روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الثانى والعشرون من رواية العشق الممنوع



قال "عدنان" بدهشة:
- "سمر" .. انتي اتحجبتي؟
لم ترد "سمر" .. بل لم تسمعه .. كانت عيونها الممتلئة بالعبرات تتطلع الي "مهند" والي فراغ ذراعه وجسدها يرتحف بالبكاء .. خرجت "فريدة" من الفيلا وهي تهرول تجاههم بعدما رأتهم من شرفة غرفتها .. هتفت بلهفة:
- "مهند"
لكنها تسمرت في مكانها وهي تنظر اليه وقد اتسعت عيناها وهي تصيح:
- "مهند" .. "مهند" .. ايه اللي حصل
اجهشت في البكاء وهي تهتف:
- حسبي الله ونعم الوكيل فيهم .. ربنا ينتقم منهم .. انت ذنبك ايه يجرالك كدة...
احاطها "مهند" بذراعه وقد انفجرت في بكاء مرير .. ربت علي ظهرها قائلا:
- قولي الحمد لله
تعالي صوتها بالبكاء فأبعدها عنه وقال:
- قولي يا "فريدة" .. قولي الحمد لله
قالت وسط بكائها:
- الحمد لله
ربت علي كتفها قائلا بهدوء:
- انا كويس الحمد لله .. احسن من غيري كتير .. الحمد لله
تطلعت اليه "سمر" بألم مغلف بالاعجاب .. كيف يمكنه ان يكون قويا هكذا .. يواسي فريدة بدلا من ان تواسيه هي .. شعرت بانه قوي .. قوي للغايه .. لا شئ يقدر علي هزيمته .. او اضعاف ايمانه .. علي الرغم منها امتلأت عيناها بالاعجاب ممزوج بلهفة اللقاء وشوق ايام مضت دون لقاء .. رأي "مهند" في عينيها تلك النظرات .. فاشاح بوجهه عنها علي الفور .. بعدما فهم تلك النظرات جيدا


تحولت اجواء البيت من فرحة برجوعه الي حزن وألم لما اصابه خاصة "انعام" التي تأثرت بشدة .. وفي الوقت الذي كان يستعد كل منهم لتقديم عبارات المواساة ادهشهم "مهند" بصبره واحتسابه ..كأن شيئا لم يكن .. وعلي الرغم من كل شئ امتلات أنفس الجميع بالاعجاب بقوته وصلابته .. حتي أولئك الذين يضمرون الشر في نفوسهم .. لم يملكوا سوي الاقرار بأنه رجل غير عادي .. رجل قلما يأتي الزمان بمثله .. جلست "سمر" أمامه علي طاولة العشاء وهي ترمقه بنظراتها بين الحين والاخر شعر بتلك العينان وهما تتطلعان اليه فتعمد الا يرفع رأسه وينظر اليها .. شعر في تلك اللحظة بأن النظر اليها محرم .. رغم انها من محارمه .. الا انه شعر بشئ غريب ضايقه .. تذكر حلمه في سوريا فازدادت تعبيرات وجهه ضيقا .. و غضبا .. استأذن ونهض مغادرا الغرفه علي الفور .. وكأنه يفر من الجحيم

**********************

- انا عايز اطلب من حضرتك ايد الانسه "دعاء"
نظرت اليه "دعاء" في دهشة شديدة وهو يلقي تلك الكلمات علي مسامع خالها .. عندما اتصل بخالها وطلب مقابلته في حضورها ظنت بأنه يريدها لأحد أصدقاؤه او لأحد أقاربه خاصه وأنها رأت في يده دبلة الزواج .. لم تتوقع وهي تتوجه الي بيت خالها اليوم أنها ستسمع منه رغبته في الزواج منها .. حانت من خالها التفاته الي يده وقال بإستغراب:
- هو انت متجوز
نظر "دياب" بإرتباك الي دبلته ثم قال :
- أيوه متجوز .. وعندي بنت عندها شهور
عقدت "دعاء" جبينها وهي تستمع اليه .. نهض خالها وقال:
- طيب .. هسيبكوا تتكلموا مع بعض
ودت "دعاء" لو قالت لخالها لا تتركنا بمفردنا فليس هناك ما نتحدث عنه .. متزوج ولديه طفله ! .. سمعت وهي تطرق برأسها أرضا "دياب" وهو يتنحنح قائلا:
- طبعا انتي عارفه اني بشتغل حارس عند "عدنان زياكيل" .. أنا مرتبي ......... وحاليا بدور على شغل تاني بجانب شغلي ده .. طبعا انا مش في امكاني اني اعمل فرح او اني أجيب شبكة
ثم قال بتوتر بالغ وهو مطرقا برأسه:
- أنا كل اللي هقدر أوعدك بيه هو اني هجيبلك شقه لوحدك يعني مش هعيشك مع مراتي .. والحاجة التانية اللي أوعدك بيها هي اني أراعي ربنا فيكي
ساد الصمت بعد كلماته .. الي أن قطعته "دعاء" قائله بخفوت :
- ممكن أعرف ليه حضرتك عايز تتجوز تاني
تنهد "دياب" و أطرق صامتا .. ثم نظر اليها قائلا"
- أنا كنت عارف طبعا انك هتسألي السؤال ده .. وحقك تعرفي .. بس أنا مش هقدر أعيب في واحدة علي ذمتي وكلت معاها عيش وملح مهما كنت مضايق منها .. كل اللي أقدر أقوله اني مش لاقي راحتي معاها .. ومستحيل أطلقها لان بينا بنت .. يمكن لو مكنش ليا منها بنت كنت فكرت في موضوع الطلاق .. بس دلوقتي مش ممكن .. لاني مش عايز بنتي تتربي بعيد عني أو بعيد عن أمها
كانت "دعاء" تستمع اليه بإهتمام .. أعجبها كونه يحفظ سر زوجته ولا يرغب في أن يفشي أسرارهما الزوجية أمام أحد .. لكنها قالت بإستغراب :
- طيب ليه اخترتني أنا بالذات .. مع ان حضرتك أكيد عارف اني آنسه .. ليه مدورتش علي واحده أرمله أو مطلقه
قال "دياب" علي الفور :
- لاني مكنتش بدور اصلا .. بس ربنا حطك في طريقي
ثم توتر وهو يقول:
- من أول يوم شوفتك فيه في الفيلا وأنا حاسس بحاجه نحيتك .. رغم اني بغض بصري .. وبحاول اني معملش حاجه تغضب ربنا .. بس غصب عني ارتحتلك .. وحسيت بإنجذاب نحيتك
ثم قال بحزن :
- أنا مش راجل حابب التعدد .. بس الظروف اضطرتني لكده .. مراتي اتكلمت معاها بدل المرة ألف .. وبرده مش مرتاح معاها ومعندهاش استعداد تغير من نفسها .. وأنا مش عايز الا الحلال .. لاني الحمد لله مليش قي سكة الحرام
استمعت "دعاء" اليه ثم شردت في كلامه .. نظر اليها وهو يقول بخفوت :
- أنا عارف ان ظروفي صعبة .. وانك بنت متجوزتيش قبل كدة .. وانك المفروض انك ترفضيني وتستني فرصه احسن مني .. بس أنا صليت استخارة قبل ما أجيلك .. ودلوقتي وأنا آعد معاكي حاسس اني مرتاح جدا
شعرت "دعاء" بالخجل لكلماته التي يلقيها رجل لأول مرة علي مسامعها .. قال "دياب" مبتسما:
- تعرفي اني حاسس انك هتوافقي
رفعت رأسها تنظر اليه في دهشه .. فأكمل وابتسامة واسعة تزين وجهه :
- آه والله حاسس بكده .. معرفش ليه ولا ازاي .. بس هو ده اللي أنا حاسس بيه .. حاسس ان رغم ظروفي المهببة دي كلها انك هتوافقي عليا .. وهتكوني من نصيبي
انتهت المقابلة علي مهلة محددة لرد الطرفين .. لكن قبل أن ينصرف "دياب" نظر اليها مبتسما بخجل وهو يقول :
- أنا موافق علي فكرة .. أنا قولت أقولك عشان يعني تبقي مطمنة انك عحبتيني
أطرقت "دعاء" برأسها وهي تشعر بسخونة في وجنتيها .. تأملها "دياب" للحظة في اعجاب .. قبل أن يستأذن للإنصراف .. تركت "دعاء" بيت خالها وتوجهت الي بيتها وقد علي وجهها الشرود .. وأخذت تتذكر كل المرات التي رأته فيها منذ أن وافق "مهند" على عملها في الفيلا

*************************

- ايه سبب التغيير المفاجئ اللي حصل ل "سمر" ؟
ألقى "مهند" هذه العباره على مسامع "فريدة" فردت قائله بحماس :
- والله ما أعرف يا "مهند" .. فجأه لقيناها نزلت اشترت هدوم و طرح ولبستهم .. تعرف انها مبقتش تسلم علي "علاء" و "نهاد" بإيديها ولا حتى تببن شعرها أدامهم
رفع "مهند" حاجبيه في دهشة فأكملت "فريدة" قائله :
- تعرف كمان اني بقيت أشوفها بتصلي .. وبتقرأ قرآن .. في الفترة اللي انت كنت غايب فيها كنت لما أصحى الفجر ألاقي الشغاله خارجه من أوضتها .. ولما سألتها في مرة قالتلي انها بتوضيها
بدا عليه الشرود قبل أن ينظر اليها بإهتمان قائلا:
- ازاي ايديها رجعت تتحرك .. راحت لدكتور جديد؟
قالت "فريده" بحيرة :
- أهي دي كمان حاجه غريبه .. لا راحت لدكتور ولا حاجه ولما سألناها قالت ان في واحدة في الشركة اللي اللي بتعالجها كل يوم .. بتعملها حجامه وترقيها
قال "مهند" بدهشه :
- هي مين دي ؟ .. واثقه انها عندنا في الشركة ؟
قالت "فريدة" بثقه :
- أيوة واثقه .. "سمر" قالتلنا كده .. وقالت كمان انها كانت بتشتغل في شوي الدرة .. وانت جبتها تشتغل في الشركة
ضاقت عينا "مهند" وهو يتذكر تلك المرأة التي ساعدها ووفر لها عملا في الشركة .. والتي وعدته أن ترد له الجميل يوما .. تري أفعلت هذا من باب رد الجميل ؟ .. أتعلم أن "سمر" زوجة عمه ؟ ألهذا ساعدتها ؟ .. ما أشعره حقا بالدهشة هو تواصل "سمر" مع امرأة بسيطة كتلك .. تنهد وهو يشعر بأن "سمر" وتصرفاتها دائما ما تصيبه بالحيرة !

*********************

هتف "نهاد" بحنق عبر الهاتف :
- مش جايلك يا "انجى" افهمي بأه
أتاه صوتها البارد وهي تقول :
- قولتلك أنا مش واحدة من الشارع تعرفني وتسيبني وقت ما تحب
هتف بغضب بالغ :
- انتي عايزه مني ايه .. أه .. عايزه مني ايه
قالت بنعومه :
- عايزاك تحبني زي ما بحبك يا "نهاد"
وقف وقد ازداد غضبا قائلا:
وأنا يا ستي مبحبكيش .. هو بالعافيه
ظهر علي صوتها الغضب وهي تقول:
- أمال اللي حصل بينا ده كان ايه
صمت "نهاد" وهو يمرر أصايعه في خلاص شعره بعصبيه وقد أغمض عينيه في ألم .. فقالت :
- "نهاد" أنا مستنياك بكرة .. ولو مجتش .. تليفون صغير ل "بيسان" وهقولها فيه علي اللي حصل بينا
هتف بغضب هادر :
- حقيرة
أطلقت ضحكة ساخرة وهي تقول :
- أمال فاكرني هحافظ علي مشاعرها .. لو مش عايز تحصل مشاكل بينكوا يبأه خليك لذيذ معايا زي ما كنت
صمت وهو يجلس علي الأريكة بالمكتب يسند رأسه الي قبضة يده وهو يحرك قدميه في عصبيه .. فقالت بصوت ناعم :
- انت ليه بتضطرني اني استخدم معاك الاسلوب ده يا حبيبي .. أنا بحبك يا "نهاد" وحبي ليك هو اللي بيوصلني أقولك الكلام ده
تمتم بغضب مكبوت :
- انتي واحدة حقيرة مبتحبيش الا نفسك وبس
هتفت بغضب :
- اذا كنت أنا حقيرة فإنت كمان حقير زيي .. وخنت "ببسان" زيي بالظبط
أغمض عينيه بألم وهي يقول بأسى:
- معاكي حق .. أنا حقير زيك بالظبط

**********************

اقترب "دياب" من "بشير" الذي جلس فوق أحد مقاعد في حديقة الفيلا شاردا .. اعتدل "بشير" في جلسته وقد أخرجه قدوم "دياب" من شروده .. جلس "دياب" بجواره فوق المقعد وقال:
- حالك مش عاجبني
ابتسم "بشير" ابتسامه باهته وهو يقول :
- ليه بس ما أنا كويس أهو
تنهد "دياب" قائلا:
- لا مش كويس يا "بشير" اوعى تكون فاكرني مش حاسس بيك وعارف اللي جواك
ارتبك "بشير" وهو يقول:
- مش فاهم قصدة ايه
شرد "دياب" ينظر الي مساحة الخضرة الشاسعة أمامه وهو يقول:
_ بص يا "بشير" ..أنا أكبر منك سنا وخبره .. وبحبك في الله .. عشان كده هنصحك
أخذ نفسا عميقا فالتفت اليه "بشير" ينظر اليه بإهتمام وهو يقول:
- سعادة أي اتنين متجوزين .. مش في الحب .. ولا في الفلوس .. ولا في الجمال والوسامة .. سعادة أي اتنين متحوزين في التفاهم والتكافؤ
ثم نظر الي "بشير" قائلا:
- لو التفاهم والتكافؤ موجود .. عمر ما المشاكل تدخل بينكوا .. وحتي لو دخلت هتبقى مجرد زوبعه في فنحان وتنتهي بسرعة
ثم قال :
- عارف يا "بشير" لو اتجوزت واحدة أعلي منك في كل حاحة .. واحدة من عالم غير العالم اللي انت اتولدت واتربيت وعشت فيه .. مهما كنت بتحبها ومهما كانت بتحبك .. لازم هيكون بينكوا خلافات كتير .. الجواز يا "بشير" مش حب في حب .. ولا وسيلة انك تفضي بشهوتك في الحلال وخلاص .. لأ .. الجواز هو انك تحس انك عايش مع واحدة بتكملك وانت بتكملها .. واحدة تحس بقوامتك عليها .. واحدة تحس ان همها هو همك .. ورضاها في رضاك .. واحدة بينك وبينها موده ورحمة قبل ما يكون بينك وبينها حب وعشق .. واحدة تشوف فيك الأب والأخ والزوج وانت تشوف فيها الأم والأخت والزوجة .. واحدة تعينك علي طاعة ربنا .. وتتقي ربنا فيك .. وتتقي ربنا فيها .. والله يا "بشير" هو ده الحب اللي بيدوم .. لو لقيت واحدة حسيت انها شبهك متضيعش وقت وخدها في الحلال .. لكن حب وغرام من غير تفاهم وتكافؤ هيكون مسيره الموت .. بس مش هيموت لوحده .. هيخنقك ويموتك معاه
شرد "بشير" في كلام "دياب" الذي لمس وترا حساسا في نفسه .. ربت "دياب" علي ثم "بشير" قائلا:
- لو مكنتش بحبك مكنتش دخلت نفسي في حاجه متخصنيش .. بس أنا بحبك في الله وبتمنالك الخير .. عشان كده نصحتك يا "بشير" والدور عليك بأه يا تاخد بالنصيحة يا ترميها ورا ضهرك
نهض "دياب" وعاد الي عمله علي البوابه .. بيننا أخذ "بشير" يتطلع الي لاشئ .. وعقله يعيد كلمات "بشير" مرات و مرات و مرات !

****************************

جلست "لميس" برفقة "نهال" في غرفتها تقص عليها تلك الأخيرة طرائفها مع أصدقائها في الجامعة .. هدأت الضحكات .. وساد الصمت لبضع لحظات قبل أن تقطعه "لميس" قائله بنبرة ذات معنى:
- شوفتي "سمر" .. ما شاء الله عليها .. اتحجبت ولبسها بأه حلو أوي
قالت "نهال" وهي تمط شفتيها:
- بس لبسها بأه واسع أوي .. هي ممكن تتحجب وتغطي شعرها بس متقفلهاش أوي كده
ابتسمت "لميس" قائله:
- بس يا حبيبتي هو ده الحجاب الصح .. لكن الحجاب المودرن اللي بتشوفي صحابك لبسينه ده ميعتبرش حجاب خالص
نظرت اليها "نهال" بدهشه وهي تقول:
- ازاي يعني مش حجاب .. ده أنا كنت بفكر أغطي شعري وألبس حجاب روش زيهم
قالت "لميس" بهدوء:
- أهو كلمة روش دي متنفعش تتقال علي الحجاب الصح .. لان من شروط الحجاب انه ميكنش ملفت .. ولا مزين .. ولا لبس بتلبسيه للشهرة .. عشان تتعرفي بيه .. ولازم يستر جسمك وميبينش تفاصيله .. يعني ميكنش ضيق ولا يكون شفاف .. وميكنش معطر ببرفيوم أو بخور أو أي حاجه يشمها اللي ماشي جمبك .. وميكنش شبه لبس الرجاله ولا يكون شبه لبس الكفار .. دي شروط الحجاب اللي ربنا أمر بيه .. بصي علي صحابك وقوليلي كام واحدة فيهم حققت الشروط دي في حجابها؟
صمتت "نهال" وهي لا تتذكر واحدة فقط منهن قد حققت تلك الشروط .. فأكملت "لميس" بحنان وهي تمسح على شعرها :
- الشعر الجميل ده لازم يتغطي زي ما ربنا أمرنا .. عشان ندخل الجنة اللي ربنا أعدها وجهزها للمؤمنين .. مش نفسك تدخلي الجنة يا "نهال"؟
أومأت "نهال" برأسها .. لكنها قالت :
- بس الحجاب اللي بتقولي عليه ده هيكبرني .. وهيخلي صحابي يتريقوا عليا ويقولولي لابسه شوال
ابتسنت "لميس" وهي تقول:
- الصحابة اتحملوا عذاب شديد أوي .. وعلي الرغم من العذاب ده الا انهم فضلوا متمسكين بدينهم واسلامهم .. تفتكري تريقة بنت عليكي ولا بنتين ولا حتي عشرين بنت ييجي حاجه جمب التعذيب اللي اتعرضله الصحابة ؟ ..كان النبي صلي الله عليه وسلم بيمر علي الصحابة وهما بيتعذبوا ويشد من عزيمتهم .. كان بيشوف سيدنا "عمار" بن "ياسر" بيتعذب هو وأمه و أبوه ويقولهم "صبرا آل "عمار" ان موعدكم الجنة" .. انتي بأه معندكيش القوة اللي تخليكي تصبري علي تريقه أو كلام مش هينقص منك حاجه .. بالعكس ده هما بيدوكي من حسناتهم .. معقول انتي ضعيفه لدرجة ان خوفك من تريقتهم عليكي يخليكي تعصي ربنا ؟ .. يعني خايفه منهم ومش خايفه من ربنا
تنهدت "نهال" وهي تنهض قائله :
- يلا أنا جعت .. زمانهم تحت بيستعدوا للغدا
شعرت "لميس" بالإحباط فلم ذلك هو رد الفعل الذي أرادته .. لكنها رسمت بسمة على ثغرها وهي تقول :
- ماشي حبيبتي .. بالهنا والشفا مقدما

***************************

دخل "مهند" الفيلا متوجها الي غرفة المعيشة التي وجدها فارغة .. جلس علي الأريكة وهو يشعر بألم مكان البتر .. أغمض عينيه قليلا ووضع يده بجواره علي الأريكة لترتطم بأجنده صغيره مفتوحه علي احدى الصفحات .. أمسكها "مهند" في يده .. ليجد تلك الكلمات مسطرة فوق أحدى صفحاتها بخط أنيق :
- غريبة أنا في بلدي .. وحيدة أنا بين الناس .. لا أجد لنفسي موطنا .. لا أجد لها حاميا .. سوى قلب أسد لا يشعر بنبضات قلبي التي تصرخ بإسمه غير عابئ بتلك الصرخات .. يسمعها .. يفهمها .. لكنه لا يشعر بها وبي .. كم أريد نسيانه ومحوه من حنايا عقلي .. واسكات قلبي وارغامه على نسيان اسمه .. و منع روحي من أن تهفو اليه .. لكنني لم أستطع أن أفعل .. فسلطانه على نفسي قويا مهيبا لا أستطيع الفكاك منه .. قلبي يئن .. يتألم .. يحترق .. وصاحب القلعة يرفض ادخالي .. يرفض أن يمنحني رشفة من يداه أروي بها ظمأي.. وعطش أيامي .. يرفض أن يطفئ نيران قلبي المشتعل .. يا صاحب القلعة أستسلم .. فحصونك أنهكت قواي .. بنيتها عالية شامخة فأذاقتني العذاب والهوان .. يا صاحب القلعة أستسلم .. غلبتني حصونك بصلابتها .. رشقتني بسهام صفت ما بداخل جسدي من دماء .. وها أنا أسقط أمام عينيك القاسيتين أشلاء .. لن أمد يدي لتنقذني .. لن أصرخ طالبة أن تنجدني .. بل سأدعك تنظر الي وأنا أحتضر .. تتذكر صريعة حبك يوما .. اقترب من جسدي المسجى علي الأرض أمام قلعتك .. أخرج خنجرك من جرابه .. ارفعه عاليا واهوى به فوق قلبي .. اطعنه وفجر دماؤه .. اطعنه وبعثر أشلاؤه .. هيا تقدم ولا تتردد .. ها أنا أراك تخرج خنجرك يا صاحب القلعة .. وتقترب مني في تؤدة .. ها أنت ترفعه عاليا لتهوى به فوق قلبي .. لماذا توقفت يداك .. لماذا التفت الي خنجرك .. هيا اطعن ولا تنظر اليه .. لماذا أنت متعجب .. أتتعحب من الدماء التي تغلف خنجرك وأنت لم تطعني بعد؟ .. أخطأت يا صاحب القلعة .. فالدماء علي خنجرك هي دمائي .. لعلك لا تتذكر ولكنك .. طعنت قلبي بخنجرك من قبل .. ها أنا أغمض عيناي .. اطعني الثانية ولا تتردد .. فقلبي لن يموت مرتين!
عقد "مهند" جبينه وهو يقرأ تلك الكلمات التي لا يعلم كاتبها .. أراد قرائتها مرة أخرى لكنه سمع صوتا من خلفه يقول بصوت مشاكس :
- مش تستأذن قبل ما تقراها
التفت بحدة ليجد "سمر" واقفة خلفه .. نهض من فوق الأريكة ومد يده بالمفكرة قائلا:
- أنا آسف مكنتش أعرف انها بتاعتك
أخذتها منه وابتسمت وهي تنظر اليها قائله :
- أنا طول عمري بحب الكتابة .. وكنت بكتب خواطر وأنا صغيرة .. بس لما سافرت تركيا نسيت الهواية دي .. بس من كام يوم لقيت نفسي بمسك بالقلم وبشخبط الشخبطة دي
ابتسمت بخجل .. ورفعت رأسها لتنظر اليه .. اختفت ابتسامتها وهي تنظر الي ذراعه المبتور .. لمعت الدموع في عينيها ونطق وجهها بالألم وهي تهمس :
- انت كويس؟ .. صعب عليك مش كده ؟ .. حتى لو انت بينت أدامنا كلنا انك كويس .. بس أكيد من جواك اتأثرت .. وحزنت .. أنا حسه بيك
رأته يغادر الغرفة مسرعا .. فارا منها .. ولم تكن مخطئة .. شعر "مهند" بأنه يفر بالفعل .. توجه الي غرفته وجلس فوق فراشه وهو يلهث .. بلع ريقع بصعوبة وقد تجمدت ملامحه .. أخافه ما يشعر به بداخله .. زفر في ضيق وهو يحاول أن يسيطر علي مشاعره الغريبه التي تجتاحه .. وتتسرب الي كيانه .. كالهواء الذي ينتشر في غرفة مغلقة الأبواب .. يتسرب اليها من فتحات خفيه وثغرات .. رأى أمامه صورتها .. عيناها .. تلك العينان .. لماذا يشعر دائما .. بذلك الشعور المخيف .. شعور بالحنين الي الغوص داخل عيناها .. والتسليم لأمواجها .. تأخذه الي حيث شاءت !


*****************************

توجهت "سمر" في الصباح الي غرفة الطعام .. لم تجد سوي "مهند" و "علاء" .. فابتسمت قائله :
- صحيين متأخر زيي
أجاب "علاء" مبتسما:
- أيوة واتأخرنا علي الشغل زيك بالظبط
تجاهلها "مهند" تماما وكأنها غير موجودة .. فقالت بهدوء:
- ممكن يا "مهند" تاخدني معاك وانت رايح الشركة؟
قال بإقتضاب دون أن ينظر اليها :
- خلي "علاء" يوصلك ..أنا رايح مشوار قبل الشركة
قال "علاء" مرحبا :
- مفيش مشكله يا "سمر" هوصلك أنا
شعرت بغصة في حلقها حتي أنها لم تكمل طعامها .. نهضت وقالت :
- هستناك بره يا "علاء"
خرجت الي الجراج وعلي وجهها علامات ضيق شديد .. بعد دقائق خرج "علاء" و "مهند" متقدما كل منهما في اتجاه سيارته .. ركب "بشير" أمام المقود في سيارة "مهند" وركب هو بالخلف وانطلق بها .. و"سمر" تتابعه بضيق

******************************

في مسجد الشركة جلست "سمر" بجوار المرأة الطيبة ترقيها .. وبعدما انتهت قالت المرأة بتأثر شديد:
- قلبي انفطر لما شوفت اللي صابه .. حسبي الله ونعن الوكيل فيهم .. شاب زي الورد يحصله كده .. منهم لله البعدا
تمتمت "سمر" بخفوت :
- الحمد لله انه رجع بالسلامة .. دي أهم حاجه
ربتت المرأة علي ذراع "سمر" وهي تقول :
- باينك بتحبيه أوي
ابتسمت "سمر" وهي تقول :
- أوي
قالت المرأة ببشاشه :
- ربنا ما يحرمكوش من بعض
أخرجت "سمر" محفظتها وأخرجت منها بعض المال تعطيه للمرأة لكنها أصرت بشدة علي عدم تقاضي أجر علاجها وهي تقول:
- عيب عليكي يا بنتي .. ده البشمهندس خيره مغرقني .. وكان نفسي من زمان أردله الجميل بأي شكل
ردت "سمر" يدها الي حقيبتها فوقع نظر المرأة علي صورة في محفظتها فسألتها :
- مين الأموره دي ؟
أخرجت "سمر" الصورة وهي تنظر اليها بتأثر قائله :
- دي أنا
أخذت منها المرأة الصورة تنقل عينها بدهشة بينها وبين "سمر" وهي تقول :
- سبحان الله اللي يشوفها يقول واحدة تانية خالص
صمتت "سمر" وقد اكتسي وجهها الحزن وهي تقول :
- زمان حصلتلي حادثة .. حصلي كسور كتير في وشي .. وكان محتاج ترميم .. عملت عمليات كتير .. وده غير شكلي كتير
قالت المرأة بدهشة :
- فعلا يا بنتي شكلك اتغير أوي
ثم قالت تطيب بخاطرها :
- بس انتي دلوقتي أحلي
ابتسمت "سمر" بوهن وهي تقول :
- كنت بحب شكلي الأول أكتر .. عشان اتعودت عليه .. أما دلوقتي ساعات لما ببص في المراية بستغرب شكلي .. علي الرغم من ان الحادثة فات عليها سنين طويلة
نهضت "سمر" واسأذنتها منصرفه ..

توجه "مهند" الي مكتب "عدنان" في موعد الانصراف .. لم يجد السكرتيرة ووجد باب المكتب مفتوحا فدخل لكنه تسمر في مكانه وهو يري "سمر" بين ذراعي "عدنان" معانقا اياها ضاما اليها بشدة الي صدره .. وهي تلقي برأسها فوق صدره في استكانه .. لم ينتبها لدخوله .. فخرج مسرعا وقلبه يرتجف .. و نفسه يضيق !


******************************

نظر "مهند" الي "عدنان" بضيق وهو يقول:
- ما تطلعوا اسكندرية تغيروا جو .. "سمر" و "فريدة" محبوسين علي طول في البيت .. وانت كمان يا "مهند" محتاج تغير جو .. اطلوا اتفسحولكوا يومين ..أنا عارف انكوا اسكندرانية وهتفضلوا اسكندرية عن أي بلد تانية
قال "مهند" وهو يتهرب من تلك الرحلة التي ستكون برفقة آخر شخص يتمني مرافقته :
- في الشركة شغل كتير يا عمي .. مينفعش أسافر
لكن محاولة هروبه باءت بالفشل بعدما أصر "عدنان" على ضرورة أخذ فترة استجمام لكل منهم .. تحمست "فريدة" جدا للفكرة وكذلك "سمر" التي أعربت عن سعادتها لزيارة مسقط رأسها .. والمكان الذي حمل ذكريات طفولتها وصباها .. وفي تبرم استعد "مهند" للسفر في اليوم التالي .. رافضا اصطحاب "بشير" مصرا علي قيادة سيارته الأتوماتيك بنفسه .. ابتسمت "سمر" وهي تنظر اليه بإعجاب .. لا يعوقه شئ عن ممارسة حياته الطبيعية بشكل عادي .. في حين أنها تحتاج الي الخادمة بإستمرار علي الرغم من تحسن ذراعها بشكل كبير .. مكنها من تحريكة بحرية وحمل الأشياء الخفيفة .. انطلقت السيارة تشق طريقها الي بلدها الحبيب


لمعت عيناها بالعبرات وهي تتشمم رائحة اسكندرية وبحرها .. رائحة مميزة لا تجدها في مكان آخر .. أشعرتها تلك الرائحة بحنين جارف .. حنين الي أيام مضت وولت مدبرة .. أغمضت عيناها بألم تنهمر عبرة حزينه من بين أهدابها المغلقة .. حانت من "مهند" التفاته الي مرآة السيارة .. فخفق قلبه لمرآى عبرتها وتغبيرات وجهها المتألم .. تطلع أمامه وهو يتمتم بالاستغفار ويعقد جبينه بضيق شديد .. ضيق من نفسه ومن مشاعره .. ومن الشئ الغريب الذي يشعره اتجاهها بالألفة .. ومن عيناها وما بهما من أسرار يتمني حل ألغازهما .. لتختفي علامات الاستفهام من داخله .. قال "مهند" بهدوء:
- تحبوا تروحوا فين ؟
قالت "سمر" علي الفور :
- المندرة
خفق قلبه .. فتجاهله .. وصفت له "سمر" طريقا .. وقالت :
- المكان ده من أحب الأماكن لقلبي
خفق قلبه للمرة الثالثه لكن هذه المرة بقوة أكبر .. وهو يتبع تعليمات "سمر" ويوقف سيارته أمام .. أحب بقعه له في اسكندرية ! .. بل في الدنيا بأسرها .. عقد جبينه بشده .. وعيناه تنطق بالحيرة .. قالت "فريدة" ضاحكة :
- هو كل أهل المندرة بيحبوا المكان ده ولا ايه
ابتسمت "سمر" مجاملة ونزلت من السيارة تعانق تلك البقعة بعيناها الممتلأة بعبرات شوق وحنين .. وقفت أمام البحر تنظر الي أمواجه المتلاطمة وهي تغمض عيناها .. تاركه زمنها لتعود سنوات الي الوراء .. وكأنها بنت الأمس .. نظرت "فريدة" الي "سمر" التي كانت تبعد عنها عدة أمتار وهي تقول ل "مهند":
- أول مرة أشوفها متأثرة كدة .. شكلها بتحب اسكندرية أوي
التفتت "سمر" تبحث بعيناها عن شئ ما .. ثم تمتمت فجأة بنبرة حملت شوق ولهفة :
- صخرتي
توجهت الي تلك الصخرة الكبيرة تتحسسها وتجلس فوقها .. تطلع اليها "مهند" بإهتمام شديد .. يراقب حركاتها وتعبيرات وجهها .. خفق قلبه من جديد .. وشعر بحنين يدفعه اليها .. استعاذ بالله وأشاح بوجهه عنها متقدما في اتجاه البحر .. رأت "فريدة" اللسان الصخري الممتد في البحر يشقه بصرامه ..
تقدمت تجاهه تسير فوق صخوره المتراصه بجوار بعضها البعض .. التفت "مهند" ينظر اليها فيما كان البحر يهدر بأمواجه عاليا مصدرا صوته الرتيب .. فتح "مهند" شفتيه ليهتف ب "فريدة" أن تنتبه .. لكن الدماء تجمدت في عروقه عندما هتفت "سمر" :
- "فريدة" خلي بالك .. في صخرة بتتحرك
التفت "مهند" بحدة ينظر الي "سمر" .. تلاقت نظراتهما في صمت .. للحظات .. طويله .. دون أن يحيد أحدهما بنظره عن الآخر .. اقترب منها .. وهي جالسه فوق الصخرة .. وقال :
- كنتي بتيجي هنا كتير ؟
أومأت برأسها .. فقال وهو يرمقها بنظراته الثاقبه:
- لوحدك؟
انتظر بلهفة أن يسمع اجابتها .. لكنها نظرت الي البحر دون أن تجيب .. سألها مرة أخري في اصرار لا يعلم هو نفسه سببه :
- لوحدك ؟
لكنها ظلت تنظر الي البحر .. دون أن تجيب
تقدمت منهما "فريدة" وقد ضايقها .. تحدثهما بمفردهما .. وقالت :
- تعالوا نتمشى شوية .. تعالي يا "سمر" يمكن تعرفي طريق الشارع اللي كنتي ساكنه فيه
نهضت "سمر" وسارت بصمت بجوار "فريدة" .. سار "مهند" خلفهما ونظراته تجمع ما بين الحيرة والخوف .. حيرة من غموضها .. وخوف مما من الممكن أن يكتشفه !

تأملت "سمر" بلهفة شوارع المندرة .. تتذكر بنيانها وحوانيتها .. تمتمت :
- اتغيرت كتير
ابتسمت "فريدة" وهي تقول :
- كل حاجه بتتغير .. انتي مسافرة بآلك كام سنة؟
قالت "سمر" بإقتضاب:
- كتير
قفزت في مكانها عندما سمعت "مهند" الذي كان يسير خلفهما يقول :
- كتير ده ملوش عدد محدد ؟ .. لتاني مرة تتسألي السؤال ده وتهربي منه .. انتي ليه بتحبي تكوني غامضة؟
التفتت تلقي عليه نظرة خاطفة .. ثم تعود لتنظر أمامها قائله :
- أنا مبحبش أكون غامضة ولا حاجه
هتفت "فريدة" وهي تشير الي أحد المنازل :
- ده بيت "مهند" .. تجمدت الدماء في عروق "سمر" وهي تنظر الى المنزل الذي تشير اليه "فريدة" .. تعلقت عيناها بالشرفة في الطابق الثاني فسمعت "فريدة" تقول :
- كان عايش في الشقة دي .. في الدور التاني
توقفت أقدامهم تحت المنزل .. لاح علي وجه "مهند" ابتسامه وهو يتطلع الي أحد الرجال المقبل عليه برفقة امرأته .. ترك الفتاتين وتوجه الي الرجل مسلما عليه ومعانقا اياه .. تمتمت "فريدة" :
- ده حماه و حماته .. ثواني يا "سمر" هسلم عليهم و أرجعلك
تطلعت "سمر" بأعين دامعة وشفاه مرتجفة الي الرجل والمرأة .. سمعت صيحات الاستنكار مما أصاب "مهند" .. بدا في أعينهما التأثر وهما يواسيانه بالكلام والنظرات .. شعرت بغصة في حلقها ابتلعتها سريعا .. توجهت الي "فريدة" وقاطعت حديثها مع المرأة التي نظرت الي "سمر" بلا مبالاة .. انحنت علي اذنها قائله :
- معاكي مفتاح الشقة ؟
نظرت اليها "فريدة" بدهشة فقالت "سمر" بإبتسامه باهته :
- عايزة أتفرج عليها
نظرت "فريدة" الي "مهند" الذي اندمج في حديقه مع الرجل .. ثم لأخرجت من حقيبتها مفتاحا أعطته الي "سمر" في تردد وهي تقول :
- طيب استني نطلع سوا
لكن "سمر" لم تعبأ بكلامها .. أخذت المفتاح وتوجهت مسرعة الي بوابة البناية و "فريدة" تتابعها بقلق .. ثم عادت لتكمل حديثها مع المرأة .. وقفت "سمر" أمام الباب تتحسسه بيد مرتعشة .. أدارت المفتاح في الباب فإنفتح بسلاسة .. تقدمت الي داخل البيت .. ثم التفتت تنير المكان بالمفتاح المثبت علي الجدار جوار الباب .. امتلأت عيناها بالعبرات وهي تتأمل البيت بآثاثه ومحتوياته .. هطلت الدموع غزيرة من عينيها وجسدهت يرتعش من بكائها .. تقدمت الي احدى الغرفتين في المنزل وأنارت مصباحها .. كانت غرفة نوم كبيرة .. دخلتها في تؤدة ولا تزال دموعها تنهمر فوث وجنتيها .. نظرت بتأثر الي الأشياء الموضوعة فوق التسريحة والتي غلفها التراب .. مسحت بكفها جزء من التراب المعلق غلى المرآة ونظرت الي وجهها الباكي في ألم .. التفتت لتلقي نظرة علي الفراش خلفها .. قبل أن تغمض عينيها للحظات نطق خلالها وجهها بالألم .. في الأسفل انتهي "مهند" من حديثه مع الرجل ليلتفت فلا يجد حوله سوى "فريدة" التي اقترب منها قائلا :
- فين "سمر" ؟
قالت بقلق :
- خدت المفتاح وطلعت فوق
نظر اليها بحدة قائلا:
- فوق فين؟
أشارت بإرتباك الي شرفة بيته وقالت :
- في شقتك
تطاير الشرر من أعينه فشعرت "فريدة" بالخوف وهي تراه متوجها الي البناية .. فالتفتت تكمل بعقل متشتت حديثها مع المرأة التي كانت نهمه تواقه لمعرفة أخبارهما .. وجد "مهند" باب البيت مواربا ففتحه ودخل .. بحث بعيناه عنها فرأى ضوء المصباح يتسرب من غرفة النوم .. توجه اليها ليتجمد في مكانه وهو ينظر الي "سمر" الي استندت بظهرها الي الجدار تغلق عيناها بألم بينما العبرات تقفز من بين أهدابها وعرتجف شفتيها وهي تطبق عليهما بشدة .. دخل الغرفة .. شعرت بحركته ففتحت عينيها وحاولت مسح عينيها ووجهها في توتر .. فاتسخ وجهها من التراب الذي علق في يدها .. حاولت مسحه أكثر فلم يزيدها ذلك الا اتساخا .. نظر اليها "مهند" بإمعان كما لو أنه يراها لأول مرة .. تأمل نظرات عينيها الدامعة المضطربة ووجهها الذي يعلوه التراب المختلط بدموعها وهو يشعر برجفه في قلبه .. حاولت تجاوزه فوقف أمامها قائلا :
- ادخلي اغسلي وشك
وقفتز ساكنه للحظات ثم أومأت برأسها وتوجهت الي المطبخ يتبعها "مهند" بإصرار وهو ينظر اليها بتمعن .. وبتلقائية شديدة مدت "سمر" يدها خلف الثلاجة لتفتح محبس المياة ! .. ثم تتوجه الي الحوض وتغسل وجهها .. وقف "مهند" خلفها وهو يقول بصوت عميق كأنه قادم من كهف مظلم :
- عرفتي منين ان محبس الماية ورا التلاجه؟
توقفت عن غسل وجهها وقد تجمدت في مكانها .. وبحركة واحدة اقترب منها "مهند" وأدارها لينظر الي وجهها الذي تتساقط منه قطرات الماء .. أطبق علي ذراعها بقوة وهو ينظر اليها بعيني صقر قائلا :
- اتكلمي .. عرفتي منين مكان المحبس
نظرت اليه "سمر" بنظرة جمعت ما بين البرود و الألم والعتاب .. لهث بشدة وصدره يعلو ويهبط وهو يزيد من ضغط قبضته فوق ذراعها وهو يقول بصرامة :
- انتي مين ؟
ثم هتف بغضب :
- عرفتي منين مكان المحبس .. عرفتي منين الأكل اللي بحبه .. ايه معنى الولاعة اللي جبتهالي
ظلت "سمر" ترمقه في ثبات بنفس النظرات وهي تقول :
- سيبني
حاولت أن تفلت ذراعها من قبضة يده الحديدية ففشلت .. حاولت التحرك والابتعاد عنه فلم تستطع .. قال وهو ينظر اليها بنظرات ثاقبه تود النفاذ الي أعماقها :
- جاوبيني علي أسألتي .. كفاية غموض بأه
ثم قال بحيرة ممزوجة بالألم :
- انتي مين ؟
نظرت اليه بتحدي وهي ترفع حاجبيها وتقول بقوة :
- أنا "سمر" مراة عمك
تبادلا النظرات كل منهما ينظر الي الآخر بثبات .. في تلك اللحظة دخلت عليهما "فريدة" لترى اقترابهما من بعضهما بهذا الشكل و "مهند" مطبق علي ذراعها .. فإمتلأت عيناها دهشة وضيق وهي تهتف بإستنكار :
- "مهند" !
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق