روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الثامن والثلاثون من رواية مزرعة الدموع

رواية مزرعة الدموع بقلم بنوتة أسمرة

دخلت "ياسمين" الى بيتها الجديد .. البيت الذى دخلته مرات قليله من قبل .. وها هو وقد أصبح بيتها .. استدارت لتنظر الى الرجل الواقف خلفها بعدما أغلق عليهما باب بيتهمــا .. تبــاً لتلك المشاهد التى تتكرر بإستمرار .. نفس المشهد .. نفس الاحساس .. نفس خفقات قلبها المتسارعة .. نفس الحزن .. نفس التوتر .. نفس الرغبة فى الهــرب .. نفس الإحساس بالضيـــاع .. لكن شئ واحد هو المختلف .. نظـراتهـــا .. لم تكن هذه المـرة تنظر الى زوجها بنظرات تحمل الخــوف فقط .. بــل حملت نظراتهــا أيضــاً الكثيــر من الألـــــــم.


اقترب منها "عمر" ببطء .. كانت تشعر بشعور مختلط .. كانت متوترة .. شاردة .. اقترب منها ووقف أمامها .. ابتسم لها .. لم تبادله الابتسام .. نظرت الى الباب خلفه تود الهرب .. لكنها تعلم ألا مجال للهرب .. كان "عمر" يراقب الانفعالات على وجهها .. ونظرات عينيها الفارغة .. توترها .. اضطرابها .. والأهم حزنهــا .. ابتسم لها قائلاً :
- نورتى بيتك
لم تجب .. بدا عليها التعب والإرهاق .. كانت كعصفور صغير كُسر جناحيه .. فلم يعد يقوى على الطيران .. أمسك يدها بيده فأجفلت .. واضطربت .. صعد بها السلالم وتوقف امام احدى الغرف .. شعرت يقلبها يدق بشدة .. فتح الباب ..لم تدخل ولم تنظر حتى الى الغرفة .. أشاحت بوجهها .. وهى تحاول اخفاء تعبيرات الألم الموجودة على وجهها .. يارب ماذا أفعل .. هل أرضى بالأمر الواقع .. وأنا يتيمة وحيدة ضعيفة .. أم أثور على هذه الزيجة التى أرفضها .. ماذا أفعل .. تأملها "عمر" قائلاً :
- ياه .. كل ده جواكى
نظرت اليه فى دهشة .. مستفهمه عن معنى ما قال .. فقال برقه :
- انتى ليه خايفه منى ؟ .. ايه غيرك من نحيتي ؟ .. نظراتك بقت غريبة .. أكنى جرحتك .. أو هجرحك .. ليه بتبصيلي كده .. ليه مش مبسوطه انك معايا ؟
صمتت "ياسمين" ولم تجب .. فأكمل :
- أنا عارف ان ممكن يكون موت والدك مأثر عليكي .. وكمان عارف انك شوفتى فى حياتك كتير .. بس مش عايزك تخافى طول ما انتى معايا .. لانى بحبك أوى يا "ياسمين" ومش ممكن أسمح لاى حاجه انها تضايقك أو تأذيكي
نظرت اليه .. التمست الصدق فى كلامه .. ليس لديها ذرة شك فى حبه لها .. هى تعلم أنه يحبها .. بل يعشقها .. لكن مشاعرها هى المضطربة .. غير مستقرة .. اقترب منها فجفلت .. أمسك برأسها وقبل جبينها قائلاً :
- يلا ادخلى
شعرت بالخوف .. نظرت الى غرفة النوم فى وجل .. حبست أنفاسها .. اقترب منها مرة أخرى وقبلها فى جبينها وقال بحنان :
- دى أوضتك انتى
رفعت عينيها اليه فى دهشة وقالت :
- أوضتى أنا ؟
ابتسم وأشار الى الغرفة المجاورة قائلاً :
- ودى أوضتى
لم تصدق "ياسمين" ما تسمع .. ماذا يقصد .. أخرجها من حيرتها وهو ينظر الى عينيها المندهشه بحنان وقال :
- أنا مقدر كل اللى انتى فيه .. ومستعد استناكى الوقت اللى تحبيه .. أنا عارف ان جوازنا جه بسرعة بالنسبة لك
نظرت اليه غير مصدقه ما تسمعه .. فقال لها بحنان :
- أنا بحبك جداً يا "ياسمين" .. و قولتلك قبل كده مش ممكن أجبرك على حاجة واضح جداً عليكي انك مش عايزاها
نظرت اليه "ياسمين" وكأنها تتعرف عليه لأول مرة .. ابتسم لها .. فبادلته ابتسامه خجوله .. استغربت .. كيف نجح فى ازاله التوتر بداخلها .. كيف أشعرها بالراحة وبالأمان .. أشار الى الغرفة برأسه قائلاً بحنان :
- يلا ادخلى .. غيري هدومك وانزلى عشان نتعشى سوا
قالت بحرج :
- معلش أنا اسفه بس بجد تعبانه ومحتاجه أنام
قال "عمر" بإهتمام :
- طيب أجبلك الأكل فى اوضتك
قالت بسرعة :
- لأ ..شكراً .. بس أنا بجد جعانه نوم
تأمل "عمر" وجهها المتعب ثم قال بحنان :
- ماشى يا حبيبتى ولا يهمك .. ادخلى نامى .. تصبحى على خير
ثم انحنى ليطبع قبله دافئه على وجنتها التى احمرت من الخجل .. دخلت الغرفة .. كانت غرفة جميلة .. جيدة الأثاث .. لها طابع كلاسيكى كما هو الحال فى الأسفل .. أخذت دشاً وتوضأت وصلت .. وارتدت بيجامتها ثم دخلت الى فراشها واستسلمت للنوم ..

***********************

بعد عدة ساعات من النوم شعرت "ياسمين" بحركة غريبه فتحت عينيها فجأة لتجد "عمر" واقف بجوارها .. شعرت بالفرع .. طمأنها قائلاً :
- متخفيش أنا دخلت بس أطمن عليكي .. لقيتك مش متغطية كويس فعدلت الغطا
نظرت الى الغطاء الملتف حولها جيداً .. همت بالجلوس لكنه أوقفها قائلاً :
- لأ متقوميش .. كملى نوم .. أنا خارج
نظرت الى الساعة بجوارها قائله بصوت ناعس :
- أنا كده كده لازم أصحى عشان باقى نص ساعة على الفجر
نظر اليها بحنان قائلاً :
- مش مهم .. صليه لما تقومى الصبح
رمقته "ياسمين" بنظرة حاده .. وشعرت بإنقباض فى قلبها .. ثم قالت دون أن تنظر اليه :
- لأ هصلى الفجر فى معاده
صمت "عمر" .. ظلت جالسه فى الفراش .. تتمنى انصرافه حتى تستطيع النهوض .. خجلت أن يراها بالبيجاما .. استدار "عمر" وفتح الباب وانصرف ..كانت تشعر بالضيق لهذه البداية الغير موفقه بينهما .. فهى لم تترك صلاة الفجر يوماً .. إلا فى حالات مرضها الشديد .. لكنها ظلت ومنذ نعومة أظافرها معتادة على أداء الصلاة فى وقتها وهذا شأن البيت كله .. وكانت تشعر بالبركة فى يومها عندما تستيقظ وتصلى الفجر وتظل تدعو الله و تقرأ وردها وأذكارها حتى الشروق .. نظرت الى نفسها فى المرآة وابتسمت بسخرية قائله .. وماذا توقعتى غير ذلك منه يا "ياسمين" .. هل توقعتى أن يهتم بالمحافظة على الصلوات فى وقتها !

توضأت وصلت و أنهت أذكارها .. لم ترغب فى النوم مرة أخرى .. وعندما أشرق نور الصباح خرجت الى شرفة غرفتها تستنشق تلك النسمات المنعشه .. كانت غرفتها تطل على الحديقة الخلفيه والتى اقل ما يقال عنها أنها رائعة .. تسلل عبير الأزهار المنعش اليها .. فأغمضت عينيها لتستمتع بتلك الرائحة الخلابه .. سمعت طرقات على باب غرفتها دخلت وفتحت الباب لتجد "عمر" واقفاً أمامها .. ابتسم قائلا :

- لمحت النور من تحت بابك عرفت انك صاحيه وفاتحه البلكونه .. يلا عشان نفطر سوا
همت بالخروج فاعترض طريقها وأشار الى الاسدال الذى ترتديه قائلا :
- هتفطرى كده
نظرت الى الاسدال ثم قالت :
- أنا كنت لابساه لانى كنت واقفه فى البلكونه
ابتسم قائلاً :
- متخفيش أنا ادينك أوضه بتطل على الجنينه اللى ورا ودى محدش بيدخلها مفتاحها معايا
أومأت برأسها .. فقال :
- هستناكى تحت
خلعت اسدالها .. وارتدت عباءة للبيت محتشمة .. جمعت شعرها للخلف .. كانت تشعر بالخجل من رؤياه اياها بدون حجاب .. ثم تذكرت أنه بالفعل رآها هكذا من قبل .. ابتسمت وهى تتذكر حنانه ورقته ولهفته عليها يوم أن خطفت .. هى تعلم جيداً بانه يحبها .. لا تشك لحظة فى ذلك .. فتحت باب الغرفة .. وشعرت وكأنها غريباً يتلمس طريقه فى مكان يجهله .. نزلت الدرج .. وبمجرد أن وصلت لنهايته وجدت "عمر" يخرج من احدى الغرف ثم يمسك يدها ويجذبها .. أجلسها على طاولة الطعام وجلس بجوارها .. نظرت الى كل الطعام المعد بدهشة قائله :
- ايه ده كله
ابتسم قائلاً :
- أول مرة ناكل مع بعض .. وبعدين انتى متعشتيش امبارح
ابتسمت قائله :
- على أساس انى هاكل كل الأكل ده يعني .. أنا أصلا أكلتى ضعيفه أوى
وضع كفه على كفها الموضوع على الطاولة .. فإضطربت .. وسحبت يدها .. لم يعر ذلك انتباها وأكمل مبتسماً :
- لا .. لازم تهتمى بأكلك .. وتبطلى أكل العصافير بتاعك
شرعا فى تناول الطعام .. كانت "ياسمين" تنظر لما حولها تتعرف على المكان .. وقع نظرها على الحرق فى يده .. فأشاحت وجهها عن يده .. حاولت أن تتناسى الأمر لكن هيهات .. لاحظ "عمر" اضطرابها وتوقفها عن الأكل فقال :
- فى حاجه .. الأكل مش عاجبك
قالت بسرعة :
- لأ بالعكس ..
هنا حضرت الخادمة لتضع أمامهم ابريق الماء .. نظرت اليها "ياسمين" من رأسها على أغمص قدميها .. كانت فتاه جميلة ذو ملامح هادئة ترتدى جلباب فلاحى وعصبه على رأسها .. نظرت الى "عمر" مبتسمه وقالت :
- تؤمر بحاجة تانى يا بشمهندس
هز "عمر" رأسه دون أن ينظر اليها وقال :
- لا شكراً
خرجت الخادمة .. وظلت "ياسمين" ساهمه .. نظرت الى "عمر" قائله :
- هى البنت دى بتشتغل هنا ؟
- أيوة
بدا عليها التردد .. كان "عمر" يرد بلامبالاة وكأن الأمر لا يمثل له أى أهمية .. فنظرت اليه وقالت :
- يعني انت وهى عايشين فى البيت ده لوحدكوا ؟
نظر اليها "عمر" وبدا مستغرباً سؤالها ثم قال :
- أيوة
ترددت قليلاً ثم قالت :
- هى جديدة هنا ؟
- لأ شغاله هنا من شهور
- كان فى واحدة شغاله قبلها ؟
بدا شارداً ثم قال بضيق :
- أيوة كان فى قبلها "صفية"
شعرت "ياسمين" بالغضب يتصاعد بداخلها .. وتوقفت عن الأكل .. نظر اليها "عمر" بدهشه قائلاً :
- مالك .. مش بتاكلى ليه
حاولت تمالك أعصابها وقالت بهدوء :
- مفيش شبعت
تفرس فى وجهها .. ثم قال :
- شكلك مضايق .. ايه اللى ضايقك
نظرة اليه نظرة حادة .. ثم قالت وهى تنهض :
- بعد اذنك أنا طالعه أوضتى
تركته .. ودخلت غرفتها .. جلست على السرير وعينيها تشعان بغضب مكتوم .. بحثت عن هاتفها واتصلت بـ "سماح" التى قالت بدهشة :
- فى عروسة تتصل بصحبتها يوم صباحيتها على الصبح كده
قالت "ياسمين" بحده :
- لا أنا عروسة .. ولا دى صبحيتي
قالت "سماح" مستفهمه :
- ايه اللى حصل شديتوا مع بعض
قالت "ياسمين" بحزن :
- أنا كنت واثقة اننا مننفعش لبعض .. كان قلبي حاسس .. احنا عمرنا أبداً ما هنقدر نفهم بعض .. ولا نعيش بإسلوب بعض
- طيب اهدى وفهميني اللى حصل
صمتت "ياسمين" قليلاً .. كادت أن تقص عليها أمر الخادمة التى تبيت ليلها فى نفس البيت مع "عمر" بمفردهما .. وهو لا يرى بأساً فى ذلك .. ويرى الأمر عادى جداً .. لكنها أحجمت وقالت بصوت خافت :
- مش هقدر أحكيلك يا "سماح" .. مهما كان هو جوزى دلوقتى .. ومينفعش اتكلم عنه وحش مع حد
قالت "سماح" :
- خلاص براحتك .. طيب نتكلم فى المشكلة القديمة اللى أنا عارفاها .. موضوع الحريق ومرات الغفير .. انتى حسه بإيه دلوقتى بخصوص الموضوع ده
قالت "ياسمين" بحيرة :
- مش عارفه
قالت "سماح" :
- "ياسمين" ليه متحطيش احتمال ان البنت اللى اسمها "ولاء" دى بتحاول توقع بينك وبين "عمر" عشان تمنع جوازتكوا
قالت "ياسمين" بحيره :
- وهى ايه مصلحتها فى كده .. هتستفاد ايه لما تمنع جوازنا
- تستفاد انها تخرب عليكي يا "ياسمين" .. مش هى كانت بتحب "عمر" .. ممكن أوى تكون غارت منك وعملت الفيلم ده عليكي عشان متتجوزيش حبيبها .. "ياسمين" مش كل الناس طيبة زيك .. فى ناس مؤذية جداً وعايشة على أذية الناس .. زى "مصطفى" .. وزى اللى اسمه "بسطويسي" ده .. وزى "مها" .. مش كل الناس طيبة وتعرف ربنا يا "ياسمين"
صمتت "ياسمين" تفكر قليلاً ثم قالت :
- والورق اللى جابتهولى من المستشفى والراجل اللى شهد
قالت "سماح" :
- سهل أوى لو ليها حد معرفة فى المستشفى تخليه يضربلها الورق أو هى بنفسها تاخد منه ورقة فاضية وتضرب التقرير .. مش هى دكتورة يعني تعرف كويس عن اصابات الحروق .. وتكتب تقرير مية مية وتديهولك على انه التقرير اللى جابته من الاستقبال .. أما بالنسبة للراجل .. ممكن يكون اتلخبط بين "عمر" وبين واحد تانى .. أو هى قالتله انه يقول ان الراجل اللى كان مع مرات الغفير يبقى "عمر" .. لكن "عمر" ملوش علاقة بالموضوع أصلاً
قالت "ياسمين" :
- طيب والحرق اللى فى ايده .. واللى مرضاش يقولى سببه ؟
- ممكن يكون اتحرق من أى حاجه مش شرط نفس الحريقة دى .. يعني ممكن اصلا يكون الحرق ده فى ايده من قبل موضوع حرق البيت .. و"لاء" استغلت الحرق اللى فى ايده عشان تقنعك انه له دور فى حكاية مرات الغفير
فكرت "ياسمين" فى كلام "سماح" قليلاً ثم قالت :
- لازم أتأكد بنفسي
- ازاى ؟
قالت "ياسمين" فجأة :
- متعرفيش محامى كويس هنا ؟
- محامى ؟! .. عايزاه ليه
- تعرفى بس ولا متعرفيش
- أعرف محامية كويسة .. مرات صاحب "أيمن" عرفنى عليها وهى ست كويسة أوى وشاطرة
قالت "ياسمين" بلهفة :
- كويس أوى .. أنا عايزاكى تخلى المحامية دى تحاول توصل للورق اللى فى المستشفى وأنا هديكي اسم المستشفى واليوم اللى حصلت فيه الحريقه .. وهى محامية يعني أكيد لها طرق توصل بيها للورق ده كمستندات أكيد بتحتاجها فى القضايا بتاعتها .. وشوفى أتعابها وأنا هدفعهالها
قالت "سماح" بشك :
- مش عارفه .. طيب ما تواجهى "عمر"
قالت "ياسمين" بيأس وسخرية :
- أواجهه أقوله ايه ؟ .. أقوله انت زنيت بمرات الغفير اللى كان بيشتغل عندك .. وهو طبعاً هيقولى أيوة .. ويخرب بيته بإيده .. ويهد جوازه بنفسه .. وهو عارف وواثق انى لو عرفت حاجه زى كدة مستحيل أكمل معاه !! .. أكيد طبعاً هينكر يا "سماح" .. انتى مشفتيش "مصطفى" لما والدى كان بيواجهه بخيانته .. فضل يحلف بالله انه مظلوم وان البنت بتفترى عليه .. لحد ما بابا قاله على المحادثة اللى شوفتها بينه وبين البنت دى ساعتها مقدرش ينكر .. لان كان فى معايا دليل.. أنا لو روحت واجهت "عمر" وكان فعلاً هو مذنب .. أكيد هينكر .. ومش بعيد يخفى الشاهد زى ما خفى مرات الغفير .. وساعتها عمرى ما هعرف أوصل للحقيقة أبداً .. وهعيش طول عمرى شاكه فيه
قالت "سماح" :
- طيب خلاص هكلم المحامية
- بس خليها تعجل الموضوع يا "سماح" عايزة أعرف فى أقرب وقت الورق اللى نسخته معايا ده حقيقى ولا مزور
- حاضر .. بس أنا واثقة انه مزور
قالت "ياسمين" بلهفه :
- ياريت يا "سماح" .. ياريت يكون مزور
سمعت طرقات على الباب فأنهت الاتصال مع "سماح" .. فتحت لتجد "عمر" .. قال لها بهدوء :
- ممكن أدخل
ترددت .. لكنها أفسحت لها الطريق .. دخل وأغلق الباب خلفه .. جذبها من يدها وأجلسها بجواره على السرير .. شعرت بالتوتر .. رفع وجهها لتنظر اليه ثم قال :
- بصى يا "ياسمين" .. ده أول يوم جواز لينا وعايزين نتفق على حاجات معينه .. عشان لسه أدامنا طريق طويل مع بعض
استمعت له "ياسمين" بكل حواسها .. أكمل :
- انتى فى حاجه ضايقتك واحنا بنفطر .. ولما سألتك اتهربتى .. وطلعتى أوضتك .. اللى عايزين نتفق عليه .. هو ان اللى يضايق من التانى فى حاجه لازم يصارحه بيها .. لكنه لو سكت وكتم فى قلبه الأمور هتتعقد مش هتتصلح .. لازم يكون فى بينا وضوح .. بيوت كتير بتتخرب بسبب كده .. يعني كل واحد شايل من التانى فى نفسه وساكت .. مع انه لو اتكلم ممكن أوى المشكلة تتحل بسهولة
صمت قليلاً ثم قال :
- اتفقنا .. اللى هيضايق من التانى فى حاجه يصارحه بيها على طول ؟
أومأت برأسها .. فسألها :
- ايه اللى ضايقك واحنا بنفطر ؟
طال صمتها وهى تحاول تخير الكلمات المناسبة .. وهو لم يتعجلها .. بل انتظر ردها .. وأخيراً قالت :
-أعادك فى البيت لواحدك مع واحدة حتى لو كانت الخدامة .. مش شايف ان دى حاجه غلط ؟
بدا وكأنه يفكر فى كلامها .. ثم قال :
- أنا معظم اليوم بره البيت .. وهى مبشوفهاش الا وقت ما بتحطلى الأكل .. أو وقت ما بكون عايز أطلب منها حاجه .. البنت دى غلبانه ويتيمه .. وملهاش حد فى البلد وعشان كدة خليتها تعد فى أوضة جمب المطبخ ..
قالت "ياسمين" بهدوء :
- حتى لو كان الوضع زى ما انت بتقول .. مينفعش تعيش معاك فى البيت وانت لوحدك
ابتسم قائلاً :
- خلاص مبقتش لوحدى
لم تبتسم .. فقال بجديه :
- أنا مكنتش شايف الموضوع زى ما انتى شيفاه .. أنا اتعاملت مع الأمر ده بطريقة عمليه .. مش أكتر من كده
ثم اقترب منها وقال بخبث:
- هو حبيبى بيغير عليا ولا ايه ؟
شعرت بالخجل لإقترابه منها فوقفت .. فوقف هو الآخر وقال :
- لو تحبي أمشيها وأجيب بدالها واحدة كبيرة فى السن مفيش مشكلة
نظرت اليه قائله :
- مش عايزة اكون السبب فى قطع عيشها
طمأنها قائلاً :
- مش هتكونى السبب فى قطع عيشها ولا حاجه .. هخليها تشتغل مع البنات اللى بيشتغلوا فى الأرض و أديها أوضة فى سكن العمال
سعدت "ياسمين" لهذا الإقتراح .. وسعدت أكتر لأنه اهتم بما يضايقها .. ابتسمت له .. فقال بمرح :
- أخيراً الدنيا نورت .. كنتى مضلماها عليا على الصبح
قالت بخجل :
- معلش أنا لسه مش متعودة على الوضع الجديد .. وفى حاجات كتير أنا مستغرباها ومش متعودة عليها
اقترب منها وأمسك كتفيها .. لم تبتعد هذه المرة .. نظر الى عينيها بحب قائلاً :
- وأنا نفسي تتعودى بسرعة على وضعك الجديد
أفلتت نفسها من يده فإبتسم .. ثم قال بتحدى :
- طيب لو قولتلك دلوقتى أنا مش حابب الوضع ده وعايزك معايا فى أوضتى وجوزنا يبقى حقيقي هتعملى ايه
قالت "ياسمين" دون تردد ودون أن تنظر اليه :
- انت دلوقتى جوزى وأنا مضطرة أعمل اللى انت عايزه
سألها "عمر" :
- حتى لو كان الى أنا عايزه انتى مش عايزاه ؟
فقالت بجديه :

- أيوة لان انت دلوقتى جنتى ونارى .. والمفروض انى أطيعك طالما مش بتطلب منى حاجة تغضب ربنا
ابتسم يطمئنها قائلاً :
- وأنا مش هعمل حاجه انتى مش عايزاها
ثم قال:
- طيب ممكن ننزل بأه نكمل فطارنا
نزلا معاً وتناولت معه الفطار هذه المرة وهى تشعر بإرتياح أكبر.

بعد الفطار أخذها "عمر" ليريها أرجاء المنزل .. واتفق مع الخادمة أمامها على عملها الجديد .. كانت "ياسمين" سعيدة و هى ترى زوجها يفعل ذلك لإرضائها .. انبهرت بكل شئ فى البيت الكبير .. وحكا لها "عمر" قليلاً عن تاريخ عائلته .. وعن جدوده .. وكيف وصلوا من الحضيض الى القمة .. كانت "ياسمين" مبهورة بما تسمع وأعجبت للغاية بتاريخ كفاح جدوده .. وبدا "عمر" معتزاً بجدوده وهو يتحدث عنهم .. لمست جانباً جديداً فى زوجها .. وفرحت أن الحديث قربها منه خطوة أخرى
دخلت غرفتها تلك الليلة وهى تشعر براحة أكبر من الليلة الماضية .. رأت حقيبتها التى مازالت لم تفرغها موضوعه على الأرض بجوار السرير .. فحملتها ووضعتها على السرير وفتحتها .. أخرجت ملابسها وفتحت الدولاب لتضعه فيه لكنها شهقت فى دهشة .. وجدت فستان عرس أبيض اللون .. مرصع ومطرز .. كان شكله يخطف الأبصار .. تركت ما بيدها وتلمسته كان ناعماً للغاية .. أخرجته من الدولاب ونظرت اليه فى دهشة .. كم حلمت بإرتداء هذا الفستان الذى حرمت نفسها منه فى زواجها الأولى .. لأنها لم تكن تشعر ببهجة العرس .. وضعته مرة أخرى فى الدولاب وأنهت افراغ حقيبتها ثم استسلمت للنوم وابتسامة صغيرة مرسومة على ثغرها

***********************

فى اليوم التالى اتصلت "كريمه" بـ "عمر" الذى استيقظ من نومه على صوت جرس الهاتف قالت :
- مبروك يا حبيبي عليك انت وعروستك
- الله يبارك فيكي يا ماما
- فين "ياسمين" اديهالى أكلمها
توتر قليلا ثم قال :
- هى مش جمبي دلوقتى .. شوية وهخليها تكلمك
- طيب يا حبيبى .. أنا بس كنت عايزة أقولك اعملوا حسابكوا انى هعملكوا حفلة كبيرة هعزم فيها صحابنا وحبايبنا .. شوفوا انتوا المعاد اللى يناسبكوا
قال "عمر" بدهشة :
- حفلة ليه
- ايه اللى حفلة ليه ؟ .. انت تسمع اللى أن بقولك عليه مش كفاية جوزت ابنى الوحيد سكيتي
- خلاص يا ماما زى ما تحبي .. بس مش دلوقتى يعني سبينا شوية كده
- أنا قولت ان انتوا اللى هتحددوا المعاد اللى يناسبكوا .. بس متتأخروش عايزينها بسرعة عشان كل اللى يعرف انك اتجوز يزعل مننا .. ويفتكر اننا عملنا فرح ومعزمنهوش
- حاضر يا ماما هشوف "ياسمين" ونحدد معاد
خرج "عمر" من غرفته واتجه الى غرفة "ياسمين" .. طرق الباب كثيراً ولم تجب .. فتح الباب فلم يجدها فى غرفتها .. نزل لم يجدها فى المنزل .. أخبرته الخادمة الجديدة والتى كانت سيدة فى العقد الخامس من العمر أنها قالت انها تتمشى قليلا فى المزرعة .. صعد "عمر" وارتدى ملابسه وخرج .. علم أنه سيجدها هناك .. عند شجرته .. وكان مصيباً .. رأته فابتسمت .. اقترب منها بإبتسامه قائلاً :
- عرفت انى هلاقيكي هنا
أشارت الى الشجرة قائله :
- دى خلاص بقت شجرتى
قال بمرح :
- نعم ؟ .. دى شجرتى أنا .. شجرتك منين
قالت بمرح ممثال :
- أيوة شجرتى عندك شجر كتير فى المزرعة .. لكن دى حبيتها من أول ما جيت المزرعة ومش بحب أعد الا فى ضلها
جلس بجوارها على الجذع وقال :
- على فكرة بأه أنا اللى زرعت الشجرة دى
قالت بعدم تصديق :
- يا سلام .. بجد؟
- أيوة والله أنا اللى زرعتها .. اتأكدتى بأه انها بتاعتى ؟
قالت بعند مازحه :
- مليش دعوة برده دى شجرتى
- طيب وأنا مستعد أخليكي تشاركيني فيها .. زى ما بتشاركيني حياتى
ابتسمت ونظرت اليه قائله :
- انا شوفت فى دولابي فستان .. فستان فرح
- أيوة ده فستانك ..
ابتسمت قائله :
- وعرفت مقاسي منين ؟
- من فستان "ريهام" اللى اديتيه ل "كرم" .. انتى وأختك نفس الطول ونفس الوزن تقريباً .. لو مش مظبوط عليكى قوليلى وأنا أجيب واحدة تعدلهولك
قالت بصوت خافت :
- ما قستوش
قال بهمس :
- وأنا مشتاق أوى انك تلبسيه وأشوفه عليكي
أكمل هامساً :

- أنا بحبك أوى
تسارعت ضربات قلبها مرة أخرى .. اقترب منها أكثر .. فجأة رن جرس هاتفها ليقطع سحر تلك اللحظة .. نهضت من على الجذع والاحمرار يغزو وجهها وقالت بسرعة دون أن تنظر اليه :
- دى "ريهام" هروح أكلمها من البيت
مشت فى اتجاه المنزل وهى تحاول تنظيم ضربات قلبها .. ردت على أختها :
- "سمسمة" حبيبتى صباح الخير
- صباح النور يا "ريهام"
- ايه أخبارك النهاردة
- تمام الحمد لله
- مال صوتك .. متوترة كدة ليه .. اخانقتوا ولا حاجه
ابتسمت "ياسمين" قائله بصوت مضطرب :
- لأ .. لأ .. متخانقناش .. عادى يعني
ضحكت "ريهام" قائله :
- عيني عليكي بارده
- "ريهام" بطلى
- طيب أنا حبيت أطمن بس مكنتش أعرف انى بتصل فى وقت مش مناسب
"ياسمين" بغضب :
- "ريهام" لو مبطلتيش هقفل
استمرت "ريهام" فى الضحك قائله :
- أنا اللى هقفل أنا مش فضيالك .. يلا سلام



توجهت "ياسمين" الى المطبخ .. لتعد مع الخادمة طعام الغداء .. أرادت أن تطبخ بيدها .. لترى رأسه فى طعامها .. عاد "عمر" ليجدها فى المطبخ نظر اليها بخبث وغمز يعينه .. احمرت وجنتاها مرة أخرى وتجاهلت النظر اليه .. فقال :
- بتعملى ايه
- بحضر الغدا
اقترب منه مبتسماً :
- يعني هتأكليني من ايدك النهاردة
أومأت برأسها مبتسمه .. فابتسمت الخادمة وخرجت من المطبخ .. فنظر اليها "عمر" وهى تغادر ثم التفت الى "ياسمين" قائلاً بمرح :
- ست ذووووق مفيش بعد كده
سألته :
- ليه ؟
طبع قلبه على وجنتها قائلاً :
- عشان سابتنى أستفرد بيكي براحتى فى المطبخ
حاول معانقتها فهربت منه وقالت :
- لو سمحت اطلع بره .. خليني أركز
- هو انا يعني مشتت تركيزك
- أيوة مشتت تركيزى
- طيب هخرج .. ماما هناك وانتى هنا .. وأنا اللي كنت بتريق على بابا لما ماما تطرده من المطبخ .. طلعت مراتى زى أمى
ابتسمت قائله بتحدى :
- بره لو سمحت
قال بلهجة مسرحيه :
- أوامر معاليك يا باشا
خرج .. عادت الخادمة .. فشعرت "ياسمين" بالخجل من نظراتها .. فتمتمت :
- ربنا يخليكوا لبعض .. ويحببكوا فى بعض كمان وكمان
وجدت نفسها تردد بقلبــها : آميــن

*****************************

- يعني ابن أخويا يتجوز وأنا آخر من يعلم
هتفت "ثريا" بتلك العبارة بغضب فقال "نور" يهدئها :
- الموضوع جه بسرعة يا "ثريا" .. ووالد البنت توفى يعنى مكنش ينفع يتعمل فرح
أكملت "ثريا" بغضب وكأنها لم ستتمع اليه :
- يعني عشان هى مطلقة ما يتعملش فرح .. طيب ذنبه ايه "عمر" ودى أول مرة يتجوز فيها .. ذنبه ايه يتجوز من غير فرح
قالت "كريمه" :
- أنا قولتله اننا هنعمله حفلة كبيرة لما يرحعوا ان شاء الله ونعزم الناس كلها
قالت "ثريا" بحده :
- بعد ما دخلوا خلاص هنعمل حفلة .. ما كان من الأول .. ولا الهانم كانت متسربعه على الجواز .. ايه مش قادرة تستنى لما دمعتها على باباها تنشف .. ايه ملها ملهوفة على الجواز كده
قال "نور" بنفاذ صبر :
- يا "ثريا" قولتلك 100 مرة ان "عمر" هو اللى أصر على الدخله وان مراته تبقى فى بيته
ثم نهض قائلاً :
- انا قايم اشوف شغلى عن اذنكوا
كان يعلم بأن الحوار مع أخته وهى غاضبه هو ضرب من العبث .. قالت "ايناس" بحقد :
- بكرة يزهق منها ويعرف انه عمل أكبر غلطه فى حياته .. ويطلقها زى ما اللى قبله طلقها


****************************
أصرت "ياسمين" على أن تعد طاولة الطعام بنفسها .. أنهت اعدادها وطرقت باب المكتب .. كانت تنتظر أن يأذن لها "عمر" بالدخول لكنها وجدته يفتح الباب بنفسه مبتسماً .. ابتسمت له قائلاً :
- السفرة جاهزة
توجها الى غرفة الطعام وجلسا معاً .. نظرت اليه لتراقب تعبيات وجهه .. نظر بسعادة الى كل ما أعدته وقال بدهشة :
- انتى ساعدتى فى كل الأكل ده
قالت بمرح :
- قصدك هى اللى ساعدتنى
نظر اليها بإعجاب قائلاً :
- ده طلعت مراتى شاطرة أوى و أنا معرفش .. أنا قولت أخرك صنية المكرونة بالبشاميل
ضحكت قائله :
- آه اللى خدتها من بيت صاحبك وانت نازل
ضحك قائلاً :
- على فكرة ماما كلت منها معايا وعجبتها جداً ..رغم ان ماما مبيعجبهاش بسهوله أكل حد
ابتسمت بسعادة وقالت :
- كويس يعني ماما "كريمه" عجبها أكلى
قال وقد تذكر فجأة:
- صحيح كلمتك النهاردة وسألت عنك .. بس كنت لسه صاحى من النوم وقولتلها انك هتكلميها
- خلاص بعد الغدا هكلمها ان شاء الله
قال "عمر" بلهفه :
- طيب يلا لانى واقع من الجوع وريحة الأكل فتحت نفسى على الآخر
راقبته "ياسمين" بسعادة وهو يأكل من طعامها بنهم ويشيد به

استيقظت "ياسمين" فى اليوم التالى قبل أذان الفجر كالعادة .. توضأت وصلت قيام وانتظرت الفجر .. وقفت فى الشرفه .. تراقب الحديقة فى الليل .. ابتسمت وهى تتذكر مداعبات "عمر" ومرحه معها .. بعد الفطار جلسا يحتسيان الشاى فى الشرفة .. كانت "ياسمين" شارده فسألها "عمر" :

- بتفكرى فى ايه
انتبهت من شرودها على سؤاله فقالت بتأثر :
- "ريهام" وحشتنى أوى .. طول عمرنا واحنا مع بعض وعمرنا ما افترقنا أبداً
راقب "عمر"تعبيرات وجهها الحزينه ثم قال فجأة :
- تحبي نروح لـ "سماح" و "أيمن" النهاردة
نظرت اليه فى دهشة غير مصدقه وقالت :
- بجد ؟ .. ينفع نروحلهم النهاردة
ابتسم وقرب كرسيه منها قائلاً :
- أيوة طبعا ينفع .. أنا عارف ان "سماح" هى أقرب صاحبه ليكي .. وانك بتعتبريها زى "ريهام" أختك .. أكيد لما تشوفيها هتخفف عنك شويه بعد "ريهام"
نظرت اليه "ياسمين" بنظرة امتنان وسعادة ممزوجة بـ .. الحـــب .. بادلها نظرتها قائلاً بلهفه :
- لو كنت أعرف ان اقتراحى هيخليكي تبصيلى كده .. كنت اقترحته عليكي من زمان
انتبهت "ياسمين" فأشاحت بوجهها بخجل .. فقال "عمر" مؤنباً نفسه بمرح :
- ياريتنى مكنتش اتكلمت .. أهو دايماً كده أقطع اللحظة الحلوة بالكلام اللى ملوش لازمه ده
نظرت اليه ضاحكة .. كانت تشعر بأنها استطاعت فى اليومين الماضيين أن تقترب منه أكثر .. وتتآلف معه أكثر .. وهذا الأمر أسعدها للغاية .. كانت تشعر بالراحة والسكينة وهى معه .. كان قلبها يخفق بجنون كلما اقترب منها .. نظرت اليه وهو يتحدث الى هاتفه وهى تبتسم بسعادة وتشعر بان قلبها سار ينبض بحبه

ارتدت ملابسها وخرجت مع "عمر" .. وتوجها الى بيت "أيمن" و "سماح" .. توقف بالسيارة أما البيت وقبل أن تنزل أمسك يدها قائلاً :
- "ياسمين" .. مش عايزين نطول أوى .. ماشى .. عشان حابب نخرج سوا ونتعشى بره
ابتسمت له وأومأت برأسها .. جلست الفتاتان فى غرفة أغلقت "سماح" الباب ثم نظرت لعلامات السعادة على وجه صديقتها وقالت بسعاده :
- ايه اللى أنا شيفاه ده .. عيني عليكي بارده
ضحكت "ياسمين" قائله :
- انتى هتعملى زى "ريهام"
ابتسمت "سماح" .. ثم اختفت ابتسامتها وكأنها تذكرت شيئاً .. قالت "ياسمين" :
- ايه مالك ؟
قالت "سماح" محاولة الاتباسم مرة أخرى :
- لأ مفيش حاجة
قالت "ياسمين" بقلق :
- النونو كويس ؟
مسحت "سماح" على بطنها وابتسمت قائله :
- اها كويس الحمد لله
- امال مالك .. وشك اتغير فجأة
بدا على "سماح" بعض التردد ثم قالت :
- لأ متاخديش فى بالك
تفرست "ياسمين" فى صديقتها ثم قالت :
- "سماح" أنا عارفاكى كويس أوى .. فى حاجه انتى مخبياها عنى
تنهدت "سماح" وقالت :
- يا بنتى متوهميش نفسك .. أنا بس حسيت بالتعب شوية
قالت "ياسمين" فجأة :
- كلمتى المحامية
نظرت "سماح" الى صديقتها وصمتت .. حثتها "ياسمين" قائله :
- "سماح" ردى عليا .. كلمتى المحامية صحبتك
قالت "سماح" بإستسلام :
- أيوة
- ووصلت لحاجة ؟
بدا عليها التردد مرة أخرى ثم قالت :
- أيوة
قالت "ياسمين" بحده :
- "سماح" قوليلى بلاش تعب الأعصاب ده
قامت "سماح" وخرجت .. ثم عادت بورقتين وأعطتهم لـ "ياسمين" .. نظرت "ياسمين" الى الورق فى يدها .. هو نفسه الورق الذى أعطتها "ولاء" نسخه منه
قالت "سماح" :
- قالتلى ان الورق موجود فعلا فى ملفات المستشفى وجبتلى النسخة دى .. وكمان ورق متابعة الحالتين شافته بنفسها
كانت "ياسمين" تنظر الى الورق بأعين متجمده .. أكملت "سماح" بأسى :
- أنا كنت ناويه اتصل بيكي وأقولك على الله وصلتله .. بس لما شوفتك داخله عليا فرحانه وباين عليكي انك مبسوطه اترددت أقولك
نظرت اليها "ياسمين" وهى تغالب دموعها قائله :
- ليه اترددتى تقوليلى ..
نظرت "ياسمين" الى الورق الذى بيدها .. وقد تجمعت الدموع بعينيها وقالت بصوت مرتجف :
- الورق ده ميثبتش حاجه .. يعني .. عادى .. "عمر" كان ماشى .. ولقى الحريقه .. وحاول يساعد الست انها تخرج .. والراجل شافه وافتكره كان معاها فى البيت .. لكن "عمر" ملوش دعوة بالبيت ده .. وملوش دعوة بالقصة دى
ثم اكملت بلحماس وبشفتين مرتجفتين :
- "عمر" بيحب يساعد الناس ..انتى ناسيه اللى عمله مع العامل اللى ايده اتحشرت فى الماكنة .. هو على طول بيحب يساعد الناس .. هو حاول يساعدها .. بس مش أكتر من كده
ثم نظرت الى "سماح" بعينين دامعتين قائله :
- صح ؟
نظرت "سماح" الى نظرة الرجاء فى عين صديقتها والتى ترجوها الى موافقتها على كلامها حتى لو بالكذب .. ورغم الشك الذى كان يساور "سماح" الى أنها استجابت للرجاء فى أعين صديقتها الدامعه وقالت :
- صح .. أكيد الموضوع زى ما انتى قولتى
أومأت "ياسمين" برأسها وهى تحاول أن تغالب دموعها ونظرت الى الورق ثم مزقته .. ثم نظرت الى صديقتها قائله بحزم :
- خلاص الموضوع ده اتقفل ومش هيتفتح تانى
- ماشى
حاولت "سماح" التحدث فى أمور مختلفة مع "ياسمين" التى جاهدت بدورها للإندماج مع "سماح" وتناسى الموضوع تماماً
خرجت "ياسمين" مع "عمر" وركبا السيارة .. نظر اليها يراقب انفعالاتها قائلاً :
- حبيبتى فى حاجه ضايقتك
رسمت ابتسامة على شفتيها ونظرت ايه قائله :
- لا أبداً
- كنت فاكرك هتكونى مبسوطة لما تشوفى "سماح"
- أنا فعلاً مبسوطة .. مبسوطة أوى
ابتسم قائلاً :
- حبيبتى تحب تروح فين ؟
قالت مبتسمة :
- انا معرفش أماكن فى المنصورة .. ومخرجتش فيها قبل كده .. يدوبك باجى لـ "سماح" بس
أوقف "عمر" سيارته على النيل ونزل الإثنان معاً ينعمان بنسمات الليل المنعشة .. ابتسمت "ياسمين" تراقب القمر فوقهما .. شعرت بالخجل عندما ارتطمت بنظرات "عمر" المتفحصة وقالت :
- انت على طول بتبصلى كده
- أيوة وهفضل أبصلك كده
قالت بمرح :
- عادى كل الرجالة بتقول كدة فى الأول وبعد فترة من الجواز بيتحولوا للنسخة المصريه المعتمده للزوج المصري
ضحك "عمر" حتى دمعت عيناه وقال :
- والله ده فى ايد حضرتك .. لو متحولتيش للنسخة المصريه المعتمده للزوجة المصرية فأنا أكيد مش هتحول
ابتسمت قائله :
- قصدك ايه بأه يا بشمهندس بالنسخة المعتمدة للزوجة المصرية
قال بمرح :
- قصدى بأه انك تتحولى لكائن هلامى غير معلوم تفاصيله وتضاريسه بوضوح
ضحكت "ياسمين" بشدة فأكمل قائلاً :
- وأفتح باب البيت ألاقى بتصرخي صرخة طرزان وبتجرى ورا الولاد
ازدادت ضحكاتها فأكمل :
- والكبيرة بأه ألاقيكي ناسيه اسمى وبتندهيلى وتقوليلى بابا زى ما الولاد هيقولولى .. ساعتها هروح شايلك انتى وهما و ........
نظرت اليه بتحدى .. فإبتسم وأشار لقلبه قائلاً :
- وأحطكوا جوه قلبي
قالت متظاهره بالجديه :
- خلاص وأنا موافقة .. أنا مش هتحول مقابل ان انت كمان متتحولش
اقترب بوجهه منها بشدة قائلاً :
- اتفقنا

  ذهبا معاً لتناول الطعام فى أحد المطاعم الهادئة المطلة على النيل .. كانت "ياسمين" تشعر بسعادة بالغة وهى جالسه بجوار زوجها .. ترك هاتفه و ميدالية مفاتيحه على الطاولة وذهب الى حمام .. أمسكت الميداليه وتفحصتها .. ابتسمت عندما وجدت القلب الذى يحمل اسمها .. نظرت حولها وأعادت الميداليه مكانها بسرعة قبل أن يعود .. عاد "عمر" ليجدها مبتسمه و احد الرجال على الطاولة المجاورة ينظر اليها .. شعر بغيرة شديده .. تابعته "ياسمين" بدهشة وهو يذهب ويقف أمام الرجل قائلاً :
- فى حاجه ؟
التفت الرجل اليه قائلاً :
- فى ايه حضرتك
ارتفع صوت "عمر" قليلا وقال بغضب :
- أصلك بتبص لمراتى أوى .. فحبيت أعرف يعنى فى حاجه ؟
شعر الرجل بالحرج وقال :
- انا مبصتلهاش
كانت أعين "عمر" تشعان غضباً ورمق الرجل بنظره صارمة ثم توجه الى طاولتهم وجذب "ياسمين" من يدها وجلسوا على طاولة أخرى بعيدة عن هذا الرجل .. طال الصمت بينهما .. ثم فتح "عمر" المنيو قائلاً بهدوء :
- تحبي تاكلى ايه
نظرت اليه تحاول معرفة ما يفكر فيه .. وجدت نفسها تقول بتلقائيه :
- أنا مبصتهلوش على فكرة .. ومكنتش واخده بالى انه بيبصلى أصلاً
نظر "عمر" اليها لتتلاقى نظراتهما .. مرت لحظات .. ثم أمسك كفيها بين كفيه قائلاً بهدوء :
- هو انا قولت انك بصتيله
قالت شارحه :
- لأ بس أنا خفت تكون افتكرت كده
ابتسم قائلاً :
- "ياسمين" انا عارف كويس أنا متجوز مين
زاد من ضغط كفيه على كفها فابتسمت له فى خجل وقد أسعدها ثقته بها .. طلبا الطعام .. ظلا يتحدثان معاً .. حتى أخذهم الحديث حول قضية الاختطاف .. قال "عمر" بضيق :
- مش هرتاح إلا لما يمسكوه
أكدت "ياسمين" قائله :
- أكيد هيمسكوه ان شاء الله
ثم قالت بقلق :
- بس خايفة ميقدروش يثبتوا التهمة عليهم
قال "عمر" بثقه :
- لأ هيقدروا يثبتوها ان شاء الله .. وأصلاً هما أغبية جداً كانوا مكممينك ومغميين عينيكى على أساس متتعرفيش عليهم .. لكن كانوا بيتعاملوا من غير جوانتى .. يعني بصماتهم ماليه البيت
قالت "ياسمين" وهى تفكر :
- بس مش ممكن يوصلوا للبيت ده ويمسحوا بصماتهم
قال "عمر" شارحاً :
- البويس رفع البصمات خلاص .. يعنى حتى لو مسحوها هى خلاص اتثبتت فى المحضر .. وكمان البيت أنا أفلته كويس وغيرت الباب لباب حديد يعني محدش يقدر يدخله
انتبهت "ياسمين" لكلماته وقالت بإستغراب :
- ازاى يعني غيرت الباب وأفلت البيت .. وصحاب البيت لما يرجعوا أكيد هيعملولك مشاكل عشان غيرت باب بيتهم
قال "عمر" وهو يكمل طعامه :
- لأ محدش هيعملى مشاكل
بلعت ريقها وقالت بقلق :
- ازاى تضمن انهم مش هيعملولك مشاكل
صمت قليلاً .. وبدا وكأنه يفكر .. ثم نظر اليها ليفجر قنبلة فى وجهها :
- لأن انا صاحب البيت
شعرت بقلبها وقد توقف عن الخفقان .. وبرئتها وقد شلت على الحركة .. لحظات .. ثم عادت أجهزتها للعمل مرة أخرى لكن بصورة جنونيه .. قالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :
- يعني البيت ده بتاعك ؟ .. ملكك ؟
رد بهدوء وهو يبدو شارداً :
- أيوة ملكى .. بس مبروحوش كتير .. روحته كام مرة بس
راقبت وجهه لترى عليه تعبيرات غريبة كمن يتذكر شيئاً يضايقه .. ثم هذ رأسه وكأنه يحاول نفض تلك الذكرى من رأسه .. استأذنت لتذهب الى الحمام .. دخلت الى الحمام وهى ترتعش .. وقفت أمام المرآه تنظر الى وجهها المضطرب .. ونظراتها الشاردة المتوترة .. بيته .. ملكه .. هو صاحب البيت .. البيت الذى زنت فيه زوجة الغفير مع رجل .. ظنت أن "عمر" ليس له علاقة بالبيت وما حدث فيه .. لكنه صاحب البيت .. ومالكه .. لماذا يشترى رجلاً مثله مثل هذا البيت الموجود على أطراف القرية والذى لا يحتوى إلا على فراش ودولاب وبضع الأوانى البسيطة .. ماذا يفعل رجلاً مثله فى هذا البيت الذى قال انه زاره مرات .. لم يذهب اليه الا لسبب واحد .. لكى يلتقى فيه بعشيقته بعيداً عن أعين زوجها .. وبعيداً عن أعين الخدم .. لكم تمنت أن يكون برئياً .. لكم حاولت تناسى تلك الحادثة وتجاهلها وكأنها شيئاً لم يكن .. لكنه أثبت لها .. أنه هو نفسه الرجل الذى زنى بزوجة الغفير فى هذا البيت المحترق .. نظرت الى نفسها فى المرآه لتقسط من عينيهــا دمعــة حزينــة .. يعقبها شلالاً من الدمـــوع الصامتـــة .
Comments
11 Comments

هناك 11 تعليقًا:

  1. المدونه جميله جدا يا بنوته .. تسلم ايدك
    جنه سعد (ام سميه)

    ردحذف
    الردود
    1. أم سمية منورة المدونة فرحتيني انها عجبتك :D

      حذف
  2. دي جميله جدا جدا روايتك ومش قادرة اسيبها غير لما اخلصها
    تسلم ايديكي يارب

    ردحذف
  3. انا بقرأ روايات حضرتك أكتر ما بقرأ كتب الكلية :-D
    سلمت يداكي و استمري ^_^
    " علا الرابعاوية "

    ردحذف
  4. جميلة جدا جدا جدا وانا حبيتها قوى ليه مش تعطيها لمنتج يعملها مسلسل هيكون مسلسل رائع جدا

    ردحذف
  5. جمبله جدا بجد ياريت تعرضيها علي منتج بجد هتحقق نجاح هايل ان شاء الله .. بالتوفيق ..تسلم ايدك

    ردحذف
  6. جمبله جدا بجد ياريت تعرضيها علي منتج بجد هتحقق نجاح هايل ان شاء الله .. بالتوفيق ..تسلم ايدك

    ردحذف
  7. جمبله جدا بجد ياريت تعرضيها علي منتج بجد هتحقق نجاح هايل ان شاء الله .. بالتوفيق ..تسلم ايدك

    ردحذف
  8. جمبله جدا بجد ياريت تعرضيها علي منتج بجد هتحقق نجاح هايل ان شاء الله .. بالتوفيق ..تسلم ايدك

    ردحذف
  9. بجد الرواية حاجة تشرف
    اكتر رواية لمست قلبى

    ردحذف
    الردود
    1. تسلم ايدك الروايه جميلة جدا جدا جدا

      حذف