روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل التاسع والثلاثون من رواية مزرعة الدموع

رواية مزرعة الدموع بقلم بنوتة أسمرة

- أيوة ملكى .. بس مبروحوش كتير .. روحته كام مرة بس
راقبت وجهه لترى عليه تعبيرات غريبة كمن يتذكر شيئاً يضايقه .. ثم هذ رأسه وكأنه يحاول نفض تلك الذكرى من رأسه .. استأذنت لتذهب الى الحمام .. دخلت الى الحمام وهى ترتعش .. وقفت أمام المرآه تنظر الى وجهها المضطرب .. ونظراتها الشاردة المتوترة .. بيته .. ملكه .. هو صاحب البيت .. البيت الذى زنت فيه زوجة الغفير مع رجل .. ظنت أن "عمر" ليس له علاقة بالبيت وما حدث فيه .. لكنه صاحب البيت .. ومالكه .. لماذا يشترى رجلاً مثله مثل هذا البيت الموجود على أطراف القرية والذى لا يحتوى إلا على فراش ودولاب وبضع الأوانى البسيطة ..


ماذا يفعل رجلاً مثله فى هذا البيت الذى قال انه زاره مرات .. لم يذهب اليه الا لسبب واحد .. لكى يلتقى فيه بعشيقته بعيداً عن أعين زوجها .. وبعيداً عن أعين الخدم .. لكم تمنت أن يكون برئياً .. لكم حاولت تناسى تلك الحادثة وتجاهلها وكأنها شيئاً لم يكن .. لكنه أثبت لها .. أنه هو نفسه الرجل الذى زنى بزوجة الغفير فى هذا البيت المحترق .. نظرت الى نفسها فى المرآه لتقسط من عينيهــا دمعــة حزينــة .. يعقبها شلالاً من الدمـــوع الصامتـــة

شعرت "ياسمين" وكأن الدنيا قد توقفت من حولها ولا يوجد سوى تلك الحقيقة المره .. وقفت تنظر فى المرآه وهى متألمه مجروحه حائرة لا تدرى ماذا تفعل .. وكيف تتصرف .. أتواجهه .. أتسامحه .. أتبتعد عنه .. لا تدرى ماذا ستفعل .. ليست واثقه من أى شئ .. الشئ الوحيد الذى تثق به .. هو أن زوجها الجالس فى الخارج أجرم فى حقه نفسه وفى حقها وفى حق ربه بجريمة بشعة للغايه .. كفكفت دموعها وغسلت وجهها وعادت الى الطاوله .. تفرس فيها "عمر" .. ثم قال بإهتمام :
- مالك يا "ياسمين"
قالت بصوت مبحوح :
- مفيش
قال بحزم :
- لأ فى .. انتى كنتى بتعيطى صح ؟
لم تستطع التأكيد أو الانكار .. صمتت .. أمسك يدها بين يديه الاثنين واقترب منها قائلاً :
- حبيبتى ادعيله ربنا يرحمه هو وماما
نظرت اليه .. ليتك تعلم سبب دموعى يا "عمر" .. ليس أبي سببها .. بل أنت .. أنت من قهرنى وجرحنى .. قالت "ياسمين" وقد بدا عليها الضيق :
- معلش ممكن نمشى .. عايزة أروح
ركبا السيارة .. وظلت صامته طوال الطريق .. و"عمر" لم يحاول مضايقتها بالحديث .. لكنه ظل يلتفت اليها .. ويتفرس فيها وفى تعبيرات وجهها الحزين .. وصلا الى البيت صعدا معاّ .. توقفا أمام باب غرفتها .. اقترب منها "عمر" وقبل جبينها ثم قال :
- تصبحى على خير يا حبيبتى .. لو مجالكيش نوم واحتجتى تتكلمى أنا سهران فى المكتب
دخلت "ياسمين" غرفتها وألقت بنفسها على الفراش بملابسها وانفجرت فى بكاء صامت .. بكاء يبكى فيه قلبها قبل عينيها ..لم تدرى كم جلست تبكى .. لكنها لم تتوقف الا عندما لم يعد لديها القدرة على البكاء .. قامت بتثاقل وتوضأت وصلت .. بكت كثيراً فى سجودها وهى تتضرع الى الله عز وجل أن ينير لها طريقها .. ويلهمها حسن التصرف .. أنهت صلاتها وجلست على فراشها تفكر .. هى الآن تشعر بأن "عمر" بالفعل مذنب بهذا الجرم .. وأنه أخطأ مع تلك المرأة .. وترى "ياسمين" الآن انه ليس لديها الا طريقين اثنين لا ثالث لهما .. ويجب عليها أن تختار أحدهما .. الطريق الأول هو أن تواجهه ثم تنفصل عنه وتبتعد عنه تماماً .. الطريق الثاني أن تخفى ما عرفته .. وتسامحه .. وتغفر له ما فعل .. لكن السؤال الآن .. هل حبها له كافى لأن يغفر تلك الغلطة .. هل حبها له كافى لأن ترمى هذا الأمر خلف ظهرها وألا تفكر فيه مرة أخرى .. هل حبها له كافى لأن تساعده على التغيير للأفضل وتأخذ بيده وتجعله يسير معها فى طريقها .. أم أن حبها له أضعف من أن يتحمل تلك الغلطة التى سبقت معرفته بها .. وقلبها لن يستطيع أن يغفر له أبداً .. هى تعلم أن الحب كلمة لها معانى كثيرة .. من بين تلك المعانى .. التسامح .. وغفران الزلات .. وكلما كان الحب أكبر .. كلما كان التسامح أكبر .. وكلما كان الاحتواء أعمق .. فهل حبها بالفعل كبير ؟ وقوى .. ؟ .. حتى يقف فى وجه تلك العاصفه التى تحاصره من جميع الجهات .. ؟

مكثت فى غرفتها الى ما بعد الظهر .. كانت تحاول أن تتحاشي الاجتماع به .. خرجت من غرفتها ومرت بجوار باب غرفته المغلق فأسرعت السير حتى نزلت الدرج .. ليس من المعقول أن يظل "عمر" نائماً لهذا الوقت فليس هذا من عادته .. لكنها لا تجد أثراً له فى المنزل .. ذهبت الى الخادمة فى المطبخ وسألتها عنه فقالت انها لا تعرف مكانه .. حضرت له الفطار فى الصبح ولم يطلب منها شيئاً آخر .. على قدر ما كنت تشعر بالراحه لعدم رؤياه حتى لا تتذكر ألمها منه .. على قدر ما كانت تشعر بالقلق عليه .. غلبها قلقها .. اتصلت به .. رد عليها قائلاً :
- صباح الخير يا حبيبة قلبي
- السلام عليكم .. صباح النور
- وعليكم السلام
- انت فين .. صحيت لقيتك مش موجود
أتاها صوته الدافئ :
- وحشتك ؟
خفق قلبها .. وصمتت .. فقالت :
- مستخسره حتى تقوليهالى
لم ترد .. فاكمل :
- اما أنا فمش بستخسر فيكي حاجه .. وحشتيني .. وبتوحشيني على طول .. ولولا الشغل اللى فى ايدى كنت طرت لحد عندك
أغمضت عينيها وقد آلمتها كلماته .. آلمها حبه الكبير لها .. وهى لا تستطيع أن تبادله حباً بحب .. أرادت أن تسأله ان كان فى مكتبه أم خارج المزرعة .. لكنها وجدت نفسها تسأله سؤال آخر تماما :
- "عمر" .. انت بتحبنى بجد ؟
لم تمسع صوتاً .. بل انقطع الخط .. تركت الهاتف من يدها .. وأنبت نفسها على سؤالها .. تمنت أن يكون الخط قد انقطع قبل أن يستمع الى سؤالها .. والذى لا تعلم لماذا سألته أصلاً .. جلست تقرأ احدى المجلات عندما سمعت صوت الباب يُفتح وقفت لتجد "عمر" يدخل ويقف أمامها .. قالت بإستغراب :
- "عمر"
كانت نظراته تحمل كل معانى الحب والشوق واللهفة .. قال :
- جيت عشان أرد أرد على سؤالك
تبادلا النظرات لبرهه ثم جذبها الى حضنه .. استسلمت فترة لأحضانه .. ثم  حاولت ابعاده عنها .. رفع رأسه ونظر اليها مبتسماً .. قال بصوت حانى :
- عرفتى اجابة سوالك ؟
احمرت وجنتاها وأخفضت بصرها .. حاول رفع وجهها بكفه .. فوقع نظرها على الحرق .. فشعرت بغصه فى حلقها .. سألته بصوت مضطرب قليلاً :
- من ايه الحرق ده؟
نظر "عمر" اليها يتفرس فيها قائلاً :
- دى تانى مرة تسأليني عنه
"ياسمين" وهى تحاول أن يبدو صوتها طبيعياً :
- فضول مش أكتر
قال "عمر" بحزم :
- مش هقولك
نظرت اليه قائله :
- ليه ؟
صمت .. طال صمته .. بدا عليه الضيق .. وأخيراً قال :
- لأنك بعيده عنى بما فيه الكفايه .. ولو عرفتى هتبعدى أكتر
ارتجف قلبها لكلماته التى تؤكد ما عرفته .. أومأت برأسها وحاولت رسم بسمه على شفتيها قائله :
- يلا عشان متتأخرش على شغلك .. وأنا هستناك على الغدا
سألها بإهتمام :
- فطرتى
- لأ لسه
قال بحزم :
- حالاً .. تفطرى حالاً
- حاضر
ابتسم قائلاً :
- قوليها تانى
- ايه هى ؟
- حاضر
ابتسمت قائله :
- حاضر
- مش هتأخر عليكي .. لو احتجتى حاجة كلميني
ابتسمت له حتى انصرف .. ثم اختفت الابتسامه من شفتيها لتحل محلها عبره فى عينيها.

************************

جلست "سماح" مع "أيمن" فى شرفة منزلهما .. بدا على "سماح" التفكير .. قالت لـ "أيمن" :
- "أيمن" عايزة أسألك سؤال
- خير
بدا عليها وكأنها تحاول تخير كلماتها بعنايه .. ثم سألته :
- هو الحرق اللي فى ايد "عمر" .. قديم ولا جديد
التفت اليها ورفع حاجبه قائلاً :
- نعم ؟ .. وانتى ايه دخلك بالموضوع ده
اضطربت قليلاً ثم قالت :
- عادى يعني .. فضول .. "ياسمين" كانت عايزة تعرف
نظر الى عينيها بحزم قائلاً :
- مراته عايزة تعرف يبقى تسأله .. لكن انتى متسأليش سؤال زى ده عن واحد صحبى
قالت تحاول تلطيف الجو :
- ده سؤال عادى يا "أيمن" يعني مش سؤال شخصى
قال بحزم :
- لأ مش عادى .. متسأليش اى حاجه عن أى راجل .. حتى لو كان صحبي .. انت ايه دخلك بالحرق الى فى ايده .. وكمان بتسأليني أنا
ابتسمت قائله :
- هو انت بتغير ؟
نظر اليها بعتاب قائلاً :
- يعني مش عارفه ان أنا بغير .. بغير من مجرد كلامك عن راجل تانى .. وسؤالك عن حاجه تخصه
ضحكت قائله :
- خلاص يا عم مكنش سؤال ده

*********************

فى المساء دخلت "ياسمين" الى غرفتها .. استأذنت من "عمر" لتنام مبكره عن كل يوم .. فى الحقيقة لم ترغب فى النوم .. بل كانت ترغب فى الإنفراد بنفسها .. والتفكير .. لم تصل حتى الآن الى قرار .. لا تعرف ماذا تختار .. لا تعرف سوى شئ وحد .. أنها كل يوم تزداد قرباً منه وتعلقاً به .. فإن كانت ستأخذ قرار الإنفصال عليها ان تأخذه الآن .. لأن كل يوم يمر عليها معه .. بل كل لحظه .. تربطها به أكثر .. سقطت عبره من عينيها .. لم تكن تلك العبرة حزينه كباقى العبرات .. بل عبرة شوق .. شوق لزوجها الذى لا يفصلها عنه سوى جدار .. لكم تتمنى ان تلقى بنفسها بين أحضانه .. وتخبره بكل ما يحزنها .. كان حنوناً للغاية .. وهذا جعلها متعطشه للمزيد من هذا الحنان .. دعت ربها أن يكون قد تاب بالفعل .. تمنت أن تشعر بذلك .. بتوبته .. وبصدقها .. ويعزمه على عدم تكرار ما فعل .. عندها ربما تتمكن من مسامحته .. ربما تتمكن من نسيان ما حدث .. تنهدت ونهضت لتغير ملابسها .. كانت شاردة .. تعاملت مع سوسته العباءة بعنف حتى كسرتها .. زفرت فى ضيق .. حاولت فتحها فلم تستطع كانت قوية للغاية .. نظرت للقطعة المقطوعة فى يدها بضيق .. خرجت ونزلت الدرج لتقابل "عمر" وهو صاعد الى غرفته .. قال لها :
- انتى لسه منمتيش
قالت بإرتباك :
- أيوة .. هنام دلوقتى
سألها بعتاب :
- طالما كنتى سهرانه مجبتيش أعدتى معايا ليه
صمتت لم تجد ما تقول .. قال بضيق :
- براحتك .. تصبحى على خير
صعد الى غرفته .. نزلت وذهبت الى المطبخ للبحث عن الخادمة .. لم تجدها .. نظرت الى باب غرفتها المغلق .. تُرى هل نامت أم لا .. كادت أن تطرق عليها الباب لكنها أشفقت عليها أن توقظها بعد يوم متعب من أجل سوسته العباءة .. صعدت فى ضيق الى غرفتها وظلت تحاول فتحها دون جدوى .. حاولت البحث عن مقص فلم تجد .. خرجت لتنزل للبحث عن مقص .. لم يكن أمامها حل الا قص العباءة .. قابلت "عمر" مرة أخرى وهو يدخل غرفته ويحمل كوب من الشاى .. قال بإستغراب :
- مالك فى ايه ؟
قالت بإضطراب :
- مفيش
همت بأن تنزل الدرج لكنها التفتت اليه لتقول :
- مفيش عندك مقص ؟
قال بإستغراب :
- اه عندى .. عايزاه ليه
قالت بنفاذ صبر :
- عايزاه وخلاص
ابتسم وقال :
- مش هجيهولك الا اذا قولتيلى عايزاه ليه
قالت بضيق :
- قولتلك عايزاه وخلاص
- كنت بهرج معاكى .. لا مفيش مقص
زفرت بضيق .. نظر اليها .. حزمت امرها وقالت بسرعة وكأنها تخشى أن تتراجع :
- "عمر" ممكن تفتحلى السوسته
لمعت عيناه بخبث .. فقالت بتوتر :
- اتكسرت وبقالى ساعة مش عارفه اغير هدومى .. نزلت لقيت الست اللى بتشتغل هنا نايمة وصعبت عليا أصحيها
قال بهدوء :
- وأنا روحت فين ؟
دخل غرفته وضع كوب الشاى ثم خرج والتف حولها .. التفتت تنظر اليه وقالت بجديه :
- افتحها فتحه صغيره وأنا هكملها
ضحك قائلاً :
- ماشى حاضر
رفع يده فالتفتت مرة أخرى تنظر اليه محذره :
- حته صغيره
كتم ضحكته بصعوبه وهتف :
- اللى يسمع كده يقول انك جايبه واحد من الشارع يفتحلك السوسته .. صبرنى يارب
طال انتظارها .. قالت :
- ها خلصت
- لأ لسه .. انتى قفلتيها ازاى .. قفلتيها على القماش .. وكمان قطمتيها
قالت بنفاذ صبر وهى تحاول ان تبتعد :
- خلاص مش مشكلة هقصها
لم يسمح لها بالابتعاد وقال :
- استنى هحاول تانى
أثناء محاولته .. وقع نظره على السلسله فى عنقها .. لمسها بيده وأخرجها .. التفتت تنظر اليه .. ابتسم عندما رآى القلب معلق فى نهاية السلسله .. نظر اليها بحب قائلاً :
- لبساها من يوم ما اديتهالك ؟
أومأت برسها قائله :
- أيوة
ظل ممسكاً بالقلب وهو ينظر اليها .. شعرت بالتوتر حاولت أن تبتعد .. لكنه كان يطبق على السلسلة بقوة .. نظرت اليه .. غاصت فى بحر عيناه اللاتان تحتويانها فى صمت .. اقترب منها أكثر .. ولدهشتها لم تعترض ..شجعه هدوئها على الاستمرار .. لاحت لها صورة أفزعتها .. صورة زوجها فى احضان امرأة أخرى .. وألقى الشيطان بأسئله مقزز فى عقلها .. تُرى هل كان يقبل تلك المرأة بالطريقة التى يقبلها بها .. هل كان شغوفاً بتلك المرأة مثلما تراه شغوفاً بها الآن .. كم استمرت علاقتهما .. هل كان يحبها أم كانت مجرد علاقة  عابرة .. فتحت عينيها لعل تلك الصورة تختفى .. لكن هيهات .. فالصورة لم تكن فى عينيها .. بل فى عقلها .. شعرت بالقشعريرة تسرى فى جسدها وهى تتخيل زوجها فى أحضان اخرى .. أخرى متزوجه تخون زوجها معه .. أبى الشيطان الا وأن يبث سمومه فى قلبها .. انتفضت .. وانزوت بنفسها تحاول أن تبتعد عن يده .. انتفض قلبه لانتفاضتها.. نظر اليها نظر دهشة ممزوجة بالألم والغضب .. ثم قال :
- للدرجة دى مش طيقانى ؟
نظرت اليه بألم قائله :
- أنا أسفه
ابتعد عنها وقال فى غضب :
- قولى انك مش قادرة تنسيه .. مش قادرة تنسي "مصطفى"

شعرت بكلماته وكأنها خنجر يطعن قلبها المكلوم .. التفت ونزلت الدرج بسرعة .. وتوجه الى مكتبه ثم سمعت صوت الباب يغلق بقوة .. عادت الى غرفتها وجلست على فراشها .. كانت حزينه حائرة متألمة .. ترغب فى مسامحته .. لكن الأمر شاق عليها .. كيف تمنع عقلها من التفكير فيما فعل .. مضت أكثر من ساعة جالسه مستغرقة فى التفكير .. أكثر ما آلمها هو أنه غضب منها .. تعلم جيداً انها لا يجب أن تنام وزوجها غاضب عليها .. تعلم جيداً ان من تمنع نفسها عن زوجها بغير عذر تظل الملائكة تلعنها حتى تصبح .. ارتجفت لقساوة تلك الكلمات التى تعرفها جيداً

فتحت باب الغرفة وخرجت تبحث عنه .. لم يكن ما يحركها هو خوفها من لعن الملائكة فحسب .. بل حبها له .. وحزنها لأنها أغضبته .. نظرت الى باب غرفته المفتوح .. وكوب الشاى الذى برد .. علمت أنه فى المكتب لم يخرج .. نزلت ببطء .. طرقت باب المكتب بهدوء .. لم تسمع صوتاً يدعوها للدخول .. وقفت .. ترددت .. لكنها أخيراً عزمت أمرها وفتحت الباب .. أطلت برأسها لتجد "عمر" جالساً على احدى الأرائك وبيده ألبوم صور .. رفع رأسه ليلقى عليها نظرة لا مباليه وكأن وجودها لا يعنيه ثم عاد ليقلب صفحات الألبوم .. دخلت "ياسمين" وأغلقت الباب خلفها .. جلست على الأريكة التى يجلس عليها لكنها تركت بينهما مسافة .. لم تعرف ماذا تقول .. هرب منها الكلام .. كانت تشعر بأحاسيس كثيره متناقضة .. كان مازالت يطالع الألبوم فى يده .. قالت دون ان تنظر اليه :
- أنا مبفكرش أبداً فى "مصطفى"
نظر اليها بغضب وحده .. نظرت اليه وأكملت :
- أنا أصلا مكنتش بحبه يا "عمر" .. عمرى ما حبيته أبداً
رقت نظراته قليلاً فأكملت :
- أنا مكنتش أعرفه قبل الخطوبة .. هو شافنى واتقدملى .. كانت أول مرة أشوفه يوم ما اتقدملى .. واتخطبنا على طول .. واتجوزنا على طول
ترك الألبوم من يده واعتدل فى جلسته .. ساد الصمت لفترة .. ثم قطعه قائلاً :
- يعني عمرك ما حسيتى بحاجه ناحيته
هزت رأسها بقوة قائله :
- لأ
تفرس فيها قائلاً :
- ولا مرة ؟
قالت بثقه :
- ولا مرة
أكملت قائله :
- لما بفتكره مش بفتكره على انه جوزى خالص .. بفتكره على انه واحد غريب .. عمرى ما قدرت أفهمه .. ولا عايزه أفهمه
أومأ برأسه وقد فهم ما قالت .. قال بهدوء :
- أنا اسف على اللى قولته
قالت بأسى :
- وأنا اسفة على اللى عملته
نظر اليها بصمت فأكملت قائله :
- "عمر" .. أنا كنت طول عمرى فى حالى .. عمر ما كان ليا علاقات بحد .. حتى صحابي أيام الكلية كانوا معدودين على الصوابع .. لانى مش برضى أصاحب أى حد .. مبصحبش غير البنت اللى بثق فيها وبحس انها شبهى .. ومفيش منهم غير "سماح" هى اللى علاقتنا متقطعتش من أيام الجامعة ..

نظرت اليه بألم وحيرة قائله :
- يعني اللى عايزة أفهمهولك .. انى معنديش خبرة فى أى حاجه .. وحسه ان فى حاجات كتير أول مرة أتعرضلها .. ومش قادرة أحكم على مشاعرى صح .. حتى أفكارى حساها مشوشة
اقترب منها وجذبها الى حضنه .. ثم قال :
- أنا آسف انى اتسرعت
رفعت رأسها لتنظر الى عينيه قائله :
- لأ انت متسرعتش .. بس فى حاجات كتير جوايا محتاجه أظبطها الأول
أمسك كفيها بيده وقال :
- طيب ليه ما تتكلميش معايا فى الحاجات اللى جواكى دى .. ونظبطها سوا
ابتسمت قائله :
- اوعدك .. انى هحاول أعمل اللى انت بتقوله .. وانى فعلا أقولك على كل اللى جوايا .. أنا بس محتاجة وقت
تبللت عيناها بالدموع ونظرت اليه برجاء قائله بصوت أوشك على البكاء :
- المهم بس انت متزعلش منى .. أنا مش عايزاك تزعل منى يا "عمر" .. انا عارفه انى تعباك معايا .. بس حاول تفهمنى ومتزعلش منى
أمسك وجهها وقبل جبينها قائلاً بجديه :
- طيب ممكن تبطلى عياط .. مش عايز أشوف دموع فى عنيكي أبداً .. وأنا مش زعلان منك .. ومش ممكن أزعل منك .. الحاجة الوحيدة اللى تزعلنى منك هى بعدك عنى .. لكن طالما انتى معايا خلاص .. هصبر لحد ما انتى اللى تقوليلي أنا بحبك يا "عمر"
ابتسمت له .. وقالت وهى تنظر الى عينيه  :
- انت حنين أوى على فكرة
ابتسم لها .. فأكملت :
- وطيب أوى .. ومريح أوى .. وراجل أوى .. وشهم أوى ..
اقترب برأسه منها حتى أسند رأسه على جبينها قائلاً :
- طيب اسكتى بأه بدل ما تشوفيني مجنون أوى
تلاقت أعينهما وابتسامتهما .. اعتدلت فى جلستها قائله :
- بما انها جلسه مصارحه فأحب أسألك سؤال
أجاب مبتسماً :
- اسألي
قالت بهدوء :
- يعني انا عارفه انك كنت خاطب قبل كده
صمتت لتراقب تعبيرات وجهه الساكنه .. ثم أكملت :
- يعني اللى سمعته انها كانت مختلفة عنى .. حتى ماما "كريمه" قالتلى كده
أومأ برأسه دون أن يتكلم .. فأكملت :
- ليه ؟
- ايه اللى ليه ؟
- ليه اخترتها ؟
صمت وبدا عليه التفكير .. ثم نظر اليها قائلاً :
- اخترتها لانى كنت فاكر انى ممكن أغيرها .. بس هى كانت بعيده أوى أوى عنى .. بعيده بعد صعب انى أقربه .. خطوبتى ليها كانت من اكتر الحاجات اللى ندمت عليها فى حياتي
تفرست "ياسمين" فى وجهه تراقب تعبيراته وقالت :
- فى حاجات كتير ندمت عليها ؟
بدا ليه التفكر ثم قال :
- مش كتير أوى .. بس أى انسان عنده غلطات قاتله أكيد بيندم عليها
شعرت بالألم يغزو قلبها .. اقتربت منه .. اندهش عندما وجدها تمسك يده بيدها .. نظر اليها فقالت بحنان :
- المهم اننا نندم فعلاً على الغلطة دى ونستغفر ربنا كتير عشان يغفرهالنا .. ومنكررش أبداً تانى مهما حصل
قال بهدوء :
- صح كلامك مظبوط
سألته بلهفه:
- يعني انت ندمت على الغلطات دى
أومأ برأسه :
- أيوة ندمت
ابتسمت .. شعرت بالراحة تسرى فى كيانها .. قالت له بحماس وبأعين دامعه :
- ان شاء الله ربنا هيغفرلك .. اللى بيتوب بجد ربنا بيغفرله ويمسح الذنب ده من صحيفته يوم القيامه
رق قلبه وهو يرى دموعها المتساقطه .. مسحها بأصابعه ونظر اليها بحنان جارف وقال بصوت مرتجف :
- انتى حبيبتى بجد .. أنا بحبك أوى .. عمرى ما تخيلت ان واحده تعيط من خوفها عليا بسبب ذنوبى .. انتى حنينه أوى يا "ياسمين" .. أنا بحبك أوى

***************************************

استيقظت "ياسمين" من نومها على صوت جرس الهاتف الذى تضبطه على صلاة الفجر .. نهضت لتجد نفسها فى غرفتها ومدثرة بغطائها .. كيف صعدت الى هنا .. ابتسمت وهى تتخيل نفسها محموله بين ذراعى "عمر" .. نهضت من فراشها وتوضأت .. ذهبت الى غرفته وطرقت الباب .. وقت طويلاً .. أخيراً فتح الباب وهو ناعس العينين قائلاً بمرح :
- فى واحدة محترمة تخبط على باب أوضة جوزها الفجر
ضحكت وقالت :
- أه عشان تصحيه يصلى الفجر
ابتسم وهو يفتح عينيه بصعوبه قائلاً :
- ماشى هعديها المرة دى ..
نظر الى ما كانت ترتديه ثم قال بخبث :
- هو انتى لسه مفتحتيش السوسته
ابتسمت بخجل قائله :
- لأ ولا لاقيه مقص
قال وكأنه يفكر :
- مممممم طيب وهنعمل ايه فى المشكلة دى
- عادى بكرة هسأل الست اللى بتشتغل هنا على مقص
نظر اليها قائلاً :
- طيب تعالى أحاول تانى
قالت بسرعة :
- لأ
ضحك بشدة قائلاً :
- يا بنتى هحاول أفتحتلك السوسته
قالت باسمه :
- لأ هتصرف أنا
قال بعند :
- طيب محدش فتحهالك غيري
اقترب منها ولفها .. دقيقه وكانت المشكلة قد حُلت .. فالتفتت بسرعة قائله :
- خلاص كفاية .. هكمل أنا
 اتسعت ابتسامته ونظر اليها وعيناه تلمعان من البهجه .. قالت بإهتمام :
- متنساش تصلى قبل ما تنام .. تصبح على خير
تابعها بنظره قائله :
- وانتى من أهل الخير يا حبيبتى
دخلت وأغلقت الباب و ابتسمت بسعادة وقد أيقنت أنها أصبحت تحب زوجهــا بشــدة .. بـل تعشقه بجنــون ..

************************

فى الصباح سمعت طرقات على باب غرفتها .. نهضت وفتحت الباب لتجد الخادمة تخبرها بأن "عمر" ينتظرها فى الأسفل لتفطر معه
دخلت الحمام وأخذت دشاً .. احتارت فيما ترتدى .. هل ترتدى عباءة كما هى عادتها .. أم .. اختارت فستان طويل .. مثل الدريل .. بنصف كم .. لم تربط شعرها للخلف هذه المرة بل تركته حراً .. كان لديها شعر أسود اللون فاحماً .. ذو مظهر صحى جذاب .. به موجات تعطيه انسيابيه رائعه .. وضعت أيضاً حكلاً .. وبرفيوم تحبه .. نظرت الى نفسها فى المرآه .. ثم نزلت .. دخلت غرفة الطعام وهى تشعر بالخجل من التغيير الذى أحدثته فى نفسها .. نظر "عمر" اليها متأملا لا يرفع عيناه عنها حتى جلست قائله :
- صباح الخير
ابتسم وقال :
- صباح النور .. هو احنا ملنا حلوين أوى النهاردة كده
ابتسمت بخجل و قالت :
- يلا عشان نفطر عشان متتأخرش على شغلك
اقترب منها هامساً :
- انا مستعد ألغى الشغل خالص على فكرة
ضحكت .. سعد "عمر" للغاية من التغيير فى مظهرها أولا .. ومن ابتسامتها العذبة التى ظلت محتفظة بها طيلة جلوسها .. فى المساء انشغلت "ياسمين" بسقى الزرع فى الشرفة فى حجرة المعيشة .. اقترب منها "عمر" قائلاً :
- انا طالع انام .. هتسهرى
التفتت قائله :
- لأ .. هسقى الزرع ده بس وأطلع انام
قبل خدها قائلاً :
- تصبحى على خير
هم بالانصراف ثم التفت قائلاً :
- متنسيش تصحينى الفجر
ابتسمت له .. فصعد الى غرفته .. بعدما أنهت "ياسمين" عملها صعدت هى الأخرى الى غرفتها .. اقتربت من فراشها لتجد على وسادتها ورقة وزهرة ياسمين .. أمسكت الزهرة واستنشقت عبيرها المنعش .. وفتحت الورقة والابتسامه على ثغرها .. لتجد "عمر" كاتبً فيها :

كـم هي صعبـة تلـك الليالـي
التي أحـاول أن أصـل فيها إليــكِ
أصل إلى شرايينــك
إلى قلبــك
كـم هي شـاقـة تلـك الليالـي
كـم هي صعبـة تلـك اللحظـات
التي أبحـث فيهـا عن صـدركِ ليضـم رأسـي

خفق قلبها واضطربت نبضاته .. أشعرتها تلك الكلمات كم هى قاسيه على حبيبها .. على زوجها .. ارتجفت أصابعها التى تمسك بالورقة .. قرأتها مرة أخرى وقد تأثرت بها بشدة .. تركت الورقة والزهرة وتوجهت الى غرفته .. طرقت الباب .. لحظات قليله وفتحه .. نظر اليها .. وعلامات التأثر على وجهها .. قالت بصوت مضطرب :
- أنا آسفة
قبل جبينها قائلاً وبسمة حانية على ثغره:
- ولا يهمك يا حبيبتى
Comments
2 Comments

هناك تعليقان (2):

  1. الفصل ده حلو قوي بجد ومليان ضحك ورومانسيه

    ردحذف
  2. الفصل ده حلو قوي بجد ومليان ضحك ورومانسيه

    ردحذف