روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الأول من رواية مزرعة الدموع

رواية مزرعة الدموع بقلم بنوتة أسمرة


داعبت النسمات الناعمة شعر "ياسمين" , كانت ملامحها الهادئة الساكنة تشير الى استغراقها فى النوم فلم تسمع والدتها "سمية" وهي تفتح نافذة حجرتها التي تسللت منها تلك النسمات فأخذت تداعب شعيراتها السوداء المتساقطة على جبينها فى رقة , اقتربت الأم من فراشها ونادتها بنبرة حانية:
- "ياسمين" .. "ياسمين" قومى يا بنتى أبوكى نزل
تململت "ياسمين" في فراشها وفتحت عينيها في بطء وارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها ونظرت الى أمها قائلة :

- ماما ... صباح الخير يا ست الكل
- صباح الفل يا حبيبتى .. قومى أبوكى نزل يصلي الجمعة .. بلا عشان نشوف اللى ورانا
أزاحت "ياسمين" الغطاء الذى تدثرت به ونهضت فى تكاسل وطبعت قبلة على وجنتة أمها
- حاضر يا قمر .. هدخل الحمام وآجي أشوف هنعمل ايه
- أنا هدخل المطبخ أبدأ في تحضير الغدا وانتى يا حبيبتى عليكي التنضيف زى كل جمعة .. يلا شهلى أوام قبل ما أبوكى يرجع .. انتى عارفه ما بيحبش يرجع يلاقي البيت مكركب

نظرت "ياسمين" الى الفراش الفارغ الموجود بجوار فراشها والتفتت الى أمها قائلة :
- أمال فين "ريهام" ؟
- نزلت تجيب شوية طلبات .. أنا عارفة اتأخرت ليه
دخلت "ياسمين" الحمام وتوضأت وصلت ركعتي الضحى وشرعت فى مساعدة والدتها فيما اعتادت أن تقوم به من أعمال.


كانت "ياسمين" ابنة لأسرة متوسطة الحال أو أقل من المتوسطة بقليل , من تلك الأسر التي نقول عنها (عايشين مستورين) , والدها موظف على المعاش لا يملكون من حطام الدنيا إلا هذا البيت الذى يأويهم والذى يقع فى أحد الأحياء البسيطة ب
القاهرة , أمها من تلكم الأمهات اللاتي تراهن فى معظم البيوت المصرية من هذه الطبقة , سيدة طيبة لم تنل حظها من التعليم لكنها تراعي ربها فى بيتها وزوجها وبناتها على أكمل وجه , سيدة حانية تجمع بين الطيبة والبساطة , لدى "ياسمين" شقيقة واحدة تصغرها بـ 4 أعوام تدرس فى السنة الأخيرة بكلية تجارة جامعة عين شمس .

أما "ياسمين" فكانت في ال السادسة والعشرون من عمرها طبيبة بيطرية لا تعمل منذ أن تخرجت , نجحت البنتان فى نيل حظ وافر من التعليم , فكان هذا هو ما يطمح اليه والدهما الذى يفتخر بهما كلما اجتمع بأصدقائه على المقهى الذى يجلس عليه عادةَ , كم يشعر بالفخر لأنه بالرغم من مستواه المتواضع إلا أنه لديه ابنتان كانتا سبب فخره دائماً ليس بتعليمهما فحسب بل بأدبهما وأخلاقهما وتربيتهما أيضاَ .



رن جرس الباب فنظرت "ياسمين" من العين السحرية ثم فتحت الباب لأختها "ريهام"

- طبعا "ريهام" هانم هربانه على الصبح من شغل البيت
- يا باي على الظلم .. كنت بجيب حاجات ماما طلباها
- طيب , يلا يا حلوة شوفى ماما فى المطبخ ساعديها
- من غير ما تقولى كنت داخللها
كانت "ياسمين" و "ريهام" على وفاق دائماً ويحبان مشاكسة بعضهما البعض والمزاح والضحك وساعد على ذلك تقارب سنهما.



وفى وقت الغداء التف الجميع حول طاولة الطعام وشرعوا في تناول طعامهم واشتركوا في الحديث والمزاح , ثم بعد فترة قال رب الأسرة "عبد الحميد" :
- النهاردة جه عريس لـ "ياسمين"
احمرت وجنتا "ياسمين" بشدة , فهذه هي المرة الأولى التي يتم فتح مثل هذه المواضيع أمامها , فقد كانت تتسم دائماً بالخجل والهدوء خاصة في الحديث مع والدها الذى تقدره وتحترمه كثيراَ
الأم "سمية" : بجد يا "عبد الحميد" , طيب هو مين ؟ وقالك ايه ؟
"ريهام" بمزاح : ايه ده بجد .. أخيراً حد عبرك
لم تستطع " ياسمين" الجلوس أكثير فنهضت بسرعة
"سمية" : ايه يا بنتى مش هتكملى أكلك
"ياسمين" : شبعت يا ماما



دخلت مسرعة الى غرفتها ونظرت الى وجنتيها الحمراوان فى المرآة , وشعرت بدقات قلبها تتسارع وتساءلت فى نفسها ( يا ترى شافني فين ؟ وعرفني منين ؟ يا ترى ليه اخترنى أنا بالذات ؟ )

كانت " ياسمين" طوال سنين دراستها الجامعية ترفض تماماً الإختلاط بالشباب والإنضمام الى مجموعات التى تضم الجنسين معاً فيما يسمى بالصداقة , فلم تكن تهتم إلا بدراستها وتفوقها , وساعدها تربيتها وتدينها على المحافظة على نفسها ومشاعرها , كانت "ياسمين" تتمنى دائماً أن يكون زوجها هو أول من يطرق باب قلبها فإحتفظت بكل مشاعرها وعواطفها له وحده , فكانت ترى أن الحب الحلال أبرك كثيراً من أى علاقة محرمة تغضب ربها.


ومن جهه أخرى لم تكن "ياسمين" تحظى بإهتمام الشباب وخاصة أولئك الذين يبحثون عن حب سريع وعلاقات عابرة لأنها لم تكن تملك مقاومات جمال تبهر الرجال , فملامحها الهادئة ليس بها شئ مميز بإستثناء عينيها السوداوين برموشها الكثيفة التي تشكل مع ابتسامتها الرقيقة جمالاً هدئاً ناعماً بريئاً

فتحت "ريهام" الباب ونظرت الى "ياسمين" ضاحكة : قومتى ليه يا عروسة ؟

"ياسمين" وهي تشير الى الباب : بطلى بأه واقفلى الباب ده
دخلت "ريهام" وأغلقت الباب خلفها قائلة بشقاوتها المعهودة:
- تدفعى كام وأقولك المعلومات اللى بابا قالها عن العريس؟
"ياسمين" بلهفة : قولى بأه ما تبقيش رخمة
-ايه هى سايبه .. مش هقول إلا لما آخد الحلاوة
- حلاوة ايه هو لسه حصل حاجة
- هيحصل ان شاء الله وبكرة تقولى "ريهام" قالت
- قولى بأه يا "ريهام" , بابا قال ايه؟
"ريهام" باستسلام مصطنع : طيب صعبتى عليا , هرأف بحالك وأقولك من انتى زى أختى برده
- أوف , مش هنخلص النهاردة

جذبت "ريهام" "ياسمين" من ذراعها وأجليتها على السرير : بصى يا موزة .. العريس اللى أمه داعية عليه .. يوووه قصدى اللى أمه دعياله عنده 35 سنة خريج هندسة بيشتغل مهندس بترول .. جاهز من مجاميعة .. عنده شقة بتاعته فى منطقة راقية مش ناقصها غيرك يا جميل
- اسمه ايه؟
"ريهام" ضاحكة : ههههههه هيفرق ايه اسمه معاكى .. افرضى مثلاً اسمه "عتريس" هترفضى؟
"ياسمين" غاضبة: عشان أما أجى أصلى استخارة يا أذكى اخواتك أقول اسمه فى الدعاء
"ريهام" بهيام : اسمه "تيفه"
"ياسمين" بإستغراب : "تيفه" .. ايه "تيفه" دي
- "تيفه" يا "ياسمين" .. يعني "مصطفى"
صمتت "ياسمين" قليلاً ثم قالت : طيب هو شافني فين يعني ؟
- لا هو أنا ما قولتلكيش .. يقطعني
"ياسمين" وهى تقرص "ريهام" في ذراعها: بطلي أم الاستظراف ده .. مش وقتك خالص
"ريهام" وهى تفرك ذراعها : آآآآآآه .. يا متوحشة , ربنا يكون فى عونك يا "تيفه" .. بصى يا موزة أبو "تيفة" الله يمسيه بالخير هو و بابا وبيصيعوا مع بعض على القهوة وصحاب من زمان
- احترمى نفسك ايه بيصيعوا دى
- الله .. ما تسبينى أكمل بأه .. المهم شكل كدة الواد "تيفه" شافك فى مرة وانتى واقفة مع باب وعرف من أبوه كل حاجة عنك , وشكل الصنارة غمزت يا جميل


رغم محاولات "ياسمين" الاستغراق فى النوم إلا أن النوم أبى أن يسيطر عليها وقضت معظم ليلتها فى التفكير فى شكل هذا الـ " مصطفى" , وأهم شئ أخلاقه وطباعه , ولم تنسى قبل أن تخلد الى النوم أن تصلى صلاة الاستخارة لتسأل الله -عز وجل- أن ييسر لها إن كان هذا الأمر خير لها وأن يصرفه عنها إن كان فيه شر لها .. وفى النهاية استسلمت "ياسمين" الى سلطان النوم.

Comments
2 Comments

هناك تعليقان (2):

  1. قرئت الكثير الكثير من رواياتك وعجبت بها صراحة
    اولا مكتوبة بطريقة سلسله وممتعه ومشوقة ايضا
    ثانيا ما فيها أي حاجة مخلة للأدب ومعارضة لديننا
    بل فيها الكثير من الخصال الحميدة ومأخوذة عن ديننا يعني الشخص عندما يقرأ الشخص رواياتك يتعلم منها أشياء كثيرة عن الدينه أو سيتذكرها إن كان ناسيا
    ثالثا رواياتك ستكون البديل عن المسلسلات المحرمه وروايات الماجنه بإذن الله
    رابعا انا أعرف اللغة العربية جيدا ولكن اللهجة المصرية كانت صعبة علي بس لما بدئت اتابع روايتك تعلمتها جيدا أظن اني استطيع التكلم مع اخواتي المصريين المقمين ببلدنا وذلك بفضل الله ثم بفضلك
    تابعي وابدعي مع تمنياتي لك بالنجاح

    ردحذف
  2. جميلة

    ردحذف