روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الخامس والعشرون من رواية العشق الممنوع


((( فــلاش بــاك )))

فى الإسكندرية .. المندرة .. وفى أحد الشوارع القريبة من البحر .. والتى تضم بيوت سكنيه متراصة ملتصقة ببعضها البعض .. أطلقت الصغيرة ذات الست سنوات ضحكاتها المرحة وهي تسير برفقة صديقاتها عائدة الي بيتها .. لوحت لهم مودعة ودخلت البناية وصعدت الدرجات القليلة التي تفصلها عن باب بيتها .. فتحت لها الباب امرأة بشوش تبدو امارات الطيبة والحنان جليه علي ملامحها وعيناها وهي تتطلع الي ابنتها .. عانقتها الطفله قائله :
- ازيك يا ماما ....
قبلت الأم رأس الصغيرة وداعبت شعيراتها المتمردة قائله بعتاب :
- قولنا اللي يدخل مكان يقول ايه
هتفت الصغيرة مبتسمة :
- السلام عليكم
ابتسمت أمها قائلة :
- وعليكم السلام .. يلا حبيبتي ادخلي غيري علي ما أغرفلك تاكلي
دخلت الصغيرة الي غرفتها الصغيرة تنزع عنها مريلة المدرسة ذات اللون البني بعدما ساعدتها والدتها علي فك أزرارها القوية علي يداها الصغيرتان .. دخلت والدتها المطبخ تضع طعام الصغيرة في طبقها المفضل .. انتهت الصغيرة من تبديل ملابسها لتجلس علي فراشها الصغير حاملة عروستها المصنوعة من القماش والتي تحبها كما لو كانت ابنتها .. وفجأة فزعت الصغيرة وهي تستمع الي أصوات الصراخ التي عمت المكان .. نظرت بخوف واضطراب الي والدتها التي ارتدت اسدالها وهرولت تفتح باب المنزل وهي تتساءل بخوف :
- في ايه .. ايه اللي حصل ؟
رأت امرأة تنزل الدرج بسرعة وفي يدها ابنتها ذات الستة عشر ربيعا وهي تهتف بلوعه :
- في ماس في العمارة .. حصلت حريقة في شقة أم "رامي" .. هاتي "سامرين" واخرجوا بسرعة
دخلت الأم مسرعة وحملت الصغيرة علي ساعدها وأخذت مفتاح البيت المعلق خلف الباب وهرولت مسرعة الي خارج البنايه .. وقفت بجوار المرأة وهي تهتف بلوعة :
- أمال فين أم "رامي" ؟
قالت المرأة وهي تلهث :
- متقلقيش شوفتها نازله
أقبلت عليهما امرأة يبدو علي ملامحها امارات الهلع .. فهتفت بها أم "سامرين" :
- أم "رامي" ايه اللي حصل .. وفين "رامي" لسه في المدرسة ؟
قالت المرأة بهلع وهي تتطلع الي النيران التي تلتهم شقتها من الشباك :
- "رامي" عنده درس بعد المدرسة .. لقيت فجأة شرارة ومسكت في الستارة والأنترية فضلت أصوت ونزلت جري من علي السلم
تجمهر الجيران حولهم مطمئنين اياهم .. بكت الصغيرة "سامرين" علي كتف والدتها وتعالت شهقاتها .. اقتربت منها احدي الجارات وربتت علي ظهرها قائله :
- يا حبيبتي متخفيش .. بطلي عياط
ثم نظرت اليهم قائله :
- تعالوا اتفضلوا عندي في البيت علي ما الرجالة تطفي الحريقه ويتأكدوا ان الكهربا سليمة مش معقول هتفضلوا واقفين في الشارع كدة
دخلت الثلاث نساء بيت الجارة فحضرت لهم العصير قائله :
- اشربوا حاجه تروق دمكوا .. دا أنا اتفزعت من صوت الصويت
ثم نظرت الي أم "رامي" ضاحكة وهي تقول :
- عليكي صرخة يا أم "رامي" تخض العفريت
ابتسمت أم "رامي" ابتسامة باهته وهي تنظر الي المرأة بجوارها قائله :
- علي فكرة أم "فريدة" كان صويتها أعلي مني
قالت الجارة ضاحكة :
- افتكرتها انتي
قالت أم "فريدة" وهي تشد علي يد ابنتها :
- أعمل ايه اترعبت لما لقيتها بتصرخ وبتقول حريقه .. ومفيش راجل في البيت .. لا جوزي ولا "عدنان" ولا "حمدي" بيرجعوا دلوقتي من الشغل .. فضلت أصرخ غصب عني
نظرت "فريدة" الي الصغيرة قائله :
- "سامرين" خلاص متخافيش مفيش حاجه
تعلقت "سامرين" بعنق والدتها أكثر بينما نظرت أمها الي أم "فريدة" قائله :
- أمال فين "مهند" في المدرسة برده ؟
هزت رأسها نفيا وقالت :
- لا في الدكان
لحظات وسمعوا طرقات علي الباب نهضت الجارة لتفتح الباب فطالعها شاب في السادسة عشر من عمره .. أسمر البشرة .. طويل .. نحيل .. قال لها بأدب :
- السلام عليكم .. هي ماما عند حضرتك ؟
هتفت أم "فريدة" من الداخل :
- تعالي يا "مهند"
بمجرد أن رأته الصغيرة .. تركت عنق والدتها واندفعت كالسهم في اتجاه الشاب فانحني ليسمح لها بأن تحيط عنقه بذراعيها ويرفعها حاملا اياها بخفه .. أشارت له الجارة بالجلوس وقالت :
- اتفضل يا ابني
جلس "مهند" والصغيرة تضم يديها تغلقهما حول عنقه .. مسح علي شعرها فقالت أم "فريدة" بحنان :
- يا عيني اتخضت وفضلت تعيط
فابتسم للصغيرة مربتا علي ظهرها ضاما اياها اليه أكثر ليبث فيها الأمن والأمان
سألته أم "سامرين" قائله:
- "حمدي" جه معاك؟
أومأ برأسه قائلا :
- أيوة يا عمتو .. و عمو "عدنان" و بابا .. والحمد لله طفوا الحريقة .. بس مستنيين الكهربائي يتأكد ان مش هيحصل ماس تاني
بعد قليل نظر الي الصغيرة ليجدها تغط في النوم وقد أسندت رأسها الي صدره دون أن تفك ذراعيها من حول رقبته .. فابتسم وهو يقبل شعرها ويسند ظهره للمقعد حتي ترتاح في نومتها أكثر

*******************

(( بعد مرور عام ))

دخلت أم "رامي" الشرفة حاملة صنية موضوع فوقها كوب من الشاي وقطعة كيك .. وضعتها أمام الرجل الجالس في شرود وهي تقول :
- الشاي يا "عدنان"
خرج "عدنان"من شروده وتناول كوب الشاي بين أصابعه يرتشف رشفات صغيرة .. جلست بجواره شارده قليلا ثم هتفت بغيظ :
- يعني "حمدي" مش قادر يستني لما حتي يمر سنه علي وفاة أختك .. عايز يجيب للبت مراة أب من دلوقتي
تنهد "عدنان" بأسي وهو يقول :
- أنا مش صعبان عليا الا البت الصغيرة .. من يوم ما أختي الله يرحمها ماتت وهي حالها يصعب علي الكافر
نظرت اليه أم "رامي" بعتاب قائله :
- كده يا "عدنان" .. ربنا يعلم أنا بعاملها زي "رامي" ابني بالظبط .. حتي أم "فريدة" مبتسبهاش .. خاصة بعد ما اطلقت هي وأخوك وخد "فريدة" وسافر .. بقت يا عيني بتعوض شوقها لبنتها في "سامرين"
تنهد "عدنان" ثم رشف رشفة أخري قائلا:
- يارب بس اللي هيتجوزها "حمدي" دي تبقي حنينة علي البت .. البت صغيرة ومش ناقصة مراة أب تعكنن عليها عيشتها
قالت زوجته بسخرية :
- والله مش متفائله من الموضوع ده .. اذا كان "حمدي" نفسه مش حنين علي البت ولا بيشوفها الا علي النوم .. هتبقي مراته حنينه عليها
تنهدت في حسرة وهي تتمتم :
- الله يرحمك يا أم "سامرين" .. كانت ست طيبة ومفيش منها اتنين
قال "عدنان" بحزن وهو يدعو بالرحمة لأخته :
- الله يرحمها .. للأسف كنت قاسى عليها أوى .. ربنا يسامحه أبويا على طول ميحبناش نتعامل بحنيه مع اخواتنا البنات .. وبيشد عليهم وبيخلينا نشد عليهم .. الله يرحمك يا أختى

************************

دخل "مهند" الشرفة ليجد "سامرين" تدخل رأسها من السور الحديدي وتشاهد الأطفال الذين يلعبون الكرة بالأسفل .. أخفي يديه خلف ظهره وهو يقول :
- بتعملي ايه
التفتت اليه وهي تخرج رأسها قائله :
- بتفرج علي العيال وهما بيلعبوا
جلس علي الكرسي وأخرج يده من خلف ظهره .. فابتسمت وهي تنظر الي الحلوي في يده .. أخذتها منه وهي تحاول فتحها بأسنانها .. فقال "مهند" بعتاب :
- اللي يديكي حاجة تقوليله ايه؟
اقتربت منه لتطبع قبلة صغيرة علي وجنته وهي تقول :
- شكرا
فتحت الحلوي و أخذت تتناولها بنهم .. ثم ما لبثت أن غطي الحزن وجهها وهي تنظر الي "مهند" قائله :
- هي ماما هتيجي امتي ؟
شعر "مهند" بالأسي وهو ينظر الي عيناها الحزينتين التي تفصح عن مدي اشتياقها لرؤية والدتها .. حملها وأجلسها فوق قدمه وأحاطها بذراعيه قائلا :
- بصي يا حبيبتي .. ماما ان شاء الله في مكان جميل أحسن من هنا بكتير
لمعت عيناها بالعبرات وهي تقول بأسي :
- ليه ما خدتنيش معاها؟
تنهد "مهند" قائلا :
- ربنا هو اللي بيختار المعاد اللي كل واحد هيموت فيه .. مش أنا فهمتك يعني ايه موت .. ويعني ايه جنه ونار ؟
أومأت برأسها وهي تقول باكية :
- أيوة .. بس هي برده وحشاني
ضمها "مهند" الي صدره وهو يقبل شعرها قائلا :
- أنا معاكي و بابا و عمتو و عمو "عدنان" و "رامي" و طنط أم "رامي"
قالت بحزن وهي ترفع رأسها تنظر اليه
- "فريدة" كمان وحشتني .. هي خلاص كدة سافرت ومش هترجع تاني؟
شرد "مهند" بأسي وهو يقول مفتقدا توأمه :
- ان شاء الله هترجع تاني
ثم نظر الى شعيراتها المتمرة وهو يقول بمرح :
- هو انتى على طول ناكشه شعرك كده .. نفسى أشوفك مسرحة 10 دقايق على بعض
قالت بتبرم :
- هو اللى بيسيب التوكه ويخرج
أطلق "مهند" ضحكة عالية وقال لها :
- طيب ادخلى هاتى الفرشة بتاعتى من على الكمودينو
دخلت وأحضرت الفرشاة فأجلسها على قدميه ونزع التوكة وأخذ فى تصفيف شعرها وجمعه بالتوكة مرة أخرى .. رفعت "سامرين" يدها لتتحسس شعرها المرتب ثم تلتفت مبتسمة وهى تقول :
- شكرا يا "مهند"

**************************
فتحت أم "فريدة" باب البيت لتجد "سامرين" تبكي بحرقة .. انحنت تعانقها قائله :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. مالك يا "سامرين" بتعيطي ليه ؟
لم تستطع أن توقف بكائها لتتحدث .. جذبتها من يدها وأجلستها بجواها علي الاريكة وهي تمسح علي شعرها قائله :
- مالك يا حبيبتي مين زعلك؟
مدت "سامرين" يديها وهي لا تزال تبكي .. فانتبهت أم "فريدة" لأول مرة الي العروسة الممزقة في يدها فشهقت قائله :
- ايه دة .. مين اللي قطعلك عروستك كدة ؟
ازدادت حدة بكائها حتي ظنت أم "فريدة" أن قلب الصغيرة سينفطر من فرط البكاء .. فهتفت بحدة :
- مراة أبوكي اللي قطعتها ؟
أومأت "سامرين" برأسها .. فهتفت أم "فريدة" :
- لا حول ولا قوة الا بالله .. معلش يا بنتي متزعليش .. قومي اغسلي وشك علي ما أعملك العصير اللي بتحبيه
ساعدتها أم "فريدة" علي النهوض وهي تنظر اليها بأسي


بعد عدة ساعات فتح "مهند" باب البيت واقترب من والدته الجالسه تشاهد التلفاز فقبل رأسها وقال :
- السلام عليكم .. ازيك يا أمي
لم يسمع ردها فأنظاره كانت معلقة بالعروسة الممزقة فوق الطاولة .. التقطها وهو يهتف بلوعة :
- ايه ده ايه اللي قطع عروسة "سامرين" كده
قالت أمه بأسي :
- الوليه مراة أبوها .. منها لله كل شوية تنكد علي البت وحطه راسها براسها أكنها من سنها
عقد "مهند" جبينه بضيق وهو يقول :
- هي فين دلوقتي
أشارت أمه الي غرفته قائله :
- نايمة في أوضتك .. فضلت تعيط لحد ما حسيت ان روحها هتطلع .. أكلتها وعملتلها عصير ودخلتها تنام
دخل "مهند" غرفته ليجد "سامرين" تتوسط فراشه الصغير وهي متقوقعة علي نفسها كنوم الجنين في أحشاء أمه .. مسح علي شعرها برفق ثم خرج قائلا لأمه :
- أنا خارج يا ماما
هتفت والدته وهي تخرج من المطبخ :
- رايح فين استني أما تتغدي
قال وهو يفتح باب البيت :
- هروح أجيبلها عروسة بدل اللي اتقطعت
وقبل أن تجد أمه ما تقول خرج وأغلق الباب خلفه


استيقظت "سامرين" من نومها وتنامي الي مسامعها أصوات التلفاز بالخارج .. أزاحت الغطاء ونهضت تغادر الغرفة .. ابتسمت عندما وقع نظرها علي "مهند" الذي اتسعت ابتسامته وهو يقول بمرح :
- صحي النوم يا هانم .. انتي فاكره أوضتي لوكانده ولا ايه
ضحكت وهي تجلس علي أحد المقاعد .. نظرت بدهشة الي العروسة الموضوعه فوق الطاوله .. فابتسمت أم "فريدة" قائله :
- عجبتك ؟
رفعت رأسها تنظر اليهما بدهشة فانحني "مهند" وأمسك بالعروسة واضعا اياها فوق قدميها وقال :
- عروستك الجديدة .. شوفي بأه هتسميها ايه
اتسعت عيناها وهي تنظر بلهفة علي لعبتها الجديدة وهي تهتف :
- بجد بتاعتي
قال "مهند" بمرح :
- أكيد مش جايبها لنفسي .. ولا جايبها لماما
أطلقت الصغيرة ضحكة مرحة وهي تفض غلاف العلبة الشفافة وتتطلع بإنبهار الي لعبتها الجديدة وتمسح علي شعرها الناعم .. ثم تنهض معانقة "مهند" وهي تقول بحماس :
- شكرا .. شكرا .. شكرا.. شكرا .. شكرا
ضحك قائلا:
- كل ده شكرا
تركته والتفتت الي عروستها تلعب بها .. الي أن اتصل "حمدي" وطلب نزولها .. توجهت الي الباب مسرعة فهتفت أم "فريدة" وهي تنظر الي العروسه التي تركتها فوق الأريكة :
- عروستك يا "سامرين"
التفتت وهي تمسك بمقبض الباب تنظر الي العروسه في تردد ثم قالت بحسم :
- لا خليها هنا عشان متكسرهاليش تاني .. لما آجي هنا هبقي ألعب بيها
فتحت الباب وغادرت فتنهد "مهند" بأسي وهو يقول لأمه :
- ماما خلي بالك منها
هتفت أمه قي تأثر :
- والله يا ابني دي في عنيا .. معزتها من معزة "فريدة" بالظبط

**********************

جلست "سامرين" في مقعدها بالمدرسة وهي تعد النقود القليلة التي تضعها في حقيبتها .. اقتربت منها احدي الفتيات قائله وهي تحرك الحلوي التي تأكل منها :
- مش هتجيبي حاجه حلوة ؟
قالت "سامرين" وهي تعيد عد النقود :
- لأ
قالت الفتاة وهي تشير الي النقود :
- ليه ما انتي معاكي فلوس كتير
قالت "سامرين" بحزم :
- لا أنا بحوشهم عشان هشتري حاجه
سألتها الفتاة وهي تأكل من حلواها :
- هتشتري ايه قوليلي ؟
قالت "سامرين" بحماس :
- "مهند" ابن خالى نجح وهيدخل الجامعة .. وأنا عايزة أجيبله هدية
أخذت الفتاة تأكل الحلوي بتلذذ وقالت لتغيظ "سامرين":
- خليكي انتي عماله تحوشي وأنا آكل الحاجة الحلوة الجميلة دي .. ومش هديكي حته منها
قالت "سامرين" بحدة :
- بطلي تغيظيني يا "نهلة" .. مش عايزة منك حاجة أصلا


وقفت الفتاتان أمام أحد الباعة الذين يفترشون بضاعتهم فوق الأرصفة .. أخذت "سامرين" تجول بعينيها في البضاعة المعروضة .. فحثتها "نهلة" قائله:
- يلا يا "سامرين" هتأخر وماما هتزعقلي
انحنت "سامرين" لتلتقط احدي القداحات التي أعجبت بألوانها والأشكال الكرتونية المطبوعة فوقها ثم نظرت الي البائع قائله :
- بكام دي يا عمو ؟
- باتنين جنيه ونص
علت البسمة شفتيها فقد كان ثمنها بمقدار ما تحمله من مال في حقيبتها .. ابتاعتها وسارت مع "نهلة" بسعادة وهي تقلب القداحة بين يديها .. توجهت الي غرفتها لتعبث في أغراضها ثم تخرج غلاف هدايا قديم .. أحضرت لاصق وأخذت تلف القداحة .. بالغلاف الرخيص !
فتحت الباب مسرعة فعالجتها زوجة أبيها قائله :
- علي فين يا بت؟
قالت بسرعة وهي ترتدي خفها :
- طالعه عند طنط أم "فريدة"
وضعت أصابعها علي جرس الباب الي أن فتح "رامي" الباب وصاح :
- ايه يا بنتي انتي حد يضرب الجرس كدة
مرت بجواره ودخلت لتجد "عدنان" جالسا برفقة زوجته و "مهند" ووالدته .. ففتح "عدنان" ذراعيه قائلا :
- حبيبة خالو
ارتمت بين ذراعبه يقبلها وهي مبتسمة .. ثم نظرت الي "مهند" وتقدمت نحوه قائله بحماس :
- اتفضل
نظر "مهند" بإبتسامة واسعة الي الهدية الملفوفه بغير احتراف وأخذها قائلا :
- انتي جبتيها عشاني؟
أومأت برأسها مبتسمة وهي تقول بلهفة :
- افتحها
فض "مهند" مغلف الهدية ليتطلع بدهشة الي القداحة قائلا:
- ولاعة ! .. بس أنا مبشربش سجاير
أطلق "رامي" ضحكة عالية وهو يقول :
- يا هبلة حد يجيب لحد هدية عبيطة زي دي وكمان لواحد مبيشربش سجاير
اختفت الابتسامة من وجه "سامرين" ليحل محلها الوجوم الممزوج بالخجل وهي تقول ل "مهند" بحزن :
- يعني معجبتكش؟
ابتسم"مهند" وصاح علي الفور :
- طبعا عجبتني .. كفايه انك جبتيهالي عشان تفرحيني بيها
أطرقت برأسها فقال بمرح :
- لا وجايه في وقتها تمام .. رمضان قرب وهيبقي فيه شمع وفوانيس .. يعني أكيد هحتاج الولاعة
ابتسمت ولمعت عيناها خاصة بعدما نهض "مهند" وأحضر فانوسا مجوف وضع الشمعة بداخله وأشعلها بالقداحة و "سامرين" تتسع ابتسامتها .. مد يده بالفانوس قائلا :
- كل سنة وانتي طيبه يا "سمسمة" .. عشان أبقي أنا أول واحد جبتلك الفانوس أخذته منه والسعادة علي محياها فقال :
- خلي بالك اوعي الشمعة تلسعك
قالت بحماس :
- متخفش
ابتسم الجميع وهم يراقبون السعادة علي محيا الصغيرة .. قال "رامي" بتهكم :
- طيب منا أنا كمان ثانوية عامة مجبتليش هدية ليه
اختفت ابتسامة "عدنان" وهو يقول بتهكم :
- وتجبلك هدية ليه من فلاحتك .. ابن عمك جاب مجموع دخله كليه هندسة .. وانت مش لاقينلك كلية تقبل بمجموعك .. اللي زيك يتكسف يوري وشه للناس
شعر "رامي" بالحنق وانتفخت أوداجه !


********************
(( بعد مرور 3 سنوات))

سمعت أم"فريدة" طرقات متعجلة علي الباب فعلمت أن هذه الطرقات ل "سامرين" فتحت الباب فهالها وجه "سامرين" يعلوه الاصفرار والاضطراب .. أغلقت الباب وقالت :
- مالك يا حبيبتي
قالت "سامرين" بتوتر وهي تبلع ريقها :
- أصل يا طنط حصلت حاجة غريبة .. وأنا خايفه
أجلستها علي الأريكة وقالت :
- خير يا حبيبتي ايه اللي حصل .. قولي ومتخافيش
بعد تردد مالت "سامرين" بخجل علي أذنها وهمست ببعض الكلمات في اضطرات .. أطلقت أم "فريدة" ضحكة عالية وقالت :
- هو ده بأه اللي مخوفك
قبلتها قائله :
- لا يا حبيبتي متخافيش دي حاجه عاديه وبتحصل لكل البنات
ثم قالت بمرح :
- بس كده بأه احنا بقينا عرايس حلوين وربنا هيحاسبنا علي كل حاجة .. يعني في حاجات كتير لازم تتغير
نظرت اليها "سامرين" ببراءة قائله :
- حاجات ايه يا طنط ؟
قالت أم "فريدة" بحنان وهي تمسح علي شعرها :
- يعني الشعر الحلو ده لازم يتغطي عشان خلاص كده معدش ينفع تبينيه أدام حد
ثم أشارت الي يديها العاريتين وقالت :
- ولازم نلبس لبس يغطي جسمنا وميبينهوش .. وكمان الصلاة أنا عارفه انك بتصلي بس مقطع .. كدة خلاص معدش ينفع تقطيع في الصلاة لازم تصلي زي البنات الحلوين .. ماشي يا "سامرين"
أومأت برأسها قائله :
- ماشي يا طنط


في اليوم التالي عاد "مهند" الي البيت ليسمع ضحكات أمه و "سامرين" قادمة من الشرفة .. اتجه اليهما مبتسما .. اتسعت ابتسامته وهو ينظر الي "سامرين" بدهشة وقد لفت شعرها بحجاب طويل .. جلس علي المقعد بينهما وهو يقول :
- ايه ده .. من امتي الكلام ده
ضحكت أمه قائله :
- من النهاردة .. خلاص "سامرين" هتلبسه ومش هتقلعه .. مش كدة يا "سامرين"
قالت وهي تحتسي العصير :
- أيوة يا طنط
ابتسم "مهند" وهو ينظر الي المشروب في يدها قائلا:
- أبريه ؟ طيب مش كنتي تسيبيلي شويه .. أنتي عارفه اني بحبه
بتلقائية مدت يديها بكوبها النصف ممتلئ الي "مهند" فقرص خدها بلطف ثم أمسك يدها يعيدها اليها قائلا :
- لا يا حبيبتي بهزر معاكي .. بالهنا والشفا
بعد العشاء نزلت "سامرين" متوجهة الي شقتها .. فنهض "مهند" وهو يشعر بالانهاك قائلا :
- تصبحي علي خير يا ماما
أوقفته أمه قائله :
- "مهند"
التفت اليها فصمتت قليلا ثم قالت :
- حبيبي "سامرين" معدتش صغيرة .. معدش ينفع تهزر معاها كدة
بهت "مهند" للحظات فأكملت أمه :
- عارفه انك بتعاملها زي أختك الصغيرة .. بس "سامرين" كبرت علي المعاملة دي
صمت للحظات ثم أومأ برأسه ودخل غرفته يبدل ملابسه شاردا


********************

((بعد مرور 4 سنوات ))

ارتدت المريلة الكحلي لأول مرة .. نظرت في المرآة قبل أن تحمل حقيبة المدرس علي كتفها وتدخل المطبخ تتناول ثمرة فاكهة بدل الفطور .. فمنذ طلاق أبيها من زوجته الثانية أصبح عبء البيت علي كاهلها وكثيرا ما تنسي نفسها في تناول طعام صحي .. فتحت الباب وخرجت .. ابتسمت عندما رأت "مهند" ينزل قائلا :
- رايحه المدرسة؟
أومأت برأسها وقالت بخجل :
- أيوة النهاردة أول يوم
ابتسم قائلا :
- ربنا معاكي
نزلت أمامه فرأت "نهلة" التي تنتظرها أمام البوابة وهي تصيح قائلا :
- ما بدري يا ست هانم
صمتت "نهلة" بعدما رأت "مهند" يخرج خلف "سامرين" ويسير في طريقه الي عمله .. تابعته بعيناها فهتفت "سامرين" :
- يلا يا بنتي سرحتي في ايه
أفاقت "نهلة" من شرودها وسارت برفقة صديقتها الي أول أيامهما في المرحلة الثانوية .. في احدي الحصص .. وبينما المعلمة مندمجة في شرح الدرس .. التفتت "نهلة" فشعرت بالحنق وهي تري القلوب التي ترسمها "سامرين" في كراستها وقد اخترقتها أسهم تحمل حرفي "M" و "S" .. فهتفت بصوت منخفض :
- "سامرين" ركزي بدل الهبل اللي بتعمليه ده
ابتسمت "سامرين" وهي تغلق كراستها وتهمس بهيام :
- الهبل ده نفسي أوي يحس بيه
قالت "نهلة" بحدة :
- أصلا لو قولتيله علي اللي انتي حساه نحيته مش هيحترمك وهيقول عليكي بنت قليلة الأدب
هتفت "سامرين":
- يا بنتي انتي عبيطة .. بقولك بس نفسي .. أكيد طبعا مش هروح أقوله حاجه زي دي .. ده أنا أتكسف موت
تمتمت "نهلة"بحنق :
- طيب نركز في الشرح بأه ضيعتي علينا نص الحصة



عادت "سامرين" من المدرسة تسير في طريقها شارده .. همت بالدخول من البوابة لكنها فوجئت ب "رامي" يخرج منها وهو يصفر قائلا :
- ايه يا بت الحلاوة دي .. والله ولبسنا المريلة الكحلي
داعب وجنتها بأصابعه فأزاحتها بعنف وهي تقول :
- "رامي" قولتلك مبحبش الهزار بالايد .. حرام
قال بحدة :
- ايه يا بت انتي هتعملي فيها آنسه ولا ايه .. ما أنا بهزر مع بنات خالتي بايدي وأكبر منك
قالت بتحدي :
- أنا بأه مش زي بنات خالتك .. أنا مش زي أي بنت
أطلق ضحكة عاليه استفزتها .. حاولت الدخول من البوابة فسدها بجسده وهو يقول مداعبا :
- يا واد يا واثق انت .. أحب أنا اللي تبقي واثقه من نفسها كده
رفعت أحد حاجبيها وهي تضع يديها في خاصرتيها قائله :
- ممكن تعديني
تطلع اليها بجرأة وقال :
- تدفعي كام
لكن ابتسامته تلاشت عندما رأي "مهند" قادما تجاههما وعلي وجهه امارات الغضب .. قال "مهند" بحده :
- في ايه يا "رامي" متعديها
قال "رامي" بعناد وقد ضايقه حدة "مهند" :
- بنت عمتي وبهزر معاها فيها ايه يعني
قال "مهند" بغضب مكبوت :
- عديها يا "رامي" مينفعش تفضل واقفه تتكلم مع شابين لوحدها كده .. واياك تمد ايدك عليها تاني
كانت "سامرين" تنظر اليهما بإضطراب .. كتف"رامي" ذراعيه أمام صدره وهو ينظر اليه بتحدي قائلا :
- مالك انت أمد ايدي عليها ولا ما أمدش .. اذا كان أبوها نفسه لما بهزر معاها أدامه كده مبيقوليش حاجه .. هتعملي فيها ولي أمرها
قال "مهند" بغضب وهو ينظر الي "سامرين" بعينان تشعان شررا :
- هو انتوا متعودين تهزروا مع بعض كده ؟
قبل أن يجيب "رامي" هتفت "سامرين" بسرعة ولهفة وكأنها تنفي عن نفسها تهمة :
- لا والله .. دي مرة واحدة بس اللي هزر معايا بإيده وبابا قالي عادي ده ابن خالك .. بس أنا زعقتله وقولتله ميهزرش معايا كده تاني
وضع "رامي" كفيه في بنطاله وغادر وهو ينظر الي "مهند" بسخرية قائلا:
- سيبهالك مخضرة
دخلت "سامرين" بتوتر تصعد الدرجات التي تفصلها عن باب الشقة .. أنزلت حقيبتها من فوق كتفها تبحث عن المفتاح .. تجاوزها "مهند" ثم التفت اليها قائلا :
- "سامرين"
التفتت اليه بلهفه وتوتر فقال بحزم :
- لو "رامي" ضايقك تاني مترديش عليه وتعالي قوليلي علي طول
صمتت وهي تتطلع اليه بأعين مبتسمه .. فقال بحزم :
- سمعتي ؟
أومأت برأسها وهي تحاول أن تخفي الابتسامه التي أرادت أن تقفز الي شفتيها .. خفق قلب "مهند" وهو يتطلع الي عينيها البنيتين ونظراتها فوقع شئ في قلبه جعله يغض بصره عنها ويشيح بوجهه مكملا صعود الدرجات الي بيته .. دخلت "سامرين" غرفتها ودارت فيها وهي تمسك عروستها .. ثم جلست علي الفراش وهي تنظر اليها بأعين حالمه وتهمس لها قائله :
- تفتكري بيغير ؟

Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق