روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الثالث والعشرون من رواية العشق الممنوع


ابتعد "مهند" عند "سمر" تاركا ذراعها .. تطلع بتوتر الي "فريدة" التي تنظر اليه بإستنكار .. خرجت "سمر" من المطبخ وتمتمت :
- هستناكوا تحت
ساد الصمت للحظات .. قبل أن يغادر "مهند" دون أن يقدم تفسيرا ل "فريدة" .. لم تندهش "سمر" عندما قال "مهند" بعدما ركبوا السيارة :
- هنرجع القاهرة
عقدت "فريدة جبينها بدهشة ممزوجة بالضيق .. بينما نظر "مهند" في مرآة السيارة ليجد نظرة عتاب في عيني "سمر" قبل أن تشيح بوجهها عنه .. ظل شاردا طوال الطريق .. محاولا تفسير تصرفاتها ونظراتها الغير مفهومه .. أكثر ما كاد أن يصيبه بالجنون هو علمها بتفاصيل دقيقة في بيته الذي لم يسكن فيه الا مع زوجته "نهلة" ......

وانضمت اليهما "فريدة" بضعة أشهر قبل الحادث .. هذا ما كان يدهشه .. ويشتت تفكيره .. شك بأنها احدي صديقات "نهلة" ولكن لم يكن لها صديقات تودهن ويودونها .. ولم تدخل أحدا قط بيت الزوجية .. ولم يكن لها سوي والدها ووالدتها .. حتي أنها ليس لها اخوة ولا أخوات .. تطلع مرة أخري في السيارة .. الي ملامحها التي يشعر تجاهها بأنها شخص غريب عنه .. لكن تلك العينان .. لماذا يشعر بهذا الانجذاب وهذا الحنين اليهما .. فجأة انفرج ما بين شفتيه وهو يتطلع اليها .. لا يحيد بنظره عنها .. عن عينيها .. التفتت .. فرأت عيناه المصوبة تجاهها في مرآة السيارة .. خفق قلبها .. وقلبه.. وتعالت أصواتهما حتي كاد كل منهما يسمع دقات قلب الآخر .. رأته يلهث .. يتنفس بسرعة .. يركز علي عينيها .. قالت عيناه كلمة .. فتوترت واضطربت .. استطاعت ترجمة تلك الكلمة التي نطقت بها عيناه :
- عرفتك!

********************

قالت "دعاء" بإهتمام وهي تطرق برأسها :
- و مراتك عارفه انك هتتجوز ؟
أومأ "دياب" برأسه قائلا :
- أيوة عارفه .. أنا حذرتها .. ان مكنتش العلاقة تتحسن بينا .. هتجوز .. وللأسف محاولتش حتي مجرد محاوله انها تصلح من نفسه .. وعاطيه ودنها لجراتها بيودودوا في ودانها ليل نهار
ثم نظر اليها قائلا بحزم :
- أنا مظلمتهاش .. أنا حذرتها كتير .. وحتي لو اتجوزت مش هظلمها .. هعدل بينك وبينها في النفقه و المبيت

أطرقت "دعاء" برأسها وهي شارده .. تقكر .. هل توافق غلي تلك الزيجة وتلك الظروف الشاقه .. أم تنتظر لعل تأتيها فرصة أفضل .. تنهدت وهي تتذكر أنها استخارت الله مرات عدة .. وفي كل مرة تري حلما حميلا .. يزينه وجه "دياب" .. أصابتها حيرة شديدة .. فوجدت يقول بنبرة حانيه :
- أنا عارف انك مستصعبة الموضوع .. عشان ظروفي و موضوع جوازي
قغلت "دعاء" علي القور :
- لا ظروفك مش مشكلة بالنسبة لي
ثم أطرقت برأسها وهي تقول بخجل ممزوج بالألم :
- أنا كمان ظروفي صعبة .. أنا حتي مش هقدر أجهز نفسي .. وبابا الله يرحمه مسبليش حاجه قبل ما يموت .. من ساعة ما اشتغلت عند البشمهندس "مهند" وهو بيديني مرتب حلو أوي .. بحوش منه .. بس يدوبك اللي لحقت أحوشه هو مرتب شهر واحد .. يعني ميعمليش حاجة .. ميجهزش عروسه
رغم ظروفها الصعبة .. الا أن "دياب" شعر بالارتياح لتشابه ظروفهما .. فابتسم قائلا بحنان :
- متقلقيش بكرة ان شاء الله أنا اللي هجيبلك ةل حاجة
شعرت "دعاء" بسعادة خفية .. سعادة أن تكون مسؤلة من شخص ما .. يهتم بها ويراعيها ويتقي الله فيها .. علي الرغم منها تسرب اليها شعور بالراحة تجاه "دياب" .. لم تراه سوي مرتين .. لكن حديثه واسلوبه اشعراها بمدي جديته واحترامه ونقاء سريرته .. سأل خالها عنه في مكان سكنه مع زوجته .. فلم يسمع عنه الا كل خير .. الصغير والكبير يمتدح أخلاقه .. ويصفه ب : جدع ابن حلال .. قاطع "دياب" أفكارها ليقول :
- لو محتاجه نقعد مع بعض مرة تالته معنديش مشكلة .. المهم تكوني مرتاحه و مطمنة
ودت لو أخبرته بأنها بالفعل تشعر بالراحة والاطمئنان .. صمتت قليلا وهي تتذكر حديث النبي صلي الله عليه وسلم : "اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" .. بحثت بداخلها لتجد نفسها راضيه بدينه وخلقه .. فأخذت نفسا عميقا ثم أطرقت برأسها قائله بخجل :
- لا مفيش داعي نقعد مع بعض مرة تالته
نظر اليها "دياب" بتوتر وهو يقول :
- يعني ايه ؟
لاحت علي شفتيها ابتسامه خجول وهي لا تزال مطرقه برأسها .. فاتسعت ابتسامة "دياب" وطلت الفرحة من عيناه وهو يقول :
- الحمد لله .. الحمد لله

****************************

أوقف "مهند" سيارته أمام الفيلا .. نظر في المرآة يتابع بعينيه "سمر" التي تنزل بسرعة ثم تتوجه الي الفيلا دون أن تنظر خلفها .. نزلت "فريدة" والتفت حول السيارة لتقف أمام "مهند" قائله:
- مش هتدخل ؟
قال بإقتضاب :
- لأ
انطلق بسيارته وعيناها تتابعانه في دهشة .. وقلق
قاد "مهند" السيارة بغير هدى وعقله يعمل بلا توقف .. نعم عرفتك .. مهما وضعتي علي وجهك من أقنعه فسيعرفكي قلبي حتما .. استطعتي تغيير كل ملامحك .. لكن بقيت عيناكي كما هي ليتعرفها قلبي .. لماذا .. لماذا فعلتي ذلك .. لماذا غيرتي ملامحك .. لماذا تركتيني .. لماذا هربتي مني .. لماذا تركتيني أتعذب في بعدك .. لماذا .. لماذا عدتي الآن .. تظهرين من العدم .. وكأن شيئا لم يكن .. ما تلك اللعبة التي تلعبيها مع عمي .. لماذا أخفيتم الأمر عني .. من حقي أن أعرف .. نعم من حقي
أوقف "مهند" سيارته علي جانب الطريق وهو يلهث غضبا وقد ازداد انفعاله حتي خشى ألا يستطيع التحكم في مقود السيارة .. أغمض عينيه بألم وهو يقول .. لماذا تخفين نفسك عني .. لماذا؟ .. أتعاقبينني ؟ .. لست أنا من يحتاج الي العقاب .. سكن للحظات شاردا ثم أخذ نفسا عميقا وهو يقول وقد ظهرت ابتسامه عذبه علي شفتيه :
- عادت يا بحر .. عادت
عاد الي الفيلا قرب الفجر ليجد الجميع نيام .. توجه الي غرفته .. الي خزينته .. وأخرج منها القداحة التي أهدته اياها "سمر" .. جلس فراشه ينظر الي لهيبها المشتعل وهو يبتسم

****************************

جلست "بيسان" برفقة "نهاد" حول طاولة الطعام تتحدث في مواضيع شتي بينما هي شاردا .. وضع كفها فوق كفه الموضوع فوق الطاوله فانتفض .. قالت بحنان :
- سرحان في ايه
قال بخفوت :
- مفيش
ابتسمت بحنان وقالت:
- ازاي يعني مفيش .. هو أنا مش عارفاك ولا ايه
أطرق"نهاد" برأسه .. فزعت "بيسان" لمرآى العبرات في عينيه فهتقت :
- "نهاد" .. ايه اللي حصل .. "نهاد" قولي
صمت قليلا .. ثم قال بصوت مختنق وهو لايزال مطرقا برأسه خجلا من مواجهتها :
- أنا خنتك
ضحكت وهي تنظر اليه بحيره .. فرفع رأسه ونظر اليها بأعين مبلله بالعبرات وهو يقول:
- مع صاحبتك .. "انجي" .. خنتك معاها
اختفت ابتسامتها لتتسع عيناها وقد تسمرت في مكانها وتوقفت عن ابتنفس وهي تحاول أن تبتسم قائله :
- بتهزر صح ؟ .. بتختبر ثقتي فيك ؟ .. صح ؟
أطرق برأسه وهو يقول بألم :
- ياريته كان هزار
نهضت "بيسان" فجأة وهي تشعر بأن الأرض تتحرك من حولها .. بل تتزلزل .. هتفت :
- قول تاني .. قول اللي قولته تاني
نظر اليها "نهاد" بألم وهو يقول :
- خنتك مع "انجي"
ارتجف جسدها وارتعد .. أحاطت جسدها بذراعيها وعلي وجهها علامات التقزز وهي تقول بصوت مرتجف :
- ازاي ؟
نهض "نهاد" ومد يده محاولا لمسها .. فابتعدت للخلف وهي تتمتم وكأنها تتحدث الي نفسها :
- ازاي ؟
قال بصوت مضطرب :
- كنت بروحلها البيت عشان أديها مكسبها الشهري علي الفلوس اللي بشغلهالها .. وفي مرة ... وفي مرة .....
توقف عن الحديث .. لم يجد في نفسه القدرة علي ذكر تفاصيل ما حدث .. لا كيف حدث .. انهمرت العبرات من عينيها في غزارة ووجهها ينطق بالألم .. غادرت من أمامه وهي تمسح عبراتها وتأمر الخادمة بحزم :
- لبسي "فريد" .. وحضري شنطته
توجهت الي غرفة النوم و "نهاد" يتبعها .. أخرجت حقيبه فارغه وأخذت بجمع ملابسها وبعض متعلقاتها .. اقترب منها "نهاد" محاولا لمسها قائلا :
- "بيسان"
انتفضت مبتعده عن يده وهي تصرخ في وجهه :
- متلمسنيش .. انت فاهم .. متلمسنيش
عادت الي حزم أغراضها بوجه جامد كالحجر .. عبرات عينيها تزداد غزاره .. وقف يتابعها في ألم الي أن انتهت .. حاول حمل الحقيبه عنها فانتفضت مبتعده .. حملت "فريد" بيد والحقيبة بيد وتوجهت الي باب البيت .. فتحت لها الخادمة الباب فانظلقت الي المصعد .. لحق بها "نهاد" وهتف :
- رايحه فين ؟ .. "بيسان"
دفعته بيدها وأغلقت باب المصعد .. نزل "نهاد" الدرج مسرعا .. لحقها قبل أن توقف سيارة أجرة وهو يهتف :
- مش هينفع أسيبك تمشي كده .. قوليلي عايزة تروحي فين وأنا أوصلك
هتفت بألم :
- ابعد عني .. مش عايزه حاجه منك .. ابعد عني
توجه "نهاد" مسرعا الي سيارته وأوقفها أمامها .. ثم نزل وفتح لها الباب قائلا :
- طيب عشان "فريد" .. خليني أوصلك للمكان اللي انتي عايزاه .. هخاف تركبوا تاكسي لوحدكوا والوقت متأخر كده

بدأ الصغير بالبكاء فتركت حقيبتها أرضا محاوله اسكاته .. تناول "نهاد" حقيبتها وحقيبه "فريد" االتي علقتها فوق كتفها ووضعهما في المقعد الخلفي .. دخل "بيسان" السياره فانطلق بها .. قالت بحزم :
- وديني عند "فريدة"
أومأ برأسه علي الفور وهو يراقب تعبيرات وجهها قائلا:
- حاضر
ما عي الا لحظات كانت كالسكون الذي سبق عاصفة بكاء وأنين انطلقت من "بيسان" وهي تهتف :
ليه .. قولي ليه .. قولي سبب واحد عشان تخوني
تجمعت العبرات في عين "نهاد" وهو يتطلع الي الطريق أمامه .. فصرخت وهي تضرب كتفه بقبضه يدها باكية بقوة :
- ليه خنتني .. ليه خنتني .. كان ناقصك ايه. . أنا مقصرة معاك في ايه .. انطق .. اتكلم
قال "نهاد" بألم وهو يتطلع اليها :
- بطلي عياط يا "بيسان" أنا مستهلش دمعة واحدة من دموعك دي
أجهشت في بكاء مرير .. مد يده محاولا لمسها فانتفضت وهي تصرخ :
- قولت ابعد عني متلمسنيش
أعاد يده الي المقود وهو يطلق تنهيدة حارة .. تعرب عما بداخله من نيران .. أشعلتها خطيئته !


******************************

- أنا اتجوزت
لم تصدق "سحر" أذنيها .. أكمل "دياب" بهدوء :
- كتبنا الكتاب النهاردة .. والدخله هتكون قريب
سادت لحظة صمت قبل أن تصرخ "سحر" قائله :
- عملتها يا "دياب" .. عملتها واتجوزت .. أنا كنت عارفه من الأول انك راجل تييييييييت .. وياما جارتي حذرتني منك وأنا اللي مكنتش بصدقها .. كنت بقولها "دياب" أبدا .. "دياب" مش ممكن يعمل كدة .. مش ممكن يخوني بس طلعت تييييييييييت
نظر اليها "دياب" بحزم وقال :
أنا لا خونتك ولا ظلمتك .. أنا استخدمت شرع ربنا بعد ما عملت معاكس البدع عشام تغيري من نفسك .. فضلتي تسمعي لدي شوية و دي شوية وتخرجي اسرار بيتك لحد ما ضيعوكي
انفجرت في البكاء وهي تصيح بغضب :
مش ممكن اعيش معاك بعد كده .. طلقني يا "دياب" أنا مستحيل أعيش معاك يوم واحد بعد ما جبتلي ضره
اندفعت الي الدولاب لتجمع اغراضها لكن دياب اوقفها قائلا :
- ده بيتك .. أنا اللي هسيبه مش انتي .. لحد ما تهدي ونقعد نتكلم مع بعض بهدوء .. وعلي فكرة أنا لو عايز اطلقك كنت طلثتك .. لكن انتي أم بنتي و نستخيل أظلمك .. وكمان أنا مش هعيشها معاكي .. أنا هاخدلها شقة لوحدها .. يعني ده هيفضل بيتك انتي و بنتي
خرج "دياب" من المنزل .. لتجلس "سحر" فوق الفراش باكية وهي تصيح :
- منك لله .. منك لله .. يارب اكسره زي ما كسرني .. ربنا ينتقم منك يا "دياب"


********************

طرقت "لميس" مكتب "عدنان" بالمرسم فأذن لها بالدخول .. وقفت أمامه بإرتباك وهي تقول :
- بعد اذنك يا "عدنان" بيه .. لو مش هعطلك في حاجه عايزة اتكلم مع حضرتك فيها .. حاجه مهمة
أشار لها بالجلوس ونظر اليها بإهتمام قائلا :
- خير يا مدام "لميس"
مر علي ذهنها صورة "سمر" يوم أن حاءهم خبر استشهاد "مهند" وتلك الحالة التي أصابتها .. والكلمات التي أخذت تهذي بها في نومها بعدما تناولت المهدئ .. تذكرت قول سمر : بحبك يا "مهند" .. جفلت عندما حثها "عدنان" قائلا :
- اتفضلي .. أنا سامعك
بلعت ريقها بصعوبة وهي تحول أن تتخير كلماتها بعناية ثم قالت :
- حضرتك ومدام "سمر" لسه عرسان جداد .. ومدام "سمر" شابه صغيرة .. وكمان كانت عايشة بره
ثم قالت بجدية :
يعني اللي أقصد أقوله انها محتاجه اهتمام زيادة .. خروج .. فسح .. يعني تحس انعا عروسه جديدة .. أنا عارفه فرق السن اللي بينكوا كبير .. ويمكن ده ميخليش حضرتك تاخد بالك من نقطة زي دي
ثم قالت بإرتباك :
- أنا عارفه طبعا اني بتدخل في خاجه متخصنيش .. بس أنا اتعودت من زمان اني أهتم بكل فرد في العيلة دي .. واني اعتبر نفسي مسؤله عن راحتهم وسعادتهم .. وأنا ......
صمتت لا تدي ما تقول .. كيف تخبره بأنها تشك ب "سمر" .. وأنعا سمعتها تنطق بحبها لابن أخيه الذي هو بمثابة ابنه .. كيف تخبره بأن تلك الفتاة لم تكن مناسبة له بأي حال من الأحوال .. من مقاومات الزواج الناجح التكافؤ .. في كل شئ .. أما "عدنان" و "سمر" لم تري بينهما أي تكافؤ علي الاطلاق .. كان بإمكانها أن تخبره بتلك الكلمات التي هذيت بها "سمر" .. لكنها لم تستطع أن تظعنه في مقتل .. لم تستطع أن تكون سببا في شعوره بالألم .. حتي وإن كانت تتألم بسببه .. بسبب حبها الغير متكافئ .. أطرقت برأسها وهي تقول بخفوت :
- أنا آسفة مرة تلنية اني اتدخلت في حاجه متخصنيش .. بس أنا نيتي خير
نهضت واستأذنت للانصراف دون أن تجرؤ علي النظر الي وجهه .. تابعها "عدنان" بعيناه .. والابتسامه على شفتاه !


*************************

جلست "مهند" مع العائلة حول مائدة الطعام وهو يتطلع الي المقعد الفارغ أمامه ويقول بهدوء :
- هي "سمر" مش ظاهره اليومين دول ليه ؟
شعرت "فريدة" بالضيق لاهتمامه بتواجد "سمر" وملاحظه اختفائها .. قال "عدنان":
- اليومين دول تعبانه شويه وملهاش نفس للأكل
قالت "انعام" مبتسمه :
- بس هي كويسة الحمد لله ودراعها كل يوم بيتحسن عن اليوم اللي قبله
شرد "مهند" قليلا .. ثم أخرج هاتفها يلعب بأزراره ثم يعيده الي جيبه
مدت "سمر" يدها بتكاسل الي الطاولة بجوارها في شرفة غرفتها بعدما سمعت تنبيها بوصول رساله .. انتفض جسدها واتسعت عيناها وهي ترى رقم "مهند" .. فتحت الرسالة ليرتجف قلبها وهي تقرأ فيها :
- بتهربي ؟
أسندت ظهرها الي المقعد وهي تلق تنهيدة عميقه وعلامات الضيق والحزن علي وجهها

********************

في مساء اليوم التالي لاحت الابتسامة علي شفتي "مهند" عندما دخلت "سمر" غرفة المعيشة بصحبة "عدنان" .. بدا علي وجهها الحزن والاضطراب .. جلست بجوار "عدنان" علي الاريكة .. فيما قالت لها "كوثر":
- سلامتك يا "سمر" .. سمعنا انك تعبانه
ابتسمت "سمر" ابتسامه باهته دون أن تجيب .. أطلقت تنهيده أعربت عن انشغالها بما يضايقها يؤرقها .. وقف "عدنان" والتفت حول "سمر" واضعا كفيه فوق كتفيها وهو ينظر الي الجميع قائلا بإبتسامه واسعه :
- أنا جمعتكوا هنا النهاردة عشان عندي ليكوا خبر يجنن
نظر الجميع الي بعضهم البعض في قلق .. فأخبار "عدنان" دائما صادمة !
قال بسعادة وهو قبل رأس "سمر" :
- أحب أعرفكوا كلكوا .. ان "سمر" حامل .. بس فمش حامل في ابني
اتسعت أعين الجميع دهشة وقد فغر كل منهم فاهه وكأن علي رؤسهم الطير .. فأطلق "عدنان" ضحكة مرحة وهو يقول :
- "سمر" حامل في ولادي.. حامل في توأم
كادت أعينهم أن تخرج من محجريها وهم يرشقونها كالسهام في بطن "سمر" المختفي خلف ملابسها الواسعة .. هتفت "يسرية" بحده:
- عشان كدة لبستي واسع ؟ .. عشان تخبي الحمل عننا
أطرقت "سمر" برأسها تجيب علي عبارات التهنئة بهمهمات غير مفهومه .. وعلي وجهها حزن وضيق ملحوظ ..
ألقت نظرة علي "مهند" الذي ترك الغرفة ووقف في الشرفه بعدما ألقي علي مسامعها كلمة تهنئة مقتضبة .. وقف يستند بيده الى سور الشرفه وهو يزفر بضيق شديد وقد أطلق الشرر من عيناه السوداوان .. لحقت به "فريدة" وقالت بحده :
- مالك يا "مهند"
التفت اليها ثم عاد ينظر أمامه وهو يقول :
- مفيش
وقفت بجواره وهي تقول بحده وترمقه بأعين متفحصه :
لا في .. مالك .. ليه وشك اتغير لما سمعت خبر حمل "سمر"
زفر "مهند" بضيف شديد .. فارتعدت فرائص "فريدة" وهي تقول:
- "مهند" انت .......
لم تستطع أن تكمل عبارتها .. لم تستطع .. غزت العبرات عيناها وهي تقول بضيق :
- "مهند" ازاي تسمح لنفسك .......
لم يدعها "مهند" تكمل جملتها بل قاطعها وهو ينظر اليها بحزم قائلا:
- "فريدة" أنا كل ما أشوف "سمر" أحس انها ........
صمت فحثته قائله :
- تحس انها ايه ؟
زفر بقوة وهو يقول بعصبيه :
- مش مهم خلاص .. طلع احساسي غلط .. "فريدة" أنا عايز أسيب الفيلا .. علي الأقل مؤقتا .. حاسس اني مخنوق
نظرت اليه بحزن وقالت :
- طيب هتروح فين .. وهتقول لعمي ايه
قال بضيق :
- هروح اسكندرية .. هقوله محتاج لأغير جو معتقدش انه هيمانع
أومأت برأسها وهي تشجعه قائلا بحماس :
- ماشي يا "مهند" سافر .. علي الأقل عشان تعيد حساباتك .. واستعيذ بالله كتير .. ربنا ينجيك ويعصمك من الفتن
قال بخفوت :
- آمين

*********************

بالفعل لم يعارض "عدنان" في سفر "مهند" بل شجعه علي ذلك .. حزم أغراضه وقد أضناه السهر .. يشعر بحيره ما بين ما يشعر به .. وما يراه أمام عيناه .. نزل الدرج وهو يتمني ألا يلتقي بها .. بدا كمن يهرب من شئ يخيفه .. ويشتته .. ويضعفه .. وضع حقيبته في السيارة .. و "دياب" يتطلع اليه بإعجاب قائلا لزميله :
- ما شاء الله عليه .. رغم اللي حصل في دراعه بس تحسه بيتصرف زي أي حد طبيعي .. صابر وراضي لأبعد حد .. ربنا يباركه في صحته وماله ويرزقه ببنت الحلال اللي تسعده
لم يكد "مهند" يركب سيارته ويتوجه بها الي بوابة الفيلا .. حتي رأى "دياب" هرولا في اتجاهه وهو ينظر الي أعلي ويصيح :
- حريقه .. حريقه
ضغط "مهند" مكابح سيرته وتوجل منها ليتجمد في مكانه هلعا وهو يرى النار تشب من غرفة "سمر" فهرول بعزم طاقته في اتجاه الفيلا .. صعد الدرج في لهفه وهو يحاول فتح باب الغرفة دون جدوى صارخا بإحضار نسخة المفتاح التي بحوذة "لميس" .. فإستعان ب "دياب" وهشموه معا فيما ارتفعت أصوات الصراخ من حناجر النساء .. استطاعا أخيرا أن يهشما باب الغرفة .. قبل أن تضعد "لميس" الدرج حامله المفتاح .. اختنق الجميع بالدخان المنبعث من الغرفة .. دخل "مهند" ليجد "سمر" ملقاة علي الأرض وبجوارها كأس مهشم .. وعلي ملابسها بضع قطرات من لون دموي .. صرخ ب "دياب" :
- شيلها معايا
لكن "دياب" حملها بمفرده بين ذراعيه وأخرجها من الغرفة .. فأسرع "مهند" أمامه وهو يهتف :
- بسرعة يا "دياب"
وضعها "دياب" في المقعد الخلفي وانطلق برفقة "مهند" الي المشفى ! .. بينما النساء من خلفهم في حالة خوف و فزع

وقف "مهند" و "دياب" خارج غرفة الفحص .. بدا علي "مهند" الاضطراب .. ربت "دياب" علي كتف "مهند" قائلا:
- بعد اذنك يا بشمهندس هتصل أطمن الجماعة عندي في البيت اني هتأخر
أومأ "مهند" برأسه وهو شاردا .. ابتعد "دياب" يتحدث الي هاتفه .. خرجت الظبيبه فهب "مهند" واقفا وهو يقول :
- ازيها .. عامله ايه دلوقتي؟
قالت الطبيبة مبتسمة :
- متقلقش الآنسة بخير
تمتم "مهند" بخفوت بصوت قلق :
- هي مدام مش آنسه .. جوزها اتصلت بيه وجاي في الطريق .. الحمل كويس .. يعني الجنين محصلوش حاجه؟
اتسعت عينا الطبيبة وهي تقول بحيرة:
- جوزها ايه وحمل ايه .. دي فيرجن
وقع الخبر كالصاعقة علي رأس "مهند" .. وهو يقول بحيرة واضطراب :
- مش فاهم .. أكيد حضرتك غلطانه
قالت الطبيبة بهدوء وهي تضع يديها في جيب معطفها :
- لما فاقت شافت العصير المدلوق علي هدومها فاتخضت وطلبت مني اني أفحصها .. يعني أنا متأكده من اللي بقوله .. وهي بخير الحمد لله .. الحمد لله انكوا خرجتوها بسرعة قبل ما تتخنق بالدخان
انصرفت الطبيبة وتركت "مهند" الذي يحاول أن يفيق من صدمته .. في تلك اللحظة حضر "عدنان" وقال بلهفة :
- هي فين ؟
أشار "مهند" الي الغرفه وهو ينظر الي عمه متفحصا اياه في امعان .. دخل "عدنان" الغرفة فتبعه "مهند" .. رآه وهو يجلس بجوار "سمر" ويمسك يدها ويقول لها :
- انتي كويسه يا حبيبتي
أومأت برأسها وابتسمت بوهن قائله :
- أيوة الحمد لله
وقف "مهند" علي باب الغرفة يرمق كليهما في غضب .. غضب شديد!

Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق