روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل التاسع من رواية العشق الممنوع



أنهوا جولتهم فى الإسكندرية .. وقبل مغادرتها .. أوقف "مهند" سيارته أمام أحد المساجد .. دخل يبحث بعيناه عن شخص ما .. ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يتطلع الى ذلك الرجل الوقور ذو الجلباب الأبيض الذى استند الى أحد الأعمده فى المسجد .. وهو يمرر اصبعه الابهام على أصابعه ويحرك شفتيه هامساً .. اقترب منه "مهند" ووقف أمامه ينظر اليه فى حنان .. رفع الرجل رأسه ونظر اليه للحظات قبل أن تعلو الابتسامة شفته وهو يهتف غير مصدق :
- "مهند" .....


اتسعت ابتسامة "مهند" وعاون الرجل على النهوض .. وأمسك رأسه مقبلاً اياها وهو يقول :
- ازيك يا شيخ "محمد" وازى صحتك
هش الرجل وقال :
- بخير يا ابنى الحمد لله .. ازيك انت .. فين أراضيك دلوقتى
قال "مهند" مبتسماً :
- أنا دلوقتى عايش فى القاهرة مع عمى
ربت الرجل على كتفه وهو يقول :
- ربنا ينورلك طريقك يا ابنى ويحفظك من كل سوء
ثم أخذ الرجل ينظر اليه بتأثر قائلاً :
- الله يرحم أبوك راحمه واسعة .. كان راجل صالح .. ربنا يرزقه جنات النعيم ويحرم بدنه على النار
أطرق "مهند" برأسه يتذكر أبهي الراحل .. فأكمل الشيخ مبتسماً :
- لسه لحد دلوقتى فاكر يوم ما جالى وجابك فى ايده .. كنت لسه عيل صغير .. جابك وأعدك أدامى وقالى يا شيخ "محمد" ده ابنى "مهند" وعايزك تحفظه القرآن وتعلمه وتفهمه وتنوره عشان يبأه نبته صالحه أسيبها فى الدنيا بعد ما أموت
رفع "مهند" رأسه ينظر اليه فى تأثر . فأكمل الشيخ مبتسماً :
- كانت الفرحه مش سايعه أبوك لما ختمت وادوك جايزه فى المسابقة .. كانت الدموع بتفر من عينه وهو بيحمد ربنا ان ابنه حافظ للقرآن
ثم ربت على ذراع "مهند" قائلاً:
- وانت يا ابنى فعلاً نبته صالحة زى ما أبوك كان عايز .. انت من طلابى القليلين اللى ليهم معزه خاصة فى قلبي .. ربنا يحفظك ويحميك انت وأختك ويكفيكوا شرور الدنيا
قبل "مهند" يد الشيخ قائاً :
- ربنا يحفظك يا شيخ "محمد" ويديك الصحة .. أنا مديونلك بحاجات كتير أوى غرزتها جوايا انت وبابا الله يرحمه .. لما جيت النهاردة اسكندرية محبتش أمشى قبل ما أشوفك وأسلم عليك
ابتسم الشيخ قائلاً فى سعادة :
- فيك الخير يا ابنى
قال "مهند" وهو ينظر لساعته :
- معلش يا شيخ "محمد" مضطر أمشى
قال الرجل بطيبة :
- طريق السلامة يا ابنى .. خلى بالك من نفسك
التفت "مهند" ليغادر فأمسكه الشيخ من ذراعه قائلاً :
- اوعى تنسى اللى علمتهولك يا "مهند" .. الدنيا مليانه فتن يا ابنى
ربت "مهند" على يده قائلاً :
- متخفش يا شيخ "محمد" .. متخفش عليا

******************************

توجهت "سمر" الى الشركة فبادرتها السكرتيرة بإعطائها ملفاً عاجلاً .. اتسعت عيناه دهشة وخفق قلبها فزعاً وهى تطالع تلك الأوراق التى تؤكد خسائر متتالية للشركة منذ شهور .. رأس المال ينفذ .. أسهم الشركة فى البورصة تقل يومياً .. وضعت الأوراق أمامها فوق المكتب وهى تشعر كما لو أن الدنيا تنهار حولها .. اخرجت هاتفها بعصبية واتصلت بـ "باهر" هاتفه :
- "باهر" عايزاك فى المكتب حالاً
- خير يا "سمر" قى ايه ؟
قالت بعصبية :
- بقولك حالاً يا "باهر" .. مستنياك
أنهت المكالمة وألقت بالهاتف فوق المكتب وهى تسند رأسها بقبضتي يدها !
بعد ما يقرب من ساعة رأت "باهر" يدخل المكتب قائلاً :
- خير يا "سمر"
رفعت رأيها وننهضت بحدة وقفت أمامه قائله :
- ايه الخساير دى كلها يا "باهر" .. الشركة بتغرق
قال "باهر" ببرود :
- أنا مالى هو أنا اللى غرقتها .. باباكى اللى غرقها
هتفت بغضب :
- وانت كنت بتعمل ايه .. ليه مفهمتنيش الوضع كويس
قال بنفس البرود :
- كنت فاكرك عارفه .. وبعدين أديكي عرفتى .. هتعمل ايه ؟ .. ولا حاجه .. الشركة خلاص ضاعت .. رأيى بيعيها واستفيدي بالفلوس اللى هتطلعلك منها لانها كل يوم فى النازل
هتفت بأسى وهى تحرك ذراعيه فى الهواء بحيره :
- يعني ايه .. خلاص كده .. كل حاجة ضاعت .. طيب وبعدين .. أنا مبفهمش فى البيزنس .. هشتغل ازاى .. هعمل ايه .. أعمل ايه بالفلوس اللى هاخدها من بيع الشركة
قال "باهر" بنفاذ صبر :
- دخليها فى أى مشروع يا "سمر" .. خلى حد يشغلهالك .. مش قصة دى
أدارت "سمر" عيناها فى وجهة بأسى .. ثم قالت :
- احنا هنتجوز امتى يا "باهر"
أجفل "باهر" وهو ينظر اليها فأكملت بألم :
- كنت فاكره ان بعد وفاة بابا .. هتقولى يا "سمر" تعالى نتجوز عشان تبقى فى بيتى .. متبقيش لوحدك .. يا "سمر" تعالى أعوضك عن باباكى اللى مات .. يا "سمر" أنا نفسى أتجوك النهاردة قبل بكرة .. ايه اللى مانع جوازنا يا "باهر" .. انت تقدر تفتح بدل البيت عشرة .. ليه مش بتاخد خطوة
شعر "باهر" بأن هذه هى اللحظة المناسبة تماماً ليخبرها بقرار فسخ الخطبة . فتح فهمه ليتحدث .. لكن قاطعه السكرتيرة وهى تقول لـ "سمر" بلهفة بأن مندوب من أحد البنوك يريد مقابلتها لأمر عاجل .. التفت "باهر" الى "سمر" قائلاً :
- نتكلم بعدين .. خلصى شغلك وكلميني
انصرف "باهر" تحت أنظار "سمر" التى كانت شعرت بألم وأسى ظهر واضحاً جلياً فى عينيها

************************************
جلست "بيسان" فى شرفة منزلها تحتسى مشروباً ساخناً .. أخذت تفكر فى أحداث الليلة السابقة .. واستماعها لتلك المكالمة بين "نهاد" وتلك المرأ ة.. تذكرت تبريرات "نهاد" وقسمه بأن لا يخونها وبأن تلك المرأة ما هى الا علاقة قديمة .. وانقطعت .. ظلت الأفكار تراودها .. والأسئلة تلاحقها .. ماذا لو كان يخونها بالفعل .. وأنه يكذب بشأن انتهاء تلك العلاقة بنيه وبين تلك المرأة .. ما هو التصرف الصحيح الذى يجب على أى زوجة محبة لزوجها أن تسلكه .. كيف تحافظ على بيتها .. يكف يكون رد فعلها .. فكرت "بيسان" وفكرت .. الى أن توصلت لقرار .. لن تترك زوجها أبداً لأخرى تحاول هدم بيتها .. سواء خانها أم لم يخونها .. سواء انقطعت العلاقة أم لم تنقطع .. لا يجب أن تبتعد بنفسها عنه .. وتتركه فريسة سهله لتلك المرأة .. أو لأى امرأة غيرها .. إن لم تقدم له التفهم فلعله يبحث عن ذلك مع امرأة أخرى .. يجب أن تحتوى مشاكلهما .. يجب ألا تدع له المجال ليفكر فى غيرها أو ليحتاج لغيرها .. تركت الكوب من يدها ونهضت .. الى حيث يجلس "نهاد" حزيناً فى غرفة النوم .. يفكر فى طريقة يقنع بيها "بيسان" بأنه لم يخونها .. ولن يفعل .. هب من الفراش عندما وجدها تفتح الباب وتدخل .. أراد محادثتها لكنه خشى أن تنفعل عليه مثل اليوم السابق خاصة مع وضع حملها .. واقتراب موعد وضعها .. لكنه شعر بالدهشة وهو يراها يجلس بجواره على الفراش .. نظر اليها متلهفاً على الاستماع الى صوتها .. الى الحديث معها .. الى معرفة رد فعلها .. الى محاولة افهامها الحقيقة .. وأخيراً نظرت اليه وقالت بهدوء :
- احكيلى .. ومتخبيش عنى حاجه
قال بلهفة وحماس :
- والله يا "بيسان" ما خونتك .. زى ما قولتلك دى واحدة كنت أعرفها قبل ما نتجوز وقطعت علاقتى بيها .. وابتدت تحوم حوليا من فترة غيرت الرقم وبرده مفيش فايدة .. والله يا حبيبتى هى اللى بتجرى ورايا .. لكن أنا مش ممكن أخونك
نظرت اليه "بيسان" بإمعان تحاول تبين صدق كلامه .. وأخيراً قالت :
- طيب هاتلى رقمها
نظر اليها بشك وقال :
- عايزه رقمها ليه ؟
قالت بحزم :
- هاتلى رقمها يا "نهاد"
فتح "نهاد" هاتفه وقال :
- طيب سجليه عندك
أخذت الهاتف من يده ولدهشته وجدها تتصل بها .. نظر اليها إستغراب وسمعها تقول :
- ألو .. أنا "مراة "نهاد" .. لو سمحتى ابعدى عن جوزى .. اذا كنتى فاكرة انك بالطريقة دى هتسببى مشاكل بينى وبينه تبقى غلطانه .. احنا الاتنين بنحب بعض وبينا ولد مش هتيجي واحدة زيك وأسمحلها انها تهدم بيتى
قالت ذلك ثم أنهت المكالمة قبل أن تترك للمرأة فرصة الرد .. نظر "نهاد" اليها مبتسماً وقال :
- يعني مصدقانى
بدأت ابتسامه صغيره فى الارتسام فوق شفتيها وهى تقول :
- أيوة مصدقاك
عانقها قائلاً :
- الحمد لله .. كنت خايف أوى متصدقينيش
أبعدت رأيها نظرت اليه قائله :
- ممكن بعد كده متخبيش عنى حاجة .. أى حاجة تحصل قولى عليها واحنا نتكلم بهدوء مع بعض ونحل المشكلة .. ماشى يا "نهاد"
أومأ برأسه وهو ينظر اليها بسعادة قائلاً :
- ماشى يا "بيسان" .. مش هخبى عليكي حاجة تانى

*************************************
أوقفت "سمر" سيارتها فى أحد الأماكن الهادئة .. لا ترغب فى الذهب الى البيت حيث زوجة أبيها .. بالتأكيد ستشمت بها ولما آل اليه حال الشركة .. لكن ماذا تفعل وهى قليلة الخبرة بالعمل .. وبالحياة .. وها هو "باهر" لا تستطيع الإعتماد عليه على الإطلاق .. بل يبدو وكأنه لا يريد الزواج الآن .. أخذت تفكر .. تُرى لما يريد تأخير زواجهما .. ألأنها لم تطيعه فيما أراد .. وكيف تطيع .. فتحت باب سيارتها وهبطت وهى تشعر بحنق وغيظ شديد .. غيظ من كل شئ و أى شئ .. لماذا تشعر دايماً بأن حياتها بلا هدف .. بلا وجهه .. بلا معنى .. بلا طعم .. بلا روح .. داعب الهواء خصلات شعرها المتمردة فأعادتها فى عصبيه خلف أذنيها .. مر على بعد خطوات منها شابين .. أخذا ينظران الى سيقانها العارية .. شعرت بالتقزز وهى تلمح نظرتهما وهمساتهما .. لا شعورياً شدت الجيب الى الأسفل وكأنها تود لو كان أطول لتستطيع تغطية سيقانها عن عيونهما المتحرشه .. دخلت الى السيارة وانطلقت بها بحده .. لمعت العبارت فى عينيها .. شعرت بالحنق .. حتى أنها لا تدرى سبب دموعها .. أخذت نفساً عميقاً وأطلقته بقوة .. أدارت المسجل لتنبعث من السيارة نغمات موسيقى صاخبة .. ملأت السيارة بذبذباتها .. حاولت أن تدندن مع تلك الكلمات التى تفتقد كل معنى وذوق .. وهى تحاول أن تخرج ذلك الضيق من صدرها .. وتتناسى ما تشعر به من حزن وأسى .. !

*************************************
هتف "حسنى" فى غضب وهو جالس مع "كوثر" و "يسرية" فى بيتهم :
- "مهند" كل يوم شوكته بتقوى فى الشركة .. بعد كده محدش هيقدر يقوله تلت التلاته كام
قالت "يسرية" بحده :
- أخوك اتجنن يا "حسنى" .. مش عارفه ايه الحل معاه
قال "حسنى" بحيره :
- المشكلة لو وقفت قصاده ممكن يفتكر ان أنا اللى دبرت لقتله .. ومش بعيد يقول شكوكه دى للظابط وأبقى متهم رسمى .. ولو سكت كل حاجة هتضيع من بين ايدينا
رفع رأسه ينظر الى "كوثر" و "يسرية" قائلاً :
- "مهند" بأه يعرف أسرار فى الشغل أنا معرفهاش .. "عدنان" بأه معتمد عليه فى كل حاجه
قالت "يسرية" بخبث :
- طيب ما تحاول تقرب من "مهند" .. وتكسبه فى صفك
ابتسم "حسنى" بسخرية قائلاً :
- "مهند" ايه اللى أقرب منه .. وايه اللى يخلى "مهند" يخون "عدنان" .. مصلحة "مهند" مع "عدنان" مش معايا
قالت "كوثر" التى كانت تمعن فى التفكير :
- أنا عندى اقتراح نخلص بيه من "عدنان" وجنانه
نظر اليها كل من "حسنى" و "يسرية" .. فقالت بحماس :
- نحجر عليه
اتسعت أعينهما بدهشة وهما يتطلعان اليها .. هتف "حسنى":
- عايزانا نحجر على "عدنان" يا "كوثر" ؟
قالت "يسرية" مبتسمه :
- والله فكرة .. يا بنت الايه يا "كوثر"
التفت "حسنى" لينظر اليها فى دهشة قائلاً :
- حتى انتى يا "يسرية"
قالت "يسرية" ببرود :
- ده عين العقل .. مفيش حل غير كده
نهض "حسنى" هاتفاً :
- انتوا اتجننتوا باين عليكوا .. ازاى يعين نحجر عليه .. عشان نحجر على حد لازم يكون بيتصرف تصرفات مش طبيعيه .. و"عدنان" عقله يوزن بلد وتصرفاته موزونه جداً .. ازاى بأه هنقدر نثبت ان عقله مش مظبوط
قالت "كوثر" بحسرة :
- أووه مفكرتش فى دى
قالت "يسرية" بحماس :
- أكيد واحد فى سنه بيعمل حاجات مش طبيعيه .. احنا بس نركز معاه .. ونحاول نثبت انه مش موزون
قال "حسنى" مغادراً :
- والله باين انتوا الاتنين اللى اتجننوا بجد

**********************************
هتف الرائد "عادل" وهو جالس فى مكتبه :
- غريبة أوى !
قال مساعده الذى جلس أمامه :
- زى ما بقول لحضرتك يا فندم .. "لميس" كانت شغاله زمان خدامه فى بيت "حسنى" و "يسرية" .. وبعدها بفترة سبت الشغل عندهم وبطلت تشتغل خالص .. وبعد فترة رجعت تانى للشغل بس مشتغلتش عند "حسنى" .. لأ اشتغلت عند "عدنان" مديرة منزل
قال "عادل" شارداً :
- ممكن أوى يكون ولائها لسه لـ "حسنى" و "يسرية" وهما اللى خلوها ترتكب الجريمة دى .. هى الوحيدة اللى محدش شاف هى فين وقت الجريمة .. وهى اللى اكتشفت الجثة .. يعني سهل أوى تروح المرسم وتقتله وترجع الفيلا من غير ما حد يحس بيها
قال المساعد بحماس :
- بالظبط كده يا فندم
قال "عادل" وهو يجعد جبينه :
- بس ازاى خدامه أو مديرة منزل تقدر تنشن على القلب ومن المسافة اللى اضربت منها الرصاصة
مط مساعده شفتيه وهو يقول :
- ضربة حظ يا فندم .. جت معاها كده
قال "عادل" بتهكم :
- لا جبت التايهة .. طيب لو فى جديد فى القضية بلغنى
قام مساعده وأدى التحية العسكرية وهو يقول :
- تمام يا فندم
أرجع "عادل "ظهره الى الخلف وهو محتار فى أمر هذه القضية .. هل "لميس" لها علاقة بالقاتل ؟ .. أو هى نفسها القاتل ؟ .. وما هو دافعها لارتكب جريمتها ؟ .. ظلت هذه الأسئلة تلاحقه حتى نهض وخرج من القسم وهو يرتدى نظارته الشمسية التى أخفت لون عيناه البنيتان .. ليجد سيارة تقف لتسد الطريق .. فالتفتت الى اثنين من العساكر على باب القسم وهتف :
- عساكر انتوا ولا أسدين قصر النيل .. مين الحيوان اللى وقف عربيته أدام باب القسم ؟
ارتبك الإثنان وقال أحدهما بإرتباك :
- منعرفش يا فندم
صاح "عادل" :
- متعرفش .. أمال مين اللى يعرف .. أمى
ثم هتف وهو يركب سيارته :
- ادخل يا ابنى شوفلى من اللى راكنلى عربيته هنا خليها يشيلها مش جراج هو
انطلق بسيارته الى منزله .. توقفت السيارة أما تلك البناية لينهض البواب مؤدياً التحية العسكرية .. صعد الى طابقه وفتح الباب ثم أخذ يتشمم الهواء صائحاً :
- الله الله .. وأنا أقول من ساعة ما طلعت من المكتب وعصافير بطنى مش على بعضها .. أتارى قلبى كان حاسس
خردت سيدة كبيرة من المطبخ وهى تبتسم قائله :
- انت جيت يا عادل ؟
قال "عادل" بمرح وهو يقبل رأسها :
- لا لسه مجتش .. نص ساعة وأكون هنا
ضربته أمه على كتفه قائله :
- يلا وله .. غير هدومك على ما أحطلك الأكل
قال "عادل" بسخرية :
- وله ! .. لو سمعك حد من زمايلى فى القسم هتبقى فضيحتى بجلاجل .. الرائد "عادل" اللى بيمشى فى القسم كده يجلجله .. يتقاله يا وله
رفعت أمه حاجبيها قائله :
- آه وله وهتفضل وله .. هتتكبر على أمك ولا ايه
ابتسم مقبلاً يدها وقال :
- حد يقدر يتكبر عليك برده يا جميل انت .. ده انت اللى فى العين والننى
ضحكت قائله :
- طيب يلا يا وله ادخل غير هدومك ده أنا عملالك ملوخية وأنارب ايه زى العسل
قال متهكماً :
- أنارب ؟! .. أكولها ازاى بعد ما قولتى عليها أنارب
دخل غرفته البسيطة التى تزينها بعض اللوحات لآيات من كتاب الله .. وكلمات تحث على الصبر والرضا .. بدل ملابسه بمنامة بسيطة .. وخرج ليجد والدته قد أعدت المائدة .. جلسا معاً أمام الطاولة وهم بأن يتناول طعامه .. عندما ضربته أمه على كفه قائله :
- قوم اغسل ايدك الأول
نهض "عادل" بتبرم وقال :
- حاضر
دخل الحمام وغسل يده وعاد الى مقعده رافعاً كفيه أمام وجهه وهوي قول بمرح :
- فل أهو .. آكل بأه
قالت أمه وهى تبدأ فى تناول طعامها :
- آه يا حبيبى كل
قال "عادل" مستمتعاً بطعامه :
- الله الله الله .. الله عليكي يا حجه وعلى عمايلك .. ملوخيه فى الجون .. وأنارب ملهاش حل .. يا هناه يا سعده اللى ياكل ملوخية وأنارب من ايد الست أم "عادل"
قالت والدته ضاحكة :
- ان شاله تسلم يا وله يا "عدول"
توقف "عادل" عن اكمال طعامه قائلاً وهو يشير بأصابعه بغيظ :
- وله .. و "عدول" .. الاتنين
دست أمه قطعه لحم فى فمه وقالت :
- متتكلمش على الأكل .. وكل كويس شكلك عدمان العافيه .. عايزاك ظابط ملو هدومك كده مش هفأ
رفع حاجبه بغيظ وقال وهو يلوك الطعام فى فمه :
- هفأ .. ده أنا الحمد لله كلمتى ليها شنه .. ابقى تعالى القسم وانتى تشوف ابنك وهيبته
دست قطعة لحم أخرى فى فمه وقالت :
- ما شاء الله .. ربنا يحميك من العين يا ابنى
ربتت على ظهره قائله :
- كل يا حبيبى كل
أشار الى الطعام وقال :
- ما أنا باكل أهو .. تسلم ايدك يا أم "عادل" .. بس بعد الأكل كده تعمليلنا كوبايتين شاى كشرى من اللى هما
ابتست قائله :
- حاضر يا حبيبى من عنيا

***********************************
عاد "دياب" الى بيته فى معاده المسائي .. ليجد طفلته الصغيرة نائمة على الفراش الوحيد بالمنزل .. دخل وقبل رأسها .. دخلت "سحر" الغرفة بعدما شعرت بوجوده وأشارت له فى تبرم أن يخرج من الغرفة .. قبل الصغيرة قبلات متتاليه ثم خرج ليلحق بـ "سحر" فى المطبخ .. ابتسم مقبلاً اياها وهو يقول :
- ازيك يا "سحر"
قالت وهى تفتح باب الثلاجة لتخرج منها أحد الأغراض :
- ثوانى والأكل يكون جاهز
قال لها مبتسماً :
- متخليني أصحى "منه" شويه .. وحشانى نفسى ألعب معاها .. بقوم من الصبح على الشغل وهى نايمه ولما برجع بتكونى نيمتيها
قالت "سحر" بنفاذ صبر وهى تضع الطعام فى الأطباق :
- "دياب" أنا مش ناقصة صداع .. أنا ما صدقت نيمتها .. لو صحيت مش هعرف أنيمها تانى
اقترب منها "دياب" وأحاطها بذراعيه قائلاً :
- بقولك ايه متسيبى الأكل ده دلوقتى
قالت بتأفف :
- "دياب " سيبنى أغرف خلينى أخلص .. أنا مهدود حيلى من الصبح .. أمك طلعت روحى فى الخبيز النهاردة .. وبنتك كملت عليا
قال "دياب" مقبلاً اياها :
- ألف سلامة عليكي .. معلش هى ماما بتحب تخبز العيش بنفسها .. ست كبيرة بأه مش هنيجي نغيرها دلوقتى
التفت وصاحت بغضب :
- وأنا ذنب أهلى ايه .. ما مراة أخوك أعده فى بيتها متهنيه .. مبتخليهاش تعجن معاها ليه .. ولا أنا بنت البطة السودة
قال "دياب" بحنان :
- لا يا "سحر" طبعاً هى بس ممكن تكون مبتقلش على مراة أخويا لان معاها 5 عيال ومش فاضية بس انتى معاكى "منه" بس
هتفت بحده :
- بنت واحدة بس مطلعة عيني .. انت طول اليوم فى شغلك مش مقدر .. بنتك من ساعة ما بتفتح عينها لحد ما بتنام وهى عماله تزن وتعيط .. خلاص روحى بأت فى مناخيرى
مسح على ذراعيها قائلاً :
- معلش أنا عارف انك بتتعبى معاها
التفتت مرة أخرى لتعاود اعداد الطعام .. فابتسم لها قائلاً وهو يجذب يدها :
- سيبك بأه من الأكل دلوقتى .. مش هيطير
جذبت يدها من يده بعنف وقالت :
- انت فايق ورايق .. سيبنى أخلص من تحضير الأكل ده خليني أنام
قال "دياب" بحنق :
- كل يوم الاسطوانه دى .. ايه فى ايه .. مرة مشغولة مرة تعبانة مرة البت هتصحى .. أنا جوزك وليا عليكي حقوق
قالت بحدة وهى تضع الطبق من يدها بحده :
- انت معندكش ذرة احساس .. بقولك طالع عيني من الصبح مع بنتك وأمك .. بس عادى يعني .. ده العادى .. من امتى وانت بتحس بيا
انصرفت بغضب ودخلت غرفة النوم تنام بجوار طفلتها .. بينما وقف "دياب" فى المطبخ يغلى من الغضب !

**********************************

خرج "مهند" من الشركة وتوجه الى الكافيه الذى يقع أمامها .. دخل كعادته وجلس على مقعده الذى يجلس عليه كلما ارتاد ذلك الكافيه .. أخرج دفتر وقلم من جيبه .. وأخذ يرشف قهوته التى وضعها النادل أمامه .. ويدون بضع كلمات على الدفتر .. لم ينتبه "مهند" الى نظرات الفتاة الجالسه على بعد عدة طاولات منه .. التفتت لصديقتيها تقول :
- كنا مع بعض فى رحلة العمل اللى طلعناها تركيا
نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض وقالت احداهن :
- محسسانى انك طلعتى معاه لوحدك .. ده انتوا كنتوا ولا 10 أفراد
قالت الفتاة وهى ترمق "مهند" بنظراتها :
- بس بقينا قريبين من بعض .. بشمهندس "مهند" كان ذوق أوى معايا فى الرحلة .. وكمان كانت أوضته جمب أوضتى وطول الطريق من الشركة التركية للفندق كنا بنقضيه كلام ومناقشات حولين الصفقة . .كان بيهتم انه ياخد رأيى فى كل تفصيلة
ضحكت احدى صديقتيها بسخرية وقالت :
- مش واسعه دى ؟
نظرت اليها ببرود وقالت :
- واسعه ايه يا تعبانه .. بقولك فعلاً كان بياخد رأيى فى كل حاجة انتى نسيتى انى مديرة العلاقات العامة ولا ايه
ثم نهضت من مكانها وتوجهت الى طاولة "مهند" ورسمت ابتسامة على شفتيها قائله بدلال :
- ازيك يا بشمهندس
رفع "مهند" رأسه وقد بوغت بوجودها .. هز رأسه وغض بصره قائلاً :
- أهلاً بحضرتك
اتسعت ابتسامتها .. ودون دعوة .. وتحت انظار "مهند" المندهشة .. جذبت مقعداً وجلست أمامه قائله بمرح :
- بصراحة نفسى أعرف نتيجة تعبنا فى رحلة تركيا .. يعني قولت بما ان حضرتك المسؤل الأول دلوقتى عن الشركة بعد "عدنان" بيه فأكيد حضرتك عارف الصفقة ماشية تمام ولا لأ
ثم ضحكت بمرح قائله :
- عايزة أشوف نتيجة تعبي
ثم رمقت الفتاتان بنظراتها وكأنها تقول "أصدقتم الآن" .. التفت "مهند" بطرف عينيه ليرى الفتاتان على الطاولة وهما ترمقانهما وتتهامسان .. ففهم الوضع .. وقبل أن تعى الفتاة ما يحدث .. نظر اليها "مهند" بحده وقال:
- اتفضلى قومى من هنا
التفتت لتنظر اليه بدهشة قائله :
-نعم ؟
قال "مهند" بصرامة :
- حضرتك سمعتينى .. اتفضلى قومى من هنا .. أنا مسمحتلكيش تعدى
توترت الفتاة واضطربت .. ونهضت قائله :
-أنا آسفة مكنش قصدى أضايقك
هز رأسه وعاود الكتابة فى مفكرته متجاهلاً اياها تماماً .. شعرت الفتاة بالمهانة خاصة بعدما عادت الى الطاولة ورأت صديقتيها يتضاحكان فيما بينهما فهتفت بغضب :
- مش عايزة واحدة فيكوا تفتح بقها بكلمة
ثم التفتت ترمق "مهند" بنظرات غيظ بينما كان لا يزال يكتب فى مفكرته دون أن ينظر تجاهها ولو بنظره واحده .. وهى تتمتم :
- قليل الذوق !

*************************************

- احنا لازم نسيب بعض .. احنا مننفعش لبعض
فتحت "سمر" فاها بدهشة وهى تسمع تلك الجملة يلقيها "باهر" على مسامعها عبر الهاتف .. هتفت بدهشة :
- ايه .. بتقول ايه ؟
فقال بحزم :
- بقولك يا "سمر" احنا مننفعش لبعض .. خلصا كل واحد يشوف طريقه مع واحد تانى
صمتت لا تقوى على الكلام .. ازدادت ضربات قلبها وهى تحاول أن تستوعب ما قال .. هتفت مرة أخرى :
- بتقول ايه ؟
قال "باهر" بسرعة :
- معلش يا "سمر" مضطر أقفل دلوقتى
أنهى المكالمة وهى مازالت تضع السماعة فوق أذنها .. أنزلت الهاتف ونظرت اليه وهى لا تزال تحت تأثير صدمتها .. نعم كانت تشعر برغبته فى تأخير الزواج .. لكنها لم تتوقع أن يتركها ويفسخ خطبتها .. كيف يفعل .. ولماذا يفعل .. أتت فى تلك اللحظة "فيروز" من الخارج لتجد "سمر" واقفة فى الردهة بحالها تلك .. قالت بإستغراب :
- ايه مالك .. فى ايه ؟
قالت "سمر" بحيرة واضطرب :
- "باهر"
- ماله ؟
لمعت عيناها بالعبرات وهى تقول :
- "باهر" فسخ الخطوبة
ابتسمت "فيروز" بخبث وقالت بحماس :
- أحسن غار فى داهية
ثم اقتربت من "سمر" وقالت بسعادة :
- سيبك منه خالص .. ولا تهتمى بيه .. أقولك على خبر يجنن .. فى عريس متقدملك .. حتى لما عرف انك مخطوبة اتمسك بيكي .. لا ومش اى عريس .. ده يبقى ............
لم تستطع "فيروز" اكمال جملتها لأن "سمر" انطلقت كالسهم خارج المنزل .. تمتمت "فيروز" بحنق :
- غبية
انطلقت "سمر" بسيارتها بسرعة عالية وهى تعقد جبينها فى غضب .. أوقفت السيارة أمام النادى الذى تعلم بوجود "باهر" بداخله .. دخلت لتفاجئ بـ "باهر" جالساً على أصدقائهما .. بينما احدى الفتيات تجلس فوق قدميه .. اتسعت عيناها دهشة وتوجهت الى طاولتهم بحنق .. اختفت ابتسامة "باهر" بمجرد أن رآها .. توقف الأصدقاء عن الضحك وهم ينظرون الى "سمر" الغاضبة .. وقبل أن يعوا ما يحدث جذب "سمر" الفتاة من ذراعها بحدة تبعدها عن "باهر" ثم تلتفت الى "باهر" صائحة :
- عايزه أتكلم معاك
نهض "باهر" على الفور وهو يتطلع حوله ودفع "سمر" بيده الى خارج النادى .. وقفت "سمر" بمواجهته وهى تهتف :
- يعني ايه اللى انت قولته ده .. يعني ايه نسيب بعض ؟
قال ببرود :
- زى ما قولتك احنا مننفعش ببعض
صاحت بغضب :
- وجاى دلوقتى تكتشف اننا مننفعش ببعض
لانت ملامحها و ضعق صوتها ولمعت الدموع فى عيناها وهى تقول بألم :
- أنا قولتلك متسبنيش يا "باهر" .. أنا لوحدى .. ومحتجالك .. واحنا بنحب بعض .. قولتلى مش هسيبك .. انت قولت كده يا "باهر" .. قولت مش هسيبك
زفر قائلاً :
- يا "سمر" احنا مش هننفع نتجوز .. احنا مختلفين أوى عن بعض .. كل واحد تفكيره فى جهة
قالت والعبرات تتساقط فوق وجنتيها :
- "باهر" بقولك محتجالك .. أنا مليش حد فى الدنيا دى غيرك .. أنا بجد مش عايزه نسيب بعض .. طيب قولى ايه الاختلاف اللى انت شايفه بينا وأنا هحاول أظبطه
صمت ولم يجب .. مسحت عبراتها المتساقطة وقالت وهى تشعر وكأن الأرض تتحرك من حولها .. وأصبحت الموسيقى الصاخبة تضعف شيئاً فشيئاً :
- رد عليا .. شايفنا مختلفين فى ايه يا "باهر" ؟
قال بنفاذ صبر :
- "سمر" خلصنا
توجه الى سيارته وركب أمام المقود .. اندفعت ٍ"مر" تركب فى المقعد المجاور وهى تصيح :
- يعني ايه .. تخطبنى وقت ما انت عايز وتسيبنى وقت ما انت عايز
انطلق "باهر" بالسيارة بسرعة وهو صامت يزم شفتيه فى غضب .. فهتفت "سمر" بهستيريه وهى تلكمه فى كتفه :
- طالما مش عايز تتجوزنى خطبتنى ليه يا "باهر" .. قولتلى ليه انك بتحبنى .. قولتلى ليه مش هتسيبنى
صاح "باهر" بحده وهى يضغط على دواسة البنزين بعصبية :
- انتى واحدة متخلفة وهتفضلى كده بعقليتك المتخلفة دى .. أنا خلاص قرفت منك ومش عايزك .. ايه هو الجواز بالغصب
تساقطت دموعها وهى تصيح باكية :
- يعني عشان بحافظ على نفسى أبقى متخلفة فى نظرك
لم يجب بل ازادت عصبية وهى تصيح ضاربه كتفه بقبضة يدها :
- عايزنى أبقى زى التييييييييييييت اللى كانت عده على رجلك من شوية
دفعها بيده بعنف فارتطم رأسها بزجاج الشباك بجوارها .. وضعت يدها على رأسها وهى تشعر بدوار وبرغبة فى التقيؤ .. نظرت اليه هاتفه :
- انت تييييييييييييييت يا "باهر" .. وأنا اللى مش عايزاك
التفت ينظر اليها بغضب .. وفجــــــاة .. اتسعت عينا "سمر" فى محجريهما وصاحت بأعلى صوتها وهى تنظر الى تلك السيارة القادمة تجاههما بسرعة كبيرة :
- حااااااااااااااااااااااااااااسب !!
التفت "باهر" ينظر أمامه .. حاول ادارة المقود .. لكــن .. سبق السيف العزل .. واسودت الدنيا أمام أعينهما !!
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق