روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الثامن عشر من رواية العشق الممنوع


وقفت "سمر" فى شرفة غرفتها تتابع "مهند" الذى عبر بسيارته بوابة الفيلا ليتوقف أمام بابها .. داعبت نسمات الليل شعرها الأسود فأعادت خصلاتها التى نزلت على عينيها لتحجب الرؤية الى الوراء .. وأخذت تتبعه الى أن نزل من سيارته .. توقف للحظات يستند بظهره الى السياره ويتحدث فى هاتفه .. بدا مندمجاً فى الحديث .. وكذلك هى مندمجة فى التطلع اليه .. شعر بشئ ما يدفعه لأن ينظر الى الأعلى .. لعلها حاسته السادسة التى أنبأته بوجود عينين متفحصتين تنظران اليه فى اصرار .. التقت نظراتهما .. لم تحاول "سمر" التوارى .. أو التظاهر بأنها تتطلع الى شئ آخر .. بل نظرت الى عينيه فى ثبات .. ثبات جعله يجفل .. وتضيق عيناه فى حيرة .. أنهى مكالمته .. ودخل الفيلا!

****************************************

نزلت تلك الفتاة نحيفة الجسد .. طويلة القامة .. هادئة الملامح .. من الحافلة وهى تعيد ضبط حقيبتها فوق كتفها .. توجهت فى هدوء الى ذلك الشارع الهادئ والذى تحدوه من الجانبين فيلل أنيقة فاخرة لم تحلم يوماً بدخول احداها .. سارت بحذائها الرث سيراً طويلاً .. فما كانت ستضحى بتلك الجنيهات القليلة فى حقيبتها وتركب مواصلة أخرى الى وجهتها .. سارت تحت شمس الظهيرة الحارقة والعرق يتصبب من وجهها وشعرها فبيلل خمارها المسدل على رأسها فى وقار .. توقفت عند فيلا "عدنان زياكيل" .. وهى تتطلع حولها فى توتر .. توجهت الى أحد حراس الأمن الواقفون بجانب بوابة الفيلا وقالت :
- السلام عليكم
- وعليكم السلام
قالت بخجل :
- لو سمحت ممكن أقابل "عدنان" بيه .. أو البشمهندس "مهند"
نظر الحارس بشك الى ملابسها وهيأتها ثم قال :
- وعايزاهم فى ايه
قالت بتوتر :
- حاجه خاصة
قال ببرود :
- لازم أعرف ايه الحاجة الخاصة دى عشان أبلغهم بسبب الزيارة
قالت بخفوت :
- قولهم "دعاء" بنت عم "مرزوق" الجناينى الله يرحمه
أومأ الحارس برأسه وأجرى مكالمة هاتفيه باللاسلكى ينبأهم بأمر تلك الفتاة .. أنهى المكالمة ليقول لها :
- "عدنان" بيه نايم .. و البشمهندس "مهند" لسه مجاش
قالت بضيق :
- طيب .. هيرجع أمتى
هز الرجل كتفهي وقال :
- معرفش
ما كاد ينهى كلمه حتى ظهرت سيارة "مهند" تتقدم نحو الفيلا فصاح :
- أهو البشمهندس "مهند" وصل
انتظرت الفتاة الى أن اقتربت السيارة وتوقفت أمام البوابة .. قالت الفتاة بلهفة وهى تنظر الى "مهند" :
- بشمهندس "مهند"
أومأ "مهند" برأسه فقالت على الفور :
- أنا "دعاء" بنت الجناينى اللى كان بيشتغل عندكوا هنا واتقتل
أوقف "مهند" سيارته ونزل منها قائلاً :
-البقاء لله
قالت الفتاة بتوتر :
- متشكره أوى
صمتت وبدا عليها الارتباك فقال :
- فى حاجه أقدر أساعدك فيها
قالت بخجل وهى مطرقة برأسها :
- بصراحة أنا الظروف ضاقت بيا بعد والدى ما اتوفى .. أنا حاولت كتير أدور على شغل بس مش لاقيه .. ولو لقيت المرتب بيضيع تلت تربعه فى المواصلات .. قولت آجى هنا وأجرب حظى .. أنا ممكن أشتغل أى حاجه .. يعني أى حاجة ممكن اعملها
كانت تفرك يديها بإرتباك وهى تنظر أرضاً فقال "مهند" :
- انتى خريجة ايه ؟
قالت بخفوت :
- بكالوريوس زراعة
قال بحماس :
- طيب تمام .. اتفضلى ادخلى عشان نتكلم فى التفاصيل
نظرت اليه بدهشة وهى تقول :
- يعني خلاص بجد .. هشتغل هنا .. هتشغلونى ؟
أومأ برأسه قائلاً :
- أيوة ان شاء الله .. انتى ليكي حق فى رقبتنا .. ولازم نسدده
اغرورقت عينا الفتاة بالعبرات وهى تقول :
- بجد متشكرة .. ربنا يكرمك
تنهد "مهند" وهو يركب سيارته ويدخل الفيلا تتبعه الفتاة والابتسامة على محياها .. بينما تنهد هو فى ضيق حسرة على ذلك الرجل الذى انتهت حياته بطلقة غاشمة .. غادرة ..!

******************************************
هتف "علاء" بحنق وهو يقود سيارته مسرعاً :
- وبعدين .. الواحد هيفضل مطحون فى الشركة دى وتحت رحمة "عدنان" باشا
قال صديقه وهو يلف احدى السجائر :
- بص هى خلاص بانت لبتها .. يا انت يا هو
التفت اليه "علاء" قائلاً :
- ازاى يعنى ؟
قالت صديقه بحزم :
- لازم نقتله قبل ما مراة عمك تحمل منه وتبقى واقعة سودة
هتف "علاء" :
- حمل ؟ .. حمل ايه .. لا متقولش كده
قال صديقه ساخراً :
- وليه بأه ما أقولش كده .. ايه مجاش على بالك ان عمك يخلف .. لا وياسلام لو طلع ولد .. يبقى هيتربى فى عزه بصحيح .. وانت بأه .. ربنا يتولاك
أحكم "علاء" قبضتيه على المقود وهو يقول بحزم :
- ده على جثتى
- يبأه تعمل الى بقولك عليه .. مفيش حل غير كده . .اديني انتى التمام .. وسيب الباقى عليا
- طيب ما هى مراة عمى برده هتورثه
صاح صديقه :
- يا ابنى تورثه وهى بطولها أحسن ما تخلف منها وتكوش على كل حاجه .. وبعدين مش هنغلب يعني نبقى نشوفلها صرفه هى كمان .. فكر ورد عليا

***************************************

وقف "دياب" يعدل من ملابسه وهو ينظر الى زميله قائلاً :
- سلام بأه أشوفك بكرة
قال زميله :
- سلام يا "دياب"
خرج "دياب" من المكتب الصغير المخصص للحرس فرآى "دعاء" وهى تخرج من بوابة الفيلا وتسير فى طريقها عبر الشارع الطويل .. التفت بإستغراب الى زميله قائلاً :
- ايه ده مين دى ؟ ودخلت امتى ؟
- دخلت من كام ساعه .. البشمهندس "مهند" هو اللى دخلها .. دى بنت عم "مرزوق" الجناينى الله يرحمه
نظر اليه "دياب" بإصتغراب قائلاً :
- بنت عم "مرزوق" .. طيب وجايه تعمل ايه ؟
- جايه تدور على شغل .. والبشمهندس "مهند" قالها انه هيشغلها فى الفيلا
- هيشغلها ايه يعني ؟
- معرفش .. بس هى قالته ان معاها بكالوريوس زراعة
أوما "دياب" برأسه ونظر الى ساعته ثم انطلق فى طريقه .. وقف مع الجمع ينتظر الحافلة الى أن حضرت أخيراً .. تزاحم بين الركاب وبقوة الدفع تمكن من الصعود وايجاد مكان يقف فيه بالكاد .. التفت فرأى تلك الفتاة بنت الجناينى .. تقف بين الركاب .. أشارح بوجه وشرد عقله بعض الوقت الى أن انتبه الى رجل يتقرب من "دعاء" وبدا أنه يتعمد الاطاحه بجسده يميناً ويساراً مع حركة الحافلة فيرتطم بها وتنظر اليه بحده .. تحاول أن تبتعد عن طريقه لكن الزحام منعها من الابتعاد أكثر من سنتيمترات .. فيقترب الرجل تاره .. وتتقهقر هى تاره أخرى .. تقدم "دياب" يشق طريقه بين الركاب الى أن توقف خلف الرجل وطرق على كتف قائلاً بحزم :
- لو سمحت
تحرك الرجل جانباً فأخذ "دياب" مكانه .. نظر اليه الرجل بالغيظ فقد ظن بأنه يريد المرور لا أن يقف مكانه ! .. نظرت "دعاء" حولها فى تأفف فها هو رجل آخر يقترب منها.. شعرت بغصة فى حلقها .. وهى تعقد جبينها بشدة .. فلولا حاجتها للمال لما خرجت من بيتها أبداً .. ولبقيت فيه مصانة .. لكن ماذا تفعل فى عالم خلت فيه القلوب من الرحمة .. رفض خالها استضافتها بعد وفاة والدها بحجة صغر بيته وكثرة ولده .. أما عمتها التى تنعم بما آتاها الله من نعم .. فقد تهربت منها وكأنها داء خبيث .. لمعت دمعة في عينيها وقد صعبت عليها نفسها .. وأنهكتها قسوة القلوب حولها .. ممكن يسمون أرحامها ! .. انتبهت الى الرجل بجوارها خشت أن يفعل مثل سابقه .. التفتت تنظر اليه ثم تشيح بوجهها على الفور .. نعم انه أحد الحرس فى فيلا "زياكيل" رأته أثناء خروجها من الفيلا .. اطمئنت قليلاً .. رأته بطرف عينيها يتشبث جيداً بالمقعدين على كل الجانبين .. حتى لا تدفعه مطبات الطريق وحركة الحافلة الى الاصطدام بها .. رأته يحافظ على المسافة بينهما دون أن يتخطاها رغم حركة الحافلة القوية أثماء توقفها عن كل محطة ! .. فإطمئنت فى وقفتها .. نظر "دياب" الى الطريق .. ها قد أتت محطة نزوله .. التفت ينظر خلفه ليجد الرجل لايزال واقفاً .. التفت ينظر الى "دعاء" وقد خشى أن يحاول مضايقتها مرة أخرى .. فقال بهدوء :
- يا آنسة
جفلت "دعاء" والتفتت فقال بهدوء :
- اطلعى اقفى فى أول الأتوبيس أحسن .. هو فضى شويه من أدام
التقت نظراتها مع نظرات الرجل خلفه .. فتقدمت بين الزحام ووقفت فى بداية الحافلة .. شق "دياب" طريقه هو الآخر الى أن توقفت الحافلة لينزل منها فى محطته !

*****************************************

وقف "بشير" ينظف سيارة "عدنان" .. بدا منهمكاً فى عمله فسمع من خلفه صوتاً يا قول :
- زعلان منك أوى
التفت ليجد "مهند" واقفاً خلفه واضعاً يديه فى جيب بنطاله .. علت الابتسامة وجه "بشير" وهو يقول :
- ليه بس يا بشمهندس .. عملت ايه ضايقك ؟
قال "مهند" بجدية :
- ليه معدتش بتصلى الفجر ؟ .. أو عشان ما أسئش الظن بيك .. ليه معدتش بتصلى الفجر فى المسجد يا "بشير" ؟ .. بشوفك فى باقى الصلوات الا الفجر
أطرق "بشير" برأسه فى خجل .. فقال "مهند" :
- ايه اللى شاغلك عن الصلاة فى المسجد ؟ .. مفيش حاجة أهم من الصلاة يا "بشير" حتى شغلك ده ميستحقش انك تأخر صلاتك عشانه
قال "بشير" وهى يفرط الفوطة بأصابعه :
- معرفش يا بشمهندس .. بقيت بحس ان الصلاة فى المسجد تقيلة .. خاصة الفجر .. أنا مكنتش كده بس مش عارف ايه اللى حصل
قال "مهند" بهدوء :
- انت عارف يا "بشير" ان الصلاة فى المسجد لينا فرض .. عارف كده ولا لأ
وأمأبرأسه وقال بخفوت :
- أيوة عارف انها فرض
قال "مهند" بحزم :
- وتعرف كمان .. ان النبى صلى الله عليه وسلم قال " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" .. والمقصود الرجاله اللى مش بتصلى جماعة فى المسجد .. وكمان النبى قال "لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار" .. يعني لولا النساء والأطفال كان النبي أمر الصحابة بحرق البيوت اللى فيها رجال لا يشهدون صلاة الجماعة
أطرق "بشير" برأسه بخجل فقال "مهند" :
- يا "بشير" فى حاجه شاغله قلبك ومقيداك عن الصلاة .. فضى قلبك من اللى شغله .. مش عارف ممكن كلامى يبقى غلط .. بس أنا حاسس انك واقع فى فتنه
نظر اليه "بشير" وهو يقول بضيق :
- فعلاً أنا واقع فى فتنه وفتنه كبيرة .. ومش عارف أخرج منها .. ولا عارف أشيلها من قلبى .. عارف لو فى أمل .. كنت ارتحت .. لكنى معلق نفسى بحبل مسيره فى يوم من الأيام هيتلف حولين رقبتى ويخنقنى
أومأ "مهند" برأسه وقال :
- توقعت كده .. بص يا "بشير" .. حلك فى اصلاة مش فى البعد عنها .. ادعى ربا ان اللى فى قلبك يكون من نصيبك .. لو ربنا مأردش .. متضايقش .. ارضى .. ارضى باللى مكتوب .. لأنه أكيد أحسنلك من اللى انت عايزه .. محدش عارف الخير فين .. ارضى باللى ربنا كتبهولك يا "بشير" .. ومتخليش أى حاجة فى الدنيا تشغلك عن عبادتك .. النبى صلى الله عليه وسلم يقول "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"
أومأ "بشير" برأسه وهو يقول :
- معاك حق يا بشمهندس
ابتسم "مهند" وهو يربت على كتف "بشير" قائلاً بمرح :
- مستنيك الفجر فى المسجد .. ولو مجتش .. انت حر بأه .. مش هقولك هعمل ايه .. هسيبك تكتشف بنفسك
ضحك "بشير" وقال :
- لا ان شاء اللى هتلاقين الفجر فى المسجد .. ربنا يكرمك يا بشمهندس

*********************************
- مش فاهم .. انتوا عايزنى أعمل ايه بالظبط ؟
هتف "علاء" بتلك العبارة فى دهشة وهو يتطلع الى "يسرية" و "كوثر" التى قالت :
- يا "علاء" افهم .. اللى أعرفه عنك انك واد مخلص ومفيش واحدة تستعصى عليك .. ورينا همتك بأه مع الست "سمر"
قال بإستغراب وهو يحك شعره :
- يعني عايزنى أرسم عليها
قالت "يسرية" بحده :
- ارسم وخطط واعمل اللى تعمله .. المهم البت تقع فيك
قال بدهشة وهو ينقل نظره بينهما :
- طيب وهتستفادوا ايه من كده
قالت "كوثر" بحماس :
- هنستفاد اننا هنصوركوا كام صورة حلوين على كام فيديو حليون ونبعت الحاجت الحلوة دى لعمك "عدنان" .. يقوم يرمى عليها اليمين ويرميها هى ومراة أبوها الحداية من الفيلا
هتف "علاء" بسخرية :
- وعمى يتف فى خلقتى ويحرمنى من الميراث .. أهبل أنا وبرياله عشان عشان أعمل اللى انتوا بتقولوه ده
ٌالت "يسرية" بحده :
- يا ابنى افهم .. احنا ممكن نلعب فى وشك الفوتوشوب وميظهرش مين اللى مع "سمر"
قال بخسرية :
- والفيديو هتلعبوا فيه بالفوتوشوب ازاى ان شاء الله
قالت "يسرية" بدهشة :
- ايه ده هو يمنفعش أعدل فى الفيديو بالفوتوشوب
ضرب كفاً على كف وقال بتهكم :
- والله شكلكوا هتضيعونى .. لا طبعاً مينفعش
قالت "كوثر" بحماس :
- خلاص بلاها الفيديو .. كفاية الصور .. المهم انت بس خلى "سمر" تطب واحنا وقتها نبقى نتصرف ونشوف هنعمل ايه .. ممكن حتى نسجلكوا مكالمة ونغير فى صوتك
نظر اليهما بسخرية ضاحكاً :
- انتوا اشتغلتوا فى المونتاج وأنا معرفش
هتفت "يسرية" بجديه :
- هاا هتسد ولا نشوف حد غيرك
فكر "علاء" قليلاً ثم قال :
- طيب أما نشوف هتوصلونا لفين

***************************************

توجه "مهند" الى غرفة المعيشة ليجد مربية "فريد" حاملة اياه وجالسة فوق الأريكة .. فسألها "مهند" قائلاً :
- هو محدش هنا ولا ايه ؟
قالت المربية :
- لا يا فندم كلهم بيتغدوا فى الجنينة
أومأ برأسه .. كاد أن يخرج من الغرفة الا أنه تراجع عن ذلك وتقدم منها قائلاً :
- طيب سبيهولى شوية
حمله بين ذراعيه .. فتوجهت المربية الى الخارج .. جلس "مهند" فوق احدى الأرائك فى الغرفة وهو يبتسم فى وجه الصغير .. متلمساً وجنته الناعمة .. انحنى يقبل أصابع يده مرات عدة .. ثم يعود ليتطلع اليه من جديد .. رق قلبه وهتف بلسانه بخفوت :
- سبحان الله
تحرك الصغير مصدراً أصواتاً مختلفة بتلهى باللعب فى أصابعه .. تجمد "مهند" فى مكانه عندما سمع صوتاً أنثوياً يقول :
- نفسك فى واحد زيه ؟
رفع رأسه لتصطدم عيناه بعيني "سمر" .. اتسعت ابتسامتها وهى تقول :
- أنا كمان لما شوفته وشيلته حسيت انى نفسى فى واحد زيه
عاد "مهند" ينظر الى الصغير مرة أخرى دون أن يعقب على حديثها .. ظلت واقفة على باب الغرفة .. ظن بأنها سترحل .. لكنه كان مخطئاً .. تقدمت فى خطوات تؤدة .. لتجلس الى جواره .. محافظة على مسافة بينهما .. مدت يدها لتلمس وجنة الصغير مبتسمة مداعبة اياه .. التفت الصغير اليها مبتسماً وهو يطلق أصوات تنم عن استمتاعه بحركة أصابعها فوق وجنته .. اتسعت ابتسامتها وهى تقول بسعادة :
- أول مرة ألعب مع بيبى .. كل صحاب بابا مكنش عندهم أطفال صغنيين كده
شعر "مهند" بالحرج لجلوسهما معاً بمفردهما وبهذا الاسترخاء وبذلك الحديث الودى بينهما .. فالتفت اليها يمد يده بالصغير قائلاً :
- خديه أنا خارج
حملت منه الصغير فوضعت كفها بدون قصد فوق كفه .. رفعت رأسها تنظر اليه وجهه الخالى من أى تعبيرات .. قبل أن ينهض قالت بلهفه :
- مجاوبتنيش
التفت ينظر اليها بإستغراب .. فقالت وهى تنظر الى عمق عينيه :
- نفسك فى واحد زيه ؟
ازداد استغرابه من السؤال .. ومن اصراها على القاءه .. صمت ولم يجيب .. فقالت هامسه وهى لا تزال تنظر اليه :
- كنت بتحبها ؟
تحولت نظراته من الاستغراب الى الحده وهو يزم شفتيه فى غضب .. فأكملت هامسه وقد لاحت الدموع فى عينيها :
- "نهلة" .. اتجوزتها لمدة سنة .. حبيتها ؟ .. أد ايه ؟ .. لسه بتوحشك ؟ .. لسه فاكرها ؟
احتد قائلاً وهو ينهض من مكانه :
- مبحبش أتكلم فى حاجة خاصة كده مع حد
استمرت فى النظر اليه وتلك النظرة الغريبة فى عينيها وقد ازدادت تلك العبرات فى عينيها هى تقول بصوت مضطرب :
- قولى بس .. فاكرها ولا نسيتها ؟ .. فى قلبك ولا بأت ذكرى ؟ .. نفسك ترجعلك وتعيش معاك .. ولا نويت ترمى ذكرياتها ورا ضهرك وتكمل حياتك ؟
نظر اليها بدهشة قائلاً :
- انتى ازاى تتكلمى معايا كده ؟ .. ازاى تتكلمى معايا فى حاجة خاصة كده ؟ .. حاجة مبتكلمش فيها مع أى حد حتى مع أختى ؟
أطرقت برأسها تنظر الى الصغير .. بينما خرج "مهند" من الغرفة مسرعاً وامارات الغضب على وجهه .. حاولت رسم بسمة على شفتيها وهى ترجع بظهرها الى الوراء وتنظر الى الصغير هامسه :
- جاوبنى انت .. طالما هو مش عايز يجاوب !
وضعت أذنها على فم الصغير وكأنه يسرى اليها بالإجابه .. ثم رفعت رأسها تنظر اليه وهى تقول بأسى :
- أنا برده قولت كده !

***************************************
زفرت "نهال" بحنق وهى تتطلع الى طلب الصداقة الذى ظل معلقاً منذ أن حاولت النفاذ الى عالم "مهند" على الفيس بوك .. لم تيأس .. وظلت تتابع طلبها .. آملة أن يقبله .. آملة أن يسمح بأى تواصل بينهما .. لكن طلبها ظل معلقاً .. بلا قبول .. بلا رفض !
سمعت صوتاً فى الخارج .. قامت وفتحت باب غرفتها .. فرأت "سمر" و "فريدة" يدخلان الى غرفة هذه الأخيرة وأصوات ضحكاتهما عالية .. أغلقت باب غرفتها بحدة وقد ضايقها تقرب "سمر" من "فريدة" الى هذا الحد .. جلست فوق فراشها وهى تهتف بغيظ :
- طبعاً .. حبيب حبيبى يبقى حبيبى !

جلست "سمر" فوق فراش "فريدة" وهى تتأمل ذلك الألبوم الذى وضعته "فريدة" فوق ساقيها وأخذت تشير الى احدى الصور وهى تقول بمرح :
- ودى صورتى على البيلاج .. شوفتى المايو الخطير ده
ضحكت "سمر" وهى تتأمل تلك الطفلة الصغيرة الباكية .. فقالت :
- كنتى بتعيطى ليه ؟
قالت "فريدة" بمرح :
- فقرية بعيد عنك
ضحكت "سمر" .. ثم أشارت الى احدى الصور قائله :
- دى فين دى ؟
قالت "فريدة" وهى تنظر الى الصورة التى أشارت اليها "سمر" :
- دى كنا فى مطروح
أومأت "سمر" برأسها وهى تقول :
- ما شاء الله كنتى أموره يا "فريدة"
ضحكت "قريدة" وقالت :
- كنتى ؟! .. قصدك انى دلوقتى مبقتش أموره يعني .. ماشى مقبوله منك
هتفت "سمر" على الفور :
- لا والله مش قصدى
ضحكت "فريدة" وقالت :
- عارفه يا بنتى .. مالك اتخضيتي كده
ابتسمت "سمر" وهى تعيد النظر الى الصور .. اختفت ابتسامتها وهى تتطلع الى صورة "مهند" وهو يلاعب أحد الأطفال الصغار .. بدا سعيداً مبتسماً تلمع عيناه بسعادة وفرح .. قالت "فريدة" وهى تنظر الى الصورة :
- "مهند" وهو صغير
ظلت "سمر" تتطلع الى الصور الى أن سمعتا طرق على الباب .. فنهضت "فريدة" قائله :
- أكيد الشاى
فتحت "فريدة" الباب لتأخذ صنية الشاى .. وعلى حين غفلة منها .. أخرجت "سمر" صورة "مهند" من الألبوم وطوتها واضعة اياها فى جيبها .. ثم أغلقت الألبوم بسرعة حتى لا تنتبه "فريدة" الى الصورة المفقودة .. جلست "فريدة" بجوارها واضعة صنية الشاى أمامها .. حاولت فتح الألبوم من جديد فقالت "سمر" على الفور وهى توقفها بيدها :
- سبيه دلوقتى .. خلينا نتكلم مع بعض شوية
أومأت "فريدة" برأسها وتركت الألبوم من يدها .. رفعت "سمر" فنجان الشاى الى فمها .. بدت نظراتها شاردة .. قالت "فريدة" فجأة :
- "سمر" انتى ليه مش لابسه حجاب ؟
توقفت "سمر" عن شرب الشاى ثم قالت بخفوت :
- أنا كنت محجبة .. بس لما سافرت .........
قالت "فريدة" وهى تنظر اليها :
- قلعتيه
أومأت "سمر" برأسها وهى تقول :
- بابا ضغط عليا كتير وكمان "فيروز" .. أصلاً بابا مكنش حابب انى أتحجب أنا اللى أصريت .. ولما سافرنا .. ضغطوا عليا كتير لحد ما قلعته
هزت "فريدة" رأسها بأسى وهى لا تتخيل ذلك الأب الذى يمنع ابنته من أن ترتدى الحجاب وتبلى أمر رب الأرباب ! .. ماذا سيقول لربه عندما يقف بين يديه ؟ .. الله أمر بالحجاب وأنا عصيت أمر ربى ؟! .. الله أمر ابنتى بإرتداء الحجاب وأنا أمرتها بأنه تعصيه ! .. كيف يفكر أولئك الآباء والأمهات .. ألا يخشون من يوم الحساب .. يتعللون بغير البنت وبأن الحجاب يكبت من حريتها ويزيد على عرمها أعماراً .. ألا يعلمون أن الله لا يأمر الا بما فيه الخير والصلاح لنا ولقلوبنا .. ألا يعلمون أن فى احتشام البنت عفة لها ولذلك الشاب المسكين الهائم فى الطرقات لا يجد قوت يومه فضلاً على أن يجد المال الذى تتطلبه نفقات الزواج ! .. ألا يعلمون أن الكلاب المسعورة فى الشوارع ليست ملامة وحدها ! .. بل يشاركها كل ذكــر سمح لابنته أو لزوجته أو لأخته أو لأمه أن تسير كاسية عارية تنهش الكلاب فى جسدها وأعراضها بنظراتهم وتحرشاتهم ! .. ألا يعلمون أن الدبوث هو الذى لا يغار على حرمة بيته ! ..
تنهدت "فريدة" بأسى وقالت :
- بس دلوقتى باباكى مات الله يرحمه .. ليه متلبسيهوش تانى ؟ .. أعتقد ان عمى "عدنان" عمره أبداً ما هيرفض انك تلبسيه
قالت "سمر" شاردة :
- معرفش .. عارفه لما تحسى ان فى حاجة جواكى ضايعة منك .. انا حاسة بكدة .. فى حاجه مفتقداها .. وحشانى .. حاجه مش مخليانى حسه انى أنا
التفتت اليها قائله :
- فهمانى يا "فريدة" ؟
قالت "فريدة" بحيرة :
- بحاول أفهمك
نظرت "سمر" الى فنجان الشاى فى يدها وهى تقول بأسى ومرارة :
- نفسى أغمض عيني وأفتحها وألاقى كل السنين اللى قضتها فى تركيا اختفت من أدام عينا .. نفسى اغمض وأفتح ما أشوفش أدامى الا ماما .. واسكندرية .. والبحر .. وكل الناس اللى بحبهم
نظرت اليها "فريدة" بحيرة تتأمل امارات الألم على وجهها وهى تقول :
- ايه اللى مضايقك يا "سمر" .. حسه ان فى حاجه مضايقاكى .. أكنك عايزة تعيطي
التفتت اليها "سمر" بأعين دامعة وهى تقول بصوت مرتجف :
- صح معاكى حق .. انا نفسى أعيط
اقتربت منها "فريدة" أكثر وهى تقول :
- طيب قوليلى ايه اللى مضايقك .. موضوع دراعك
نظرت "سمر" الذى ذراعها المعلق الى رقبتها وهى تقول بمرارة :
- انتى فاكرة ان دراعى بس هو اللى مشلول ؟
نظرت اليها "فريدة" بدهشه .. فأكملت "سمر" وقد هربت دمعة من عينيها لتسقط حارة على وجنتها الملساء وهى تترك فنجانها وتشير الى قلبها قائلاً بمرارة:
- أنا حسه ان ده كمان مشلول .. بيموت .. بيطلع فى الروح .. بيتحرق .. ومحدش حاسس بيه
ازدادت دهشة "فريدة" وهى تقول :
- ليه .. ايه اللى مخليكي حسه بكده يا "سمر" ؟
أطرقت "سمر" برأسها وهى تتناول فنجانها مرة أخرى وترشف منه ثم تقول :
- معرفش
قالت "فريدة" بحزم :
- ازاى يعني متعرفيش .. أكيد عارفه .. أكيد عارفه سبب احساسك ده
التفتت اليها "سمر" وقالت برجاء وهى تعقد ما بين حاجبيها :
- "فريدة" .. غيري الموضوع .. عشان خاطرى .. نتكلم فى أى حاجه تانية .. اى حاجة حلوة .. مش عايزة أتكلم دلوقتى غير فى الحاجات اللى تفرح .. مش عايزة تكلم عن أى حاجه تضايق أو توجع
استجابت "فريدة" الى ذلك الرجاء فى عينيها وصوتها .. وحاولت بذهن شارد أن تبحث عن موضوع آخر للنقاش .. لكن عقلها ظل منشغلاً بـ "سمر" .. وبما قالت .. وبما تشعر .. !


خرجت "سمر" من غرفة "فريدة" وبينما هى متوجهة للأسفل .. توقفت حيث هى .. ثم التفتت .. تنظر .. الى حيث .. غرفة "مهند" .. تلفتت حولها .. فلم ترى أحداً .. نظرت الى الباب الغلق مرة أخرى .. ثــم .. سارت نحوه .. ببطء .. وقفت أمامه للحظات .. وفى تردد .. طرقت الباب .. مرة .. اثتنين .. ثلاث مرات .. دون مجيب .. تلفتت حولها مرة أخرى .. ثــم .. أدارت مقبض الباب .. تفتحه .. تمرر عيناها فى الغرفة الخالية .. تدخل .. تغلق الباب خلفها .. وقفت فى سكون .. تجول بعينها فى الغرفة .. وأثاثها .. ومحتوياتها .. اقتربت ببطء .. الى تلك التسريحة الصغيرة .. الموضوع عليها متعلقاته الشخصية .. نظرت الى حاجياته .. تتأملها .. تتفحصها .. تمرر عينيها عليها برقه .. تلفتت حولها .. الى تلك المنضدة الصغيرة .. والى ذلك الكتاب فوقها .. رفعته الى يدها .. وقرأت عنوانه .. ثم أعادته مكانه مرة أخرى .. تجمدت فى مكانها .. وهى تنظر الى نقطة ما على الأرض .. أمام الدولاب .. تقدمت ببطء .. وانحنت .. والتقطت تلك الهدية التى أهدته اياها .. قلبت القداحة بين يديها .. والدموع تتجمع فى عينيها يؤلمها بنغزاتها الحارقة .. ارتجفت شفتيها وهى تضمهما الى بعضهما بقوة .. رجعت عدة خطوات للخلف .. وجلست فوق الفراش .. تنظر الى القداحة وعبراتها تتساقط فوق وجنتيها .. ثم تعود لتنظر الى .. الأرض .. الى حيث كانت القداحة ملقاة فى اهمال .. أجهش فى البكاء وهى تضع كفها فوق فمها تحاول كتم صوتها حتى لا يفضحها فيسمعه أحد القاطنين فى هذا الطابق من الفيلا .. ارتعدت فرائصها وأنتفض جسدها بشدة وهى تسمع صوت مقبض الباب يُفتح .. ثم "مهند" يدخل الغرفة ويغلق الباب خلفه .. وقف متجمداً فى مكانه وقد اتسعت عيناه دهشه وهو يراها جالسة فوق فراشه .. هتف :
- انتى بتعملى ايه هنا ؟
تركت "سمر" القداحة من يدها فوق الفراش ونهضت وهى تجعد تنورتها بقبضة يدها فى توتر .. بدت كتلميذة صغيرة ضبطها معلمها بخطأ قد اقترفته .. ازدادت حدة صوته وهو يقول :
- بتعملى ايه هنا ؟
مسحت بكفها عبراتها المتساقطة وهى تقول بصوت مرتجف :
- أنا .. كنت ..
صمتت وهى تضغط على شفتيها ببعضهما البعض بقوة بينما الدموع تتساقط من عينيها من جديد .. اقترب منها "مهند" والشرر يتطاير من عينيه ونظر اليها بإحتقار قائلاً :
- انتى ايه ؟ .. مفيش عندك حدود ؟ .. مبتعرفيش تميزى الصح من الغلط .. اللى يصح واللى ميصحش .. ازاى تدخلى أوضة راجل غريب .. وتقعدى فوق سريره .. لو حد من البيت شافك هيقول ايه .. لو جوزك شافك هتقوليله ايه .. جاوبينى .. بتعملى ايه هنا ؟
أطرقت "سمر" برأسها وقد ازداد انهمار عبراتها وهى تقول بصوت مرتجف:
- أنا .. كنت .. كنت بس .. كنت عايزة أتكلم معاك
قال بحدة شديدة دون اقتناع وهو يراعى ألا يرفع صوته عالياً :
- واللى عايز يتكلم مع حد يدخل أوضته بدون استئذان ؟
قالت بصوت باكى وهى تطرق برأسها :
- أنا آسفة
ودون أن تضيف كلمة أخرى خرجت مسرعة من الغرفة .. أغلق "مهند" الباب خلفها وهو يشعر بغضب ممزوج بحيرة ودهشة .. وضع يديه على خاصرتيه وهو يزفر بعمق .. حانت منه التفاته الى الفراش ليجد القداحة موضوعه فوقه .. اقترب منها والتقطها فى دهشه .. ثم عقد جبينه بشدة وهو يتوجه الى دولابه ويضعها بداخله .. كما كانت ! .. وهو يشعر بالغضب لإقدام "سمر" على دخول غرفته ! .. وفتح دولابه !

***************************************
أدى العكسرى التحية لـ "عادل" وفتح له باب المكتب .. دخل "عادل" بحماس وهو يلتقط المغلف الموضوع فوق مكتبه قائلاص :
- ايه ده ؟
قال العسكرى :
- ده جواب جه بإسم حضرتك يا فندم
فض "عادل" المغلف ليفاجأ بتلك الرسالة :
- سلاح الجريمة فى غرفة القاتل الحقيقى بالفيلا .. فاعل خير
قرأها "عادل" عدة مرات .. ثم نهض مغادراً مكتبه !

****************************************

بينما كانت "سمر" جالسه فى غرفة المعيشة .. فوجئت بـ "علاء" يتقدم تجاهها قائلاً :
- مساء الفل يا "سمر"
نظرت اليه مبتسمة وهى تقول :
- مساء النور يا "علاء"
اقترب منها وهو يمد يده بباقة زهور قائلاً :
- اتفضلى دى عشانك
اتسعت ابتسامة "سمر" وهى تنظر الى الباقة بسعادة وتقول :
- بجد .. ميرسى أوى
التقطتها منه وأخذت تتشمم بتلاتها .. فأكمل مبتسماً وهو يجلس على طرف الطاولة الموضوعة أمامها :
- بصراحة بتصعبى عليا كتير
نظرت اليه بدهشة فأكمل بلؤم :
- يعني على طول محبوسة فى الفيلا .. وعمى الله يعينه بيشتغل طول اليوم والليل كمان .. وانتى لوحدك .. لا بتخرجى ولا بتتفسحى ولا لاقيه اللى يهتم بيكي
نظرت الى الورد مبتسمة ثم نظرت اليه قائله :
- كفاية عليا انى وسطكوا .. دى فى حد ذاتها حاجه تفرحنى
نظر الى عينيها قائلاً :
- وردة زيك مينفعش صاحبها يهملها كده والا تدبل وتموت .. الوردة اللى زيك محتاحه اللى يهتم بيها ويراعيها
نظرت الى عينيه بحيرة فلم يسبق أن رأته يتحدث اليها بتلك الطريقة .. لكنها رسمت ابتسامة مجاملة على شفتيها وقالت :
- ميرسى يا "علاء"
استمر فى النظر اليها بتلك الطريقة وهو يقول :
- على فكرة عمى محظوظ أوى بيكي وبصراحة مستخسرك فى راجل عجوز زيه
لاح الغضب فى عينيها .. ولكن قبل أن تجيبه سمعا صوتاً يصيح :
- "علاء"
التفت الاثنان ينظران الى "مهند" الواقف أمام مدخل غرفة المعيشة ينظر اليهما فى غضب .. نهض "علاء" ببرود وهو يلتفت الى "سمر" قائلاً :
- سلام دلوقتى
خرج "علاء" ومر بجوار "مهند" دون أن يحاول النظر اليه .. تابعه "مهند" بعينيه الى أن اختفى ثم عاد ينظر الى "سمر" التى أرادت الخروج هى الأخرى فأوقفها "مهند" قائلاً بإحتقار :
- مش عارف أقولك ايه
رفعت نظرها اليه قائله بحده :
- متدخلش فى حاجه متخصكش
قال "مهند" ونظرة الاحتقار لاتزال فى عينيه :
- راقبى تصرفاتك كويس .. انتى فى بيت محترم
صاحت بحزم :
- أنا عارفه نفسى كويس ومعنديش استعداد أسمع منك أى كلمة تقلل منى
ثم قالت بتوتر :
- وبعدين هو اللى اتكلم معايا مش أنا
قال "مهند"بحدة :
- انتى اللى ادتيله فرصة .. بلبسك ده وشكلك ده .. وتصرفاتك اللى ملهاش ظابط ولا رابط
- أنا عملت ايه عشان ده كله .. هو اللى جه اتكلم معايا
قال "مهند" بصرامة وهو ينظر اليها بقوة :
- ميصحش تفضلى أعده مع راجل غريب فى مكان لوحدكوا .. لقيتيه دخل المفروض تخرجى .. لقيتيه تجاوز معاكى فى الكلام وفى النظرات تقومى وتسبيه وتمشى .. وقبل ده كله تغطى نفسك الأول
نظرت بخجل الى ذراعها العارى والى التنورة القصيرة التى ترتديها .. تنهد "مهند" قائلاً بصرامة :
- المفروض ميصحش أصلاً انى أتكلم معاكى فى حاجة زى كدة .. بس انتى كل تصرفاتك مستفزة .. بتخليني أخرج عن شعورى
أطرقت برأسها للحظة .. ثم نظرت اليه قائله بعتاب :
- براحه عليا .. انا عارفه انى غلط .. ومحتاجه فرمته من أول وجديد .. بس براحه عليا
أشعرته كلماتها ونظراتها المعاتبه بالأسف على حدته فى الحديث معها .. فأطرق قائلاً وهو يتنهد بعمق :
- أنا اللى آسف انى اتكلمت معاكى كده .. بس أنا مبحبش الحال المايل .. ومحبش ان واحدة تدى فرصه لواحد انه يطمع فيها .. ومع ذلك أنا آسف على اسلوبى فى الكلام معاكى
ابتسمت ابتسامة صغيره وهى تقول :
- خلاص مسامحالك .. شوفت قلبى أبيض ازاى
رفع عينيه لينظر اليها .. تبدو بملابسها ومكياجها وتصفيفة شعرها كإمرأة بالغة .. لكن عينها تبدو بنظراتها كطفلة صغيرة .. طفلة ضلت طريقها .. وتبحث عن الدليل .. لينتشلها من طريق ضاعت فيه طويلاً .. أشاح بوجهه عنها .. وخرج فى صمت !


خرجت "سمر" من الفيلا .. لا تدرى الى أين تذهب .. فقط أرادت السير بغير هدى .. لكنها فوجئت بسارة الشرطة تتقدم لتعبر بوابة الفيلا .. نظرت بدهشة الى "عادل" الذى خرج من سيارته .. وتوجه اليها فقالت بدهشه :
- خير .. فى حاجه ؟
قال "عادل" بحزم :
- معانا أمر بتفتيش الفيلا
قالت بدهشة وهى تنظر الى الرجال الذين يترجلون من السيارة :
- ليه ؟
قال "عادل" :
- هتعرفى بعدين

جلس "مهند" فوق فراشه تتخبطه الحيرة .. نهض وتوجه الى دولابه حيث كانت القداحة .. وقف أمام الدولاب يشعلها ويطفئها عدة مرات متأملاً لهيبها .. ناظراً له عن قرب .. مد يده ليعيدها الى مكانها .. حاول جذب احدى المنامات .. اتنبه فجأة الى شئ أسود تحت المنامة الأولى .. أمسكه بيده لتتجمد الدماء فى عروقه .. قلب المسدس أمام عينيه فى حيرة .. ثم تنبه فجأة على صوت "سمر" وهى تطرق الباب قائله :
- "مهند" .. "مهند"
تقدم الى الباب ففتح فقالت وهى تلهث :
- البوليس تحت بيقولوا عايزين يفتشوا الفيلا
اتسعت عيناها دهشه وهى تنظر الى المسدس فى يده .. نظرت اليه والى الحيرة فى عينيه وهو يقول بصوت أتى من مكان سحيق :
- لقيته فى دولابي
سمعا صوت رجال الشرطة وهم يصعدون الدرج قادمون فى اتجاههم .. نظرت بلهفة الى "مهند" والى السلاح الذى يحمل بصمات أصابعه .. وهى واثقه الى حد كبير أنه السلاح الذى استخدم فى جريمة قتل الجناينى .. دسه أحدهم فى غرفة "مهند" للايقاع به .. اقتربت أصوات الخطوات أكثر .. اضطرب تنفس "مهند" وعلامات الحيرة والتوتر على محياه .. كيف سينجو من ذلك المأذق ماذا لو لم تصدقه الشرطة .. الأصوات تقترب .. وتتعالى .. و .. فى غفله منه انتشلت "سمر" المسدس من يده .. وبحركة واحدة وأمام عينيه المندهشتين رفعت بلوزتها ودسته فى بنطالها .. و .. أتى ثلاث رجال وهموا بدخول الغرف .. انتبه "مهند" وصاح :
- ثوانى هخلى البنات تلبس وتنزل وبعدها فتشوا براحتكوا

أمر "عادل" بتوجه الجميع الى غرفة المعيشة ففعلوا .. أخذ "مهند" ينظر بتوتر الى "سمر" الجالسه قبالته .. خفق قلبه بعنف .. ثم أخرج هاتفه وانحنى على أذن "فريدة" قائلاً :
- من غير ما حد يحس ملينى رقم "سمر"
فى دهشة فعلت "فريدة" ما طلب .. بينما كانت "انعام" مندمجة فى الحديث مع "عادل" رأت "سمر" "مهند" وهو يعبث فى أزرار هاتفه .. ثم يرفع رأسه وينظر اليها قبل أن تشعر بذبذبة هاتفها فى يدها .. بحركة سريعة ودون أن بنتبه أحد فتحت الرسالة وقرأت ما فيها :
- خلى بالك .. متتحركيش كتير .. ممكن يكون المسدس متعمر
لاحت ابتسامه عذبه على شفتيها وهى تقرأ رسالته .. أعادت قرائتها مرات ومرات .. ثم رفعت عينيها لتنظر اليه والى ذلك الإضطراب على وجهه .. والى الخوف الذى ظهر جلياً فى نظرات عينيه .. اتسعت ابتسامتها وهى تحرك شفتيهـا .. ببـطء .. ودون صـوت :
- متخفــش عليــا
قــرأ "مهند" رســم شفتيهــا .. ومجــدداً . . لمــح تلــك النظــرة فى عينيهــا .. خفــق قلبــه بقــوة ! .. وارتعــدت فرائصــه .. أخيــراً .. فهـــم .. برعــب .. وخــوف .. وفـــزع ! .. معنــى تلك النظــرات !

Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق