روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الرابع من رواية العشق الممنوع



التفت "مهند" وكاد أن يجلس خلف المقود عندما صاح "علاء" بإحتقار وبتحدى صارخ :
- ماشى أنا واحد نيتى حقيرة زى ما بتقول .. بس على الأقل مقتلتش مراتى زيك يا "مهند"
تجمد "مهند" فى مكانه للحظات .. ثم أغلق باب السيارة بعنف ووقف فى مواجهة "علاء" وعيناه تشعان غضباً .. وبدا على وشك الإنفجار
ظهر بعض الخوف على "علاء" وهو يتطلع الى نظرات "مهند" الغاضبة .. ولكن قبل أن يفهم ما يحدث .. جذبه "مهند" من بدلته وألصقه بالسياره خلفه .. نظر اليه "مهند" بنظرات أرهبته وأفزعته .. ندم على مضايقة عش الدبابير .. قال "مهند" بنبرة مهددة :
- الحاجة الوحيدة اللى مصبرانى عليك هى انك ابن عمى .. لكن لو فتحت الموضوع ده تانى ......

قطع كلامه وأخذ نفساً عميقاً يهدئ به بركانه الثائر .. ثم قال بصرامة :
- رد فعلى هيكون عنيف يا "علاء"
ظلا ينظران الى بعضهما البعض للحظات .. نظرات رهبه من "علاء" .. ونظرات غضب وتهديد من "مهند" .. تركه "مهند" فجأة كما انقض عليه فجأة .. وركب سيارته منطلقاً بها .. عدل "علاء" من ملابسه وعيناه تشعان حقداً وكرهاً

**********************************

بدت ملامح "مهند" قاسية .. جامدة .. ونظراته مثبتة على الطريق .. لكن عقله يسبح فى عالم آخر .. وكلما تعمق فى هذا العالم .. كلما ازدادت قوة انقباض قبضتى يده على المقود .. امتدت يده الى المذياع .. لينساب صوت ذلك المقرئ يرتل آيات الذكر الحكيم .. بدا الغضب ينطفى فى عيناه شيئاً فشيئاً .. تخف حدة امساكه بالمقود .. حتى بدت عضلاته أكثر استرخاءاً .. ونظراته تحولت من الغضب الى .. الحزن .. تحركت شفتاه ببطء .. ثم أعقبها صوت شجئ بنبره هادئه يشارك القارئ فى ترتيله .. سرى صوته العذب داخل السياره حتى بدا وكأنه شحن طاقته من جديد .. لانت ملامحه .. واستعاد قوة نظراته ورباطة جأشه
كاد "مهند" أن يتوجه الى الفيلا .. لكنه فجأة أدار المقود .. وانطلق بسرعة .. بعد ما يقرب من ثلاث ساعات .. وصل الى مكانه المنشود .. عروس البحر الأبيض المتوسط .. وصل بسيارته الى ذاك الشاطئ .. ذالك المكان الذى شاركه طفولته وصباه وشبابه .. خرج من السيارة ووقف أمام البحر الذى اشتاق الى رائحته وصوته ولون قطراته .. دار حديث خاص بينه وبين البحر .. حديث يفهمه كليهما .. بدا وكأن البحر يناديه .. ينادى ذلك الصديق العزيز الذى فارقه وجافاه .. اعتذر منه .. آسف أيها البحر شغلتنى عنك هموم الحياة .. لكن سعادتى اليوم لا توصف .. لأنك مازلت تذكرنى .. خشيت أن تنسانى .. فكم من أناس يأتون ويشكون لك همومهم ويذهبون .. خشيت أن أتوه فى زحمة ذكرياتك أيها البحر .. اجابه البحر بحبور كيف أنساك صديقي العزيز .. كيف أنسى من زارنى وودنى طوال سنوات عمره .. كيف أنسى من بثنى همومه وأحزانه وأحلامه وأفراحه .. كيف أنسى من كان يزورنى ليلاً ليحدثنى ويسليني ويقص على ذكرياته .. لاحت ابتسامه صغيره على شفتيه وهو يتأمل البحر بأعين مشتاقه وقلب حر كالطير فى سماه .. كنت أعلم أيها البحر أنك خلاً وفياً .. مهما بعدت فسأعود لأجدك تفتح لى ذراعيك وتستقبلنى بشوق ولهفة .. نظر اليه البحر متأملاً ما بك يا صديقي ... يبدو عليك الحزن والغم .. ما أصابك تكلم .. ماذا أقول لك أيها البحر .. انها الحياة .. لا تأخذ منها الا ما قًسم لك .. أحياناً تتساءل لماذا أنا .. لكنك تجد شيئاً بداخلك يهتف .. أتعترض على قضاء ربك .. فتشعر بالخجل من نفسك .. وتكتم تلك الأسئلة التى لا تجد لها اجابه .. أحياناً تشعر وكأن السعادة كالطفل الذى يتنقل بمرح بين الناس يمزح معهم ويداعبهم .. لكنك تشعر وكأن السعادة نسيتك قجأة .. نسيت أن تداعبك أنت الآخر .. نسيت أن تطرق بابك .. عندها ترفع رأسك الى السماء .. لتقول بقلبك .. هكذا أردت .. وهكذا قضيت .. لك حكمة .. لعلى أفهمها يوماً .. ولعلى لا أفعل .. لكن سواء فهمت أم لم أفهم .. فلا أملك سوى شيئين .. الصبر .. والرضا .. دار الحديث بينهما طويلاً حتى بدأت الشمس فى الغروب .. نظر "مهند" الى ساعته .. ثم ألقى على البحر نظره أخيره يودعه .. ويعده بلقاء قريب !

*********************************

وقفت "سمر" فى شرفة غرفتها .. يداعب الهواء خصلات شعرها الأسود .. فتعيده بيدها الى الوراء .. تنظر بأعين دامعة الى تلك البنايات الشاهقة التى تحيط بها .. أخذت تتخيل وكأنها ترى الناس من خلف تلك الجدر الأسمنتيه .. فتلك عائلة سعيدة يتلف فيها الأبوان مع صغارهما على تلك المائدة .. يتناولون طعامهم ويمزحون معاً .. يسكب الطفل الصغير الطعام على ملابسه .. فتنهره أمه .. ثم تعود لتربت على رأسه بعدما ترى الدموع فى عينه .. نظرت يساراً الى احدى الشرف .. تخترق جدرانها بنظراتها .. فتتخيل .. تلك المرأة التى تقف فى المطبخ تحضر الطعام .. ها هو زوجها يعود من عمله .. فتبتسم وتسرع فى استقباله .. يفتح لها ذراعيه .. فيتلاقيان بشوق .. وفى الشقة المجاورة .. ترى بخيالها سيدة كبيرة تشاهد التلفاز .. فتدخل ابنتها الشابة تجلس بجوارها .. تتغنج الفتاة وتتوسد قدمى والدتها .. فتمسح تلك الأخيرة على شعرها فى حنان .. نظرت الى البناية المقابله .. فرأت طفله جالسه على الأرض تلهو بدميتها .. ترفعها الى الأعلى لتسقط بين يديها والإبتسامه على ثغرها .. فتأتى تلك المرأة لتخطف منها دميتها .. تنظر الطفلة بأعين ملتاعة الى دميتها التى شرعت المرأة فى تمزيقها بالمقص .. دميتها التى صاحبتها سنين طوال .. تلهو معها وتنام معها .. دمعت عيناها وهى ترى صديقتها الصدوق تتمزق الى قطع وأشلاء .. ثم يُلقى بها على الأرض .. وتأمر المرأة الطفلة بلهجة لاذعة أن تذهب الى غرفتها لتؤدى واجباتها .. تلملم الطفلة عروستها الصغيرة وتجلس فى غرفتها باكية .. تحاول جمع أشلائها ببعضها البعض .. علها تعود كما كانت .. لكن هيهات .. انكسر البلور .. ولا فائدة من محاولة تجميعه .. تنهدت فى أسى .. فذلك المشهد الأخير .. لم يكن من بين تخيلاتها .. بل من بين ذكرياتها !

*********************************

دخل "مهند" الفيلا ليسمع صوت حديث قادم من غرفة الطعام .. توجه الى العائله المجتمعه على العشاء وحياهم قائلاً :
- السلام عليكم
- وعيكم السلام
- وعليكم السلام
جلس "مهند" على مقعده على يمين "عدنان" .. وفى مواجته جلس "علاء" الذى أسند ظهره الى الوراء واضعاً ذراعه على الطاوله وهو يرمق "مهند" بنظرات حنق من حين لآخر .. ويجوار "علاء" جلست "نهال" التى رمقت "مهند" بنظراتها قبل أن تعود لتلتفت الى طعامها .. وبجوار "مهند" جلست "فريده" أخته .. قالت "انعام" بمرح وهى توجه حديثها الى "نهال" :
- اتصلت بماما وبابا النهاردة يا "نهال" .. وقالولى ان شاء الله هيرجعوا آخر الاسبوع
ابتسمت "نهال" وهى تقول :
- كلمونى يا عمتو .. ييجوا بالسلامة
التفت "علاء" قائلاً لـ"عدنان" :
- ايه اللى حصل فى اجتماع النهاردة يا عمى
ثم رمق "مهند" بنظرة غيظ قبل أن ينظر الى "عدنان" مكملاً :
- أصله خلص بدرى
نظر اليه "عدنان" وقال:
- لأ مخلصش بدرى يا "علاء" انت اللى اتأخرت على معاد الإجتماع .. ومكنش ينفع ننتظر جنابك .. ده شغل يا ابنى .. الواحد لازم يبقى زى الألف فى شغله .. وأكتر حاجة تحدد الانسان الناجح هى التزامه بمواعيده
ثم التفت الى "مهند" مبتسماً وقال :
- زى "مهند" كده .. على طول ملتزم فى مواعيده .. عمرى ما شوفته متأخر دقيقة عن أى اجتماع
ازداد غيظ "علاء" عدنا وجد عمه يقارنه بـ "مهند" ويشيد به .. فقال على الفور :
- أنا آسف يا عمى .. ان شاء الله هتلاقيني أحسن من كده .. وههتم بموضوع المواعيد دى
نظر اليه "عدنان" قائلاً بجديه :
- يا ابنى لازم تعرف انى بعمل كده عشان مصلحتكوا .. عايزكوا تكونوا رجال أعمال ناجحين .. لو تعبت أو اضطريت أسافر هنا ولا هنا أبقى مطمن ان ولاد اخواتى رجاله يعتمد عليهم .. أسيب شغلى فى ايدهم وأنا مطمن
أوما" علاء" برأسه وقال بحماس :
- ان شاء الله يا عمى هتلاقيني عند حسن ظنك .. وتقدر تسيب شغلك معايا وانت مطمن
قالت "انعام" بإستنكار :
- ايه يا جماعة كلام فى الشغل حتى على العشا
ثم نظرت الى "نهال" و "فريدة" مبتسمة وهى تقول :
- طيب ذنب ايه الجنس اللطيف اللى آعد معاكم .. احنا لا لينا فى الشغل ولا فى الصفقات
ضحك "عدنان" وقال بوقار :
- معاكى حق .. خلاص يا ولاد كفاية كلام عن الشغل .. عشان الجنس اللطيف اللى بدأ يمل من صحبتنا
التفتت "فريدة" الى "عدنان" مبتسمة وهى تضع احدى اللقيمات فى فمها .. فبادلها ابتسامتها قائلاً بحنان :
- قوليلى يا "فريدة" .. مش ناقصك حاجه يا بنتى
قالت على الفور :
- تسلم يا عمو .. حضرتك مش مخليني محتاجه حاجة
- يا بنتى انتى الوحيدة اللى مبتطلبيش منى أى حاجة
قالت بتأثر :
- يا عمو حضرتك بتديني مصروف كل شهر .. ورغم انى قولت لحضرتك انه كبير عليا بس أصريت .. وأنا مش بعمل بيه حاجة .. أنا أعده هنا فى البيت مش ناقصنى حاجه
ثم نظرت الى أخيها بإمتنان وقالت :
- وكمان "مهند" مش مخليني محتاجه حاجة
ابتسم لها "مهند" مربتاً على كتفها .. كانت "نهال" تنقل نظرها بينهما وهى تشعر بغصة فى حلقها .. التفتت تنظر الى "علاء" الذى كان يتناول طعامه بلا مبالاة .. قالت بشى من الأسى :
- تعرفوا انى كان نفسى يبقى عندى أخ زى "مهند"
التفت اليها "علاء" بعدما ترك الملعقة فى طبقه فجأة لتصدر صوتاً ثم قال بضيق :
- يعني ايه يعني .. أنا و "نهاد" مش عاجبينك
قالت بجدية :
- لا ما قولتش مش عاجبنى .. بس شوف "مهند" بيعامل "فريدة" ازاى .. وبيخاف عليها ازاى
قالت "فريدة" على الفور :
- حبيبتى يا "نهال" انتى أختى انتى كمان وأنا بحبك وبخاف عليكي
نظر "مهند" الى "نهال" قائلاً بصوته الرخيم :
- انتى عارف يا "نهال" انى بعتبرك زى "فريدة"
ضايقتها جملته مرة أخرى .. فإستأذنت للإنصراف .. نظر الجميع اليها وهى تغادر .. قالت "انعام" بوقار :
- عادى يا جماعه .. "نهال" فى سن بتستكشف فيه مشاعرها .. طبيعي انها تكون حساسه لأى حاجه .. وطبيعي انها تحس بذبذبه فى مشاعرها .. أنا هخلى "لميس" تتكلم معاها وتشوف ايه اللى مضايقها .. هى و "لميس" قريبين أوى من بعض

****************************************

وقفت "بيسان" أمام المرآة تضع كريماً على بشرة وجهها .. سمعت المفتاح يدور فى الباب .. فخرجت من غرفتها لتجد الخادمة قد سبقتها وفتحت الباب لـ "نهاد" الذى أعطاها حقيبته قبل أن يدلف الى البيت ويبتسم فى وجه زوجته قائلاً :
- ازيك يا حبيبتى النهاردة
قالت وهى تمسح بديها على تكور بطنها :
- الحمد لله يا حبيبى .. انت ضربت الجرس ليه .. فين مفاتيحك
قال وهو يخلع جاكيت بدلته :
- نسيتها فى المكتب
أمسكت الجاكت لتأخذه منه .. فقبل يدها قائلاً :
- لا خليكي يا حبيبتى متتعبيش نفسك
توجه الى غرفته لتبديل ملابسه بينما ذهبت "بيسان" الى المطبخ للإشراف على تحضير المائدة بما لذ وطاب .. جلس الإثنان معاً يشرعان فى تناول طعامهما .. بدا على "نهاد" الشرود فسألته "بيسان" وقالت :
- خير يا "نهاد" فى حاجة مضايقاك فى الشغل
خرج "نهاد" من شروده ليقول لها :
- لا أبداً يا حبيبتى متشغليش بالك
قالت وهى تنظر اليه متفحصه :
- بس شكلك فى حاجه مضايقاك .. معقول تخبى عليا
تنهد قائلاً :
- مش موضوع بخبى عليكي .. هو مفيش حاجه حصلت .. بس حاسس كده .......
قطع حديثه فحثته قائله :
- حاسس ايه
ترك ملعقته وقال بضيق :
- حاسس ان عمى بيميز "مهند" فى الشغل عنى وعن "علاء" .. بابا لما يرجع مش هيعجبه أبداً الصلاحيات اللى عمى اداها لـ "مهند" فى الشغل
أطرقت "بيسان" برأسها تفكر فيما قال .. ثم قالت :
- بس يا "نهاد" "مهند" مهندس معمارى .. وشركة عمك شركة مقاولات كبيرة .. يعني "مهند" الوحيد فيكوا اللى دراسته مناسبة للشغل مع عمك
قال "نهاد" بحده :
- يعني ايه .. عشان دارسته مناسبه للشغل مع عمى نتركن احنا على الرف .. احنا اللى شلنا الشركة دى فوق كتافنا .. ييجى فى الآخر واحد يتنطط علينا
قالت "بيسان" بهدوء تحاول امتصاص غضبه :
- لا يا حبيبى أنا ما قولتش كده .. أنا بس قصدى ان ممكن يكون عمك "عدنان" بيميزه شويه عشان هو محتاج لخبرته فى المجال ده بحكم دراسته .. لكن طبعاً انت و "علاء" و باباك .. هتفضلوا الكل فى الكل .. "مهند" مهما كان ناقصه الخبره العمليه .. وانتوا عندكوا الخبرة دى .. مستحيل عمك يخسركوا .. انتوا زى ما بتقول اللى شيلتوا الشركة دى على كتافكوا
بدا على "نهاد" الإرتياح قليلاً لكلام زوجته وإن كان لايزال يساوره بعض القلق .. وضعت كفها فوق كفه وابتسمت قائله :
- حبيبى متشغلش بالك .. مستحيل عمك يفرط فيك .. وبعدين هو بيحبكوا كلكوا ومجمعكوا حوليه .. ها
أومأ برأسه راسماً ابتسامه صغيره على شفتيه وعاد الى اكمال طعامه من جديد

****************************************

دخلت "سمر" البيت لتسمع صوت "فيروز" هاتفه :
- "سمر" استنى عايزاكى
التفتت لها "سمر" التى كانت ترتدى السواد .. قالت لها "فيروز" بحنان لم تألفه :
- انتى كويسه يا حبيبتى
رفعت "سمر" حاجبها دهشة لكلمة "حبيبتى" .. لكنها ردت بهدوء :
- أهاا كويسه .. عن اذنك
وقفت "فيروز" أمامها تعترض طريقها وهى تبتسم قائله :
- عايزين نتكلم مع بعض يا "سمر"
شبكت "سمر" ذراعيها أمام صدرها وهى تقول :
- خير .. نتكلم فى ايه ؟
قالت "فيروز" برقه :
- حبيبتى دلوقتى انتى عارفه ان مفيش حد يدير الشركة .. وكده مينفعش لازم نبتدى نشوف مصالحنا
نظرت اليها "سمر" ببرود فأكملت "فيروز" بحماس وهى تمسح على ذراعيها :
- حبيبتى مش عايزاكى تشغلى بلك بأى حاجه .. أنا قررت أنزل من بكرة أشوف الشغل فى الشركة .. مش معقول هنفضل سايبنها كده .. بس .......
قطعت حديثها ثم ارسمت ابتسامه ناعمة على شفتيها وهى تقول :
- محتاجه بس تعمليلى توكيل عشان أعرف حبيبتى آخد القرارات عنك فى الشركة .. أنا كلمت المحامى وهييجى بكرة
ثم مسحت على وجنتها بأصابعها وهى تقول :
- ماشى يا "سمر"
تحولت نظرات "سمر" من البرود الى التحدى وهى تقول :
- محدش هيشوف شغلى غيري يا "فيروز"
اختفت ابتسامة "فيروز" وظهر فى عينيها الغضب وهى تقول :
- وانتى تعرفى ايه عن الشغل .. طول عمرك أعده فى البيت مبتشتغليش
قالت "سمر" بتهكم :
- وانتى بأه اللى تعرفى حاجه عن الشغل .. من يوم ما بابا اتجوزك وانتى أعده فى البيت معززه مكرمة طلباتك مجابه بدون أى مناقشة
عقدت "فيروز" جبينها بشدة وقالت بحده :
- يعني ايه .. هتنزلى الشغل
رفعت "سمر" حاجبيها وقالت بصرامة :
- أيوة هنزل الشغل .. وأدير شركتى بنفسى يا "فيروز"
ثم اقتربت منها خطوة وربتت على وجنتها قائله بنعومه ممزوجة بالبرود :
- ريحى نفسك انتى .. ماشى
دخلت غرفتها وتركت "فيروز" خلفها تغلى من الغيظ .. فنصيبها من الميراث لا يعطى لها حقاً فى ادارة الشركة .. فالنصيب الأكبر .. لـ "سمر" .. والتى تصبح هى رئيس مجلس ادارة الشركة !

**********************************
سمعت "فريدة" طرقات على باب غرفتها .. نهضت من أمام الحاسوب وفتحت الباب .. ابتسمت قائله :
- "نهال" .. تعالى ادخلى
دخلت "نهال" وقالت بمرح :
- حسيت بالملل وأنا أعده لوحدى قولت آجى أعد معاكى شويه
أغلقت "فريدة" الباب وتوجهت الى اللاسلكى فى غرفتها وقالت :
- هطلبلنا حاجه نشربها ونعد نرغى مع بعض شويه
اتبمست "نهال" بمرح قاله وهى تجلس فوق الفراش وتضع الوسادة فوق قدميها :
- ماشى
انتهت "فريدة" من طلب العصير وجلست بجوار "نهال" قائله :
- ها قوليلى أخبارك ايه .. مستعده لبدء الدراسة
- مممممم يعني .. بصراحة قلقانه شوية
- ليه بأه
قالت "نهال" بنبرة حالمة :
- يعنى أكيد الجامعة غير المدرسة .. حياة تانية وجو تانى .. نفسى أبقى معروفة ومحبوبه وليا صحاب كتير .. وخايفة ده ميحصلش
أطرقت "فريدة" قليلاً ثم قالت :
- بصى يا "نهال" .. أكتر حاجة بتميز البنت هى أخلاقها وتمسكها بدينها ومبادئها .. فى بنات كتير فاهمة الموضوع غلط .. فاهمة انها كل ما اتنازلت عن مبادئها أكتر كل ما كانت ستايل وروشه ومحبوبه .. لأ بالعكس .. كده هيبقى زيها زى أى بنت تانية بتعمل زيها .. لكن اللى عايزه تتميز فعلاً تتميز بأخلاقها .. بالحدود اللى تحطها مع اللى بيتعاملوا معاها .. بإسلوبها فى الكلام .. بدينها وتمسكها بيه .. ده هو الى بيميز بنت عن التانيه
ثم قالت :
- بصى يا "نهال" .. زى ما قولتى الحياة فى المدرسة وفى ثانوى غير الجامعة .. فى الجامعة بتختلطى بمختلف البيئات والشخصيات والطباع .. وطبعاً بنات على شباب .. لازم تبقى داخله الجامعة وانتى حطه لنفسك مبادئ معينه تمشى عليها .. وخطوط حمرا مينفعش تتجاوزيها .. مينفعش تبقى معدومة الشخصية وتسيبى نفسك ماشيه مع التيار .. كلمة تجيبك وكلمة توديكي .. ساعتها مش هتخسرى اللى حوليكي بس .. لا .. انتى هتخسرى نفسك كمان
كانت "نهال" تستمع اليها بعدم اقتناع .. نهضت فجأة وكأنها تريد اسكاتها عن ذاك الحديث الذى لم تجد فيه نفعاً .. توجهت الى حاسوبها وهى تقول :
- "فريدة" أنا الأكاونت بتاعى على الفيس فى حظرفى الرسايل .. وعايزة أبعت رسالة ضرورى لوحده صحبتى .. ممكن أبعتها من عندك .. عندك أكاونت على الفيس مش كده
سمعتا طرقات على الباب .. قالت "فريدة" وهى تنهض لفتح الباب :
- أهاا .. هتلاقيه مفتوح أدامك .. كنت لسه داخله عليه حالاً
فتحت "فريدة" الباب وتناولت صنية العصير من الخادمة مبتسمه :
- شكراً تسلم ايدك
ابتسمت الخادمه وهزت رأسها بأدب .. كانت أصابع "نهال" تعبث بسرعة فى حساب "فريدة" على الفيس بوك .. وأخيراً وصلت الى مبتغاها .. حساب "مهند" الذى وجدته مضافاً فى قائمة أصدقاء " فريدة" .. حفظت الإسم والإيميل ثم أرسلت رساله لصديقتها حتى تغطى على استخدمها الحاسوب .. ثم نهضت ولمعت عيناها وهى ترشف من العصير ببطء

********************************

التفتت "سمر" الى "باهر" الجالس بجوارها فى السيارة وقالت :
- محتجاك أوى يا "باهر" .. "فيروز" عايزه تستغلنى .. الهانم عايزه منى توكيل عشان تعرف تدير الشركة وتسرقنى براحتها
ثم قالت وهى تنظر اليه بحب :
- مليش غيرك أثق فيه يا "باهر" .. أنا هعملك انت التوكيل .. أنا مليش فى الشغل ومعرفش حاجه أبداً عن شغل بابا الله يرحمه .. عشان كده عايزاك انت تدير كل حاجه
أمسك "باهر"بيدها مقبلاً اياها وهو يقول :
- حبيبتى مش عايزك تقلق طول ما أنا جمبك .. والشركة أمرها سهل .. من بكرة هروح أشوف الدنيا ماشيه ازاى
ارتسمت ابستامه على شفتيها وهى تقول :
- كنت واثقة انك مش هتسيبنى لوحدى .. ان شاء الله بكرة هاجى معاك الشركة ونكلم المحامى ونمشى فى اجراءات التوكيل
قبل يدها مرة أخرى وهو يقول مبتسماً :
- ماشى يا حبيبتى زى ما تحبى
نظرت اليه وقد لمعت عيناها بالعبرات قالت :
- "باهر" مليش غيرك دلوقتى .. اوعى تسيبنى
قال لها "باهر" مستفهماً :
- ليه دايماً بتكررى الجملة دى .. مين قال انى هسيبك
تنهدت وابتسمت بتوتر وهى تقول بأعين دامعه :
- مفيش بس أنا طبعى كده .. لما بحب حاجه بخاف تضيع منى .. يمكن عشان طول عمرى كل حاجه حبتها ضاعت منى .. فبقيت على طول بحس بخوف وبقلق .. متزعلش منى .. لما بقولك كده مش معنى كده انى مش واثقه فيك .. لأ .. أنا بس بحب أسمعك دايماً وانت بتقول هفضل معاكى يا "سمر" .. مش هسيبك أبداً يا "سمر" .. الكلام ده بيطمنى وبيقلل الخوف جوايا
اتسعت ابتسامته وهو يقول :
- هفضل معاكى يا "سمر" .. مش هسيب أبداً يا "سمر"
اتسعت ابتسامتها هى الأخرى ومسحت العبره التى فلتت من عينها ونظرت اليه وهى تشعر بالراحة والأمان

********************************
التف الجميع حول طاولة الإجتماعات بالشركة .. وبعدما انتهى الإجتماع رحل المدراء بإستثناء "عدنان" و "مهند" و "نهاد" و "علاء" .. قال "عدنان" وهو يستند بذراعيه فوق الطاولة :
- فى موضوع حابب أكلمكوا فيه اي ولاد
نظر الجملع اليه وقد أرهفوا آذانهم
صمت "عدنان" قليلاً .. ثم قال بعزم :
- أنا فكرت ألغى مرتباتكوا من أول الشهر الجاى
نظر الجميع الى بعضهم البعض فى دهشة .. قال "علاء" بإستغراب :
- ازاى يعنى يا عمى .. هنشتغل من غير مرتب ؟
قال "عدنان" بحزم :
- أيوة هتشتغلوا بدون مرتب .. هتشتغلوا بنسبه
ضاقت عينا "مهند" وهو يتطلع الى عمه .. بينما نظر اليه "نهاد" و "علاء" بدهشة .. فأكمل "عدنان" مبتسماً :
- دى طريقة فكرت فيها عشان تتحمسوا للشغل أكتر أكن كل واحد بيشتغل فى شركته الخاصة .. وزى ما يدى زى ما هياخد .. زى النبته اللى لو اهتميتوا بيها وراعيتهوها هتكبر وهتزهر وهتبقى أحلى وردة
ثم فتح ملفاً وأعطى لـ "مهند" ثلاث ورقات وقال :
- واحدة ليك يا "مهند" وو احدة لـ "نهاد" وواحدة " لـ "علاء"
أخذ كل منهم ورقته يقرأها .. أكمل عدنان :
- ده عقد بنسبة كل واحد فيكوا .. اللى موافق يشتغل معايا بالنسبة اللى حددتها .. يمضى العقد دلوقتى
صاح "علاء" بحنق وهو يرى بطرف عينه ورقة "مهند" و "نهاد" :
- بس يا عمى حضرتك مديني أقل نسبه فيهم .. ومدى "مهند" أعلى نسبه
تجعد جبين "نهاد" وهو يستمع الى كلام أخيه .. قال "عدنان" بحزم :
- أنا كتبت لكل واحد النسبة اللى يستحقها يا "علاء"
صاح "علاء" بغضب مكتوم :
- بس يا عمى احنا شغالين فى الشركة دى من قبل ما "مهند" يشرف .. يعني احنا اقدم منه وأحق منه
هتف "عدنان" بغضب :
- انت بتتكلم أكنى مت يا "علاء" .. وانتوا أعدين بتوزعوا فى الميراث .. أنا لسه عايش ممتش
قال "مهند" بجديه :
- عمى "علاء" معاه حق .. أنا أجدد واحد فيهم فى الشركة ومينفعش ........
ضرب "عدنان" على الطاولة بيده وهو يقول بغضب :
- دى شركتى ودى فلوسى وأنا حر فيها .. كل واحد معاه العقد بتاعه اللى عاجبه يمضى عليه واللى مش عاجبه يقطعه ويرميه .. أنا لسه بعقلى وبصحتى يعني عارف كويس أوى بتصرف ازاى
ران الصمت بعد كلماته الغاضبة .. قطعه قائلاً بحزم :
- الإجتماع انتهى
نهض الجميع متثاقلاً .. فنظر الى "مهند" قائلاً :
- خليك شوية يا "مهند"
جلس "مهند" فى مكانه مرة أخرى بينما رمقه "علاء" بنظرات حقود وهو ينصرف بصحبة "نهاد" الذى عقد حاجبيه بضيق .. فى الخارج هتف "علاء" :
- مش قولتلك .. مش قولتلك يا "نهاد" ان عمك هيخليه الكل فى الكل على حسابنا .. أهو اداله نسبه أرباح اعلى منى ومنك .. مين أولى بالنسبه اللى أخدها دى .. ولسه لما بابا يعرف
قال "نهاد" بضيق شديد وهو ينظر الى الورقة فى يده :
- "علاء" أنا مش ناقصك .. سيبنى دلوقتى
قال "علاء" بحده قبل أن ينصرف :
- خلينا كده أعدين حطين ادينا على خدنا لحد ام عمك يكتب كل حاجه بإسم "مهند"
رفع "نهاد" رأسه ينظر الى "علاء" الذى غادر غاضباً يزن كلماته فى عقله والتى زادت من تقطيبة جبينه

بدا على "مهند" الضيق .. قال "عدنان" :
- مش هتمضى العقد بتاعك
قال "مهند" بأدب :
- عمى .. أنا مش عايز مشاكل مع ولاد عمى .. هما معاهم حق .. يعني هما شغالين فى الشركة قبلى و .......
هتف "عدنان" بصرامة شديدة :
- دى شركتى يا "مهند" وأنا اللى أقيم شغل كل واحد فيكوا .. وأنا اللى أحدد نسبة أرباح كل واحد فيكوا .. مش بالأقدمية يا "مهند" .. أنا ليا عنين بشوف بيها .. وعقل بيميز بيه .. انت من يوم ما جيت الشركة ونسبة الأرباح وصلت لأعلى معدلاتها .. ثقة العملا الكبار فيك بقت من غير حدود .. قدرت تكسب عملا معرفناش طول سنين شغلنا اننا نوصلهم .. وده نتيجة تعبك ومجهودك وذكاءك ولبقاتك وجديتك فى العمل .. ميهمنيش مين اشتغل قبل التانى أنا ليا النتايج
ثم أشار الى الورقة قائلاً :
- اقرا العقد كويس .. فى بند بينص على انى الوحيد اللى ممكن أغير النسبة وفى الوقت اللى أنا عايزه .. يعني لو قصرت فى شغلك نسبتك هتقل .. وهما لو اجتهدوا فى شغلهم نسبتهم هتزيد
أومأ "مهند" برأسه وبدا مقتنعاً بكلام عمه .. قال "عدنان" بصوت أقرب للهمس :
- اللى أنا عايزك فيه دلوقتى أهم من الشغل
ضاقت عينا "مهند" وهو ينظر الى عمه مستفهماً :
- خير يا عمى
صمت "عدنان" قليلاً .. ثم قال بحزم وبعض القلق :
- وانت مسافر .. فى حرامى حاول ينط فى الفيلا والسيكيوريتي معرفوش يمسكوه
أومأ "مهند" برأسه وعقد ما بين حاجبيه فقال "عدنان" وهو يضرب على الطاولة بكفه :
- أنا واثق ان دى مش محاولة سرقة عادية .. مين اللى يجرؤ انه يقرب من فيلا "عدنان زياكيل" .. الفيلا عليها سيكيوريتي والسور عالى .. ومعروف ان فيها ناس عايشة
قال "مهند" وهو يمعن التفكير :
- أمال ايه يا عمى .. حضرتك شاكك فى ايه
قال "عدنان" شارداً :
- مش عارف يا "مهند" بس قلبى مش مطمن
قال "مهند" بحماس :
- يبأه نزود السيكيرويتي .. وممكن نركب أجهزة انذار حولين سور الفيلا
أومأ "عدنان" برأسه قائلاً :
- ده اللى فكرت فيه فعلاً
ثم أشار بإصبعه بحزم قائلاً :
- بس الموضوع ده هيفضل بيني وبينك مش عايز حد يعرفه
أومأ "مهند" برأسه ..ثم استأذن للإنصراف .. أرجع "عدنان" ظهره الى الخلف يسند به على المقعد شارداً ينقر بأصابعه فوق الطاولة .. كان يشعر بداخله بالقلق .. الريبة .. والشك .. والخوف .. ولم يكن يدرى وقتها .. الى أى مدى كانت شكوكه فى محلها !


Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق