روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل السابع والثلاثون من رواية مزرعة الدموع

رواية مزرعة الدموع بقلم بنوتة أسمرة

خيم الحزن على المزرعــة .. التى أصبحت مرتعاً للأحزان .. افتقدت الفتاتان أباهما بشدة .. ساعد الجميع فى اجراءات الجنازة والدفن .. دُفن فى القاهرة فى المقابر التى دُفنت فيها زوجته .. مرت الأيام على الفتاتان ببطء شديد .. وكأن عقارب الساعة قد أصابها عطل ..فتوقفت أو كادت .. كانت "كريمه" تشفق على حالهما كثيراً .. كانت تزورهما فى غرفتهما .. التى أصرا على المكوث فيها .. وترسل لهما الطعام مع الخادمة كل يوم .. وقف "كرم" بجوار "ريهام" فى محنتها .. كان دائم الإتصال بها والإطمئنان على حالها .. أما "عمر" فلم تتوقف اتصالاته لـ "ياسمين"التى لم تجب على أى منها .. حتى أضطرت الى غلق هاتفها ..


كان "عمر" يشعر بالحيرة .. لماذا انقلبت عليه فجأة .. هل هو التوتر الذى يسبق الزواج .. هل عادت الى مخافها مرة أخرى .. لماذا لا تعطيه وتعطى لنفسها فرصة .. هل تجربتها المريرة ستظل تقف حائلاً بينهما .. كاد أن يجن من كثرة التفكير .. لم يجد حلاً إلا فى التحدث مع والدته .. علها تريح قلبه .. قال "عمر" :

- أنا بس نفسي أعرف ليه هى قالتلى كده .. كلمتها وجعتنى أوى .. عارفه يعني ايه حبيبتى ويم كتب كتابنا تقولى (مش عايزاك) .. وكده بدون أسباب
استمعت أمه الى حديثه كاملاً .. وعن تفاصيل آخر لقاء له مع "ياسمين" صبيحة يوم كتب الكتاب .. ثم قالت فى هدوء :
- بص يا "عمر" .. كتير بنات بتخاف لما الموضوع بيدخل فى الجد .. يعني بتخاف انها تكون اختارت غلط .. بتخاف انها لسه مش عارفه كويس الراجل اللى هى هتبقى مراته .. تعرف آخر مرة كانت "ياسمين" عندنا هنا .. قبل كتب الكتاب بيومين .. جت سيرة الماجستير والدكتوراه بتوعك .. لقيتها مندهشة .. يعني حتى مكنتش تعرف عنك المعلومة البسيطة دى .. هى فعلاً يا "عمر" لسه البنت متعرفش حاجات كتير عنك .. وده أكيد مخوفها .. دى مخاوف أى بنت عادية .. ما بالك بأه بواحدة مطلقة .. وكانت متجوزة واحد أستغفر الله زى طليقها ده راجل معندوش ضمير .. متخيل حجم المخاوف اللي جواها عاملة ازاى .. خاصة ان والدها قال ان طليقها ده مكنش باين عليه كل اللى عمله ده وكان باين عليه واحد محترم وابن ناس .. اللى عايزة أقوله ان رغم انى مش معاها فى انها تهرب زى ما بتهرب دايماً .. ولازم تواجه كل اللى مخاوفها .. بس برده مقدرة ان البنت ممكن تكون مخاوفها سيطرت عليها لدرجة خلت تفكيرها يتشل .. لدرجة خلتها مترددة وبتفكر فى الحاجة ألف مرة .. وكتر التفكير بيفتح مجال للشيطان انه يدخل ويوسوس براحته
تنهد "عمر" قائلاً :
- يعني أنا أعمل ايه دلوقتى ؟
- بص يا حبيبى .. دلوقتى هى بتمر بحالة نفسية صعبة بسبب موت والدها .. وبسبب جوازها المفاجئ بعد ما جتلك وقالتك ان الجواز ملغى .. فكل اللى مطلبو منك هو انك تفضل جمبها فى أزمتها .. وتتحملها لحد ما تخرج منها .. على فكرة يا "عمر" الست بتقدر أوى الراجل اللى يقف جمبها وتحسن انه سند ليها .. الست لما بتلاقى راجل بيحبها وخايف عليها وواقف جمبها حتى وقت الخلاف بينهم لازم غصب عنها تعشق التراب اللى بيمشى عليه .. "ياسمين" خلاص بأت مراتك .. وانت جوزها .. وكمان البنت ملهاش أى حد غير أختها الأصغر منها .. يعني انت كل عيلتها دلوقتى يا "عمر"
أومأ "عمر" برأسه وقد شعر بالراحة للحديث مع أمه .. فقد أجابت على الأسئلة التى كانت تعتمل داخل عقله وقلبه .. قرر أن يقف بجوار حبيبته فى محنتها .. ولن يتخلى عنها أبــداً .

حاول أن يتصل بـ "ياسمين" مرة أخرى .. لكن هاتفها مازال مغلقاً .. فخرج من منزله وتوجه الى غرفتها فى سكن العمال .. طرق الباب .. بعد فترة .. فتحت "ريهام" مرتدية اسدال الصلاة .. نظرت اليه بإستغربا .. فقال لها :
- ازيك يا "ريهام" أخبارك ايه ؟
- كويسه الحمد لله
-"ياسمين" موجودة ؟
أومأت برأسا .. فقال :
- طيب لو سمحتى قوليلها انى عايزها
دخلت "ريهام" .. دقيقتين وخرجت "ياسمين" مرتدية اسدال الصلاة هى الأخرى .. نظر اليها يملى عينيه برؤياها التى حُرم منها لأيام .. كانت ضعيفة ذابله .. دامعة العينين .. رق قلبه لحالها .. اقترب منها قائلاً بحنان :
- حبيبتى انتى كويسه ؟

أومأت برأسها وتحاشت النظر اليه .. رفع يده ليمرر ظهر أصابعه على وجنتها قائلاً :
- أفله تليفونك ليه .. وليه مبترديش عليا
أبعدت وجهها عن أصابعه ..فسحب يده وظل ينظر اليها فى صمت .. وهى مازالت تتحاشا النظر الى وجهه .. طال الصمت بينهما .. نظر اليها قائلاً :
- ماشى هسيبك براحتك .. بس لو سمحتى افتحى تليفونك عشان لما أحب أطمن عليكي .. بدل ما كل شوية تلاقيني جايلك هنا .. أنا سبتك الكام يوم اللى فاتوا برحتك .. بس قدرى انى قلقان عليكي وحابب أسمع صوتك وأطمن عليكي

صمت برهه ثم قال :
- ماشى يا "ياسمين"
أومأت برأسها .. فقال :
- لو احتجتى حاجه كلمينى
غادر "عمر" وعادت الى سريرها تلقى بنفسها عليه .. اعطت "ريهام" ظهرها حتى لا ترى العبرات التى تتساقط من عينيها فى صمت .. سألت دموعها .. لماذا تسقطين يا دموعى .. أبسبب موت أبي .. الرجل الوحيد الذى أثق به فى هذه الدنيا .. أم تسقطين بسبب حالى وما يحدث لى .. كفى يا دموعى عن السقوط .. لم أعد أحتمل حرارتك على وجهى .. ألا تجفين أبداً .. لماذا تذكرينني دائماً بطعمك المالح فى فمى .. أريد أن أنسى طعمك يا دموعى .. لماذا تذكريني بكِ دائماً وتخرجين من عيناى بكل اصرار وكأنك تتحديني .. وكأنك تتعندين أن تؤلميني .. لماذا يا دموعى لا ترحميني ..!


اقتربت منها "ريهام" وجلست بجوارها على الفراش .. التفتت "ياسمين" اليها وجلست .. قالت "ريهام" بأسى :
- وحشنى أوى يا "ياسمين"
اغرورقت عينا "ياسمين" بالدموع قائله :
- وأنا كمان وحشنى أوى
ثم قالت :
- عايزين نعمل صدقة جارية ليه
أومأت "ريهام" برأسها قائله :
- زى ايه ؟
- مش عارفه لسه بفكر .. بس عايزين نعمله أكتر من حاجه عشان ثوابه يكون أكبر
ثم تساقطت عبرة من عينيها وهى تقول بصوت مرتجف :
- الانسان لما بيموت .. الحاجة الوحيدة اللى بيستمر ياخد عليها ثواب هى ان ولاده يدعوله ويعملوله صدقة جاريه .. وعايزين نعمل لماما كمان
أومأت "ريهام" برأسها وأسندتها على كتف أختها قائله :
- ماشى أنا هديكي كل الفلوس اللى أنا محوشاها من مرتبي وانتى شوفى هتعملى بيها ايه
قالت "ياسمين" :
- لأ مش هاخدهم كلهم .. احنا لسه منعرفش احنا هنعيش ازاى .. خلاص كدة معاش بابا الله يرحمه اتقطع عننا لاننا اتجوزنا .. يعني ملناش أى مصدر رزق نعيش منه الا شغلنا هنا .. وأمورنا دلوقتى اتلخبطت
رفعت "ريهام" رأسها ونظرت اليها قائله :
- ايه اللى هيحصل دلوقتى يا "ياسمين" .. أقصد بعد ما كل واحدة فينا اتكتب كتابها .. وبعدين .. ايه اللى هيحصل .. طبعاً الفرح لازم يتأجل .. بس هل هنفضل نشتغل عندهم زى ما احنا .. ولا لأ .. ولو مشتغلناش هنصرف على نفسنا منين
نظرت "ياسمين" الى "ريهام" قائله :
- ربنا موجوده .. مش هيسبنا .. اطمنى يا "ريهام" .. ربنا قادر يبعتلنا الحل لكل مشاكلنا
فتحت "ياسمين" أحد الأدراج بجانبها وأخرجت مصحفاً وفتحته وأسندت ظهرها الى الوسادة خلفها وبدأت فى القراءه .. رجعت "ريهام" بظهرها للخلف وأسندت رأسها على كتف أختها تستمع الى تلاوتهــا .

***************************

فى اليوم التالى .. خرجت "ريهام" من الحمام لتجد أختها ترتدى ملابسها فسألتها :
- انتى خارجه ؟
قالت "ياسمن" شارحه :
- أيوة .. هروح أشوف موضوع الصدقة الجارية اللى اتكلمنا عنه امبارح
- آجى معاكى
- لا يا حبيبتى مفيش داعى خليكي
خرجت "ياسمين" .. توجهت الى الطريق المؤدى للبوابة .. كان "عمر" يقف أمام البوابة يتحدث الى رجل داخل سيارته .. نظر الى "ياسمين" فتجاهلت نظراته .. أنهى "عمر" كلامه مع الرجل الذى انطلق بسيارته خارج المزرعة ثم توجه اليها يقطع طريقها قائلاً :
- "ياسمين" .. راحه فين؟
نظرت اليه .. يالله .. لكم تؤلمنى رؤيته .. وتذكرنى بكل ما أريد نسيانه .. أعاده سؤاله :
- راحه فين يا "ياسمين" .. قالت بهدوء :
- نازله المنصورة
- تعملى ايه فى المنصورة
قالت بشئ من نفاذ الصبر :
- هشترى شوية حاجات
قال وهو يهم بالإنصراف :
- طيب ثوانى هجيب العربية وآجى
قالت بسرعة :
- مفيش داعى .. أنا هروح لوحدى
نظر اليها بحنان قائلاً :
- ازاى يعني أسيب مراتــى تركب فى المواصلات وأنا موجود
خفق قلبه عندما سمعت منه كلمـة (مراتــى) .. تلك الكلمة التى تحاول أن تتناساها .. لكنها واقع .. وأمر مفروغ منه .. لم تعد تستطيع الهــرب .. عاد "عمر" و أحضر سيارته أوقفها أمام "ياسمين" وفتح لها الباب .. شعرت بإحساس غريب .. هو مزيج من خوف وحيرة وتردد .. للمرة الأولى تركب سيارة رجل غريب بمفردها .. ذكرت نفسها .. ليس غريباً يا "ياسمين" .. بل هو زوجــك .. زوجك الذى فُرض عليكِ فرضاً .. زوجك رغــم أنفــك .. اهربي منه فى عقلك كما تريدين .. لكنك لن تستطيعي الهرب من الواقــع أبــداً .
ترددت لحظات فى الركوب .. نظر اليها "عمر" يراقب ملامح التردد على وجهها .. ركبت بجواره .. بجوار زوجهــا .. شعرت بالرهبة .. تنهدت وحاولت السيطرة على خفقات قلبها .. هى حتى لا تعلم مما هى خائفه .. سار "عمر" فى طريقه الى المنصورة .. يلقى نظرة عليها كل فترة .. نظر اليها قائلاً :
- عايزه تروحى فين ؟
صمتت لتفكر .. ثم قالت :
- عايزة أروح أى مكتبة اسلامية
قال بإستغراب :
- مكتبة اسلامية
أومأت برأسها فقال :
- ليه ؟
قالت بهدوء :
- عايزة أشترى مصاحب عشان أحطها فى المسجد اللى فى القرية .. صدقة جارية لبابا وماما الله يرحمهم
شعر "عمر" بحنان جارف تجاهها .. لاحت ابتسامه على شفتيه .. ونظر الى يدها الموضوعة بجانبها على المقعد .. مد يده ليحتضن كفها .. فنزعت يدها بسرعة .. وكتفت ذراعيها أمام صدرها .. تضايق "عمر" .. لكنه أخفى ضيقه .. مراعاة لمشاعرها وللظروف التى تمر بها .. توقف أمام المكتبة .. نزل معها .. وواختارت ما تريد .. وعندما همت بفتح حقيبتها وجدت "عمر" يسبقها ويخرج محفظته .. فقالت بسرعة :
- لأ أنا اللى هدفع
نظر اليها "عمر" نظرة محذرة .. نظرة صارمة .. دون أن يتكلم .. كم اخافتها نظرته فألجمت لسانها .. يا لهاتين العينين .. هما قادرتان على غمرها بالحنان تارة .. وعلى اخافتها تارة أخرى .. دفع "عمر" المبلغ للرجل وحمل المصاحف ووضعها فى صندوق السيارة .. وتوجه الى باب "ياسمين" وفتحه لها .. ركبت "ياسمين" .. وركب "عمر" وانطلق فى طريقه .. ساد الصمت .. قطعته "ياسمين" وهى تخرج .. المال من حقيبتها وتعده .. ثم تعطيه له فى حده قائله بحزم :
- اتفضل

ألقى "عمر" نظرة على المال ثم عليها .. صمت للحظات بدون رد فعل .. ومازالت يدها ممدودة بالمال .. ثــم .. أخذه منها ووضعه بإهمال على تابلوه السيارة .. نظرت أمامها .. قال "عمر" بهدوء لكن بحزم :
- تانى مرة لما أكون معاكى فى مكان .. أوعى تفتحى شنطتك وتحاولى انك تحاسبي .. أنا راجل مش قفص جوافة
قالت "بهدوء :
- الحاجة دى بتاعتى وأنا اللي لازم أدفع تمنها
قال بحزم دون أن ينظر اليها :
- ده يبقى بينى وبينك .. مش أدام الناس
ثم نظر اليها قائلاً :
- اتفقنا ؟
نظر اليه .. تلاقت نظراتهما .. هى تحاول قراءة عينيه وهو يحاول قراءة عينيها .. أومأت برأسها ثم عادت لتنظر أمامها فسألها :
- عايزة تروحى مكان تانى ؟
قالت بتردد :
- لو مش هعطلك .. عايزه أروح أى دار أيتام هنا
فكر "عمر" قليلً ثم قال :
- ماشى
ثم نظر اليها وابتسم ابتسامه عذبه قائلاً :
- حبيبتى تأمر وأنا أنفذ
اختلج قلبها لابتسامته الجذابه .. وكلماته الرقيقة .. فأشاحت بوجهها .. وذكرت نفسها بكل ما علمته عنه .. وبكل ما تكرهه فيــه .

**************************
سمعت "ريهام" طرقات على الباب فقامت لتفتح ظناً منها أنها "ياسمين" .. لكنها وجدت "كرم" أمامها .. ابتسم لها قائلاً :
- وحشتيني جيت أشوفك
ابتسمت "ريهام" بخجل وقالت :
- احنا كنا لسه أفلين مع بعض من شوية
قال فى مرح :
- انتى فاكرة ان صوتك كفاية يعني .. ده أنا لما بتكلم معاكى فى التليفون بحس انك بتوحشيني أكتر
سألها بخفوت :
- "ياسمين" جوه ؟
- لأ .. خرجت راحت المنصورة
ابتسم "كرم" قائلاً :
- كويس
ولدهشتها وجدته يدفعها ويدخل ويغلق الباب .. قالت بدهشة :
- "كرم" انت بتعمل ايه
قال بجديه :
- عايز أتكلم مع مراتى .. ايه فيها حاجه
أشارت الى الباب المغلق قائله :
- بس مش كدة .. مينفعش كده
ضحك قائلاً :
- يا بنتى انتى مراتى
جذبها من ذراعيه ليضمها الى صدره .. فدفعته عنها قائله بخجل :
- انت بتهرج على فكرة
ابتسم قائلاً :
- أموت فيك وانت مكسوف كده .. طيب أنا بس عايز أتكلم معاكى فى موضوع
قالت بتوتر :
- طيب اتكلم بسرعة
نظر اليها بجديه قائلاً :
- حبه جد بأه عشان فى موضوع مهم فعلاً عايز أكلمك فيه
رأت ملامح الجدية على وجهه فشعرت بالقلق وقالت :
- خير ؟
قال "كرم" بجديه :
- أنا خلاص معدش ينفع أستنى هنا أكتر من كده .. الشغل كتير فى القاهرة وفى حاجات لازم أعملها بنفسي .. يعني لازم أرجع القاهرة فى أقرب وقت

صمتت "ريهام" قليلاً لا تدرى ما تقول فأكمل "كرم" :
- لازم تيجي معايا القاهرة يا "ريهام" .. يعني أقصد تعيشي معايا .. تبقى دخله يعني
نظرت اليه وقالت بدهشة :
- انت بتقول ايه يا "كرم" .. ازاى أعمل فرح وأبويا لسه ميت ؟
قال "كرم" بسرعة :
- مش لازم نعمل فرح .. بس أنا مضطر أرجع القاهرة ومش عايز أسيبك هنا .. عايزك معايا يا حبيبتى .. وبعدين انتى ناسية الإمتحانات بتاعتك .. انتى نفسك لازم ترجعى القاهرة عشان امتحاناتك
فكرت "ريهام" بتمعن ثم قالت :
- وازاى أسيب "ياسمين" لوحدها ؟
- "ياسمين" مش لوحدها .. جوزها هنا .. "عمر" .. وكمان طنط "كريمه" هنا
أخذت تفكر .. ثم قالت له فى حيرة :
- مش هقدر أمشى من هنا يا "كرم" إلا بعد ما أطمن ان "ياسمين" هى كمان هتبقى مع "عمر" فى بيته .. ومش هتعد هنا لوحدها
قال "كرم" مطمئناً :
- متقلقيش أنا واثق ان "عمر" هو كمان هيعجل بموضوع الدخله .. عشان الوضع كدة مش مظبوط .. يعني مينفعش تعدوا انتوا الاتنين لوحدكوا .. وفى سكن عمال طالعه نازله .. وكل واحدة متجوزة راجل يسد عين الشمس
نظرت اليه قائله :
- خلاص .. شوف انت "عمر" ناوى على ايه .. بس أنا مش همشى من هنا طول ما "ياسمين" أعده .. مش ممكن هسيب أختى لوحدها .. وفى ظروفنا دى .. احنا خلاص بقينا لوحدنا وملناش الا بعض
اقترب منها "كرم" ومسحها على وجنتها فى حنان قائلاً :
- وأنا روحت فين .. انتى مش لوحدك يا "ريهام" .. أنا معاكى .. ومش عايز تقلقى من حاجه طول ما أنا معاكى
ابتسمت بخجل وقالت :
- عارفه يا "كرم" .. تعرف انت اللى كنت بتصبرنى الأيام اللى فاتت .. كنت بفرح لما كنت بتكلمنى كل شوية وبتطمن عليا .. خلتنى أحس ان مش لوحدى
ابتسم قائلاً :
- طبعاً مش لوحدك
حاولت جذبها من ذرعيها مرة أخرى الى حضنه .. فدفعته عنها بخجل .. تركها قائلاً بمرح :
- ماشى برحتك .. بكرة تبقى فى بيتى يا جميل .. أنا وانت وتالتنا الشيطان
ضحكت "ريهام" وقالت وهى تكتم ضحكاتها :
- "كرم" اطلع بره
ابتسم قائلاً :
- ماشى .. هطلع .. ليك يوم يا جميل
ثم نظر اليها بفرحه قائلاً :
- بس عارفه كويس انى جيت .. على الأقل شوفت ضحكتك الحلوة دى
نظرت اليه بحب وقالت مبتسمه :
- ربنا يخليك ليا يا "كرم"
نظر اليها بحنان .. ثم فتح الباب وقبل أن يخرج .. التفت بسرعة ليطبع قبلة سريعه على وجنتها ثم خرج مسرعاً وهو يضحك .. قالت "ريهام" بغيظ بصوت منخفض :
- ماشى يا "كرم"

*************************
دخلت "ياسمين" الى دار الأيتام بصحبة "عمر" .. توجهوا الى مكتب المديرة وتبرعت "ياسمين" بمبلغ لمساعدة الأطفال .. كصدقة جارية لوالدها ووالدتها رحمهما الله .. كان "عمر" يراقبها بعينين حنونتين وهى تتحدث مع المديرة .. رق قلبه لتلك الفتاة التى أمامه والتى كلما رآها شعر بقلبه كعصفور صغير يرفرف بجناحيه داخل صدره .. شعر بسعادة غريبة تسري فى كيانه كله وهو ينظر اليها والى أفعالها الطيبة .. حانت التفاته منها وتلاقت أعينهما .. كانت نظرته شغوفه حنونه تشى بحب واضح لا يمكن أن تخطئ فى تفسيره .. أشاحت بوجهها فى خجل .. أخذتهم المديرة الى حجرة بعض الأطفال وأخذت تتحدث عن المجهودات التى تبذلها الدار لعلاج أولئك الأطفال الذين فقدوا زويهم .. نظرت "ياسمين" الى الأطفال البريئة التى تلعب فى مرح .. ترقرقت عيناها بالعبرات .. حمدت ربها أن أمد فى عمر أبويها حتى ربوها وكبورها هى و أختها

أما هؤلاء الأطفال المساكين معظم لم يروا زويهم .. وتربوا بدونهم .. وسيكبرون بدونهم .. شعرت بالعبرات تندفع من عينيها كالشلال وهى تنقل بصرها من طفل لآخر وضعت كفها على فمها لتكتم شهقات صغيرة كادت أن تفلت منها .. نظر اليها "عمر" و خفق قلبه .. رفع ذراعه وأحاط كتفيها وقربها منه .. و .. قبل رأسها .. انتبهت "ياسمين" لقربها منه .. فرفعت عينيها الدامعتين اليه فى خجل لتصطدم بنظرة حنان فى عينيه .. ثم تبتعد عنه .. مسحت دموعها .. اقترب "عمر" من أحد الأطفال .. كان طفلاً صغيراً فى الثالثه من عمره .. يمسك لعبة مكونه من جزءين فشل فى تركيبهما فأخذ يبكى .. أمسك "عمر" منه اللعبة وركبها و ابتسم الى الصغير وأعطاه اياها ومسح على شعره .. وقف مرة أخرى بجوار "ياسمين" ينظر للطفل الذى يلعب بلعبته فى مرح .. نظرت اليه "ياسمين" قائله :
- تعرف انك خدت ثواب كبير أوى باللى انت عملته ده
التفت اليها بدهشة قائله :
- عملت ايه ؟
قالت شارحه :
- مسحت على راس طفل يتيم .. اللمسه دى ثوابها كبير
نظر اليها بشغف قائلاً بصوت هامس :
- كويس يعني معايا كنز حسنات .. مش هشيل ايدي من عليه أبداً
احمرت وجنتاها وتحاشت النظر اليه .. قبل انصرافهم توقف "عمر" وأخرج دفتر شيكاته وكتب شيكاً وأعطاه الى مديرة الدار .. لم تعرف "ياسمين" الرقم المكتوب لكنها رأت علامات الفرحة على وجه المرأة ونظرت اليه قائله :
- ربنا يباركلك يا ابنى ويحفظك من كل سوء .. ده أكبر مبلغ حد يتبرع بيه من يوم ما فتحنا الدار ..
أخذت "ياسمين" تنظر اليه وهى تتسائل فى نفسها .. تــُرى أفعل هذا لينال أجــراً .. أم ليفكر عن ذنبـــاً .. التفت "عمر" اليها فوجدها تنظر اليه نظرة غريبه أخفتها سريعاً ..
انهوا زيارتهم و ركبوا السيارة .. نظر "عمر" اليها مبتسماً :
- تحبي تروحى فين تانى ؟
- شكراً .. أنا كده خلصت اللى كنت عايزه أعمله .. لو راجع المزرعة وصلنى فى طريقك لو سمحت
رفع حاجبيه بتحدى قائلاً :
- ولو مش راجع ؟
قالت بإرتباك :
- مفيش مشكلة ممكن توصلنى الموقف وأنا هركب عربية توصلنى المزرعة
نظر الى ساعته قائلاً :
- فى الوقت ده .. الساعة 9 .. تركبي عربية لوحدك وتمشى على طريق سفر
ازداد ارتباكها وقالت :
- أنا مش هكون لوحدى فى العربية .. معايا ركاب .. وكمان أنا مضطرة يعني مفيش أدامى حل تانى
أمسك وجهها بكفه وجعلها تلتفت اليه .. اقترب منها لتتلاقا نظراتهما .. قال لها :
- "ياسمين" أنا جوزك .. فاهمة .. جوزك .. متتعمليش معايا كأنى راجل غريب .. انتى دلوقتى مراتى ومسؤله منى .. ياريت تفهمى ده كويس
صمتت .. وأبعدت وجهها عن يده .. اعتدل فى مقعده وانطلق فى طريقه .. توقف أمام احدى المطاعم والتفت اليها قائلاً بإبتسامه :
- أنا جعت .. ممكن ننزل ناكل مع بعض وبعدين نرجع المزرعة
اعتذرت قائله :
- معلش أنا أسفه أنا عايزة أرجع المزرعة عشان سايبه "ريهام" لوحدها
صمت .. وانطلق فى طريقه الى المزرعــة .. أوقف السيارة أمام سكن العمال .. التفتت اليه "ياسمين" قائله :
- ممكن لو سمحت تفتحلى الشنطة عشان آخد المصاحف
قال لها "عمر" :
- لأ خليهم فى العربيه وبكرة هوصلهم بنفسي لمسجد القرية
علمت أنها لو اعترضت لن تجدى منه رجا .. فإستسلمت ونزلت من السيارة .. نزل "عمر" هو الآخر والتف حول السيارة .. نظرت اليه قائله :
- شكراً
همت بالإنصراف فوقف أمامها .. نظر اليها قائلاً :
- على فكرة الوضع ده مش هينفع يستمر كتير
نظرت اليه بعدم فهم .. قائله :
- يعني ايه ؟
قال بهدوء :
- يعني مش هسيب مراتى عايشه لوحدها فى سكن العمال
قالت له بحده :
- أنا مش لوحدى أنا معايا "ريهام"
- "ريهام" هتسافر القاهرة مع جوزها يا "ياسمين"
نظرت اليه بدهشة فأكمل قائلاً :
- "كرم" مضطر يرجع القاهرة عشان الشغل .. وقالى انه عايز مراته معاه
ثم نظر اليها نظرة ذات معنى :
- زى ما أنا عايز مراتى معايا
كانت "ياسمين" تشعر بالغضب يشتغل بداخلها .. غضب وحنق و قلة حيله .. أهذه هى نهاية المطاف .. ستصبح زوجة فعليه لهذا ...... لهذا الزانــى .. ارتجف قلبها عندما ترددت الكلمة بداخلها .. يا لها من كلمة بغيضة مقززه .. لا تحتمل النطق بها .. فكيف ستحتمل من قام بها .. نظرت اليه وقالت بحزم :
- مفيش مشكلة "ريهام" تسافر مع "كرم" وأنا أفضل هنا فى السكن
قال "عمر" بحده :
- قولتلك مش هسيب مراتى عايشة لوحدها فى سكن العمال يا "ياسمين" .. الوضع ده غير مقبول بالنسبه لى .. لازم تعرفى انك دلوقتى مراتى .. وليا حقوق عليكي
شعرت بغصة فى حلقها .. شعرت وكأنها تختنق .. تجمعت العبرات فى عينيها .. صاحت وعيناها تشتعلان غضباً وكرهاً :
- انت ايه معندكش احساس .. على الأقل استنى لحد ما أفوق من صدمتى فى موت أبويا وبعدين ابقى اطلب منى حقوقك

صمت "عمر" .. طال صمته وهو يتطلع اليها .. الى تعبيرات وجهها الغاضبة .. الى الألم والدموع فى عينيها .. ثم اقترب منها .. رجعت الى الخلف محاولة الابتعاد عنه لتصطدم بالسيارة خلفها .. اقترب أكثر وقال بصرامة وقوة :
- انا لما قولت حقوقى .. قصدك حقى فى ان مراتى تكون جمبي .. وتعيش معايا فى نفس البيت .. ما قصدتش غير كده
غزت حمرة الخجل وجهها .. فأكمل "عمر" وفى عينيه نظرة حاده :
- انا مش "مصطفى" يا "ياسمين"
ارتجف قلبها .. أكمل بغضب مكتوم :
- أنا مش حيوان زيه
أخفضت نظرها وقد شعرت بالخجل لأنها أخطأت تفسير كلماته .. زفر "عمر" ليهدئ من نفسه .. نظرت اليه "ياسمين" قائله :
- أنا آسفه
نظر اليها "عمر" قائلاً بهدوء :
- أنا عذرك لأنك لسه معرفتنيش يا "ياسمين" .. بس صدقيني أنا مش ممكن أبداً أعمل حاجه تجرحك

رأيت "ياسمين" الصدق فى عينيه .. وسمعته فى صوته .. ابتسم لها .. ابتسمت له فى خجل .. خفضت بصرها .. لترتطم نظراتها بالحرق على يده .. شعرت بغصه فى حلقها .. رفعت نظرها اليه .. حائرة .. مترددة .. متألمة .. ابتلعت ريقها وقالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :
- الحرق اللى فى ايدك ده من ايه ؟
شعر "عمر" بالسعادة .. فهذه هى المرة الأولى التى تسأله عن شئ يخصه .. قال لها :
- شكله مضايقك ؟
قالت بإرتباك :
- لأ .. مش كده .. أنا .. أنا بس بسأل عادى .. من زمان الحرق ده ؟
ظهر الضيق على وجه .. ثم قال :
- لأ مش من زمان أوى .. وموضوع مش حابب أفتكره
خفق قلبها بشدة .. قالت تحاول معرفة اجابه لسؤالها :
- حصل هنا فى المزرعة ؟ .. ولا فى القاهرة ؟
نظرت اليه تراقب تعبيرات وجهه .. نظر اليها ..بدا متردداً .. ثم قال :
- حقيقى يا "ياسمين" مش حابب أتكلم فى الموضوع ده
اقترب منها وأمسك يدها قائلاً :
- خلينا نتكلم عننا أحسن
سحبت "ياسمين" يدها من يده وقالت ببرود :
- أنا اتأخرت على "ريهام" .. بعد اذنك
ثــم غادرت الى غرفتهــا .. استقبلتها "ريهام" قائله :
- عملتى ايه
قالت "ياسمين" وهى شارده :
- كويس
- هو ايه اللى كويس .. عملتى ايه اشتريتي ايه للصدقه بتاعة بابا و ماما
التفتت "ياسمين" اليها وقالت بنفاذ صبر :
- "ريهام" أرجوكى سبيني دلوقتى .. مش قادرة أتكلم فى أى حاجة


دخلت "ياسمين" الحمام ووقفت تنظر الى نفسها فى المرآة .. لماذا تهرب من اجابة سؤالها .. لماذا ظهرت علامات الضيق على وجهه عندما ذكرت ذلك الحرق .. كل الشواهد تؤكد ما توصلت اليه بنفسها .. نعم هو مذنب .. نظرت الى نفهسا بسخريه .. ماذا توقعتى أن يجيبك .. أيقول لكِ لقد أرتكبت جريمة شنعاء وكان جزائي أن أصيبت يدي .. أكنتى تظنين بأنه سيعترف لكِ بماضيه .. هذا الماضى الأسود الذى بنى بينك وبينه آلاف الأسوار العالية .. بالتأكيد سيكذب .. بالتأكيد سينكر .. من يرتكب جريمة بشعة مثل الزنــى .. سيكون الكذب لعبة سهله بالنسبه له .. أغمضت عيناها فى ألم .. انتظرتها "ريهام" حتى خرجت .. ثم قالت :
- "ياسمين" .. "كرم" جالى النهاردة .. وقالى انه مضطر يسافر القاهرة عشان شغله .. و ...
صمتت قليلاً ثم قالت :
- وعايزنى أسافر معاه .. يعني طبعا مش هنعمل فرح عشان بابا الله يرحمه .. بس هو عايز خلاص نتجوز ونعيش مع بعض
صمتت "ياسمين" ولم تجب .. فأكملت "ريهام" :
- أنا قولتله مش هينفع .. إلا بعد ما أطمن على "ياسمين"
قالت "ياسمين" بدهشة :
- تطمنى عليا ازاى يعني
- يعني نشوف "عمر" ناوى على ايه .. هو مكلمكيش فى حاجه
زفرت "ياسمين" بضيق .. ثم قالت :
- "ريهام" ملكيش دعوة بيا .. سافرى مع "كرم" .. وأنا مش صغيرة عشان معرفش أعيش لوحدى
قالت "ريهام" بحزم :
- مستحيل .. مش هسافر مع "كرم" إلا لما انتى تروحى بيتك
قالت "ياسمين" بأسى :
- بيتى ؟
أومأت "ريهام" برأسها قائله :
- أيوة بيتك .. بيت "عمر"
قالت "ياسمين" بضيق وهى تتوجه الى فراشها :
- خلينا نتكلم بكرة يا "ريهام" .. أنا تعبانه دلوقتى وعايزة أنام
قضت "ياسمين" ليلتها والكوابيس تؤرق مضجعها .. أفاقت على احدى كوابيسها تصرخ .. استيقظت "ريهام" على صوتها .. ذهبت وجلست بجوارها لتجد "ياسمين" جالسه تبكى .. قالت "ريهام" بلهفه :
- "ياسمين" ايه اللى حصل .. حلمتى حلم وحش ؟
قالت "ياسمين" من بين شهقاتها :
- مش طيقاه .. مش طايقه أشوفه .. ولا طايقه أسمع صوته .. ولا طايقه انه يلمسنى
قالت "ريهام" بدهشة :
- مين ؟ .. "عمر" .. ؟
- أيوة
- ليه يا "ياسمين" .. ايه اللى حصل بينكوا .. انتوا اتخانقتوا
قالت "ياسمين" بألم :
- من غير ما يحصل حاجه .. أنا مش طايقاه وخلاص
أخذتها "ريهام" فى حضنها لتهدئها .. فى الصباح ذهبت "ريهام" الى مكتب "كرم" .. دخلت وأغلقت الباب خلفها .. قام فوراً واتجه اليها قائلاً بمرح :
- والله وبقينا نقفل الباب
ابتسمت "ريهام" قائله بلؤم :
- لو عايزنى أفتحه معنديش مانع
ابتسم قائلاً :
- لأ خليه مقفول أحسن نستهوى
قالت "ريهام" بجديه :
- "كرم" .. مش هينفع أسافر معاك .. أنا اتكلمت مع "ياسمين" وهى مش حبه تروح بيت "عمر" دلوقتى
قال "كرم" بإستغراب :
- ليه مش حبه
هتفت بحده :
- ايه اللى ليه مش حبه .. مش حبه وخلاص انا ايش عرفنى
قال "كرم" بضيق :
- يعني هسافر لوحدى .. أنا فى بلد ومراتى فى بلد
نظرت اليه "ريهام" بأسف قائله :
- معلش يا "كرم" مش بإيدي ..بس مقدرش أسيب أختى لوحدها
تنهد "كرم" قائلاً :
- خلاص بس مش هنعدوا فى سكن العمال .. هأجر شقة فى المنصورة وتعدوا فيها انتوا الاتنين .. لحد ما نشوف الموضوع هيرسى على ايه
قالت "ريهام" :
- معلش يا "كرم" عارفه انك مضايق .. بس قدر ان دى أختى ومينفعش أسيبها
أومأ "كرم" برأسه قائلاً :
- مقدر يا حبيبتى .. ولا يهمك .. وعامة أنا واثق ان "عمر" مش هيتحمل الوضع ده كتير .. "عمر" غيور جداً ومش هيسيبها عايشة فى المنصورة لوحدها بعد ما بقت مراته
صمت قليلاً ثم قال :
- وامتحاناتك هتعملى فيها ايه
قالت شارحه :
- ما أنا هفضل هنا لحد معاد امتحاناتى .. ويارب ساعتها تكون "ياسمين" فى بيتها .. عشان أعرف أسافر وأنا مطمنه

************************
- انتى بتهرجى يا "ريهام"
قالت "ريهام" بجديه :
- لأ مش بهرج ده اللى حصل واللى اتفقت عليه مع "كرم"
قالت "ياسمين" بغضب :
- يا بنتى وانتى مالك ومالى .. سافرى ما جوزك وعيشي حياتك بأه .. وملكيش دعوة بيا
- ازاى يعني مليش دعوة بيكى .. ما هو انتى لو تريحيني وتقوليلي ليه مش عايزة الدخله دلوقتى كنت ارتحت .. انتى عارفه ان وضعنا صعب .. ومفيش حل غير كده
شعرت "ياسمين" بالإختناق .. أخذت نفساً عميقاً .. بدت متردده .. ثم قالت :
- خلاص
- خلاص ايه ؟
قالت بشئ من الأسى :
- خلاص موافقه .. كدة كدة التأجيل مش هيفيد بحاجه
قالت "ريهام" بقلق :
- نفسي أفهم ايه اللى تاعبك .. ليه مش مبسوطه
اغرورقت عيناها بالدموع وقالت :
- مفيش .. بس لسه ما فوقتش من صدمة وفاة بابا الله يرحمه
قالت "ريهام" بأسى :
- الله يرحمه هو و ماما
- اللهم آميــن

اتفق الجميع على اليوم الموعــود .. ستسافر "ريهام" مع "كرم" .. وتنتقل "ياسمين" الى بيت المزرعة .. وأصرت "كريمه" و "نور" على العودة الى القاهرة مع العروسين .. ليتابع "نور" أعماله التى تراكمت من بعد عطلته الطويلة فى المزرعة .. أتــى اليــوم الموعــود .. كانت "ريهام" تستعد فى غرفتها وتجهز حقائبها عندما سمعت طرقات على الباب .. فتحت لتجد "كرم" .. ابتسم لها فى سعادة قائلاً :
- ممكن الجميل يسمحلى أدخل
ابتسمت وأفسحت لها الطريق .. دهشت عندما وجدته يعطيها باقى ورد كان يخفيها خلف ظهره .. أخذتها منه مبتسمه .. قال لها فى رقه :
- أحلى ورد لأحلى وردة فى المزرعة

ابتسمت "ريهام" فى سعادة .. ولدهشتها وجدتها يحمل حقيبة كبيرة من الأرض كان قد وضعها بجوار الباب .. ثم دخل ووضعها على السرير .. نظرت اليه فى دهشة وهى تغلق الباب .. ثم اقتربت قائله :
- ايه ده
فتح "كرم" سوستة الحقيبة وأخرج منها فستان زفاف فائق الروعة والجمال .. نظرت اليه "ريهام" بإنبهار .. ثم نظرت الى "كرم" قائله :
- ايه ده
ابتسم "كرم" قائلاً :
- احنا اتفقنا ان مفيش فرح .. بس مش معنى كدة ان مفيش فستان فرح
اغرورقت عيناها بدموع السعادة واقتربت لتتلمس الفستان والتطريز فى فرحه .. سألها "كرم" :
- عجبك ؟
قالت بحماس :
- جداً يا "كرم" .. جداً .. شكله حلو أوى
اتسعت ابتسامة "كرم" وهى ينظر الى سعادتها البادية على وجهها .. قالت "ريهام" بلهفة :
- بس خايفة ميطلعش مقاسى
ضحك "كرم" قائلاً :
- لأ متخفيش هيطلع مظبوط عليكي بالمللى
- ازاى يعني .. وانت عرفت مقاسى منين
غمز بعينيه قائلاً :
- استعنت بصديق .. أختك جبتلى فستان من دولابك وخلتهم يعملوا الفستان بنفس المقاسات .. يعني ان شاء الله هيطلع مظبوط عليكي
ترك الفستان على السرير واقترب منها وقبل جبينها قائلاً :
- مبروك عليكي يا أحلى عروسة
ابتسمت "ريهام" فى سعادة
أخرج "كرم" من الحقيبة علبة الشبكة وألبسها اياها قطعة قطعة واستغرق وقتاً طويلاً حتى قالت "ريهام" :
- "كرم" كل ده بتلبسنى السلسلة ؟
- بحب الاتقان يا "ريهام"
ضحكت وهى تنظر اليه قائله :
- مش وقت اتقان يا "كرم" الكوافيرة على وصول

أدارها "كرم" وألبسها دبلتها وألبسته دبلته .. أمسك كفها ورفعها ليقبله قائلاً :
- مبروك يا أحلى عروسة فى الدنيا
ابتسمت بخجل قائله :
- الله يبارك فيك
قال بخبث :
- بقولك ايه متلغى معاد الكوافيرة وتعالى ألبسك السلسلة تانى
دفعته بإتجاه الباب قائله :
- يلا يا "كرم" من غير مطرود

خرج وابتسم لها وأرسل قبله فى الهواء .. فضحكت ولوحت له بيدها ثم أغلقت الباب .. خرجت "ريهام" فى أبهى حله بفستانها الأبيض وحجابها الأبيض .. وقفت "ياسمين" أمامها تنظر اليها قائله :
- انا حسه انى فرحانه أوى .. طالعه زى القمر يا "ريهام" .. ما شاء الله
التفتت اليها "ريهام" :
- حبيبتى يا "ياسمين" .. كان نفسي أوى بابا و ماما يكونوا معانا اليوم ده
كادت العبرات أن تتدافع الى عين "ياسمين" لكنها سيطرت على عواطفها قائله بصوت مرتجف :
- ربنا يجمعنا بيهم فى الجنة

خرجت "ريهام" ونزلت ليستقبلها عريسها .. وهمس لها :
- زى القمـر .. ممكن أبوس
قالت بجدية وهى تنظر للناس حولها :
- لو عملت كدة هتبقى ليلتك مش فايته يا "كرم"
ضحك "كرم" قائلاً :
- لا الطيب أحسن
عانق "كرم" صديقيه يودعهما قائلاً :
- فى أقرب وقت تجولى القاهرة ان شاء الله ونتجمع كلنا مع بعض .. اتفقنا
قالت "عمر" مبتسماً :
- اتفقنا
قال "أيمن" بسعادة :
- ألف مليون مبروك يا "كرم"

عانقت "ياسمين" "ريهام" عناق طويل .. كانت هذه هى المرة الأولى التى تفترق فيه الفتاتان عن بعضهما البعض .. غرورقت عيناهما بالدموع .. قالت "سماح" :
- "ريهام" بطلى عياط بأه
قالت "ريهام" بتأثر :
- هتوحشينى أوى يا "ياسمين" .. وانتى يا "سماح" هتوحشونى أوى
اقتربت منهم "كريمه" قائله :
- حبيبتى متقلقيش كلها فترة صغيرة و "ياسمين" و "عمر" هينزلوا القاهرة ان شاء الله
شعرت "ياسمين" بالإضطراب .. كانت طيلة الأيام الماضية تتجاهل وضعها .. صممت على ألا تفكر فى شئ إلا فى أختها ومستقبلها .. أما الآن فهى مضطرة أن تواجه كل ما كانت تهرب منه .. رحل العروسان وخلفهما سيارة "نور" و "كريمة" .. وعاد "أيمن" و "سماح" أدراجهما فى اتجاه بيتهما .. لتبقى "ياسمين" واقفه مع "عمر" أمام بوابـة المزرعــة
طال الصمت بينهما .. شعرت بالتوتر .. نظر اليها قائلاً :
- متقلقيش .. "كرم" أخويا وصاحبي .. مش هتلاقى أحسن منه لـ "ريهام" .. انا واثق انه بيحبها و هيحافظ عليها

أخطأ "عمر" فى تفسير سبب قلقها وتوترها .. لم تكن "ياسمين" قلقه على "ريهام" بل قلقه على نفسها .. أمسكها "عمر" من ذراعها ونظر اليها بحب قائلاً :
- مش يلا احنا كمان على بيتنا
خفق قلبها لكلمة (بيتنا) .. تساءلت فى نفسها .. تُرى أهو بيتى حقاً .. هل من الممكن أن أعتبره يوماً بيتي .. هل من الممكن يوماً أن أتقبل وضعى كزوجة لهذا الرجل .. قالت بتوتر :
- هروح الأوضة الأول ألم حاجتى فى الشنطة
ابتسم قائلاً :
- تحبي أساعدك
- لأ
- طيب تحبي أبعت معاكى واحدة تساعدك
- لأ .. أنا أصلا حاجتى مش كتير
أسرعت لتهرب من أمامه وعادت الى غرفتها .. أغلقت الباب وجلست على فراشها .. لكم تتمنى أن تستيقظ الآن فتجد أن كل هذا مجرد حلم وسينتهى .. لا .. يكفى هروباً هذا ليس بحلم .. افيقي يا "ياسمين" .. واجهى واقعــك .. جمعت كل أغراضها .. وجلست على فراشها .. لا تعرف ماذا تنتظر .. وماذا تنوى أن تفعل .. اتصلت "سماح" .. ردت "ياسمين" بلهفه :
- "سماح"
- "ياسمين" انتى كويسه
- أيوة كويسة
- شكلك مكنش مظبوط النهاردة
- "سماح" انتى قولتى لـ "أيمن" حاجه
- لأ طبعا انتى حلفتيني ما أقولش
تنهدت "ياسمين" قائله :
- أيوة متقوليش
ثم قالت بأسى :
- "سماح" أنا تعبانه أوى .. ومحتارة أوى .. أنا تعبانه أوى يا "سماح"
قالت "سماح" بحسرة :
- "ياسمين" لو مش عايزة تتجوزيه ......
قاطعتها "ياسمين" بمراراه :
- انا خلاص اتجوزته يا "سماح" .. عايزانى أطلق للمرة التانية .. وبعدين .. هعمل ايه .. هروح فين .. وبعدين أنا خايفه أوى .. لانى عارفه انى لو طلبت الطلاق من غير سبب قوى دى حاجه عقابها كبير أوى عند ربنا .. عقابها ان الجنة تتحرم عليا .. وأنا مش عارفه هل السبب اللى عندى ده كافى انى أطلق ولا لأ .. مش عارفه محتارة وحسه انى ضايعه .. حسه انى حتى مش عارفه أحس .. كل اللى حساه .. ان جوايا ألم وخوف .. أنا مش قادرة أتعامل معاه كزوج .. مش قادره أتخيل ده
صمتت قليلا ثم قالت :
- ساعات بحس انى بحبه .. وبحس انى مطمنة أوى وأنا معاه .. وبحس انى مش عايزة أبعد عنه .. بس لما بفتكر اللى عمله بحس انى مش طايقاه .. بحس انى خايفه منه .. بحس انى قرفانه منه .. بحس انى عايزة أبعد عنه .. حسه انى مش ممكن أبداً هقدر أسامحه .. مش ممكن أبداً أتقبل جوازى من واحد عمل جريمة بشعة كده .. مش ممكن أفضل أحافظ على نفسي طول عمرى عشان فى الآخر أتجوز واحد زانــى .. أنا حسه بحاجتين عكس بعض والحاجتين دول بيدمرونى كل حاجه فيهم بتشدنى نحيتها .. لحد ما حسه انى خلاص بتقطع من جوه
قالت "سماح" :
- احنا محتاجين نعد ما بعض يا "ياسمين" مش هينفع كلام فى التليفون ولازم الموضوع ده نعرف أصله وفصله .. ومحتاجه أسمع منك كل التفاصيل عشان نقدر نفكر مع بعض
قالت "ياسمين" بإستسلام :
- ماشى وأنا فى أقرب وقت هجيلك .. لانى فعلا محتاجه أتكلم معاكى
أغلقت "ياسمين" مع صديقتها وتمددت على سريرها .. تركت لعبراتها العنان .. تلك العبرات التى كانت تحبسهم منذ أيام .. حتى لا تتأثر "ريهام" بها وبحالها .. قالت فى نفسها .. يارب الحاجه الوحيدة اللى مصبرانى .. هى انى عارفه ان كل حاجه فى حياتى هى من اختيارك انت .. يارب انت عالم الخير فين .. وأنا فعلاً محتارة .. يارب ساعدنى .. يارب ريح قلبي .. يارب خرجنى من حيرتى .. وقويني على نفسي .. يارب أنا بحسن الظن بيك .. يارب أنا واثقة انك هتختارلى الخير .. أنا راضية بكل اللى انتى تختاره .. يارب ريح قلبي .. أنا حسه انى ضعيفة أوى .. حسه انى وحيدة أوى .. مليش غيرك يارب ..
لم تشعر بالوقت وهى نائمة ممده على فراشها .. غفلت .. استيقظت على طرقات الباب .. نهضت مفزوعه .. قامت لتفتح .. وجدت "عمر" امامها .. قال لها بحنان :
- كنت واثق انك نمتى .. كان باين عليكي الارهاق النهاردة
حاولت استجماع أفكارها ثم قالت :
- معلش نمت غصب عنى
ابتسم لها قائلاً :
- ولا يهمك يا حبيبتى .. عارف انك عايزة تنامى ..بس مش حابب انك تنامى هنا لوحدك وبيتك على بعد خطوتين منك
شعرت بالإضطراب .. دخل "عمر" دون دعوة وأمسك بحقيبها قائلاً :
- ليكي حاجه تانيه هنا
- لأ
- طيب يلا
نزلت "ياسمين" معه تسير فى اتجاه بيت المزرعة وهى تشعر بأن الشئ الوحيد الذى تتمناه الآن هو .. الهــرب .

دخلت "ريهام" بيتها الجديد .. وقفت تنظر اليه فى بهجة .. التفتت تنظر الى "كرم" .. الى زوجهــا الذى يبتسم لها فى سعادة .. نظرت اليه نظره بثت فيها سعادتها وفرحها وشوقها وخجلها ...
دخلت "ياسمين" الى بيتها الجديد .. البيت الذى دخلته مرات قليله من قبل .. وها هو وقد أصبح بيتها .. استدارت لتنظر الى الرجل الواقف خلفها بعدما أغلق عليهما باب بيتهمــا .. تبــاً لتلك المشاهد التى تتكرر بإستمرار .. نفس المشهد .. نفس الاحساس .. نفس خفقات قلبها المتسارعة .. نفس الحزن .. نفس التوتر .. نفس الرغبة فى الهــرب .. نفس الإحساس بالضيـــاع .. لكن شئ واحد هو المختلف .. نظـراتهـــا .. لم تكن هذه المـرة تنظر الى زوجها بنظرات تحمل الخــوف فقط .. بــل حملت نظراتهــا أيضــاً الكثيــر من الألـــــــم.
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق