روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الرابع والثلاثون من رواية مزرعة الدموع

رواية مزرعة الدموع بقلم بنوتة أسمرة

قامت "ريهام" وغادرت مع "عبد الحميد" الى غرفتهما .. وغادر "أيمن" و "كرم" للبحث مرة أخرى فى المزرعة .. لحظات ووجد "عمر" هاتفه يرن .. وجد رقماً غريب رد ليجد رجلاً يقول جملة واحدة :
- "ياسمين" عندى لو شميت ريحة البوليس فى الموضوع هقتلها وأبعتلك جثتها هدية لحد عندك .. استنى منى تليفون بعد يومين
قال ذلك ثم أغلق وترك "عمر" فى حالة من الخوف والرعب والفزع .. والحيرة
هب "عمر" واقفاً وحاول الاتصال بالرقم مرة أخرى .. رد عليه رجل فقال له "عمر" على الفور :
- انت مين؟
فقال له الرجل :
- انت اللى مين
انفعل عليه "عمر" قائلاً :
- بقولك انت مين ؟ .. ورقم مين ده ؟


صاح الرجل فى غضب :
- ما تحترم نفسك يا جدع انت بتزعق كده ليه .. موبايل محطوط فى المكتبة عندى الزباين بيتصلوا منه
هدأ "عمر" قليلا ثا قال :
- مين الراجل اللى اتصل دلوقتى من الموبايل
صاح الرجل فى غضب :
- أنا عارفلك أهو واحد جه خد الموبايل يتصل أقوله هاتلى بتاقتك أعرف انت مين .. حاجه غريبه يا جدع
وأغلق الهاتف فى وجه "عمر" .. قال له والده :
- خير يا ابنى
نظر "عمر" اليه وهو مشتت الفكر قائلاً :
- واحد اتصل بيا وقالى ان "ياسمين" عنده ومبلغش البوليس .. وهيكلمنى كمان يومين
أكمل "عمر" بصوت مرتجف :
- قالى لو بلغت البوليس هيقتلها ويبعتلى جثتها
شهقت "كريمه" وغطت فمها بيدها .. صاح "عمر" فى غضب :
- ابن التييييييييييييييييت .. مين اللى يعمل حاجه زى كده .. واشمعنى "ياسمين" .. وعايز ايه منها
قال والده :
- اهدى يا "عمر"
التفت الى والده قائلاً :
- اهدى ازاى يا بابا بقولك خطفوها وهددونى يقتلوها
ثم قال بحيره وألم :
- أنا مش فاهم هو عايز منها ايه
قال والده بجديه :
- هو مش عايز منها هى .. هو عايز منك
التفت اليه "عمر" قائلاً :
- ازاى يعني .. مش فاهم
- يعني ايه اللي يخلى واحد يخطف بنت بسيطة زى "ياسمين" وأصلا مش من البلد دى ومتعرفش حد هنا .. وكمان اللى خطفها يكلمك انت .. مش يكلم أهلها .. اللي خطفها عارف كويس هو بيعمل ايه وبيتعامل مع مين .. عارف ان أهلها ناس غلابه مش هيقدروا يدفعوا فديه عشان يرجعوها .. لكن الراجل اللى بيحبها غنى ويقدر يدفعلهم
قال "كريمه" بحيره :
- ومين اللى يعرف ان "عمر" بيحب "ياسمين" أو ان فى حاجه بينهم
قال "نور" :
- أنا واثق ان اللي عمل كده حد بيراقبنا كويس أوى .. وعارف كل حاجه عننا .. يعني مش ضربة حظ .. والدليل انهم اتصلوا ب "عمر"
قال "عمر" بلهفه :
- طيب أنا أعمل ايه دلوقتى .. مش هقدر أستنى يومين .. و"ياسمين" مخطوفه وتحت رحمتهم
سأله والده :
- عايز تبلغ البوليس
مسح "عمر" بيده على شعره قائلاً :
- لأ مش هقدر أخاطر .. خايف يعملوا فيها حاجه .. و لاد التيييييييييييت دول
اقتربت منه أمه قائله :
- هدى نفسك يا "عمر"
أخرج "عمر" هاتفه واتصل بالأستاذ "شوقى" وقص عليه ما حدث .. نصحه الأستاذ "شوفى" بتنفيذ مطالبهم وعدم الإتصال بالشرطة خوفة من أن يصيب "ياسمين" الأذى .. عاد "كرم" و "أيمن" من الخارج وصدموا عندما علموا بأن "ياسمين" مخطوفة وبأن خاطفها تحدث الى "عمر" وهدده بقتلها
مرت الليلة صعبة للغاية على "عمر" .. كان يشعر بألم غائر فى قلبه .. ألم تمكن منه حتى كاد أن يخنقه .. لم ينم طيلة الليل ظل ساهراً على مقعد فى مكتبه .. لاح نور الصباح .. نهض وتوجه الى حيث تختلى "ياسمين" بنفسها .. جلس على الجذع الذى تجلس عليه دائماً .. تحسسه بيده وهو لا يصدق أن حبيبته مفقودة .. ومعرضة للخطر .. وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً .. سوى الإنتظار .. أغمض عينيه لتتساقط عبره منهما .. عبره اختلطت بتراب المزرعة الذى سبق واختلط بعبرات "ياسمين" وفى نفس المكان ..

***********************

باتت "ياسمين" ليلتها على الأرض الباردة .. تبكى .. دون حتى أن تستطيع اخراج صوتها بسبب فمها المكمم .. ظلت تبكى حتى تعبت وانهارت .. ظلت تدعو ربها بقلبها بدعاء ذى النون " لا إله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين " .. الدعاء الذى أنقذها من "مصطفى" عندما تهجم عليها فى منزلهما .. ظلت تدعو وتستغفر .. ودت فقط لو علمت .. من الذى خطفها .. ولماذا خطفها .. وماذا ينوى أن يفعل بها .. كانت تشعر بأنهم أكثر من رجل .. كانت تسمع الخطوات حولها .. دون أن يتحدثا أمامها .. فجأة سمعت صوت الباب يُفتح شعرت بالذعر .. قامت لتجلس فى مكانها .. كانت كل حواسها منتبهه .. وجدت من يقترب منها .. صرخت صرخة مكتومة وحاولت أن تبعد جسدها عن يديه .. فك الرجل وثاق الرابط على فمها .. حاولت أن تصرخ فكمم فمها بيد واقترب من أذنها قائلاً :
- لو سمعت صوتك تانى متلوميش الا نفسك
كانت لهجته باردة مرعبة .. فامتثلت لكلامه .. خشت أن يقتلها .. أو يفعل ما هو أسوأ من القتل
قالت بصوت مرتجف :
- انت مين وعايز منى ايه ؟
سمعته يضحك ضحكة ساخرة قائلاً :
- متخافيش مش هنعملك حاجه .. احنا بس مستضيفينك عندنا يومين لحد ما ناخد فلوسنا
قالت بدهشة :
- فلوس ايه ؟
ثم فهمت الأمر .. انه خطف مقابل فديه .. فقالت فى ألم :
- لو فاكر انى واحدة غنية واقدر أدفعلك فلوس بتقى غلطان .. وأهلى كمان ميقدروش يدفعوا فلوس عشان يخلصونى
قال بسخريه :
- عارف يا حلوة .. بس حبيب القلب معاه ويقدر يدفع
قالت بدهشة :
- حبيب القلب مين ؟
- "عمر" باشا "الألفى" .. مش برده هو حبيب القلب
امتقع وجه "ياسمين" .. اقترب الرجل منها حتى استنشقت رائحه أنفاسه الخبيثه فالتصقت بالحائط أكثر وبدأت فى البكاء .. قال لها :
- متخفيش لو حبيبك متهورش احنا كمان مش هنتهور
هم بالإنصراف ..فأوقفته قائله :
- لو سمحت
قال بصوت خشن :
- أفندم
قالت "ياسمين" بحرج :
- ممكن لو سمحت .. يعني ... أدخل الحمام
ضحك بسخرية قائلاً :
- وماله
أمسكها من ذراعها ليوقفها مشت معها ..شعرت بأنه يدخلها غرفة فى داخل الغرفة التى كانت فيها .. ثم قال لها :
- اتفضلى
صاحت بحنق :
- أتفضل ازاى يعني وايدي مربوطة ورجلى مربوطة وعيني مربوطة
ضحك ضحكة عايله أثارت حنقها ثم اقترب وفك وثاق يديها وعينيها .. التفتت لتنظر اليه فوجدته يضع قناعاً على وجهه .. اذن فهو ليس هاو .. ويعرف جيداً ماذا يفعل .. وجدت نفسها فى حمام صغير كل شئ ملون باللون الاسود ورماد ملقى على الأرض .. صاح الرجل فى غلظة :
- يلا خلصيني
التفت اليه قائله :
- اخرج الأول
خرج وأغلق الباب .. تأكدت "ياسمين" من الباب المغلق .. ثم التفتت لتتفحص ما حولها .. كل شئ محترق .. وكأن النار اندلعت فى هذا المكان من قبل .. لا يوجد شئ على الجدران .. ولا يوجد شئ على الأرض سوى الرماد .. شعرت بالدهشة .. ما هذا المكان الغريب .. هل هى قريبه من المزرعة .. أم يعيدة عنها .. ماذا يفعل والدها الآن .. و "ريهام" .. بالتأكيد هم قلقون للغاية عليها فقد باتت ليلتها خارج المنزل ولا يعلمون مكانها .. و "عمر" ماذا يفعل الآن .. هل يبحث عنها ؟ .. هل يشعر بالخوف عليها ؟ .. تنهدت فى حسرة .. انتهت من قضاء حاجتها وحاولت فتح الباب .. دخل الرجل ووقف خلفها ليعيد ربط يديها خلف ظهرها ألقت نظرة على الغرفة التى باتت ليلتها فيها .. نفس الشئ جدران محترقه .. رماد على الأرض .. سرير ودولاب محترق .. ولا شئ آخر فى الغرفة
انتهى من ربط يديها خلف ظهرها وأعاد العصبة على عينيها مرة أخرى .. ودفعها .. حاولت قدر الإمكان تلاشى الاحتكاك به .. أمسك بذراعها وأجلسها فى نفس المكان الذى باتت فيه ليلتها .. خرج من المكان ودخل الى السيارة التى يجلس فيها "مصطفى" .. فنظر له "مصطفى" بشك قائلاً :
- اتأخرت كده ليه
نظر اليه "بسطويسي" ضاحكاً ثم قال :
- متخفش مكلتش التورتة لوحدى
ثم انفجر فى الضحك مرة أخرى .. قال له "مصطفى" :
- أصلا هى متهمنيش فى حاجه .. بس مش عايز مشاكل أنا عايز الفلوس مش أكتر من كده
قال له "بسطويسي" :
- أنا مش غبي يا هندسة .. حاجة زى كدة تسيب دليل وأنا أحب الشغل على نضافه .. يعني ما أسبش أى دليل ورايا .. فاهم
أومأ "مصطفى" برأسه وقال بحنق :
- كان لازم تقوله يومين .. كنا طلبنا الفلوس دلوقتى وخلصنا
قال "بسطويسي" شارحاً :
- خليه يستوى على الآخر .. اليومين دول هيجننوه ويشعللوه .. ده لو هيا فعلا تهمه زى ما قولتلى
قال "مصطفى" بثقه :
- أيوة تهمه .. ده خباها منى لحد ما تطلق .. يبأه أكيد تهمه
- قشطة يا معلم
ثم أخرج لفتين من جيبه وأعطى احداها ل "مصطفى" قائلاً :
- خد بأه اضرب دى وادعيلى
صاح "مصطفى" بحنق :
- الله يخربيتك حشيش
لكمه "بسطويسي" فى كتفه قائلاً :
- خد ومتبقاش خرع .. خلى قلبك ميت .. وبعدين الحشيش ده مش مخدرات
- يا سلام أمال ايه
- ده أعشااااب .. أعشاب طبيعيه .. زى العلاج الطبيعي كده
قال "مصطفى" بسخريه :
- والله انت دماغك لسعه .. وشكلك هتودينا فى ستين داهية .. ايه علاقة المخدرات بالأعشاب بالعلاج الطبيعي .. التلاته ملهمش علاقة ببعض
قال "بسطويسي" بضيق :
- ده انت صحيح راجل تقل المزاج
فتح باب السيارة فسأله "مصطفى"قائلاً :
- رايح فين
- هروح أشربها فى مكان تانى بدل كلامك اللى يقلب الدماغ ده
مشى أمامه فزفر "مصطفى" بضيق قائلاً :
- على آخر الزمن أتعامل مع الأشكال التيييييييييييت دى

***************************

مر اليومين على الجميع بشكل صعب للغاية .. كانت "ريهام" لا تتوقف عن البكاء .. أما "عبد الحميد" فكان يمضى وقته فى الصلاة والدعاء وعيناه تتضرع الى الله عز وجل بأن يحفظ له ابنته ويردها اليه سالمه .. أما "عمر" فكان حاله يرثى لها .. كان ينام فى مكانه ليستيقظ فزعاً من أقل صوت منادياً اياها .. ظلت الكوابيس تراوه كلما أغمض عيناه .. كاد أن يجن .. لم يترك شبراً الا وبحث فيه عنها .. نزل الى المنصورة وأمضى الساعات فى البحث عن "ياسمين" فى شوارعها .. دون جدوى .. كان يعلم أن ما يفعله لن يثمر عن شئ .. فلابد أن مختطفيها يخفونها فى مكان مغلق .. لكنه لم يستطع أن يجلش هكذا مكتف اليدين .. شعر بالشوق والحنين اليها .. افتقد حبيبته القريبة البعيدة .. ها هو لا يعرف مكانها .. لا يعرفه ما يفعله هذا الرجل بها .. هل أذاها .. هل لحق بها سوء .. كاد أن يجن ويفقد عقله من كثرة التفكير .. وفى المساء كان الجميع جالس فى منزل "عمر" وكأن على رؤسهم الطير .. فى انتظار اتصال ذلك الرجل .. رن هاتف "عمر" قفز "عبد الحميد" من مكانه ووضعت "ريهام" يدها على قلبها فى خوف .. تعلقت أعين الجميع بـ "عمر" الذى رد قائلاً :
- ألو
قال الصوت :
- 3 مليون جنيه تحطهم فى 3 شنط هاند باج .. كل شنطه فيها مليون جنيه .. وهتصل بيك بكرة الصبح أقولك على مكان التسليم
قال "عمر" قبل أن يغلق الرجل الخط :
- عايز أتكلم مع "ياسمين"
صمت الرجل قليلا ثم قال :
- دقيقة وهتصل تانى
أغلق "بسطويسي" وتوجه الى "ياسمين" شعرت بالخوف لاقترابه منها فك وثاق فمها .. ثم اتصل بـ "عمر" ووضع الهاتف على أذن "ياسمين" .. قال "عمر" :
- ألو
عرفته "ياسمين" .. فأجهشت فى البكاء .. صاح "عمر" بلوعه :
- "ياسمين"
صاح "عبدالحميد" :
- "ياسمين" بنتى
قال "عمر" بلهفة :
- "ياسمين" ردى عليا .. انتى كويسة ؟
قالت من بين شهقاتها :
- أنا خايفة
سحب "بسطويسي" الهاتف وأعاد تكميم فمها .. ظل "عمر" يردد :
- ألو .. "ياسمين" .. ردى عليا .. ألو
خرج "بسطويسي" وأغلق الباب وقال ل "عمر" :
- سمعتها ؟
صاح "عمر" بصوت هادر وكأن بحرغاضب ثائر :
- لو لمستها هقتلك وأشرب من دمك
قال "بسطويسي" بغلظة :
- نفذ اللى أنا بقولك عليه وأنا أرجعهالك صاغ سليم .. أدامك لحد بكرة تكون جهزت الفلوس .. واستنى اتصال منى
قال ذلك ثم حطم الهاتف تحت قدميه وأخرج الشريحه وحطمها هى الأخرى

***************************

تعلقت أعين الجميع بـ "عمر" الذى قال بصوت مرتجف :
- كلمتنى .. قالتى انها خايفه
صاح "عبد الحميد" :
- ربنا ينتقم منهم .. حسبي الله ونعم الوكيل
قالت "كريمه" بلهفه :
- وقالولك عايزين ايه يا "عمر"
قال بهدوء :
- 3 مليون
أجهشت "ريهام" فى البكاء فهى تعلم جيداً أن والدها لا يستطيع تأمين ألف واحد من هذا المبلغ
نظر اليها "كرم" واقترب منها قائلاً :
- متعيطيش يا "ريهام" .. ان شاء الله هترجع
قال له والده :
- وهتعمل ايه لوقتى ؟
نظر اليه "عمر" بجديه قائلاً :
- هدفعهم طبعاً ..حتى لو طلب أكتر من كده انا مستعد ادفعهم
أقبل "عبد الحميد" عليه وهو يبكى قائلاً :
- الهى ربنا يكرمك يا ابنى وما يوقعك فى ضيقه أبداً
ربت "عمر" على كتفه قائلاً :
- متقلقش يا عم "عبد الحميد" .. ان شاء الله "ياسمين" هترجع سليمة
ثم خرج مسرعاً وهو يقول :
- لازم أرتب المبلغ وأجهزه .. لانه هيتصل بيا بكرة عشان يقولى مكان التسليم

*******************************


كان "مصطفى" يجلس واجماً داخل السيارة .. دخل "بسطويسي" وجلس بجواره .. وقال اليه :
- ايه مالك يا هندسه .. خايف ولا ايه
قال "مصطفى" بشرود :
- لأ مش كده .. بس بفكر
- فى ايه ؟
التفت الى "بسطويسي" قائلاً :
- الراجل مستعد يدفع 3 مليون عشان خاطر البنت اللى أعده جوه دى
- مش فاهم
قال "مصطفى" بإستغراب :
- يعني ده واحد قدامه نسوان أشكال وألوان .. والبت دى مفيهاش أى حاجه مميزة .. بت عادية زى أى واحدة .. ايه اللى يخليه يدفع فيها مبلغ زى ده
ابتسم بخسريه قائلاً :
- البت مش وحشة برده .. وبعدين كل واحد ومزاجه
- أنا ما قولتش وحشة .. قولت عاديه .. يعني ميدفعش فيها مبلغ زى ده .. ده لو جوزها كنا قولنا ماشى .. لكن ده واحد مبيربطهوش بيها أى حاجه
قال "بسطويسي" بمزاح :
- شكله كده واقع لشوشته
هتف "مصطفى" قائلاً :
- ما هو ده اللى أنا مستغربله .. ايه اللى عجبه فيها
صمت قليلاً ثم قال :
- بنت التيييييييييييت كانت عاملة نفسها الخاضرة الشريفة .. وأهى دلوقتى عايشة مع الراجل ده فى الحرام
صاح "بسطويسي" :
- يا ابنى النسوان كلهم تيييييييييييت وعايزين تيييييييييييييت و تيييييييييييييييييت و تيييييييييييييييييت
ضحك "مصطفى" قائلاً :
- والله معاك حق يا "بسطويسي" .. تصدق انت راجل بتفهم
ضحك "بسطويسي" قائلاً :
- مش قولتلك مش بالشهادات يا هندسه .. بده
وأشار الى عقله
صمت "مصطفى" قليلاً ثم قال :
- طيب مش هنأكلها .. من ساعة ما جت هنا واحنا مدينهاش أى أكل ولا حتى مايه
قال "بسطويسي" بحده :
- ايه قلبك رق .. محدش بيموت من الجوع يا هندسه .. وبعدين كده أحسن زمانها دلوقتى مهبطه ومش قادرة حتى تتحرك من مكانها بدل ما تتعافى علينا ونضطر كل شوية نخدرها .. وبعدين اهو كلها يوم وترجع تانى لأهلها

جهز "عمر" المبلغ المطلوب بالمواصفات المطلوبة .. كانت هذه هى الليلة الثالثه التى تنامها "ياسمين" عند هذا الرجل .. كان عقل "عمر" يعمل دون توقف .. كان قلبه يحترق ألماً .. وخوفاً .. ولوعة .. حبيبة فى قبضة هذا المجرم .. تذكر صوتها وهى تبكى قائله (أنا خايفة) .. شعر بغضب رهيب بداخله .. شعر بأنه كالعاجز لا يستطيع أن يأخذها بين ذراعيه ويطمأنها .. لا يستطيع أن يبث الأمل فيها ويقول .. لا تخافى حبيبتى انا هنا ولن أتخلى عنكِ مهما حدث .. ظلت تراوده أفكاراً كثيره سوداء .. شعر بأنه جالس على جمر من نار .. وبداخلة حمم بركانيه تحرق روحه وتعذبها .. كان يتمنى شئ واحد .. أن يراها الآن ويأخذها بين ذراعيه ولا يتركها أبداً .. مهما طلبت منه أن يتركها .. لن يتركهاً أبداً .. أيقن الآن أنه لن يستطيع العيش دونها .. حى حبه الأول والأخير .. هى امرأة أحلامه .. هى التى يتمنى أن يعيش معها حاضره ومستقبله .. ما ان يراها حتى يدخلها سجنه .. السجن الذى صنع قضبانه من ضلوعه .. ولن يخرجها منه أبداً .. ستظل حبيسه قلبه .. سيعلمها كيف تحبه .. وتهواه .. وتعشقه كما يعشقها .. سيجعلها تدمنه كما أدمنها .

حانت اللحظة الحاسمة .. اتصل الرجل ب "عمر" قائلاً :
- هتيجي لوحدك بعربيتك ومعاك ال 3 شنط .. وتقف فى المكان اللى هقولك عليه .. الساعة 8 بالليل .. تيجي لوحدك .. ولو لقينا حد معاك انت عارف اللى ممكن نعمله فيك وفيها
أعطاه عنوان لمنطقة شديدة الزحام فى المنصورة .. وأغلق الهاتف ثم حطمه كالعادة .. وأخرج من جيبه صورة ل "عمر" مقصوصة من أحد المجلات وظل يتأمل فيها ويطبع وجهه فى ذاكرته

فى ساعة الصفر توجه "عمر" الى سيارته .. وجد "كرم" و"أيمن" يلحقان به فهتف بهما :
- خليكوا عندكوا .. قالى أروح لوحدى
صاح "أيمن" :
- بس يا "عمر" نضمن منين انه مايعملش فيك حاجه
قال "عمر" بحزم :
- قولتلكوا هروح لوحدى .. مش هخاطر انه يعمل حاجه فى "ياسمين"
ركب السيارة ووضع الحقائب فى الخلف وانطلق فى طريقه .. اتفت "كرم" الى "أيمن" قائلا :
- اركب بسرعة
ركبا سيارة "كرم" الذى انطلق خلف سيارة "عمر" .. قال "كرم" :
- مجنون لو فكر اننا ممكن نسيبه يروح لوحده
قال "أيمن" بقلق :
- بس أنا خايف المجرم ده ياخد باله
هتفت "كرم" بحده :
- أصلا الغبي ده اختار منطقة زحمة جدا يعني لو فى مليون عربية ورا "عمر" هو مش هياخد باله انهم تبعه
حافظ "كرم" على مسافة بينه وبين "عمر" حتى لا ينتبه له .. وصل "عمر" الى المكان .. وجد مكان صغير فركن به و انتظر .. وفجأة وجدت من يركب بجوار وهو يضع قناعاً على وجهه ويامره بأن يدخل فى شارع ضيق .. امتثل "عمر" لأوامره ودخل الشارع .. أمره الرجل بالنزول .. نزل "عمر" من السيارة .. حرك "بسطويسي" لسيارة ووضعها بعرض الشارع ثم حمل الحقائب الثلاث بسرعة ودفع "عمر" الى احدى الدراجات النارية وارتدى الخوذة فوق القناع وانطلق فى طريقه .. دخل "كرم" الشارع ليجد سيارة "عمر" موضوعة بالعرض وتسد الطريق فصال بغضب :
- ابن التييييييييييييييت
قال "أيمن" بضيق شديد :
- واضح انه واحد عارف هو بيعمل ايه بالظبط
طلب "بسطويسي" من "عمر" هاتفته فأعطاه اياه فألقاه "بسطويسي" وهو يسير بالدراجة النارية بسرعة واحتراف بين السيارات
وصلوا الى منطقة مهجورة فأوقف "بسطويسي" الدراجة والتفت الى عمر ووضع عصبه على عينيه وألبسه خوذة أخرى .. ثم انطلق فى طريقه .. كان "عمر" مغمض العينين لا يدرى الى أين يأخذه هذا الرجل .. لكنه متأكد من شئ واحد .. أنه ذاهب الآن حيث توجد "ياسمين" .. ولا شئ يريده غير ذلك ..

كانت "ياسمين" جالسه فى مكانها تدعو ربها أن ينقذها مما هى فيه .. سمعت صوت الباب يُفتح ويُغلق .. سمعت وقع أقدام تقترب منها .. شعرت بالخوف .. التصقت أكثر بالحائط خلفها .. شعرت بشخص يقترب منها بشدة .. حاولت ابعاد وجهها عنه .. وجدته يتحسس ذراعها فأجهشت فى البكاء والصراخ المكتوم بسبب فمها المكمم .. ظلت تصرخ وتصرخ .. وهو يحاول الاقتراب منها أكثر وتلمس جسدها .. دفعته بقدمها بقوة فصرخ قائلاً :
- يا بنت التييييييييييت
توقفت "ياسمين" عن الصراخ وعن الحركة
هذا الصوت .. انها تعرفه جيداً .. تعرفه تمام المعرفة .. وقف "مصطفى" وأخذ ينظر اليها .. تباً لقد عرفته .. بالتأكيد عرفته .. شعر بالتوتر .. والإضطراب .. لم يدرى ماذا يفعل .. حرر فمها .. كانت صامته .. ثم صاحت بصوت متقطع مبحوح من كثرة البكاء :
- "مصطفى"
تباً لذلك .. ماذا يفعل الآن .. عرفت من يكون .. بالتأكيد ستبلغ الشرطة عنه .. لن يتركوه .. سيمسكون به .. سيدخل السجن .. سيضيع مستقبله .. سمع صوت الدراجة النارية بالخارج .. فأسرع يغارد المكان ويغلق الباب .. وصل "بسطويسي" مع "عمر" على الدراحة النارية .. أشار له "مصطفى" بأنه يريد أن يتحدث معه .. أخذ "بسطويسي" .. فى تقييد يدا "عمر" وقدماه .. وقال له بصوت هادر :
- لو عملت أى حركة هنقتلك انت والمزه بتاعتك
فتح "بسطويسي" الباب ليدخله فى المكان الموجود به "ياسمين" .. شعرت "ياسمين" بالخوف من أصوات الأقدام حولها .. انزوت فى مكانها أكثر .. قام "بسطويسي" بتقييد "عمر" بسلسلة وربطه بحلقه موضوعه على الأرض ثم تركه وانصرف
كانا كلاهما معصوب العينين .. سمع "عمر" صوت شهقات بكائها فصاح قائلاً :
- "ياسمين"
سمعت "ياسمين" صوته .. فتوقفت عن البكاء .. صاح "عمر" بلهفه :
- "ياسمين" .. "ياسمين" ردى عليا
كانت "ياسمين" مكممه الفم لم تستطع الرد عليه إلا بالبكاء .. ازداد صوت بكائها
شعر وكأن روحه رودت اليه مرة أخرى .. لأنه أصبح قريباً منها .. خفق قلبه بشدة .. حاول التحرك فى اتجاه صوتها لكن السلسلة قيدته الى الأرض .. فقال بلهفه :
- انتى كويسه .. عمل فيكي حاجه ؟
أجهشت "ياسمين" فى البكاء .. فشعر وكأن صوت بكائها هو طعان توجه الى قلبه المكلوم .. أعاد سؤاله مرة أخرى :
- بالله عليكي طمنينى .. عمل فيكي حاجه ؟
استمرت فى بكائها .. كانت مفزوعة خائفة .. خشت أن يعاود "مصطفى" الكره .. لم تستطع أن تخبره بأنها مككمه الفم .. وهو لا يستطيع أن يراها

فى الخارج كانا الرجلين قد دخلا فى شجار حامي .. قال "بسطويسي" بغضب :
- انت أصلا تيييييييييييييت .. قولتلك متخليهاش تعرفك .. لا تشوفك ولا تسمع صوتك .. أعمل فيك ايه دلوقتى
قال "مصطفى" وقد أصابه خوف شديد :
- والحل دلوقتى يا "بسطويسي" .. أعمل ايه .. أكيد هتبلغ عنى
- أنا أصلا مليش شغل مع العالم التييييييييييييت اللى زيك
صاح "مصطفى" وقد نفذ صبره :
- هتفضل تشتم كده كتير .. قولى على حل
صمت "بسطويسي" قليلا وأخذ يفكر ثم قال بحزم :
- مفيش الا حل واحد
قال "مصطفى" بلهفه :
- ايه هو ؟
- البت دى لازام نخلص عليها
ساد الصمت لحظات .. ثم قال "مصطفى" :
-ايه .. يعني ايه .. نقتلها
قال بقسوة:
- مفيش حل تانى .. هى خلاص عرفتك وهتبلغ عنك .. ولو بلغت عنك ورجلك جت فى الموضوع أنا كمان رجلى هتيجى فى الموضوع .. لأنك راجل تييييييييت ومع أول قلم هتعترف .. يعني مفيش أدامى الا حل من اتنين .. يا أقتلك يا أقتلها
بلع "مصطفى" ريقه بصعوبة .. فصاح "بسطويسي" :
- ها .. قولت ايه ؟ .. أقتلك ولا أقتلها ؟
نظر ايله "مصطفى" وقد أسقط ما بيده .. فبالتأكيد هو لن يضحى بنفسه من أجل "ياسمين"
دخل "بسطويسي" وجذب "ياسمين" الذى تعالت صرخاتها المكتومة فصرخ "عمر" :
- انت بتعمل ايه ؟ .. سيبها متلمسهاش
قال له "بسطويسي" :
- معلش بأه يا هندسة كان نفسي أسملهالك سليمة .. بس الظروف حكمت
ثم قال لـ "ياسمين" التى حاولت الافلات من قبضته :
-
لا خليكي حلوة عشان مزعلش منك
خرج وهو يدفعها بيده .. و"عمر" يصيح :
- والله لقتلك وأشرب من دمك لو عملت فيها حاجه .. سمعنى .. "ياسمين" .. "ياسمين"
سار الرجلان معها يدفعها "بسطويسي" بيده .. ساروا بين الأشجار والزرع لا يخترق سكون الليل الا صوت شهقات "ياسمين" .. ظلت تردد الشهادتين بقلبها وهى تعلم أن الموت قادم لا محاله .. ظلت تستغفر وتدعو ربها ألا تتألم .. ظلت تفكر فى الموت .. كيف ستشعر به بعد لحظات .. كيف تفارق روحها جسدها .. هل ستتألم .. هل ستصرخ .. هل ستقوى على الصراخ .. أين سيكون مصيرها بعد الموت .. الجنة أم النار .. ظلت تسترجع شريط ذكرياتها .. وأعمالها .. وأخطائها .. تمنت العودة للوراء .. لإصلاح تلك الأخطاء .. لكن .. الوقت أزف .. ولا عودة الى الوراء .. بعد دقائق .. وربما لحظات .. ستلقى ربها وتقف بين يديه .. كان مرعوبة خائفه .. تُرى سيف ستكون ضمة قبرها التى لن ينجو منها أحد .. هل ستكون ضمة حانية كضمة الأم لوليدها .. أم ضمه تهشم معها جسدها وتختلط فيها عظامها .. شعرت بالخوف .. بل بالرعب .. بل بالفزع .. ما مصير "عمر" .. هل سيلقى نفس مصيرها .. هل سيقتلوه مثلها .. خافت عليه .. أين سيكون مصيره .. جنة أم نار .. الى أن ستوصله أعماله .. كانت خائفه عليه .. وعلى نفسهــا .

حاول "عمر" تحرير نفسه .. كادت يده أن تتمزق .. بل تمزق رسغه بالفعل وسال دمه .. كان يجاهد ليخرج يده من قيدها .. لينقذ "ياسمين" .. حبيبته .. ونور عينه ..استطاع تحرير يده والدماء تنزف منها ..أزاح عصبة عينه .. وأخذ يحاول تحرير قدمه كانت السلسلة مثبته بحلقة الى الأرض .. لن يستطع نزعها .. نظر حوله .. لا يوجد شئ .. الا الرماد .. ما هذا .. هذا المكان .. انه يتذكره جيداً .. هذا المنزل القديم المحترق .. هذا المكان .. دخله من قبل .. يعرفه .. تلك الغرفة الصغيرة .. هذا الفراش المحترق .. نعم انه يعرفه .. نعم هو نفسه .. أسرع وأخرج هاتفاً صغيراً كان قد أخفاه فى حذائه .. فتحه واتصل بـ "كرم" قائلاً بلهفه :
- أيوة يا "كرم" أنا "عمر"
- "عمر" انت فين وايه اللى حصل
قال "عمر" بنفاذ صبر :
- اسمعنى كويس .. أنا فى مكان جمب المزرعة هوصفلك توصله ازاى .. اطلب البوليس وتعلالى على هناك بسرعة
أعطاه "عمر" وصف المكان .. ومن حسن حظه أن "كرم" و "أيمن" كانا قد عادا الى المزرعة بعدما فقداه فى المنصورة .. ما هى الا دقائق .. ودخل "كرم" البيت المحترق .. استطاع الاثنان تحرير "عمر" الذى قال بلهفه :
- اطلبوا البوليس بسرعة .. وكل واحد فيكوا يدور فى جهه .. الراجل اللى خطف "ياسمين" خدها عشان يقتلها
انطلق "عمر" فى اتجاه الأشجار والذى ظن أنه الاتجاه الذى ذهب فيه الرجلان حيث الأرض الشاسعة التى تخلو من البشر فى مثل هذا الوقت .. ظل يرقض وينادى بعلو صوته :
- "ياسمين" .. " ياسمين"


نظر ليجد على بعد أمتار وتحت ضوء القمر رجلين أحدهما يقوم بالحفر فى الأرض والآخر يقف بجوار فتاة منهارة على الأرض .. شعر بقلبه يهوى .. أخذ يلف ويدور فى المكان حتى أمسك شيئاً حاداً .. وتوجه الى حيث الرجل الذى يقف بجوار "ياسمين" وجده يوجه اليها مسدساً صغيراً .. التف حوله ببطء وحاول أن يلفت انتباهه .. وساعده على ذلك الأشجار التى تحيط بالمكان .. وفجأة هوى بما يمسك بيده على رأسه لتنفجر الدماء من رأس "بسطويسي" ويسقط أرضاً .. صرخت "ياسمين" وهى ترى دماء الرجل المنهار بجوارها .. أسرع " عمر" وأمسك المسدس الذى سقط من الرجل على الأرض واقترب من "ياسمين" التى نهضت مسرعة ووقف أمامها وصوب المسدس الى الرجلين .. كان "عمر" يجهل طريقة استخدام المسدس .. لذلك لم يستطع اطلاق النار .. لكنه وقف مهدداً اياهم قائلا :
- اللى هيقرب منى أو منها هموته

سُمعت صوت سرينة سيارات الشرطة قريبة من المكان .. شعر "مصطفى" بالفزع وقد أيقن هلاكه .. لكن "بسطويسي" الجالس على الأرض قلب الموازين عندما أمسك فجأة حجراً وألقى به فى اتجاه "عمر" ..فأصابه فى ذراعه التى تحمل المسدس .. تأوى "عمر" من الألم .. وصاحت "ياسمين" بلوعه :
- عمررررررررررر
أسرع الرجلين بالهرب من بين الأشجار .. يجريان خوفاً من لحاق الشرطة بهما .. لم تستطع "ياسمين" تحمل بكاء وعذاب وارهاق الثلاث أيام .. فهوت جالسه على الأرض تستند الى صخره .. كان "عمر" حائرا أيجرى خلف الرجلين أم يبقى معها .. قرر البقاء معها ..نظر الى ملابسها الممزقة .. لم تعد تجد فى نفسها القدرة على البكاء .. كانت تشعر الإنهيار التام .. اقترب منها وعلامات الألم على وجهه .. جثا بجوارها ونظر اليها قائلاً :
- "ياسمين" .. انتى كويسة
لم تجيبه أغلقت عينها وهى تسند برأسها الى الصخرة .. لم تجد فى نفسها القدرة على الكلام
تلألأت العبرات فى عين "عمر" ومسح بيده على شعرها .. فتحت عينيها والتفتت اليه تحاول ابعاد رأسها فى ضعف .. مسح بأصابعه على وجنتها قائلاً :
- حبيبتى انتى كويسه .. حد فيهم عملك حاجه
نظرت اليه لتتأمل تلك اللهفة على وجهه .. حركت رأسها مرة أخرى لابعاد وجهها عن أصابعه .. اقترب بوجهه منها ومسح على شعرها .. قائلاً بألم :
- حبيبتى ردى عليا .. "ياسمين" حد فيهم عملك حاجه

هزت رأسها نفياً .. فما كان منه إلا أن هوى بشفتيه على جبينها
بث فيها كل خوفه وهلعه واشتياقه وخوفه ولهفته وفرحته بنجاتها وعثورة عليها .. كانت تشعر بوهن فى جسدها كله .. حاولت أن تبتعد عنه .. فنظر اليها بحنان وعيناه تحتويان عينيها .. وقال بدفء :
- عارف انك عايزانى أبعد .. بس أنا مش قادر أبعد

جذبها بين ذراعيه .. يضمها الى صدره فى قوه ممزوجه بالحنان .. لف ذراعيه حولها ودفن وجهه فى شعرها يستنشق عبيره .. حاولت دفعه عنها .. لكنها كانت الريشه التى تحاول ازاحة جبل من مكانه .. قال لها بصوت خافت :
- وحشتينى أوى .. كنت هموت من خوفى عليكي
لحظات وسمع صوت "كرم" آتى فى اتجاههما .. قام "عمر" من فوره .. وأسرع ليلاقيه قائلاً :
- "كرم" خليك مكانك متجيش هنا
سأله "كرم" :
- ليه ؟ .. لقيتها
أومأ "عمر" برأسه قائلاً :
- أيوة لقيتها .. بس خليك مكانك ثوانى


كانت "ياسمين" جالسه خلف الصخرة التى تستند عليها فلم يراها "كرم" .. عاد "عمر" اليها .. فنظرت اليه بأعين مندهشه وهو يخلع الجاكت الذى يرتديه ثم جثا على ركبتيه ليلبسها اياه فى رقه كأنها طفل صغير .. لم يظهر من جسدها الا بعض من ذراعها بسبب ذراع بلوزتها الممزق .. لكنه أخفى تلك الرقعات الصغيرة بالجاكيت الذى ألبسها اياه وأغلقه .. ثم ولدهشتها وجدته يخلع قميصه ثم يمسح على شعرها بيده يرتبه الى الخلف ويضعه بداخل الجاكيت الذى ترتديه ثم يطوى قميصه نصفين ويضعه على شعرها المنساب ليخفيه تماما .. نظر فى عينيها برقه أذابت قلبها .. وانتقل الدفء من عينيه الى جسدها كله .. ابتسم لها ابتسامه عذبه وهمس قائلاً :
- بغير عليكي

ساعدها على النهوض .. حاولت قدر الإمكان أن تبتعد عنه وتسير بمفردها .. لكنها شعرت بدوار شديد فتهاوت .. كانت لا تستطيع حتى الوقوف على قدميها .. حاول أن يحملها فقالت بوهن وبصوت مبحوح من كثيرة الصراخ والبكاء :
- لأ
قال "عمر" بحزم :
- انتى مش عارفه حتى تقفى على رجلك

حملها بين ذراعيه دون أى يأبى لاعتراضها .. وسار بها وهو ينظر اليها .. أسندت رأسها على كتفه فى وهن .. كانت تشعر بجوع شديد مزق أحشائها وألم فى كل عظام جسدها الضعيف وبدوار يعصف برأسها .. لكن وسط كل تلك الآلام شعرت بالراحة وهى بين ذراعيه .. شعرت بالأمان وهو بجوارها وهى تعلم أنه لن يسمح لأحد بأن يؤذيها .. حاولت أن تقاوم وتبقى عينيها مفتوحتين .. لكنها لم تستطع كانت طيلة الأيام الماضية تخشى النوم .. فيصيبها أحد الرجلين بمكروه .. لكنها الآن لا تخشاه .. لأنها بين يدين تعرف أنهما ستحميانها .. أغمضت عينيها لتغرق فى سبات عميق أقرب الى غيبوبة

نظر اليها "عمر" فى حنان وهو سائر بها .. شعر بأنه يحمل قلبه بين ذراعيه .. كان سعيداً ورأسها موضوع فوق قلبه .. وهى سليمه .. لم يصبها سوء .. وعادت اليه .. ولن يتركها تفلت منه أبداً .. أدخلها سيارة "كرم" وجلس بجوارها .. انطلق "كرم" بالسيارة فى طريقه الى المستشفى .. نظر "كرم" اليهما فى المرآه قائلا :
- هى كويسه ؟
أومأ "عمر" برأسه .. وأخذ ينظر الى وجه حبيبته النائمه فى حضنه .. قائلاً بقلق :
- أنا مش عارف هى نايمة ولا أغمى عليها .. بس هى بتتنفس
قال "كرم" :
- ربع ساعة بالكتير وهتكون فى المستشفى .. متقلقش هو أكيد ده بسبب تعب اليومين اللى فاتوا كفايه الرعب اللى شافته

نظر اليها "عمر" مرة أخرى فى حنان .. لف ذراعيه جيداً حولها وكأنه لا يريد قيد شعره أن تفصله عنها .. أزاح قميصه قليلا عن شعرها ليطبع عليه قلبه حانيه هامساً :
- حبيبتى .. مش هسمحلك تبعدى عنى أبداً
أغمض عينيه عن كل ما يراه ليشعر فقط بحبيبته التى بين أحضانه .. بأنفاسها الساخنه التى تلفح وجنته .. وصوت تنفسها المنتظم .. ودقات قلبها التى يشعر بها على صدره.

Comments
1 Comments

هناك تعليق واحد: