فيها .. ورد ما فعله به .. وقفت "آيات" فى محطة الأتوبيس تنتظره مع من ينتظرونه .. مر بعض الوقت حتى جاء الأتوبيس .. تزاحم الناس من حولها وهى تشعر بالضيق .. دخلت الى الأتوبيس بقوة الدفع .. شعرت بالراحة عندما وجدت مقعد بجوار الشباك مازال فارغاً .. جلست فى مكانها وانطلق الأتوبيس .. كانت تلك هى المرة الأولى التى تركب فيها المواصلات العامة .. نظرت من الشباك وهى تريح ظهرها الى الخلف وتستند برأسها على الزجاج تفكر فى حالها وفي مستقبلها المجهول .. شعرت و كأن شئ ما يلمسها فانتفضت ونظرت الى الرجل بجوارها والذى كان يبدو عليه علامات الهدوء .. كان ينظر أمامه وقد عقد ذراعيه فوق صدره .. عادت للنظر الى الشباك تتابع المارة بجوار الأتوبيس وقد شردت مرة أخرى .. مرة أخرى شعرت بنفس الشئ .. نظرت بجوارها بطرف عينيها فوجدت الرجل يتشيث فى ظهر المقعد الذى أمامه .. فقالت فى نفسها لعله تحرك من اهتزاز الأتوبيس .. فانزاحت حتى التصقت فى الشباك تماماُ للتتحاشى ملامسة الرجل لها .. بعد عدة دقائق شعرت بنفس الشئ .. التفتت تنظر اليه بحده و قد تأكدت بانه يتعمد لمسها بيده القريبة منها وهو عاقد ذراعيه فوق صدره .. شعرت بالغضب والضيق .. نظرت حولها فلم تجد أحداً منتبهاً لما يحدث .. انزوت أكثر بعيداً عنه .. لكنه اقترب بجسده منها ولمسها مرة أخرى .. تجمعت العبرات فى عينيها أرادت الصراخ فى وجهة لكنها خافت من فضح نفسها أمام ركاب الأتوبيس .. تذكرت "أسماء" عندما كانت فى وضع مشابه لوضعها وخشت هى أيضاً التحدث وعنفتها "آيات" .. أما الآن فهى تشعر بما كانت تشعر به "اسماء" .. شعور بالنفور والخوف والغضب والمهانة والتقزز .. نظرت اليه وهتفت بصوت منخفض :
- لو سمحت ابعد شوية
تظاهر الرجل بأنه لم سمعها ومال يميناً ويساراً وكأن حركة الأتوبيس هى التى تهزه هكذا .. لم تعد "آيات" تحتمل اقترابه وملامسته اياها نهضت فجأة وطلبت من السائق التوقف .. نزلت "آيات" من الأتوبيس ودموعها فى عينيها .. أوقفت أول سيارة أجره قابلتها وأملته العنوان حيث انطلق بها الى بيت "حليمة"
دخلت "آيات" البيت ولم تجد أحداً به .. دخلت غرفتها وجلست على فراشها باكيه .. كانت تشعر بالغضب والمهانة .. أخذت تمسح بيدها المواضع التى لمسها الرجل بيده وكتفه وكأنها تريد ازالة آثاره منها .. شعرت وكأن تلك الأماكن اتسخت بلمسه اياها .. كانت ترتعش بالبكاء فأحاطت جسدها بذراعيها وانحنت الى الأمام وهى تغمض عينيها دون ان تستطيع السيطرة على عبراتها التى تنساب على وجهها .. سمعت صوت هاتفها .. فنظرت الى حقيبتها الموضوعه بجوارها على الفراش ثم فتحتها لتجد رقماً غريباً .. كفكت دمعها وكادت أن تتجاهل الإتصال لولا أن تذكرت "سراج" فلعله وجد لها عملاً وأراد ابلاغها .. ثم فكرت بدهشة كيف علم برقمها .. لم تنتظر لتعرف الإجابة بل ردت مسرعة وهى تقول بلهفة :
- ألو
لم تسمع صوتاً فقالت مرة أخرى :
- ألو
اتاها صوت "آدم" قائلاً :
- أنا "آدم" يا "آيات"
انتفض قلبها بشدة .. وحبست أنفاسها المضطربة .. ثم قالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :

- أيوة حضرتك عايز ايه ؟
على الرغم من محاولتها الا أن صوتها خرج متحشرج مضطرب .. باكى .. فقال "آدم" بقلق :
- انتى كويسة ؟
بدا وكأنها استعادت تماسكها فقالت بحزم :
- أفندم حضرتك عايز ايه ؟
قال "آدم" وقد ازداد قلقه :
- انتى كنتى بتعيطي ؟
صمتت وقد انسابت العبرات من عينيها مرة أخرى فقال "آدم" بلهفة :
- "آيات" انتى كويسة .. اتكلمى معايا .. مالك فى ايه .. بتعيطى ليه
صاحت بصوتها الباكى :
- ملكش دعوة بيا .. دى حاجة متخصكش ولو سمحت متتصلش بيا تانى
شعر "آدم" بقلبه وقد كاد ينخلع من مكانه قلقاً وخوفاً وألماً من أجلها .. فقال بصوت حانى :
- "آيات" انتى فين .. اديني عنوانك
صاحت بغضب :
- عنوان ايه اللى انت عايزه .. انت تبعد عنى خالص .. فاهم . .أنا لا عايزة أشوفك ولا عايزه أسمع صوتك ولا عايزه أعرفك أبداً
قال "آدم" بألم وندم :
- عارف .. عارف انك مش طايقانى .. بس لو سمحتى عرفيني انتى فين وعنوانك ايه
قالت بصرامة قبل أن تنهى المكالمة :
- أنا هريحك خالص ومش هفتح الخط ده تانى .. وياريت تنسى انك عرفتنى فى يوم من الأيام لانى خلاص نسيتك ومبقتش أطيق أفتكرك
فتحت هاتفها وأخرجت شريحتها لتقسمها الى نصفين وتلقيها أمامها على الأرض

*************************************
اندمج "على" فى عمله وتابع العمال الذين يعملون تحت امرته .. بعد استراحة الغداء دخل المخازن ليجد بعض العمال وقد شرعوا فى طبع تواريخ صلاحية على العلب فأقبل عليهم قائلاً :
- انتوا بتعملوا ايه ؟
قال أحدهم :
- المشرف ندهلنا وقالنا نطبع الكلام ده على كل العلب دى
وأشار بيده على العديد من الكراتين والتى غطت الحائط والتى كانت تحتوى على عبوات الأغذية المحفوظة .. نظر "على" بدهشة الى الكراتين قائلاً:
- جت امتى الشحنه دى ؟
قال أحد العمال :
- علمى علمك
فتح "على" احدى الكراتين وأخذ يتفحص العبوات علبة علبة ليجد بأن التواريخ فى الأسفل تم ازالتها بالكامل .. ظل يتفحص الى أن وصل الى احدى العلب والتى لم يتم حذف التاريخ منها بدقة فبدا واضحاً للعيان أن العبوات منتهية الصلاحية من شهرين .. هتفت قائلاً :
- يا ولاد التييييييييييييييت
أخذ العبوات وتوجه الى مدير الشركة يطلب مقابلته .. لكن السكرتيرة منعته الى أن أخذ فى الصراخ وقد تعالى صوته قائلاً :
- أنا عايز مدير الشركة دى دلوقتى حالاً .. بتغيروا فى تاريخ الصلاحية وتبيعوا للناس أكل فاسد .. أنا عايز أعرف دلوقتى المدير عارف اللى بيحصل ده ولا نايم على ودانه .. ولا كلكوا طابخينها سوا
أقبل أحد المسؤلين بالشركة وحاول تهدئه "على" لكن "على" أصر على مقابلة مدير الشركة والذى صدمه بقرار فصله ! .. فصاح بدهشة وألم :
- ليه .. ليه ؟
قال مدير الشركة بغضب :
- انت ملكش دعوة الا بشغلك وطالما حطيت مناخيرك فى حاجة متخصكش يبقى متلزمنيش .. مين قال ان العبوات منتهية الصلاحية .. أنا راجل شريف وعندى ضمير
صاح "على" بغضب وهو يشير الى احدى العلب فى يده :
- العلبة دى التاريخ واضح عليها انه منتهى من شهرين
قال مدير الشركة :
- دى علبه وسط ملايين العلب السليمة
قال "على"بحده :
- لا العلب مش سليمة العلب كلها متشال من عليها الصلاحية والعمال تحت فى المخزن عمالين بيطبعوا تواريخ جديدة على العلب
ثم صاح :
- حرام عليكوا هى الناس ناقصة .. اتقوا ربنا دول ناس غلابة ده مفيش بيت فى مصر الا وفيه حد مريض .. حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا ده انتوا ربنا هينتقم منكوا شر انتقام
خرج "على" من الشركة وهو يحمل العلبة فى يده وأوقف سيارة أجرة لكى يتوجه الى قسم الشرطة .. لكن لم يكد يبتعد بالسيارة عدة أمتار حتى أقبل بعض الرجال الذين أوقفوا السيارة وجذبوه من ملابسه وأوسعوه ضرباً وركلاً .. هرب سائق السيارة الأجرة وترك "على" فريسة لهؤلاء الوحوش

*********************************

صاحت "أسماء" بحنق :
- انتى ازاى سكتى .. ازاى سمحتيله يتحرش بيكى كده
قالت "آيات" بأعين دامعة وهى تجلس بجوارها على الفراش :
- كنت خايفة
نظرت اليها "أسماء" بعطف فقالت "آيات" بصوت مرتجف :
- فاكرة لما زعقتلك وقولتلك ليه متكلمتيش ليه مصرختيش قولتلى انك خوفتى من اللى ممكن يتقال عليكي .. انا حسيت بإحساسك ساعتها .. حسيت انى خايفة ان الناس تبصلى وحش .. وكنت مخضوضة ومش عارفه أعمل ايه .. فضلت أقوله يبعد بس هو مكنش بيبعد ومكنش حد واخد باله من اللى بيعمله يعني لو زعقت بصوت عالى كان ممكن يقول انى بتبلى عليه .. عشان كده وقفت العربية ونزلت
دمعت عيني "أسماء" وهى تتذكر "هانى" وتحرشاته ثم هتفت قائله بغضب :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيهم كلهم ولاد ستين تيييييييييييييييييييت
قالت "آيات" بحزم :
- بلاش تشتمى خساره فيهم الحسنات اللى ياخدوها مننا .. قولى منهم لله وخلاص
قالت "أسماء" بحنق :
- منهم لله بس .. ده أنا نفسى أجمع كل الرجالة اللى بيعملوا كده وأحطهم فى ميدان عام ويدلق عليهم بنزين وكل بنت حصلها كده تمسك عود كبرت وترميه عليهم
قالت "آيات" بيقين :
- سبيهم .. نار الأخرة أشد حرارة من نار الدنيا .. المحفظة اللى كنت بروحلها المسجد قالتلنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "ناركم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من جهنم "
قالت "أسماء" بتشفى :
- يارب يولعوا فيها كلهم
ثم قالت لـ "آيات" :
- عمك ده بارد أوى
قالت "آيات" بحزن :
- متوقعتش تكون مقابلته كده خالص
ثم دمعت عيناها قائله بصوت باكى وقد عزت عليها نفسها :
- كان نفسى أوى يقوم من على المكتب وياخدنى فى حضنه ويقولى متخفيش طول ما انا موجود أنا عمك ومن ممكن اسيبك وهخلى بالى منك
تنهدت "أسماء" بحسرة وقالت بتهكم :
- اذا كان الأم والأب اللى بيخلفوا وبيربوا مبيبقاش فى قلوبهم رحمة عايزة العم هو اللى يهتم .. سيبك بلا هم أنا قرفت من الناس كلها
ثم التفتت اليها قائله :
- والمحروس "آدم" ده كمان عايز ايه بعد ما خربها وأعد على تلها
قالت "آيات" بحنق :
- متفكرينيش .. أصلاً كلمنى فى وقت مكنتش طايقه أسمع فيه صوت أى راجل .. اديته كلمتين معرفش طلعوا منى ازاى وكسرت الشريحة
قالت "أسماء" بحماس :
- أحسن فى داهية هو كمان .. خلاص انتى فلستى عايز منك ايه بأه .. يسيبك فى حالك
قالت "آيات" بسخرية :
- قال بيقولى عايز يطمن عليا
ضحكت "أسماء" بسخرية قائله :
- لا والله فيه الخير .. مش قولتك كلهم ولاد ...........
قاطعتها "آيات" قائله :
- يا بنت انتى امسكى لسانك شويه بياخدوا حسناتك يا هبلة
زفرت "أسماء" بضيق وقالت وهى تخرج من الغرفة :
- طيب خليني ساكته أحسن لانى لو فتحت بقى مش هطلع شتيمة بس .. ده أنا هطلع مجارى
ضحكت "آيات" وهى تتابعها بعينيها الى أن خرجت

********************************
هرولت أم "على" بلوعة وهى تبحث عن ابنها فى المستشفى .. سألت عنه احدى الممرضات فأشارت الى الغرفة التى تضم عدة اسرة متجاورة على احداها يرقد "على" وقد ضمد رأسه ووضع ذراعه فى الجبيرة .. بكت "إيمان" وهى ترى أخيها والكدمات الواضحة على وجهه .. هتفت أمه بلوعة :
- "على" .. ايه اللى جرالك يا ابنى
نظر اليها "على" بأسى قائلاً :
- زى ما انتى شايفه .. طردونى من الشغل وضربونى
ضربت أمه بيدها على صدرها وهى تجلس بجواره على الفراش قائله :
- ليه .. ليه عملوا كده
قال "على" بمرارة :
- عشان احنا بلد تيييييييييييت كل حاجة فيها غلط واللى يفكر يقف قصاد الناس دى بياخد على دماغه زى ما انتى شايفه
بكت أمه بحسرة قائله :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيهم .. كنت عملتلهم ايه عشان يعملوا فيك كده .. ده انت يا كبد أمك لا بتأذى حد ولا بتضايق حد وماشى جمب الحيط
ابتسم "على" قائلاً بمرارة :
- أيوة أنا فى حالى وماشى جمب الحيط بس أنا مستحيل أشوف غلط وأقبل وأسكت وأقول مليش دعوة .. لانى لو عملت كده هبقى بشاركهم فى جريمتهم دى وعقابي عند ربنا زيهم بالظبط .. تصورى انهم بيعدلوا تاريخ الصلاحية على عبوات أكل محفوظ فاسد وبيخلوها تاريخ جديد .. عايزين يسمموا الناس
قالت "إيمان" بغضب :
- منهم لله .. خلاص مبقاش فى ضمير للدرجة دى .. حتى الأكل
قال "على" بمرارة :
- قولى حتى الهوا .. دول لو طالوا يسمموا الهوا هيسمموه
أغمض "على" عينيه فى ألم .. وهو يقول فى نفسه .. يارب أحلامى بسيطة للغاية .. لست كغيرى أحلم بالسيارة الفارهة والفيلا الأنيقة وعمل يدرعليا الملايين .. بل حلمى هو وظيفة حلال وبيت مؤجر وأثاث متواضع وزوجة تشاركنى حياتى .. يكن لى منها أبناء أعلمهم وأربيهم وأجعلهم يسيرون فى درب الهدى والصلاح .. لست أبغى سوى حفظ كرامتى وماء وجهى .. لست أرغب سوى فى العيش .. العيش فقط

**********************************
جلس "آدم" أمام حاسوبه فى غرفته بالشاليه يتطلع الى صورة "آيات" .. ظلت عيناه تمر فوق تلك الكلمات التى سطرتها بيديها والتى تبثه فيها حبها وشوقها .. نظر الى الكلمات بمزيج من الحسرة والألم .. وأخذ يفكر كيف تحول هذا الحب بداخلها الى كره ونفور .. مازال لا يصدق .. مازال لا يصدق أن حبه بداخلها قد مات وانتهى .. أخذ يقول لنفسه .. انساها يا "آدم" .. أمامك مئات البنات اختر من شئت .. لكن شئ ما بداخله تمسك بها .. هى وحدها .. شعر بأنه لا يريد غيرها .. يريدها وحدها .. بصفائها ونقائها وبرائتها وطيبة قلبها .. تذكر اللحظات التى جمعتهما فى الماضى وكيف كانت معه صادقة المشاعر .. واضحة كالشمس .. رقيقة كرقة الندى على ورقات الشجر .. كم تهفو نفسه اليها .. الى النهل من بحر حنانها وعذوبة صوتها .. تذكر أنه لم يصلى العشاء بعد .. فوقف يصلى بين يدي الله وجد نفسه يدعو الله فى سجوده أن يغفر له .. وأن يجمع بينه وبين "آيات" .. ظل يردد دعائه كثيراً دون ملل أو كلل .. لا يعلم كيف سيتحقق ذلك .. كيف يمكن أن يتطهر من ذنوبه وهو مازال يعمل فى تلك القرية .. لن يستطيع ترك عمله .. عمله الذى بناه وكبره ويدر عليها مبالغ طائلة .. وفى نفس الوقت يتمنى رضا ربه عليه .. يتمنى "آيات" بقربه .. تشاركه حياته وأحلامه وطموحاته .. يريد مغفرة ربه ثم مغفرة "آيات" .. لكن كيف السبيل ؟! .. كيف يحقق تلك المعادلة الصعبة ؟! .. كيف ينجح فى الجمع بينهم ؟! .. لديه مثلث من ثلاث زوايا .. الله .. "آيات" .. عمله .. كيف يمكن أن يجمع الثلاثة زوايا فى خط مستقيم ؟! .. كيف ؟! .. ليس أمامه سوى حل واحد .. أن يخترق أحد أضلع المثلث ويثنيه الى أن يصبح خطاً مستقيماً .. لكنه وقف حائراً .. أى الأضلاع يكسر ؟!
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق