روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الثامن من رواية العشق الممنوع


استيقظت "سمر" فزعة من نومها بعدما رأت حلماً أفزعها .. وضعت يدها على صدرها الذى يعلو ويهبط بسرعة جنونيه .. أزاحت الغطاء ونهضت متوجة الى المطبخ لتشرب كوباً من الماء .. تذكرت الحلم الذى رأته منذ قليل .. رأت نفسها تقف فوق سطح أحد المنازل .. وفجأة هوت من ذاك المرتفع اختلطت صرخاتها ببكائها .. ظلت تهوى وتهوى .. الأرض تقترب ببطء .. الإصطدام آت لا محالة .. شعرت بألم حارق فى كل جسدها وكأنه جسدها تهشم الى قطع صغيره .. الأرض تقترب أكثر فأكثر .. لا يوجد ما تتشبث به لتنقذ نفسها .. أغمضت عينيها واستسلمت لمصيرها .. المسافة اضمحلت حتى حانت لحظة الإصطدام .. تفتح عينيها فجأة لتجد نفسها فى أحضان والدتها .. تتشمم رائحتها تتأمل ملامحها .. ثــم .. تستيقظ من حلمها .. وضعت كوب الماء الفارغ على طاولة المطبخ .. وعادت الى فراشها وهى تسترجع ذلك الحلم .. حاولت أن تستسلم للنوم .. لكنه خاصم جفونها .. وفقد قلبها سكينته !

***************************************

قال "عدنان" الذى يترأس طاولة الإجتماع :
- الحمد لله كده احنا متفقين على كل حاجة ..باقى بس نمضى العقود
ابتسم أعضاء الشركة الأخرى لسيريان العمل بشكل جيد بينهم وبين شركة "زياكيل" والتى لها ما لها من صيت فى البلاد .. أمضوا العقود وتبادلوا عبارات التهانى .. نهض "عدنان" و "حسنى" و "مهند" لتوديع الوفد المشارك بالإجتماع .. اقتربت احدى النساء من "مهند" ومدت يدها قائله ببشاشه :
- مبسوطين بالإتفاق اللى وصلناله مع شركتكم يا بشمهندس "مهند"
نظر "مهند" الى يدها الممدود ثم قال بنبرة جاده :
- احنا مبسوطين أكتر بالتعاون مع شركتكم يا فندم .. آسف مبسلمش
اختفت ابتسامة المرأة .. لكنها أطلقت ضحكة عاليه وقالت :
- ليه هاكلك يا بشمهندس .. ولا عشان متوضى ؟
قال بجديه وفى عينياه نظرة برود :
- الوضوء ملوش علاقة
بدا وكأن المرأة تستمتع بإستفزازه .. قالت بمكر وهى ترى زملائها يغادرون المكتب :
- نكمل كلامنا فى وقت تانى .. ولا ده يضايقك يا بشمهندس
بدا "مهند" متحكماً فى أعصابه وهو يقول بهدوء :
- لا ميضايقنيش .. شرفتى
رمقته بنظرات مرحه وهى تغادر المكتب .. توجه "مهند" الى مقعده الذى نهض عنه منذ قليل .. جمع الأوراق ووضعها فى أحد الملفات ثم غادر المكتب بصحبة "عدنان" و "حسنى"

**************************************
دفعته "سمر" عنها قائله بغضب :
- قولتلك لأ يا "باهر"
اعتدل "باهر" فى جلسته بالسيارة ونظر اليها بحده قائلاً :
- انتى مستفزه بجد .. ليه لأ
قالت بحزم :
- كده لما نبقى نتجوز
قال بتهكم وهو يعيد شعيراته الطويلة الى الخلف :
- ايه الجو اللى انتى عايشه فيه ده انتى فاكره نفسك فى مصر .. انتى فى تركيا يا بنتى
اتسعت عيناها دهشة للحظات ثم هتفت بحنق :
- ايه علاقة انى أحافظ على نفسى بالبلد اللى أنا عايشه فيها .. البنت المحترمة بتفضل محترمة فى أى مكان .. مش عشان يعني عايشة بره مصر أبقى زى الناس هنا
قال "باهر" بضيق شديد وهو يدير سيارته وينطلق بها :
- انتى بجد مستفزة .. وهتضيعينى من ايدك .. مفيش حد بيعمل كده .. حتى فى مصر .. بأه ده العادى .. أنا حاسس انى خاطب واحدة من أيام أفلام الأبيض والاسود .. ايه الأفوره اللى انتى فيها دى
قالت بصرامة :
- "باهر" وقف العربية خليني أنزل
نظر اليها ببرود ثم أكمل طريقه .. فقامت "سمر" فجأة بالإنقضاض على مقود السيارة تأتى به يميناً ويساراً فصاح "باهر" :
- يا مجنونة هنعمل حادثة .. سيبى الدريكسيون يا "سمر"
لم تستجب "سمر" بأمره فإضطر الى الضغط على المكابح لتصدر صريراً مرعباً .. فتحت "سمر" الباب وأغلقته بعنف شديد .. ثم أسرعت فى طريقها وهى تكاد تنفجر من الغضب .. ألقى "باهر" عليها نظرة غاضبة ثم انطلق مكملاً طريقه !

************************************

عبرت سيارة صديق "نهال" بوابة الفيلا .. أوقف أحد الحرس السيارة وألقى نظرة على صديق "نهال" وصديقتها الجالسه بالخلف .. قالت "نهال" بتأفف :
- خير فى حاجه ؟
قال الحارس الذى يرتدى اليونيفورم ويحمل بيده هاتفاً لاسلكياً :
- لا أبداً يا فندم .. اتفضلى
انطلق صديق "نهال" بالسيارة .. التفت اليه أحد زملائه قائلاً :
- ايه يا "دياب" .. فى ايه ؟
التفت "دياب" اليه وقال :
- الواد ده شكله مش مريحنى
ضحك زميله وقال :
- مريحك ولا مش مريحك احنا مالنا ومالهم

توقفت السيارة أمام الفيلا فهبكت منها "نهال" ملوحة لصديقيها مودعة .. قبل ن تتمكن من صعود الدرجات سمعت صوتاً من خلفها يقول :
- آنسه "نهال"
التفتت "نهال" وابتسمت قائله :
- أيوة يا "بشير"
صعد "بشير" الدرجات التى تفصله عنها وهى يلقى نظرة على السيارة المغادرة .. ثم نظر اليها بقلق وقال :
- الولد ده مش مرتاحله خلى بالك من نفسك
قالت بلامبالاة :
- لا أبداً ده لذيذ أوى
قال وهو ينظر اليها بإمعان :
- خلى بالك من نفسك
أومأت برأسها فى لا مبالاة وأكملت صعود الدرجات الى الفيلا

غادرت السيارة .. فقال "دياب" بحنق وهو يجلس على أحد المقاعد بجوار البوابة :
- مش فاهم ايه العالم دى .. سايبين بنتهم داخله خارجه مع شاب ملزق زى ده .. خلاص مفيش نخوة .. الله يرحمك يا رجولة
قال زميله وهو يعطيه كوب الشاى الخاص به :
- اشرب يا ابنى .. رجولة ايه .. الناس اللى زى دى بيشوفوا الرجولة تخلف ورجعية
أخذ "دياب" رشفة" من كوب الشاى ثم قال :
- لا بس الشهادة لله البشمهندس "مهند" غير العالم الزبالة اللى عايشين فى الفيلا .. تحسه كده راجل من ضهر راجل
أومأ زميله برأسه قائلاً :
- معاك حق .. حتى طريقته فى التعامل معانا ومع اللى شغالين فى الفيلا .. تحسه راجل محترم كده ومتواضع .. مش متكبر زى "علاء" و "نهاد" وباقى العائلة الكريمة
نظر "دياب" الى ساعته ثم ترك كوبه وقال :
- أنا كده تمام .. معاد الشفت انتهى .. أشوفك بكره يا زُمل
شيعه صديقه بيده قائلاً :
- سلام يا "دياب"
مشى "دياب" الى أن وصل الى نهاية الشارع .. سار بطول شارعاً آخر .. ثم توجه الى احدى مواقف الحافلات ينتظر الحافلة .. بدا عليه الإنهاك والتعب .. وضع كفه على فمه يكتم تثائبه .. أتت الحافلة .. ركب وتزاحم مع الركاب .. عد الدقائق التى مرت كالساعات حتى وصل الى وجهته .. فقط ليركب حافلة أخرى !
عندما وصل الى بيته كان قد بلغ منه التعب مبلغه .. توجه الى بقال صغير وقال مبتسماً :
- مساء الخير يا عم "عبده"
هش الرجل وقال :
- مساء النور يا ابنى .. اتفضل
أخذ "دياب" ينظر الى الحلوى المعروضة .. ثم تخير منها مصاصة صغيرة و طلب من الرجل أن يلف له القليل من البسطرمة .. أخذ "دياب" من البائع من أراد ونقده الثمن بعد الحاح .. صعد الدرجات المتهالكة فى تلك البناية القديمة التى تتوسط أحد الأحياء الشعبية .. أخرج مفتاحه وفتح الباب .. أغلقه خلفه بهدوء نظر يميناً ويساراً .. أقلقه السكون الذى حف المكان .. فنادى :
- "سحر" .. انتى فين ؟
لم يجد رداً توجه الى غرفة النوم ليجد امرأة نائمة فوق الفراش وبجوارها طفلة صغيره .. أشارت له أن يصمت .. كانت تربت على الطفلة وتدندن لها بصوت خافت حتى تتمكن من النوم .. اقترب "دياب" منها على أطراف أصابعه وقبل وجنتها وقال هامساً :
- جبتلك حاجه بتحبيها .. نيميها وتعالى نتعشى
أومأت له رأسها وقالت بضيق هامسه :
- "دياب" اخرج دلوقتى البنت هتصحى ما صدقت انها بتنام
التف "دياب" الى الجانب الآخر من الفراش مقبلاً جبين الصغيرة تحت نظرات "سحر" الحانقه .. فهتفت هامسه :
- "دياب" مش وقته .. اخرج
أومأ "دياب" برأسه وابتسم معتذراً .. خرج من الغرفة وهو يحمل منامته .. دخل الحمام وأخذ دشاً وارتدى المنامة .. خرج يبحث عن "سحر" فى المطبخ فلم يجدها .. توجه الى غرفة النوم ليجدها نائمة تغط فى سبات عميق .. شعر بالضيق .. لكنها ما لبث أن اقترب منها وأحكم وضع الغطاء عليها وعلى طفلته .. خرج وتوجه الى المطبخ بعدما شعر بالجوع ينهش معدته .. أخرج علبة صغيره تحتوى على فتات من الجبن .. وصنع ساندوتش سريع .. التهمه فى نهم .. ثم توجه الى الجهة الأخرى من الفراش .. مقبلاً كف صغيرته قبل أن يغط فى سبات عميق هو الآخر

****************************************
قال "باهر" لصديقه بتأفف :
- أنا اتخنقت وعايز أسيب "سمر"
ضحك صديقه وقال :
- أنا استغربت أصلاً انت ايه اللى مصبرك عليها لحد دلوقتى
قال "باهر" بغيظ :
- عمر ما واحده عصلجت معايا كده .. خطوبه وخطبتها عايزه ايه تانى
قال صديقه مازحاً :
- بترسم أكيد على جواز
ابتسم "باهر" بسخريه وقال :
- بتحلم أكيد .. آل أتجوز آل .. أنا ناقص خنقه .. وبعدين دى بنت خنيقه بجد يعني .. على رأيك أنا كان ايه اللى مصبرنى عليها .. أنا هتكلم معاها .. وأنهى كل حاجه
ضرب صديقه كأسيهما ببعضهما البعض وقال :
- أيوه كده .. كنت كده "باهر" صحبى وحبيبى .. كان دمك تقيل أوى وانت خاطب
أطلق "باهر" ضحكه رنانه وقال :
- آل يعني كان فارق معايا خاطب ولا مش خاطب
ضاركه صديقه ضحكاته قائلاً:
- على رأيك ده انت كنت مقضيها

****************************************

اجتمعت العائلة على طاولة الطعام .. وكل منهم شارد فى أفكاره .. أما عينا "عدنان" فكانت تدور عى الجميع وكأنه يريد النفاذ داخل صدور كل منهم ويعلم بمكنونات قلوبهم .. قالت "نهال" وهى تلقى نظره على "مهند" :
- أنا نفسى أغير جو قبل ما الدراسة تبدأ
قالت "انعام" ضاحكة :
- أمال الرحلة اللى كنتى فيها دى كانت ايه
قالت "نهال" بمرح :
- أصل أنا نفسى أروح اسكندرية .. بجد بحبها أوى ونفسى أزورها
ظهرت سحابة حزن على عيني "مهند" لم ينتبه اليها الى أخته الجالسه بجواره .. قالت "يسرية ":
- خلاص مفيش مشكلة اطلعى مع حد من صحابك
ٌقالت "نهال" :
- لأ .. أنا عايزه أطلعها معاكوا .. ما تيجوا نطلعها سوا
قال "حسنى" :
- انتى فاكرانا فضينلك يا "نهال"
قالت "انعام" ببشاشه :

- حبيبتى "نهال" ولا تزعلى نفسك .. أنا هطلع معاكى .. أنا كمان محتاجه أغير جو
قالت "نهال" بلهفه :
- حلو أوى يا عمتو
ثم نظرت الى "فريدة" وقالت وهى تعى ما تقول :
- متيجي معانا يا "فريدة" أهو تغيري جو
قالت "فريدة" بأسف :
- معلش يا "نهال" بس انتى عارفه انى مينفعش أسافر من غير محرم
قالت "نهال" وهى تلقى نظره على "مهند" :
- يا خسارة يا "فريدة" كنتى هتتبسطى أوى .. حرام والله انتى على طول محبوسة فى البيت ومبتخرجيش ولا بتسافرى ولا بتغيري جو
قال" علاء" بسخرية وهو يرشف من كوب الماء أمامه :
- معلش يا "نهال" أصل ابن عمك عايش فى دور سى السيد حتى مع أخته
التفت اليه "مهند" بحده وقال بحزم :
- لا مش عايش دور سى السيد .. بس البنت مينفعش تسافر من غير محرم معاها .. وده حفاظاً عليها مش للضرر بيها
ثم نظر الي "فريدة" وقال :
- خلاص يا "فريدة" نطلع معاهم
صفقت "نهال" بحماس .. فقد نجحت خطتها فى استدراج "مهند" الى تلك الرحلة
قالت "فريدة" بفرح :
- بجد يا "مهند" يعني مش هعطلك ؟
أحاط كتفيها بذراعه قائلاً :
- ولا يهمك يوم واحد مش هيخسر
قالت "نهال" بحنق :
- يوم واحد بس
قال "مهند" بحزم :
- أيوة ومن غير بيات .. لان مش هينفع أسيب الشغل اليومين دول
قال "عدنان" مؤكداً :
- فعلاً مينفعش خالص تبعد عن الشركة يا "مهند" بس لو على يوم من الصبح لآخر النهار مفيش مشكلة .. ولما نخلص الكام صفقة اللى فى ايدينا ابقى خد أجازة كام يوم
أومأ "مهند" برأسه ثم عاد لإكمال طعامه .. ابتسم "عدنان" الى "لميس" التى تشرف على تقديم الحلوى وقال :
- تعبناكى النهاردة يا مدام "لميس"
ابتسمت قائله بأدب :
- لا أبداً يا "عدنان" بيه
التقت عيناها بعيني "يسرية" فلمحت سخرية فى عينيها .. أشاحت "لميس" بوجهها عنها سريعاً .. انتهت السهرة وتوجه "حسنى "برفقة "يسرية" و "كوثر" الى الخارج .. وقف "لميس" تشيعهم بأدب .. بمجرد أن خرجت "يسرية" قالت :
- ثوانى نسيت حاجة جوة اسبقونى انتوا على العربية
هبط "حسنى" الدرج برفقة "كوثر" .. عادت "يسرية" ورأت "لميس" متوجه الى الدور السفلى حيث يعيش العاملون فى الفيلا فجذبتها من ذراعها .. التفتت "لميس" لتنظر اليها ببرود .. قالت "يسرية" بتهكم وهى تنظر الى بنظرات ساخره :
- لسه بتبصى لفوق يا "لميس" مش كده ؟ .. بس خلى بالك مش كل مرة تسلم الجره
امتقع وجه "لميس" وتجمدت ملامحها .. فقالت "يسرية" هامسة بتشفى :
- خلى بالك من تصرفاتك كويس أوى .. واوعى تفتكرى انى مش واخده بالى .. أنا فاهماكى كويس .. وفاهمة بتخططى لايه
ثم قالت بقسوة شديدة وهى تضغط على ذراعها بعنف :
- ده بعدك يا "لميس" .. فوقى لنفسك بدل ما أفوقك
جذبت "لميس" ذراعها بعنف من يد "يسرية" وتوجهت مسرعة الى غرفتها .. أغلقت الباب ووقفت خلفه .. تحاول السيطرة على عبراتها المنهمرة دون جدوى .. تعالى صوت بكائها .. فأخرج معها آهاتها الحبيسة بداخل صدرها !

**************************************

اقتربت "بيسان" من غرفه النوم لتتوقف فجأة بعدما تنامى الى مسامعها من خلف الباب المغلق صوت "نهاد" وهو يقول :
- انتى عايزه ايه دلوقتى ؟
فتحت فمها فى دهشة وهى ترهف أذنيها .. فسمعته يقول :
- الى عندى قولته .. لو سمحتى أنا مش عايز مراتى تعرف أى حاجه
وضعت "بيسان" كفها على فمها .. وهى تستمع اليه وهو يقول :
- لو مراتى عرفت هتبقى مشكلة .. انا أذيتك فى ايه عشان تأذيني كده .. قولتلك 100 مرة اللى بينا انتهى

أنهى "نهاد" المكالمة والتفت لينظر الى "بيسان" التى فتحت الباب فجأة وقد اغرورقت عيناها بالعبرات وهى تقول بصوت مرتجف :
- انت تعرف واحدة غيري يا "نهاد" ؟
اتسعت عينا "نهاد" رعباً واقترب منها يحاول أن يمسك بذراعيها لكنها دفعته عنها وهى تصرخ :
- بتخونى يا "نهاد" .. بتخونى ؟
هتف "نهاد" بصوت مضطرب :
- لا والله يا "بيسان" .. والله ما خونتك ازاى تقولى كده
قالت باكيه :
- سمعتك .. سمعت كلامك معاها .. ليه يا "نهاد" تعمل فيا كده .. ليه
غطت وجهها بكفيها .. اقترب منها هاتفاً بألم :
- والله العظيم ما خونتك .. دى واحدة كنت أعرفها قبل ما نتجوز وقطعت معاها .. والله ما خونتك يا "بيسان" .. أنا بحبك والله
دفعته بعيداً عن باب الغرفة ودخلت وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح .. جلست على فراشها وأخذت تبكى بصوت مرتفع .. طرق "نهاد" الباب طرقات عدة :
- "بيسان" .. عشان خاطرى افتحى .. هفهمك .. طيب هدى نفسك عشان البيبي .. "بيسان"
صرخت من بين بكائها :
- ابعد عنى يا "نهاد" دلوقتى .. ابعد
فى ألم ترك "نهاد" مكانه أمام الباب حتى لا يثير حنقها أكثر .. ثم جلس على أحد المقاعد دافناً وجه بين كفيه وملامحه تنطق بالحيرة والألم

**************************************

انطلق "مهند"بسيارته فى الصباح الباكر .. جلست "انعام" بجواره بينما جلست "فريدة" برفقة "نهال" فى الخلف .. لم تفارق البسمة شفتى "نهال" التى كانت تتابع "مهند"بعينيها فى مرآة السيارة .. ضايقها عدم التفاته اليها ولو لمرة .. لكنها عادت لتنفض ذلك عن رأسها فأهم شئ أنها ستقضى برفقته اليوم كله .. التفتت "انعام" وقالت لـ "مهند" بمرح :
- انت دليلنا النهاردة يا "مهند" .. أنا بصراحة مجتش اسكندرية كتير .. بس انت و "فريدة" طول عمركوا عايشين فيها .. فأنا و "نهال" هتحط نفسنا بيد ايديكوا .. فسحونا انتوا على مزاجكوا بأه
ابتسم "مهند" قائلاً :
- متقلقيش يا عمتو هبقى فسحة حلوة ان شاء الله
قالت "نهال" مبتسمه :
- أكيد هتبقى حلوة أنا واثقه فى ذوقك يا "مهند"
اختفت ابتسامتها عندما قابل كلماتها بلا مبالاة .. وصلوا الى الاسكندرية بسلام .. أخذهم "مهند" الى عدة أماكن ومعالم سعدوا كثيراً بزيارتها .. وفى موعد الغداء أخذهم الى أحد المطاعم الفاخرة والتى لاقت اعجاباً شديداً بجوده طعامهم البحرى .. أخذ "مهند" يتطلع الى "فريدة" بسعادة وهو يرى تلك البسمة على ثغرها وهى تتجاذب أطراف الحديق مع عمتها .. دون ان يعبأ بنظرات "نهال" التى تلاحقه .. التفت فجأة .. فالتقت أعينهما .. فأبعد "مهند" عينيه وكأنه لا يراها .. ازداد حنقها أكثر .. حاولت التحدث اليه فلم تجد منه سوى اجابات مقتضبه .. وعندما تجرأت لتمازحه بيدها ضاربه بكفها فوق ذراعه .. التفت ورمقها بنظرة ألقت الرعب فى قلبها .. شعرت بالخوف من تلك العينان السوداوان المسلطتان عليها بحدة .. فتمتمت بخفوت وهى تسحب يدها :
- آسفه .. الكلام خدنى
لاحظت "انعام" ما حدث فقالت بمرح :
- ايه يا "مهند" هنفضل أعدين كتير .. أنا عايزه أشوف الشمس وهى بتغرب .. خدنى على أجمل حته فى اسكندرية .. لاحت ابتسامه على شفتى "مهند" وهو يقول :
- حاضر يا عمتو .. خاجك على أحلى مكان فى اسكندرية
كانت بقعة هادئة .. يرتطم فيها الموج بتلك الصخور المتنائرة أمامه .. بدا البحر رائقاً صافياً .. يشكل مع شمس الغروب لوحة ابداعيه تقف الكلمات عاجزة عن وصفها .. لوحة لا يرسمها الا الخالق .. تمتم "مهند" بخفوت :
- سبحان الله
جلست "انعام" بجوار "فريدة" على احدى الصخور يتطلعنا الى "مهند" .. وقفت "نهال" تنظر الى البحر أمامها ساهمه .. قالت "انعام" مبتسمه :
- المكان هنا حلو أوى .. وأحلى حاجه انه فاضى .. تحسى انه مكان خاص أوى
قالت "فريدة" بحزن وهى تنظر تجاه "مهند" الذى وقف واضعاً ذراعيه فى جيب بنطاله ينظر الى البحر شارداً :
- المكان ده "مهند" بيحبه أوى .. كان بيجي كتير هنا مع مراته الله يرحمها
نظرت "انعام" فى اتجاه "مهند" هى الأخرى وهى تقول بحزن :
- ربنا يصبره أكيد موتها بالطريقه دى كان صعب عليه
قالت "فريدة" بأسى :
- اتألم أوى لموتها .. أوى .. كان بيحبها أوى يا عمتو .. أكتر حاجه وجعته انه حس انه السبب فى موتها
سألت "انعام" بإهتمام :
- هى الحادثة حصلت ازاى بالظبط ؟
قالت "فردية" بمرارة وهى تتذكر تلك الأيام التى ولت :
- كانوا خارجين مع بعض .. يوميها كان "مهند" فرحان أوى .. ادوله سلفه من مرتبه وجاب عربيه صغيرة .. كان طاير من الفرحه و صمم ياخدنى أنا وهى ونتفسح مع بعض .. كان كل حاجة هادية وسايق على مهله براحه .. وفجأة محستش بحاجه .. مش فاكرة ايه اللى حصل .. بس لما فتحت عيني .. كنت فى المستشفى ومتجبسه .. وفهمت من الممرضات اللى حصل
قالت "انعام" متنهده بحسرة :
- أكيد لام نفسه
التفتت اليها "فريدة" وقالت :
- أنا واثقه انه مكنش غلطان .. "مهند" كان سايق على مهله مكنش بيسوق بسرعة .. وهو فعلاً قال كده فى المحضر .. صاحب العربية اللى خبطت فيه هو اللى كان ماشى مخالف وكمان كان بيسوق بسرعة عالية .. مقدرش "مهند" يتفاداه .. وحصلت الحادثة
رمقته "انعام" و "فريدة" بنظرات مشفقه .. هدر البحر بموجة عالية ..بدا وكأن شيئاً أغضبه فجأة .. التفت "مهند" فرآى "نهال" تسير على بعض الصخور المرصوصة بجوار بعضها البعض والممتدة داخل البحر .. عندما اقتربت من صخرة كبيرة اسطوانية الشكل .. هتف "مهند" :
- "نهال" خلى بالك .. الصخرة دى بتتحرك
التفتت "نهال" اليه ثم نظرت الى الصخرة التى ستطأها قدماها .. جربت الصخرة بقدمها لتعلم بأنها بالفعل تتحرك حاولت تثبيتها والسير فوقها وهى ترفع ذراعيها بمحاذاة كتفيها لتوازن نفسها ومنه انتقلت الى الصخرة التاليه والتى كانت أكثر ثباتاً .. عاد "مهند" يتأمل البحر مرة أخرى .. ليعاود استكمال حديثه .. مع خله الوفى .. هتف "مهند" من اعماقه :
- أشجانى بعدها أيها البحر .. وعذبنى فراقها
قال البحر وأمواجه تتلاقى فى حنان :
- اصبر أيها الغريب .. فما أنت فى هذه الدنيا الا عابر سبيل
تنهد "مهند" وقال :
- أعلم يها البحر .. لكنى على الرغم منى أفتقدها .. أنت خير خل لى .. تعلم كيف كنت أحبها .. كم عانقتنا بأمواجك أيها البحر .. أتذكرها .. أتذكرها مثلى
قال البحر فى أسى :
- وكيف أنسى من سكنت فؤاد صديقي
قال "مهند" شارداً :
- أتعلم أيها البحر لما أحببتها ؟! .. لأننى شعرت بأنها تكملنى وبأننى أكملها .. أحببت ضعفها أيها البحر .. أحببت حاجتها الىّ .. لم تكن زوجتى فحسب .. بل كانت طفلتى .. طفلتى الصغيرة المدلله .. كم كنت أحب أن أجلسها أمامى وأمشط خصلات شعرها .. كنت أحب أن أهتم بكل ما يخصها .. أحببت حبها لى أيها البحر .. أحبب نظرات القلق فى عينيها عندما أعود متأخراً من العمل .. أحبب نظرات الشوق فى عينيها ترمقنى بها فى لحظات وصالنا .. أحببت استكانتها بين ذراعى .. أحببت حاجتها الىّ كما لو كانت بدونى ضائعه .. وكأننى دعامتها التى ترتكز عليها فى هذه الحياة .. أشعرنى ضعفها بقوتى .. وأنوثتها برجولتى .. قاسمتنى أحلامى وطموحى .. أتذكر يدها الدافئه وهى توقظنى لصلاة الفجر .. أتذكر ترتيلنا معاً للقرآن فى يوم الجمعة .. أتذكر كل ما علمتها اياه .. وكيف علمتها اياه .. كانت طفلتى بالفعل .. طفلتى وحبيبتى ونصفى الآخر
اختلطت دموع البحر بمياهه وهو يقول :
- أشعر بمدى ألمك يا صديقى .. لكن صدقنى الحياة فيها الكثير .. لا تغلق قلبك .. ابق الباب موارباً .. فلعل تستطيع احداهن التسلل من تلك الفتحة الصغيرة
ابتسم "مهند" بتهكم وقال بثقة :
- لن تستطيع احداهن التسلل الى ذلك الحصن الحصين .. لقد ارتفعت بأسواره عاليه وأحكمت اغلاق أبوابه .. وألقيت بمفاتيحه فى قاع بحرك .. لن تستطيع احداهن التسلل .. ولا حتى بأن تمد يدها للمس ذلك القلب .. لا تأمل شيئاً أيها البحر .. أحكمت تحصين قلعتى جيداً
ابتسم البحر قائلاً بحكمة سنين وسنين :
- لعلك أحكمت تحصين قلعتك التى أخفيت بها قلبك يا صديقى .. لعلك أغلقت النوافذ وأوصدت الأبواب .. لكن شئ واحد لن تستطيع التحكم به .. وسيدخل رغم أنفك .. وستستطيع احداهن التسلل معه الى ذلك القلب الحصين
جعد "مهند" جبينه قائلاً :
- وماهو ذلك الشئ الذى سيدخل قلعتى رغم أنفى ؟
قال البحر بثقه :
- الهواء .. الهواء أيها الصديق .. مهما فعلت .. لن تستطيع منعه من الوصول الى داخل قلعتك .. مادام فى صدرك نفس يتردد .. ستظل قلعتك فى خطر
ازدادت تجاعيد جبينه .. وشرد فى كلام البحر !

************************************

وقفت "سمر" فى شرفة غرفتها .. تتطلع الى تلك البنايات فى شرود .. دخلت "فيروز" الشرفة .. تستند على سورها وتلقى نظرة على الشارع بالأسفل .. التفتت اليها "سمر" وقالت :
- تعرفى أنا نفسى فى ايه دلوقتى ؟
التفتت اليها "فيروز" مستفهمه .. ارتسمت ابتسامه حالمه على شفتى "سمر" وهى تشرد بخيالها قائله :
- نفسى أكون دلوقتى حالاً فى اللحظة دى ...
صمتت قليلاً .. ثم قالت بنبره حالمه :
- على شط اسكندرية
نظرت اليها "فيروز" بإستخفاف فأكملت "سمر" مبتسمه وهى تنظر الى السماء فوقها :
- وحشنى سماها و بحرها ورملها وأهلها وشوارعها وكل حته فيها
دخلت "فيروز" وهى تهمهم :
- أنا داخله
ظلت "سمر" واقفة كما هى .. وكعادتها .. أغمضت عينيها .. لتهرب من واقعها .. الى تخيلاتها .. تخيلت أنها فى تلك اللحظة .. واقفه أمام البحر .. بحر اسكندرية .. تداعب نسمات الهواء خصلات شعرها .. وتلفح وجهها فى نعومه !
Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق