روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل السادس عشر من رواية العشق الممنوع



دوى صوت طلقات النار عالياً ليصم الآذان ليختلط بالصراخ !
أغلق "علاء" بهاتف وهرع مع الجميع الى الخارج .. وجدوا "انعام" قادمة تجاههم وهى تصيح قائله :
- ادخلوا ادخلوا
دخلت "يسرية" و "كوثر" وأصوات طلقات النار تتعالى مرة أخرى .. صاح "علاء" :
- فى ايه يا عمتو
قالت "انعام" وهى ترتجف رعباً :
- مات .. شوفتوا غرقان فى دمه
قالت "يسرية" بفزع :
- هو مين ده اللى مات ؟
قالت "انعام" باكية :
- واحد من الحرس اللى واقفين على البوابة ....
اندفع "مهند" كالسهم ينزل الدرج .. فقابل "لميس" وهى تنزل هى الأخرى فصاح قائلاً :
- فى ايه ايه اللى حصل ؟
قالت بفزع :
- معرفش .. باين القاتل رجع تانى .. بصيت من البلكونة لقيت اتنين واقعين على الأرض
خرج "مهند" الى الحديقه ليفاجأ بجثتان ملقاتان على الأرض وغارقتان فى الدماء .. بينما "سمر" و "فريدة" و "بيسان" يصرخون ويبكون فى هيستيريا !

نظر "مهند" الى الجثتين فصاح "دياب" وهو يلهث :
- ابن التيييييييييييييييت ضرب النار على زميلى
ركع "دياب" بجوار زميله الذى ينزف بغزاره يحاول كتم الدماء المندفعة من جسده .. توجه "مهند" مسرعاً الى الفتيات الذين انضمت اليهم "نهال" ووجههم الى داخل الفيلا آمراً اياهن بعدم الخروج
هرع "عدنان" و "حسنى" و "نهاد" الى مكان الجثتين بعدما سمعوا صوت طلق النار من المرسم .. ضرب "عدنان" كفاً بكف وهو يصيح :
- لا حول ولا قوة الا بالله
صح "حسنى :
- طلبته الاسعاف ؟
هتف "دياب ":
- أيوة أنا اتصلت بالاسعاف وبالبوليس
هتف "نهاد" :
- ايه اللى حصل ؟
قال "دياب" وهو يكتم بقميصه جرح زميلة :
- لقيته فجأة خارج من الجراج .. طلبت منه انه يقف مكانه طلع يجرى .. ضربت طلقة فى الهوا عشان أخوفة ويقف برده موقفش .. زميلي جه من عند البوابة على صوت الطلقة أام ابن التيييييييييييت ضارب عليه النار .. روحت ضربت عليه النار وشكله كده مات
اقترب "مهند" من جثة الرجل الذى كان مقنعاً وتفحص نبضة وتنفسه ثم قال :
- فعلاً مبيتنفسش ومفيش نبض .. شكله فعلاً مات
أخذ الحارس يئن ألماًَ الى أن حضرت سيارة الإسعاف ونقلت الرجلين الى المشفى .. فيما نزل "عادل" من سيارته وهو ينظر الى الفيلا قائله بتهكم :
- أهلاً بعيلة "زياكيل" ومشاكلها
كما المرة السابقة اتخذ من المكتب مكان للاستماع للشهود .. قال لـ "مهند" :
-يعني مفيش قايمة للمدعوين
هز "مهند" رأسه نفياً وقال :
- لا مفيش .. عمى قال لكل فرد من العيلة يعزم أى عدد هو عايزه .. والحفلة جت بسرعة يعني مكنش مترتبلها فمكنش فى قايمة للمدعوين
قال "عادل" مفكراً :
- معنى ان الحفلة كانت فجأة .. ان القاتل عايش معاكوا وعارف خطواتكوا كويس أوى
قال "مهند" متنهداً بضيق :
- أنا مبقتش فاهم حاجة .. مين اللى هيعمل كده .. مين ممكن توصل بيه الدرجة انه يقتل عمى
قال "عادل" شارداً وكأنه يتحدث الى نفسه :
- يعني القاتل المرة دى كان سهل عليه انه يدخل وسط المدعويين من غير ما حد ياخد باله .. بعكس المرة اللى فاتت اللى لسه لحد دلوقتى مش عارفين هو دخل ازاى وخرج ازاى
نظر اليه "عادل" قائلاً :
- السور لسه متحاط بأجهزة الانذار مش كدة ؟
أومأ "مهند" برأسه فشكره الضابط .. ودخلت "فريدة" مضطربة وقد هالها كل ما حدث .. أمرها بالجلوس قائلاً :
- معلش هما كلمتين وهتخرجى ان شاء الله
قالت وهى تطرق برأسها :
- مفيش مشكلة
نظر اليها "عادل" قائلاً :
- احكيليى على اللى شوفتيه بالظبط
بللت شفتيها الجافتين بلسانها وهى تقول :
- كنت فى الجنينة مع "سمر" و "بيسان" و "نهاد" و "فريدة" وفجأة سمعنا ضرب نار .. لفينا حولين الفيلا ولقينا فى اتنين واقعين على الأرض ودم كتير فى الأرض
ارتجف صوتها وهى تتذكر الجثث التى رأتها .. شعر "عادل" بإنتفاضة جسدها فقال مطمئناً اياها :
- متحفيش يا آنسة "فريدة" .. واحد من اللى ماتوا كان القاتل .. متخفيش
أومأت برأسها دون أن تستطع الشعور بالأمان الذى بثها اياها فى كلماته .. قال :
- كملى
هزت كتفيها وقالت :
- بس هو ده اللى حصل .. بعدها أخويا "مهند" دخلنا جوه وقالنا منطلعش بره الفيلا .. بس
- طيب مبتشكيش فى حد .. حد عايز يأذيكوا .. أو يأذى عمك على وجه الخصوص
هزت رأسها نفياً فقال بإهتمام :
- وعروسته الجديدة .. مدام "سمر" ... رأيك فيها ايه ؟
نظرت اليه وقالت على الفور :
- لأ "سمر" طيبة أوى .. مشفتش منها حاجه وحشة .. وبعدين لو هنفكر بمنطق .. "ٍمر" مكنتش موجودة ساعة ما حصلت الحادثة الأولى .. ودة دليل قوى على انها مش هى اللى ورا القاتل ده
ابتسم "عادل" قائلاً :
- حلو أوى التفكير بالمنطق ده .. ها وايه كمان ؟
نظرت اليه بجدية قائله :
- بص يا حضرة الظابط .. الحادثة الأولى اللى اتقتل فيها الجناينى أنا واثقة ان محدش من أهل البيت له دخل بالموضوع
بدا عليه الاستمتاع وابتسم قائلاً وهو يكتف ذراعيه أمام صدره :
- ها كملى .. ايه بأه اللى مخليكى واثقة أوى كده ؟
قالت بنفس الجدية :
- أقولك ليه ؟ .. لان كلنا كنا فى الليفينج مع بعض .. وحتى لو حد من اللى موجودين مثلا اتصل بالقاتل وقاله ان عمى "عدنان" نازل دلوقتى من الفيلا ورايح المرسم .. طبيعى ان ساعتها القاتل يستخبى قريب من المرسم ويستنى عمى لما ييجى مش كدة ؟
- كملى
قالت بحماس :
- طيب ما هو كده طبيعى انه هيشوف الجناينى وهو داخل المرسم .. صحيح النور كان ضلمة فى المرسم .. بس الدنيا كانت منورة بره المرسم وبنظرة واحدة هيقدر يميز شكل عمى من الجناينى
عقد "عادل" جبينه وهو يقول :
- افرضى ان الجناينى دخل المرسم والقاتل كان مثلاُ واقف وراه فمشفش وشه
قالت "فريدة" بتهكم :
- هو فى رجل أعمال وصاحب فيلا طويلة عريضة يلبس جلابيه فلاحى يا حضرة الظابط ؟
نظر اليها "عادل" وقد اتسعت عيناه فى دهشة فأكملت "فريدة" :
-حتى لو القاتل مشفش وش الجنايني وهو داخل المرسم .. أكيد شاف لبسه .. مش معقول أبداً يظن انه الجناينى هو عمى "عدنان"
عقد "عادل" جبينه بشدة وهو يفكر فى كلامها قائلاً بشرود :
- ممممممم تفكير منطقى .. بس الكلام ده معناه ايه ؟
قالت بحدة :
- أنا مالى أنا .. هو أنا الظابط ولا حضرتك
تنحنح "عادل" بحرج قائلاً :
- احم احم . .آه معاكى حق .. أنا أكيد هحل الموضوع ده .. متقلقيش
أومأت برأسها وقالت :
- أمشى ؟
أومأ برأسه وقال ناظراً اليها بإمعان :
- أه اتفضلى
نهضت والتفتت لتغادر فنهض قائلاً :
- آنسه "فريدة"
التفتت اليه فطالعتها تلك العينان البنيتان وهو يسألها بلؤم :
- آنسه مش كدة ؟
أومأت برأسها فى دهشة ممزوجة بالحيرة .. فقال وهو يرسم تعبيرات جدية على وجهة :
- طيب ماشى .. كنت بتأكد بس عشان ساعات البيانات اللى فى البطاقة مبتكنش مظبوطة
التفتتت لتغادر الغرفة .. ودخل الشاهد التالى !

************************************

رحلت الشرطة وبقى أفراد العائله يحاولون تجميع شتات أفكارهم .. صاح "حسنى" :
- احنا مش هنخلص بأه .. كل شوية جريمة جديدة وضرب نار وقتل
قالت "يسرية" بحنق :
- وكل مرة يتحقق معانا أكننا قتالين قتلة .. ظابط قليل الذوق
قالت "سمر" وهى تتظاهر بالثبات :
- أكيد ان شاء الله هيعرفوا مين اللى عمل كده
نهض "علاء" الذى كان شاردأ واجماً وخرج دون أن يشعر به أحد حاول كثيراً الاتصال بصديقة لكن الهاتف كان مغلقاً .. سبه فى سره وهو يشعر بأنه أوقع نفسه فى الفخ !
مرت الليلة عصيبة على الجميع .. لم تستطيع النساء النوم مما لاقوم من فزع وخوف واختفى الشعور بالأمن والأمان .. فى الصباح أمر "عدنان" بزيادة الحراسة على الفيلا .. فيما استدعى "عادل" باقى العاملين فى الفيلا واستجوبهم واحداً تلو الآخر فى مكتبه بالقسم .. قال "دياب" بتوتر :
- أنال ما لقيته ضرب النار على زميلى ضرب عليه النار على طول .. يعني كان دفاع عن النفس
قال "عادل" بإهتمام :
- وهو كان فين وقتها
تنهد "دياب" قائلاً :
- انا لقيته طالع من الجراج .. اظاهر كان مستخبى جواه .. ولما قولتله يقف طلع يجرى .. وبعدها قابل زميلى فى وشه وضرب عليه النار .. روحت أنا ضارب عليه
أمر "عادل" بإخلاء سبيل "دياب" .. جلس مع مساعده وهتف بحنق :
- هتجنن
قال مساعده :
- أكيد يا فندم اللى دبر الجرمية الأولى هو نفسه اللى دبر الجريمة التانية .. والمرة دى الظروف ساعدت القاتل لان الحفلة كانت بدون قايمة مدعويين يعني أى حد يقدر يدخل الحفلة
قال "عادل" وهو يفكر فى كلمات "فريدة" بالأمس :
- طيب لو فرضنا ان القاتل فى الجريمة الأولى دخل الفيلا عن طريق عربية واحد من قرايب "عدنان" .. ازاى بأه خرج من الفيلا .. احنا فتشنا الفيلا والجنينة شبر شبر .. حتى العربيات فتشناها .. السور كان عليه أجهزة انذار .. ازاى هيخرج من الفيلا ؟
قال مساعده مفكراً :
- يبأه يا فندم القاتل هو واحد من قرايب "عدنان" .. كان عايز يقتل "عدنان" وقتل الجناينى بالغلط لان النور كان ضلمه .. ما هو مفيش حد من الشغالين فى الفيلا من مصلحته انه يقتل "عدنان" .. قرايبه بس هما اللى ليهم مصلحة فى كده عشان العداوة اللى بينهم على الورث .. ولما فشلت الخطة الأولى واتقتل الجناينى بدل "عدنان" ربت للخطة التانية بس المرة دى استعان بقاتل محترف دخل الفيلا مع المدعويين كأنه واحد منهم
شرد "عادل" وهو يفكر فى احتمال آخر .. احتمال لم يفكر فيه أحد !

**************************************
اجتمعت العائلة على الغداء وكل منهم شاردأً بفكره فى مكان آخر .. قالت "نهال" وهى تتذكر أحداث الليلة الماضية :
- كنت هموت من الرعب .. مش عارفه هنفضل فى الكابوس ده لحد امتى .. كل شوية قتل وجثث وضرب نار
التفت اليها "عدنان" قائلاً :
- ان شاء الله تكون دى آخر مرة .. أنا اتعاملت مع شركة حراسة جديدة وكمان غيرت كل الأجهزة اللى على السور بنوع تانى أحدث
قالت "سمر" بألم :
- ليه .. ليه يعملوا كده .. مش متخيله ان فى واد يجيلى قلب انه يقتل .. يموت روح .. يخليه أدامه جثه وبينزف .. مش قادرة أتخيل ده .. قلبه ده ايه .. حجر .. طوب
قال "عدنان" بأسى :
- لا اللى زى دول بيبقى قلبهم ميت أصلاً .. مستعدين يعملوا اى حاجه عشان الفلوس .. أهو مات وخسر حياته .. استفاد ايه .. ولا حاجه
قال "مهند" بحزن :
- مش شاغل بالى الا الحارس اللى اتصاب .. رنبا يستر .. كنت معاه طول الليل فى المستشفى بيقولوا حالته خطر
قالت "انعام" وامارات الحزن على وجهها :
- يا حرام .. طيب وأهله .. زمانهم مقهورين عليه
التفت اليها "مهند" قائلاً :
- أنا هشوف موضوع أهله ده .. وهنتكفل بمصاريف علاجه .. ولو مات لازم ندفع لأهله ديه
هتف "حسنى" بحنق :
- وليه ندفع ديه هو احنا اللى قتلناه
قالت "فيروز" بحزم :
- أيوة فعلاً ليه تدفعوا ديه .. متطمعوش الناس فيكوا
قال "عدنان" بصرامة وهو ينظر الى "مهند" :
- تمام يا "مهند" زى ما انت قولت بالظبط .. الراجل انصاب وهو فى شغله .. وهو بيحرسنا وبيخدمنا .. وأقل حاجه اننا نراعيه سواء عاش أو ربنا أراد انه يموت
تنهد "مهند" قائلاً :
- ان شاء الله يعيش .. ان شاء الله

**********************************
- يعني ايه اللى انت بتقوله ده .. هنستهبل
صاح "علاء" بتلك العبارة وهو جالس مع صديقه فى منزله .. هتف صديقه :
- والله ما أنا .. أنا مبعتش حد يا ابنى .. الواد اللى قولتلك عليه مكنتش لسه عرفت أوصله .. وبعدين يعني بذكاءك كده هنفذ من غير ما انت تعرف .. ما أكيد هبقى متفق معاك قبلها
هتف "علاء" بحيرة شديد :
- امال مين اللى مات ؟
صاح صديقه :
- أنا عارف .. تلاقى حد منهم فكر نفس تفكيرنا وبعت حد يقتله
ثم صاح وهو يضرب كفيه بكفه الآخر :
- حاجه تيييييييييييييييييت .. لازم يعنى مراة عمك ترضع اللى اسمه "مهند" ده أهى خطتنا باظت
قال "علاء" بغيظ :
- اسكت متفكرنيش ده أنا كنت هموت فيها
قال صديقه بلهفه :
- واد يا "علاْء" ميمكن متجوزها كده و كده
نظر اليها بتهكم قائاً :
- ازاى يعنى متجوزها كده وكده ؟
- يعين كاتب عليها بس مفيش حاجه بينهم
قال "علاء" بحيرة :
- معتقدش يعني .. واحد متجوز واحدة وعايشين مع بعض فى أوضة واحدة ايه اللى يخليه يمنع نفسه عنها يعني .. وبعدين حتى لو فرضنا .. هنستفاد احنا ايه
ٌقال صديقه بحماس :
- لا هنستفاد كتير .. كده هيبقى جوازهم مش حقيقى يعني ينفع "مهند" يتجوز مراة عمك لو عمك مات
قال "علاء" مفكراً وهو يخرج هاتفه :
- استنى أما نسأل الأولى بدل ما نبلبس فى حيطة زى امبارح
اتصل "علاء" بعمته "انعام" قائلاً بصوت حاول أن يبدو طبيعياً :
- أيوة .. ازيك يا عمتو .. لا تمام .. آه هعدى عليكوا .. فى جديد؟ .. مممممم .. طيب عمتو بقولك ايه .. الموضوع اللى كنا بنتكلم فيه امبارح .. "مهند" و "سمر" .. انتى قولتيلى انهم ميجوزوش لبعض .. طيب لو عمى "عدنان" مثلا مثلا كان كاتب على "سمر" بس .. من غير دخول .. ينفع لو بعد الشر بعد الشر مات "مهند" يتجوزها ؟ .. متأكده ؟ .. طيب يا عمتى .. لا أبداً أصل واحد صحبى واقع فى نفس المشكلة فكنت بنصحه .. سلام يا عمتو
ألقى بهاتفه فوق الطاولة بينما سأله صديقه بلهفه :
- ها .. ينفع يتجوزوا ؟
هتف "علاء" بحنق :
- لا برده مينفعش .. طالما كتب عليها مينفعش بأى حال من الأحوال انها تحل لـ "مهند" .. حتى لو عمى ملمسهاش .. يعني كده ولا كده .. هتفضل "سمر" متحرمة على "مهند" طول العمر
زفر صديقه بضيق وهو يقول :
- دى حاجه تييييييييييييييت يا جدع

*******************************

وقفت "سمر" فى شرفة غرفتها تنظر الى "مهند" و "فريدة" الجالسان فى الحديقه يتحدثان معاً كما لو كان صديقان حميمان .. ابتسمت وهى تتطلع اليهما والى هذه الألفة بينهما .. رأت "مهند" وهو يحيط كتفى "فريدة" بذراعه ويتحدث معها حديثاً بدا جدياً .. تطلعت الى اهتمامه بـ "فريدة" فاختفت البسمة من فوق شفتيها لتحل محلها عبرة فى عينيها .. ابتسمت "فريدة" ثم ضحكت .. وشاركها "مهند" الضحك والمزاح .. بدا كصديقى طفولة .. بل أكثر من ذلك .. شعرت بغصة كبيرة فى حلقها .. وبطعم مر فى فمها .. كلما تطلعت اليهما أكثر .. كلما ازدادت الدموع فى عينيها غزارة .. تمنت أن تنزل وتجلس معهما .. أخذت تنظر الى وجه "مهند" الضاحك .. قلما تراه هكذا .. بل نادراً .. تمنت أن تكون جالسه بجواره الآن .. مكان "فريدة" !
أفاقت من شرودها على صوت باب الحمام الملحق بالغرفة .. أخذت نفساً عميقاً لتهدئ مشاعرها المضطربة وتوجهت الى الداخل .. ابتسم لها "عدنان" وهو يجفف وجهه قائلاً :
- صباح الخير
ابتسمت بصعوبة قائله :
- صباح النور
ترك المنشفة من يده واقترب منها وقال بإهتمام :
- مالك فى ايه ؟
هزت رأسها نفياً وهى تقول :
- مفيش حاجه
أمسك وجهها بكفيه قائلاً :
- انتى كنتى بتعيطى ؟
توقفت الكلمات فى حلقها .. فقال "عدنان" بحنان :
- موضوع دراعك تانى مش كده ؟
نظرت الى ذراعها وقالت بمرارة :
- لا خلاص بطلت أفكر فى الموضوع ده
ضمها "عدنان" الى صدره وهو يقول بحنان :
- ان شاء الله هتخفى
تساقطت دموعها فوق كتفه وهى تقول بصوت باكى :
- يارب .. يارب فعلاً أخف
أبعدها عنه لينظر اليها قائلاً بإبتسامه واسعة :
- ان شاء الله يا حبيبتى .. الدكتور بتاعك لسه مردش عليكي ؟
هزت رأسها نفياً وقالت هامسة :
- لسه
سمعا طرقات على باب الغرفة .. توجهت "سمر" الى الباب لتفتحه .. أنبأتهم الخادمة بحضور "يسرية" و "كوثر" أومأت "سمر" برأسها ونزلت تستقبلهما

*************************************

عاد "دياب" من صلاة الفجر ليفاجأ بـ "سحر" تنظر اليه بحده وهى تصيح :
- انت .. انت يا "دياب" تعمل كده .. انت
نظر اليها بدهشة فقالت بغضب :
- انت يا "دياب" ياللى مبتسبش فرض ربنا .. انت ياللى صلاتك كلها فى الجامع .. عاملى فيها بتاع ربنا والآخر طلعت تيييييييييييييت
اتسعت عينا "دياب" وهو ينظر اليها قائلاً :
- فى ايه يا "سحر" ؟
رفعت "سحر" هاتفه أمام وجهه وهى تصيح بأعلى صوتها بغضب هادر :
- ايه الحاجات القذرة اللى على موبايلك دى يا "دياب" .. ها رد وقولى ايه القرف اللى على موبايلك ده
بلع "دياب" ريقه وهو ينظر الى هاتفه فى يد "سحر" وأطرق صامتاً وامارات الخجل على وجهه .. صاحت "سحر" :
- وأنا اللى كنت فاكراك راجل محترم .. راجل أأمنه على نفسى وعلى بنتى .. طلعت تيييييييييييييت يا "دياب" .. انتى تعمل كده
بدا وكأن هدوءه تحول الى عاصفة غضب هو الآخر وهتف قائلاً :
- انتى السبب .. انتى السبب يا "سحر"
- أنا السبب .. أنا اللى قولتك حط على تليفونك القرف ده .. أنا اللى قولتك تبقى راجل تييييييييييييت
صاح بغض وهو يمسكها من ذراعيها بقوة ويدفع بها الى الحائط هاتفاً :
- أه انتى السبب .. قولتلك واترجيت مليون مرة .. قولتلك مش عايز أقع فى الغلط .. وانتى غبية مبتفهميش .. انتى السبب منك لله
دفعته عنها بعزم قوتها وصاحت :
- انت اللى منك لله يا "دياب" .. طلقنى .. طقلتى مش عايزاك .. مش ممكن أفضل على ذمتك بعد كده .. وأول ما النهار يطلع هروح لأهلى وأهلك وأفضحك وأقولهم على اللى جوزى المحترم بيعمله .. أصلهم فاكرينك بتاع ربنا ومحترم .. خليهم يشوفوك على حقيقتك
ضم "دياب" قبضتى يده بقوة وهو يعض شفتيه محاولاً التحكم فى غضبه .. ثم غادر البيت مغلقاً الباب بعنف حتى كاد أن ينخلع من مكانه .. استيقظت الصغيرة باكية فتوجهت اليها "سحر" باكية هى الأخرى .. شاركهم فى البكاء "دياب" الذى عاد الى المسجد الذى أدى فيه صلاة الفجر وحلس على أرض المسجد منفجراً فى بكاء مرير .. ظل يستغفر الله عز وجل .. ولا يفتر لسانه عن الاستغفار الى أن حان موعد عمله فانصرف من المسجد متوجهاً اليه وهو يشعر بهموم الدنيا تثقل كتفيه حتى أعجزته عن التنفس !

*****************************************

وقفت "انجى" مع "بيسان" فى مطبخها بينما تعد هذه الأخيرة كوبين من النسكافيه .. قالت "بيسان" ضاحكة :
- وبعدين ايه اللى حصل ؟
قالت "انجى" وهى تحمل كوبها الذى انتهت "بيسان" من اعداده :
- أفلت فى وشه السكة .. هو فاكرنى ايه .. مستحيل أرجعله طبعاً
ثم قالت شاردة :
- أنا عايزه راجل أحس انى كل حاجة فى حياته .. مش واحد مع كل واحدة شويه
قالت "بيسان" وهى تخرج من المطبخ وتتبعها "انجى" :
- ان شاء الله يا "انجى" ربنا يرزقك باللى تتمنيه
نظرت اليها "انجى" قائله وهى تجلس قبالتها :
- عارفه نفسى فى واحد زى جوزك .. "نهاد" .. انتوا مرتاحين مع بعض مش كده ؟
أومأت "بيسان" برأسها وهى تبحث عن جهاز تحكم التلفاز وهى تقول :
- اهاا .. "نهاد" ده ملاك .. عمره ما زعلنى أبداً .. حتى لو دخل الزعل بيا .. على طول بيصفى وبيصالحنى .. كفاية انه حاطتنى فى عنيه أنا و "فريد" .. ولا عمره بص لواحده ولا عمره حتى فكر انه يخونى
ثم ابتسمت وهى تقول شارده :
- على طول بيخاف على زعلى .. ومش حارمنى من حاجه .. بحس ان أنا وهو لينا عالم خاص بينا .. ونفسى حبنا يدوم طول العمر
لم تلمح "بيسان" تلك النظرة فى عيين "انجى" ولا تلق الغصة فى حلقها والتى ابتلعتها برشفة من كوبها .. وقد شردت هى الأخرى .. مستغرقة فى أحلام يقظتها !
لم تكد تخرج من بيت صديقتها حتى أخرجت هاتفها وتحدث وهى تسوق سيارتها بنعومة قائله :
- "نهاد" ازيك .. تمام .. بقولك ايه .. فى مبلغ جايلى كمان يومي .. وعايزة أديهولك .. أهاا بس أنا بفكر فى حاجه كده ياريت نعد ونتكلم مع بعض .. اهاا .. لا مش هينفع عندك فى المكتب أصلاً أنا مش فاضية النهاردة .. بص .. هستناك بكرة عندى فى البيت .. يا سيدى هى نص ساعة بس .. لا مش هينفعل أجيلكوا أنا
ظهر على وجهها الضيق وهى تقول :
- مش هاكلك يا "نهاد" بقولك نص ساعة .. طيب خلاص مستنياك .. ماشى مناسب .. مستنايك .. سلام !

***************************************

نظرت "سمر" الى "مهند" الجالس أمامها حول مائدة الطعام ثم قالت مبتسمة :
- على فكرة أنا خلصته
بدا وكأنه لم ينتبه الى كونها تتحدث اليه .. فقالت :
- "مهند" رفع نظره اليها فقالت بابتسامة واسعة :
- خلصت قراية الكتاب
ضحكت "انعام" وقالت :
- ايه ده لحقتى .. شكلك مدمنة قراية
نظرت اليها "سمر" قائله :
- لا مش أوى .. مش أى حاجه بعرف أقراها
ثم عادت تنظر الى "مهند" قائله :
- بس اسلوبك سهل أوى .. قدرت أفهمه بسهولة .. يعني أكنك بتكلمنى أنا .. مش محتاجة أكون متعمقة فى القرايه عشان أفهم كلامك .. كلامك سهل وبسيط .. وفى نفس الوقت قوى
لاحت ابتسامة صغيرة على شفتيه وهو يقول :
- متشكر على المجاملة دى
قالت بحماس :
- مش بجاملك على فكرة .. أنا بقولك رأيى برصاحة
ضحك "عدنان" قائلاً :
- أدى أول معجبة يا "مهند" .. مبروك عقبال المليون ان شاء الله
بدا على "نهال" الغيظ وهى تقول :
- أنا كمان بدأت قرايه فى الكتاب بس بحب أقرأ على مهلى عشان كده لسه مخلصتش
نظرت "سمر" الى "مهند" قائله :
- بس فى كام نقطة محتاجة أتناقش فيهم معاك
ضحكت "انعام" قائله :
- أوبا انتى كمان هتناقشيه .. اظاهر ان أول معجبة مش سهلة أبداً يا "مهند" .. ربنا معاك
لم يجب "مهند" .. فأكملت "سمر" قائله :
- يعني مثلاُ .. انت فى فقرة من فقرات كتابك قولت "اذا انسلخنا من ماضينا كما يريدون فسنكون كاللقمة الطرية تنزلق فى جوف اعدائنا بلا أدنى مقاومة .. شوكتنا فى تمسكنا بعاداتنا وعقيدتنا ووحدتنا"
ضاقت عينا "مهند" دهشة لحفظها لتلك الكلمات والقائها بسهولة كما لو كانت تحفظها عن ظهر قلب .. فأكملت "سمر" :
- طيب معنى كلامك .. اننا نتوقوقع على نفسنا ومنبصش للتقدم اللى حولينا .. وده مش صح .. يعني عندك اليابن مثلاُ دولة متقدمة جداً صناعية .. عندك أمريكا وغيره وغيره .. اذا احنا فضنا بنور فى دايرة ماضينا وحاضرنا ومش بنسمح لنفسنا اننا نخرج بره الدايرة عمرنا ما هنتقدم أبداً
ساد الصمت لفترة بعدما نتهت من جملتها .. الى أن نظر اليها "مهند" بعينين كعين الصقر قائلاً بحزم :
- انتى فهمتى كلامى غلط .. أنا ما قولتش اننا نتقوقع على نفسنا ومنبصش لحضارات غيرنا وتقدم غيرنا .. انا قولت اننا مننسخلش عن ماضينا وعقيدتنا وعاداتنا .. مش شرط عشان أقلد اليابان وآخد منهم التقدم الصناعى الهائل اللى عندهم .. انى كمان أقلدهم فى الحاجات اللى بيعملوها واللى هى ضد ديني ومبادئى .. زى واحد رايح السوق وبيختار فاكهة وبيعبى السبت بتاعه .. مينفعش ياخد أى حاجه ايده تقع عليها .. وتبقى السلة بتاعته فيها الثمرة السليمة والثمرة الفاسدة .. لازم يختار ايه يحطه فى السلة وايه يسيبه وميلمسهوش .. لازم لما آجى أقلد يبقى عندى مخ أفكر بيه .. وأقلد فى الحاجه اللى هتفيدنى .. مش عمال على بطال .. يعني مثلاُ .. مش من التقدم والحضارة انى أشرب خمره هى ضد ديني ومبادئي وأقول أصل الأمركيان بيشربوا خمرة وشوف هما متقدمين ازاى واحنا لسه بنتكلم فى ان الخمرة حرام ! .. مينفعش أنى أنسلخ من ديني وعقيدتى .. قوتى فى انى أحافظ على دينى ومبادئى .. وعلى فكرة أمريكا اللى انتى شايفاها متقدمة دى مجتمع مخلخل جداً .. مجتمع مهزوز ومنحل .. ضربة واحدة تقضى عليه .. بس المشكة ان الضربة دى عايزة ايد بتتبل كل يوم خمس مرات .. ايد مبتتمدش على الحرام .. ايد بتترفع للسما وقت الكرب .. ايد بتلمس الأرض فى جوف الليل .. لو الايد دى موجودة وكبرت .. وكترت .. هنبقى أحسن من أحسن دولة .. لاننا مش هنبقى أقوى منهم بذكائنا بس .. ولا بعملنا ولا بجهدنا .. لا احنا هنبقى أقوى منهم بعقيدتنا .. ودينا .. واسلامنا !
ساد الصمت طويلاً .. لا يمع لا صوت دقات الساعة على الجدار .. عاد الى النظر الى طعامه .. دون أن ينتظر رداً من أحد .. لكنها ردت .. ليس بكلمة .. بل بنظرة .. نظرة لا يفهمها سوى امرأة مثلها .. لذلك فهمتها "نهال" جيداً .. و أخذت تتلوى من الغيرة !

***************************************
صعد الجميع الى غرفهم بينما بقيت "سمر" تشاهد التلفاز .. كانت "نهال" فى غرفتها شاردة فى الحوار الذى دار اليوم بين "سمر" و"مهند" .. شعرت بالحنق الشديد .. نزلت الى الأسفل لتجد "سمر" جاليه فى غرفة المعيشة .. تراءت لها فكرة شيطانية .. تخبر بها غريمتها بأن "مهند" خط احمر غير مسموح لها بالإقتراب منه .. نظرت اليها "سمر" قائله بإبتسامه :
- "نهال" .. تعالى يا حبيبتى
جلست "نهال" قبالتها وهى تقول :
- مجاليش نوم
- ولا أنا
- عمى نام ؟
- اهاا .. كلهم ناموا
قامت "نهال" وجلست بجوار "سمر" قائله بلؤم :
- "سمر" أنا هعتبرك زى أختى .. وهسألك سؤال محيرنى
التفتت اليها "سمر" قائله بسعادة :
- طبعاً يا "نهال" .. اتفضلى
قالت "نهال" وهى تتظاهر بالتردد :
- بصى يا "سمر" فى واحد أنا وهو بنحب بعض .. بس خايفين بابا وماما يرفضوا ارتباطنا .. يعني عشان أنا لسه فى أولى جامعة .. ومش عارفه أعمل ايه
نظرت اليها "سمر" بجدية قائله :
- بصى يا "نهال" أنا فى الأمور دى بحب المواجهة .. يعني مش أعد حطه ايدي على خدى وأقول يا ترى هيرفضوا ولا هيوافقوا .. خليه يتقدم .. وحاولى انتى من جهتك تقنعى بابا وماما .. وهو لو كويس أكيد هيشوفوا ده فيه .. يعني ممكن يوافقوا
قالت "نهال" بلؤم :
- أصل الموضوع مش بس انى لسه فى أولى جامعة .. فى مشكلة تانية
- ايه هى ؟ .. ممكن اعرفها عشان أعرف أفكر معاكى
نظرت اليا "نهال" قائله :
- أصله أرمل
تجمدت ملامح "سمر" وضاقت عيناها وهى تسألها :
- أرمل ؟ .. وعرفتيه فين ؟ .. فى الجامعة ؟ .. دكتور عندك فى الجامعة ؟
قالت "نهال" بتحدى مغلق بخبث :
- لأ بشوفه فى البيت .. "مهند"
فغرت "سمر" فاها دهشة فأكملت "نهال" بثقة :
- أنا و "مهند" مرتبطين بس فى السر .. عشان لو ماما وبابا عرفوا هيعملوا مشكلة واحتمال ميرضوش يخلونى آجى هنا تانى
زفرت "سمر" وقد بدا عليها الضيق ثم قالت بحزم :
- ازاى يني مرتبطين فى السر ؟
ضحكت "نهال" بخبث وقالت :
- ايه يا "سمر" .. ايش حال مكنتيش عايشة سنين بره مصر .. مرتبطين ببعض أشرحهالك ازاى دى
عقدت "سمر" جبينها شاردة فقالت "نهال" متظاهرة بالخوف :
- بس اوعى تجيبى سيرة لحد .. مش عايزة يحصل مشاكل مع ماما وبابا .. اتفقنا
أومأت "سمر" برأها وهى ماازلت شاردة .. غادرت "نهال" الغرفة وتركت "سمر" التى أضناها السهر .. وجفاها النوم !

*************************************

بينما الجميع فى غرفة المعيشة قال "عدنان" للميس مبتسماً :
- عملتوا البسبوسة اللى طلبتها ؟
قالت "لميس" مبتسمة :
- أيوة يا "عدنان" بيه
أومأ برأسه قائلاً :
- طيب هاتيها مع الشاى
قالت "انعام" بعتاب :
- "عدنان" الدكتور منعك من الحلويات .. بسبوسة ايه بس
قالت "عدنان" مبتسماً :
- يا "انعام" انتى بتصدقى كلام الدكارتة .. الواحد لو سمعلهم فى كل اللى بيقولوه مش هيخلص
قالت وهى تنظر اليها نظرات لوم :
- انت السكر عندك بيعلى يا "عدنان" .. والدكتور قالك آخر مرة انك تقللى حلويات عشان ميجلكش السكر لا قدر الله
أومأ برأسه مربتاً على كفها قائلاً :
- متخفيش عيلا أخوكى صحته بمب
تبادلت "يسرية" مع "كوثر" نظرات متهكمة .. فيما التفت "عدنان" قائلاً لـ "مهند" الذى يتفحص بريده الالكترونى عبر هاتفه :
- "مهند" ماقولتليش .. ايه أخبار الوفد اللى جايلنا من شركة الخشب
قال "مهند" ناظراً اليه :
- هييجوا فى معادهم يا عمى ان شاء الله
أومأ "عدنان" برأسه قائلاً :
- تمام
قال "حسنى :
- متقلقش يا "عدنان" أنا هكون فى استقبالهم
نظر اليه "عدنان" قائلاً بحزم :
- شكراً يا "حسنى" بس أنا خلاص اتفقت مع "مهند" .. هو اللى هيستقبلهم بنفسه
شعر "حسنى" بالحنق قائلاً :
- زى ما تشوف يا "عدنان"
التفت "عدنان" الى "مهند" وقال بمرح :
- عايزك ترتبلهم برنامج محصلش
ابتسم "مهند" قائلاً :
- متقلقش يا عمى
نهض "مهند" وقال قبل ما الشاى ييجى هروح أعمل مكالمة مهمة
خرج "مهند" من الغرفة وأجرى اتصاله .. وبينما هو متوجهاً الى الداخل مرة أخرى سمع صوتاً خلفه يقول :
- "مهند"
التفت ليجد "سمر" قبالته وامارات الضيق على وجهها .. قالت بحزم :
- ممكن نتكلم شوية لو سمحت
أومأ برأسه بإستغراب محاولاً أن يخمن فيما تريده .. دخلا غرفة المكتب فأغلقت الباب خلفها والتفتت اليه تقول بحدة :
- ممكن أعرف ايه اللى انت بتعمله ده .. ازاى تخون ثقة عمك كده
نظر اليها "مهند" مندهشاً وهو يقول :
- مش فاهم
قالت بحده :
- لا فاهم .. ايه اللى بينك وبين "نهال" ؟
اتسعت عيناه دهشة وهو يقول :
- "نهال" ؟ .. مفيش حاجه بيني وبين "نهال"
زمت "سمر" شفتيها وهى تنظر اليه بحدة وتقول بحزم :
- لأ فى .. حرام عليك .. ازاى تضحك على بنت صغيرة زى "نهال" .. أنا مش مصدقه انك بتحبها بجد .. مفيش أى حاجه مشتركة بينكوا
عقد "مهند" جبينه وهو يرمقها بنظرات نارية قائلاً :
- انتى ازاى تتكلمى معايا كده .. بقولك مفيش حاجة بيني وبين "نهال" .. "نهال" بعتبرها زى "فريدة" وقولتلها الكلام ده كتير .. عايزة تصدقى صدقى مش عايزة تصدقى انتى حره
نظرت اليه "سمر" وقد ضاقت عيناها قائله :
- يعني انت قولتلها انك بتعتبرها زى "فريدة" ؟
قال بحزم ونظرات كالصقر :
- أيوة
أومأت برأسها وهى تقول معتذرة :
- طيب خلاص .. شكلى أنا اللى فهمت غلط
ظل يرمقها بتلك النظرات الثاقبة وهو يفتح باب المكتب ويغادره !
لحقت به فى غرفة المعيشة وسلمت على الحضور وجلست بجوار "عدنان" على الأريكة .. هتفت "نهال" بلهجة ذات معنى :
- ما شاء الله يا عمو .. لايقين على بعض أوى .. ربنا يباركلكوا ىف بعض
نظرت اليها "سمر" بحدة .. فأكملت "نهال" بتحدى :
- بجد لايقين على بعض .. وباين على "سمر" انها بتحبك أوى يا عمو
ابتسم "عدنان" قائلاً وهو يحيط كتفى "سمر" بذراعه :
- أنا كمان بموت فيها
ضحكت "نهال" قائله :
- سيدى يا سيدى .. محدش أدك يا "سمر"
ابتسمت "سمر" فى وجه "نهال" بصعوبة ثم أشاحت بوجهها عنها تنظر الى "مهند" المنهمك فى مطالعة هاتفه .. جاءت الخادمة بصحبة "لميس" لتضع صمية الشاى وبجوارها سنية الحلوى التى طلبها "عدنان" الذى صاح :
- الله .. جميل أوى .. نفسى هفانى عليها من امبارح .. تسلمى يا مدام "لميس"
أومأت "لميس" برأسها وقالت :
- بالهنا والشفا
نهضت "سمر" وقالت بمرح :
- أنا هصب الشاى .. قامت بدور المضيفة وصبت الشاى فى الفناجين وظلت تسأل كل واحداً منهم عن عدد ملاعق السكر التى يرغبها .. أعطت لكل فرد منهم فنجانه ومعه طبق صغير به قطعة الحلوة المزينة بالقشدة .. توجهت بفنجان الشاى والطبق الصغير الى "مهند" وقالت مبتسمة :
- اتفضل
لم يلحظ ابتسامتها .. بل لم ينظر الى وجهها وهو يقول :
- شكراً
اختفت ابتسامتها وجلست فى مكانها تحمل قدحها وطبقها قبل أن تصيح "نهال" دهشة :
- ازاى عرفت ان "مهند" مبيحبش البسبوسة بالقشطة ؟
نظر الجميع الى "نهال" فى دهشة .. بينما تجمدت ملامح "سمر" وهى تنظر اليها .. نقل "مهند" نظره بين الفتاتان فأكملت "نهال" وهى تنظر الى "سمر" بتحدى :
- الصنية كان عليها 10 أطباق .. 9 منهم كان عليهم قشطة وواحد بس مش محطوط عليه قشطة .. عرفتى منين ان الواحد ده بتاع "مهند" ؟
تركت العيون "نهال" لتتجه الى "سمر" .. التى مازالت تعبيراتها خاليه من اى انفعال .. ألحت "نهال" قائله متظاهره بالمرح :
- ايه مش هتردى .. عرفتى منين انه بيحبها كده ؟
قالت "سمر" بهدوء ونظرات بارده :
- هو اللى قالى انه بيحبها من غير قشطة
ثم رفعت فنجانها ترشف منه بهدوء شديد متجاهلة نظرات "نهال" المصوبة تجاهها .. انهمك الجميع فى شرب الشاى وأكل الحلوى .. لكن "مهند" أخذ يتطلع الى "سمر" بتمعن .. شعر بالدهشة الشديدة .. ليس فقط بسبب علمها كيف يحب حلواه .. لكن بسبب كذبها .. فلم يتحدث معها فى أى شئ من هذا القبيل قط !

Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق