روايات منى سلامة

روايات دكتورة منى سلامة
للتواصل مع الكاتبة:
الفيس بوك
الصفحة العامة

الانستجرام

الفصل الحادى عشر من رواية العشق الممنوع


ملء الصغير "فريد" حياة الجميع بالبهجة حتى كادت حادثة القتل ان تصبح في طي النسيان .. فقط "عدنان" كان عقله يعمل دون توقف ؟؟ أصبح حذراً بدرجه كبيرة .. وأصبحت ثقته بـ "مهند" كبيرة .. أعطاه المزيد من الصلاحيات التي أثبت عن جداره استحقاقه لها .. لم يخن "مهند" ثقة عمه قط في اي أمر من أمور العمل .. وظل كاتماً أميناً لأسرار العمل .. فاطمئن قلب "عدنان" بوجود "مهند" الي جواره .. يعمل معه يدا بيد وبقلب مخلص .. رأي "عدنان" فيه ابنه الذي فقده .. ورآي "مهند" فيه الاب الذي افتقده

أما "سمر" فغرقت في أحزانها وآلامها .. ظنت أن ما هي الا أيام حتي نعود الأمور الي سابق عهدها .. لكنها كانت مخطئة .. بقي الوضع علي ما هو عليه .. بل وتحول الي الأسوا .. باعت "فيروز" الشركة لكنها أخفت عن "سمر" بالمبلغ الحقيقي الذي تسلمته .. وطلبت من المشتري كتابة العقد بمبلغ اقل مما اتفقا عليه .. شعرت "سمر" بالصدمة .. فها هو مالها يتناقص .. وبقائها في المستشفي يطول .. ولا أمل يلوح في الافق .. شعرت بالدنيا تظلم امام عينيها .. ولا تدري سبيلا لعبور الازمة .. ولا تدري سبيلا للتخفيف من آلام قلبها المكلوم .. شعرت بتفسها تهفو الي شئ ما .. شئ لا تدري كنهه .. لكنه شئ تحتاج اليه بشدة .. مرت عليها الايام كئيبة مظلمة خاوية مملة وهي تقضيها داخل حجرتها في المشفي دون ادني رغبه لديها لعبور باب غرفتها .. او للذهاب الي اي مكان .. كان لديها امل ان تاتي الفحوص الاخيرة مبشرة .. لكن املها خاب عندما قال لها الطبيب :
- للاسف لا يوجد اي استجابه .. ولم نستطع ان نتوصل الي السبب الذي ادى الي شلل ذراعك .. تلقيتي ضربة علي مؤخرة رأسك تسببت في تورم لعله هو الذي تسبب في ذلك الشلل .. ولكن علي الرغم من شفاء هذا التورم يوما بعد يوم الا ان ذراعك مازال وضعها كما هو .. حتي مع العلاج الطبيعي لم تظهر اي استجابه .. آسف .. لم يعد بوسعنا فعل شئ .. عليكي التأقلم علي العيش بذلك الذراع المشلول

كانت كلماته مقتضبة واضحة كما لو كان يلقي محاضرة علي مسامع احد طلابه .. لكن وقع تلك الكلمات علي":سمر" كان قاسياً كقسوة حجر سقط في بركة ماء فأحدث بها دوامات لا نهاية لها .. تنهدت في حسرة وهي تنظر الي ذراعها .. تتحسسه .. تقرصه .. تضربه .. تبكي .. تنتحب .. تسكن .. تغمض عينيها في ألم !

************************************

وقف "دياب" في شرفة بيته مع ابنته الصغيره يقبل وجنتها بين الحين والاخر .. دخلت "سحر" لتقول بروتينيه :
- الاكل جاهز با دياب
دخل "دياب" وجلس بجوار زوجته علي الارض أمام الطبلية.. واجلست "سحر" الصغيرة بجوارهما واعطتها فطعة خبز تتلهى بها .. قال "دياب" وهو ينظر اليها :
- بأت عسوله اوي يا "سحر" .. نفسي تكبر عشان امشى بيها في الشارع .. هي هتمشي امتي يا "سحر"
قالت "سحر" وهي تدس احدي اللقيمات في جوفها :
- لسه كام شهر كده
تناول "دياب "طعامه وهو يرمق "سحر" بنظراته قائلا :
- "سحر" بعد ما نخلص اكل نفسي كدة تسرحي شعرك واشوفك بحاجه جديدة
قال "سحر" دون ان تنظر اليه :
- طيب
انتهيا من طعامهما وجلس "دياب" يتابع التلفاز .. بعدما انتهت "سحر" من جلي الصحون اخذت الصغيرة الى الفراش .. فقال "دياب" مبتسما :
- متنسيش .. ها
قالت بتافف وهي تدخل غرفة النوم :
- طيب قولنا
اندمج "دياب" في مشاهدة احد البرامج الي ان انتهي .. قام وسار علي اطراف اصابعه ليفاجا بـ "سحر" تغط في النوم بجوار طفلتهما .. اقترب من الفراش ببطء ومسح علي شعرها هامسا :
- "سحر"
فتحت "سحر" عينيها وهي تتطلع الي الصغيرة النائمة ثم تنظر الي "دياب" شذرا فقال هامسا :
- تعالي نعد مع بعض شوية النهاردة يوم اجازتي
قالت بنفاذ صبر :
- طيب هنام شويه وبعدين نعد مع بعض
قال مبتسما وهو ينظر الي الصغيرة :
- فرصه انها نايمة .. نعد مع بعض برواقه
نهضت "سحر" بتثاقل واوشكت علي الخروج معه من الغرفه فالتفت ليقول لها بحنان :
- مش هتعملي زي ما قولتلك .. سرحي شعرك والبسي حاجه حلوة
فعلت "سحر" ما طلب بتبرم .. وخرجت لتجده قد اعد كوبين من الشاي الساخن .. جلس متجاورين علي الاريكة الوحيدة في المنزل ..اقترب منها "دياب" وقال :
- عارفه يا "سحر" .. انتي و "منه" اللي مهونين عليا التعب اللي بشوفه في شغلي .. لما بجيبلكوا حاجه في ايدي وانا راجع من الشغل ببقي مبسوط اوي .. مع اني نفسي أقلل ساعات شغلي عشان اعد معاكوا اكتر
قالت "سحر" علي الفور :
- ازاي يعني يا "دياب" تقلل ساعات شغلك ده يدوبك المرتب مكفينا حتي مش عارفين نحوش ونشي حاجه للزمن
مسح "دياب" علي شعرها قائلا
معلش يا "سحر" .. انا نفسي والله اعيشكوا احسن عيشه .. بس اديكي شايفه .. مفيش في ايدي حاطه الا وبعملها .. نفسي مخلكيش انتي و "منه" نفسكوا في حاجه ابدا
قالت "سحر" مبتسمه :
- ربنا يخليك لينا يا "دياب"
اتسعت ابتسامته قائلا :
- ايوة كدة اضحكي يا شيخه .. الدنيا بتضلم في وشي لما بشوفك مبوزه ومنكده كده
اختفت ابتسامه "سحر" وقالت بحنق :
- هو انا يعني ببوز بمزاجي .. حد قالك اني بحب النكد .. انا بيبقي طالع عيني طول النهار مع بنتك .. وكمان امك ساعات بتزود الطينه بله وتقفلي اليوم
قال بحنان :
- معلش يا "سحر" استحمليها ست كبيرة برده .. وبتحبك والله
نظر "دياب" الي ملابسها الرثه والي البقع الزيتيه عليها وقال :
- مفيش حاجه تانيه غير دي تلبسيها
قالت "سحر" بتأفف:
- خلص يا دياب .. مش وقته .. البت هتصحي
عقد جبينه قائلا :
- ايه خلص يا "دياب" دي ؟
قالت "سحرط بنفاذ صبر وهي تنظر لأعلي :
- ده لسه بيسأل
قال "دياب" بحنق وهو يعتدل فى جلسته :
- انا كنت عايز اعد معاكي نتكلم .. اشوفك لابسه حاجه حلوه .. ليه يا "سحر" معدتيش بتهتمي بنفسك .. ليه معدتيش بتهتمي بيا
قالت "سحر" منفعله :
- يعني ايدالك انت وبنتك وامك صوابعي العشرة ومش عاجب .. برده مقصرة
قال "دياب" بعصبيه :
- اه مش مقصرة في البيت ولا مع "منه" بس مقصرة معايا انا ... انا راجل يا "سحر" .. انتي متعرفيش البلاوي اللي بشوفها بره .. المفروض انتي مراتي وتملي عيني
نهضت "سحر" بعصبيه وقالت :
- مش أنا مش ماليه عينك .. خلاص سيبني في حالي بأه
نهض "دياب" وامسك ذراعيها قائلا :
- يا "سحر" مقولتش انك مش ماليه عيني
ثم قال :
- استني هنا
وقفت تنتظره بينما دخل الغرفه وعاد حاملا خمسون جنيها دسها في يدها وقال مبتسما :
- خدي دول يا "سحر" هاتي اللي نفسك فيه .. شوفي حاجه حلوة كدة تلبسيها .. ماشي
قالت "سحر" بدهشه وهى تنظر الى الخمسون جنيهاً فى يدها :
- وايه لزمة المصاريف دي يا "دياب"
تنهد "دياب" قائلاً :
- مش عايز عيني تشوف غيرك يا "سحر" .. افهمى بأه

************************************

طرقت "لميس" باب غرفة "نهال" والتى كانت جالسه فوق فراشها تنقر بأصابعها فوق حاسوبها .. أذنت لها بالدخول .. اقتربت "لميس" والبسمه على محياها .. قالت بحنان :
- حبيبتى "نهال" .. بألنا كتير متكلمناش مع بعض
اعتدلت "نهال" فى جلستها وأشارت لـ "لميس" للجلوس بجوارها .. ثم قالت :
- يعني يمكن عشان مفيش حاجة نتكلم فيها
قالت "لميس" بنفس الإبتسامه :
- احساسك ايه وانتى خلاص معدش الا أيام وتدخلى الجامعة
سرحت "نهال" بخيالها قليلاً وكأنها تتذوق السؤال .. ثم قالت :
- بصراحة متحمسة ومبهورة .. بس فى نفس الوقت خايفة وقلقانه
قالت "لميس" بحكمة :
- احساسك ده حاجة طبيعيه متقلقيش .. أهم حاجه انك تحطى لنفسك خطوط حمرا ويكون ليكي شخصيتك المستقلة
أطلقت "نهال" ضحكة رنانه اختفت لها ابتسامة "لميس" .. رفعت كفها على الفور وقالت وهى تكتم ضحكها :
- سورى مش قصدى .. بس انتى بتقولى نفس الكلام اللى "فريدة" قالتهولى .. حسيت ان "فريدة" هى اللى بتكلمنى
قالت "لميس" وهى تؤمئ برأها :
- "فريدة" بنت عاقله ده رأيى فيها من يوم ما شوفتها
عادت "نهال" الى الإهمام بشاشة حاسوبها .. كادت "لميس" أن تنهض راحله .. لولا جملة "نهال" التى جمدتها فى مكانها :
- تفتكرى ممكن حد يحبنى يا "لميس" ؟ .. بس راجل .. مش شاب صغير
جلست "لميس" فى مكانها مرة أخرى وهى تنظر الى "نهال" بإهتمام وقالت :
- لسه السؤال الغريب ده ؟
هزت "نهال" كتفيها وهى تعقص شعرها الى الخلف وقالت :
- سؤال مش أكتر .. يعني ممكن راجل أكبر منى بكتير يحبنى .. ولا هيشوفنى عيله
صمتت "لميس" قليلاً تحاول تخير كلماتها .. فيجب أن يكون ردها موزوناً .. لكن قبل أن تنتهى من تخير كلماتها .. أعقبتها "نهال" بقولها :
- بصى يا "لميس" . .انتى عارفه اننا صحاب من زمان .. بس أنا بحب أحكيلك على كل حاجه .. لانك مش بتفرضى حاجه عليا ومحسسانى اننا صحاب .. وكمان لما بقولك حاجه بتفضل سر بيني وبينك ومش بتقوليها لحد لا بابا ولا ماما ولا عمو ولا عمتو ولا أى حد
أومأت "لميس" برأسها وقالت على الفور :
- طبعاً يا "نهال" أى حاجه بتحكيهالى بتكون بيني وبينك
قالت "نهال" وسحابة حزن تمر أمام عينيها :
- بصراحة .. فى حد أنا معجبه بيه .. لأ مش معجبه بيه .. أنا بحبه . .بحبه أوى .. بس مش حاسس بيا يا "لميس" .. مش حاس بيا خالص
تحكمت "لميس" فى هدوءها .. وقالت بنبره عادية :
- عرفتيه منين الواحد ده
قالت "نهال" وهى تنظر اليه كمن أذنب ذنباً :
- عايش معانا هنا فى البيت
اتعت عينا "لميس" وهمست :
- "مهند" ؟
أومأت "نهال" برأسها .. عقدت "لميس" ما بين حاجبهيا .. وبدا عليها القلق .. لكنها استطاعت أن تتحكم فى نبهر صوتها وتبقها هادئة وقالت :
- احكيلي .. ايه حصل بينكم
ٌقالت "نهال" بحزن :
- محصلش حاجه .. بس هو أعتقد انه حس انى بحبه .. لانه بيصدنى أوى .. وكل شوية يقولى انتى زى أختى "فريدة" .. أصلاً مش مدى لنفسه فرصه حتى انه يفهمنى .. لو فهمنى ممكن فعلاً يحبنى
ثم نظرت الى "لميس" قائله :
- تفتكرى ممكن يحبنى ؟
ربتت "لميس" على قدمها وتنهدت قائله :
- بصى يا "نهال" .. الفرق بينك وبني "مهند" كبير .. مش صغير .. ومش فى السن بس .. فى الشخصية والتفكير .. أنا حسه انك مشاعرك نحيته مش حب ولا حاجه .. ممكن تكون اعجاب بشخصيته مش أكتر
قاطعتها "نهال" قائله بعناد :
- لا أنا واثقة من مشاعرى كويس
أومأت "لميس" برأسها وتحدثت بهدوء وقالت :
- خلاص .. خلى الموضوع ده على جمب دلوقتى .. وبكرة الأيام هتثبتلك اذا كان حب ولا اعجاب
ثم ابتسمت وهى تمسح على شعرها قائله :
- أهم حاجه دلوقتى تستعدى كويس للمرحلة الجديدة اللى انتى داخله عليها .. ماشى حبيبتى
أومأت "نهال" برأسها مبتسمه
خرجت "لميس" من غرفتها وعقلها لا يتوقف عن اتفكير .. كيف تنقذ "نهال" من تلك المشاعر التى تجتاحها .. كيف تقوم سلوكها ومشاعرها وأفكارها .. تنهدت فى حسرة .. كيف تفعل ذلك فى ظل وجود أبوان مثل "حسنى" و "يسرية" .. التفتت لتنزل الدرج فقابلت "مهند" صاعداً .. ابتسمت قائله :
- ازيك يا بشمهندس
أومأ برأسه وقال :
- الحمد لله يا مدام "لميس"
تجاوزها فالتفت اليه وقالت :
- بشمهندس
توقف والتفت اليها مستفهماً .. أغمضت عينها للحظة ثم نظرت اليه بإمتنان شديد وقد لمعت عيناها قائله :
- عايزة بس أقولك .. أنا من أول ما شوفتك وأنا بحترمك وبثق فيك .. والحمد لله طلعت عند حسن ظنى فيك
نظر اليها "مهند"بإستغراب فقالت مبتسمة وهى تتوجه الى الدرج :
- متشغلش بالك .. حبيت بس أقولك كده
نزلت الدرج قبل أن تترك له فرصة للرد .. تقدم "مهند" من غرفته ببطء .. والتفت ينظر الى باب غرفة "نهال" المغلق .. ثم .. توجه الى غرفته فى صمت

*********************************

جلست "سمر" فى شرفة غرفتها على مقعد وثير .. تتأرجح للأمام والخلف .. تتطلع الى تلك السماء الصافية .. ودت لو اختفى العالم من حولها .. وبقيت تلك السماء فحسب .. تنهل من صفائها .. وجمالها .. أخرجها من شرودها "فيروز" التى دخلت قاله بلهفه :
- "سمر" تعالى فى ناس عايزين يطمنوا عليكي
اتفتت "سمر" تنظر الى "فيروز" بتأنقها وزينتها .. ثم قالت بوهن وهى تتحسس ذراعها الأيسر المشلول :
- مش عايزه أشوف حد
جذبتها "فيروز" من ذراعها السليم .. فنهضت "سمر" بتأفف .. أدخلتها الغرفة وأقفتها أمام التسريحة وشرعت فى وضع بعض الزينة على وجهها .. قالت "ٍسمر" بإستغراب :
- كل ده عشان ناس جايين يطمنوا عليا .. مين الناس دول أصلاً
قالت "فيروز" بينما كانت تزينها بإهتمام :
- ناس صحابى عرفوا باللى حصل وجايين يطمنوا عليكي .. مش معقول هتخرجيلهم ووشك بهتان كده
أزاحت "سمر" يد "فيروز" بضيق وأبعدت وجهها قائله :
- خلاص كفايه
خرجت "سمر" خلف "فيروز" .. وفجأة تجمدت الدماء فى عروقها .. واكفأرت أساريرها عندما تطعت الى ذاك الرجل البغيض الذى التهمتها عيناه من قبل .. نظرت بتقزز الى شعره الأشيب ووجه السمين .. وجلست متأففه على أحد المقاعد بينما قدمتهما "فيروز" الى بعضهما البعض .. مرت الدقائق ثقيله على نفسها .. بدا مهتماً بها بشكل كبير .. عرفها بأنه ذو جنسية عربية .. قادم الى تركيا فى زيارة عمل مضى منها أكثر مما بقى .. كان حديثه جاثماً على صدرها كثقل ودت لو استراحت منه .. لم تفتح فاها بإستثناء بعض الابتسامات البسيطة العصبية المجاملة .. وعندما فقدت القدرة على تحمل نظراته الموصبة تجاهها نهضت واستأذنت لدخول غرفتها تحت نظرات "فيروز" الحانقة ..
رحل الضيف سريعاً بعد مغادرتها لمجلسه .. دخلت "فيروز" غرفتها قائله بحنق :
- الراجل جاى يطمن عليكي .. ليه سبتيه وقومتى كده
قالت "سمر" ببرود دون أن تنظر اليها :
- ده صحبك انتى مش صحبى أنا .. وبعدين الراجل ده مبطيقوش
قالت "فيروز" مبتسمه بلؤم :
- لو عرفتى هو عايز ايه هتطقيه يا حبيبتى
التفتت اليها "سمر" ترفع حاجبيها مستفهمة فجلست "فيروز" بجوارها على الفراش وقالت :
- هيبعتك بره عند أحسن دكاتره فى أى بلد تختاريها .. ولو فى عمليه هيعملهالك
تجعد جبين "سمر" بدهشة شديدة .. وهتفت قائله :
- ازاى يعني
اتسعت ابتسامة "فيروز" وهى تقول :
- زى ما بقولك كده
تحولت دهشة "سمر" الى خوف .. وقالت بقلق :
- مقابل ايه ؟
ربتت "فيروز "على ذراعها المصاب كما لو كانت تذكرها بوضعها الصحى .. ثم قالت :
- تتجوزيه .. جواز مسيار
هتفت "سمر" بحده :
- نعم .. أتجوزه .. انتى اتجننتى
تحولت ملامح "فيروز" من اللين الى القسوة وهى تقول بعنف :
- أيوة تتجوزيه .. انتى مش شايفه الوضع اللى احنا فيه .. الشركة اتباعت برخص التراب .. ومصاريف فحوصاتك وقاامتك فى المستشفى كانت عالية جدا .. أولف ادفعت عشان علاجك وعشان فحوصاتك .. احنا قربنا نفلس يا "سمر"
لمعت ادموع فى عيني "سمر" وقالت :
- ازاى يعني .. ازاى الشركة اتباعت برخص التراب .. أنا لحد دلوقتى مش قادرة أصدق .. ليه بعتيها كده
قالت "فيروز" ببرود :
- كنتى عايزانى أعمل ايه يعنى .. الدكاترة كانوا طالبين مبالغ كبيرة عشان علاجك .. كنت أقولهم مفيش .. وبعدين انتى اللى قولتيلى بيعى الشركة وعالجيني .. مش ده طلبك
قالت "سمر" بمرارة وهى تسمك ذراعها المصاب :
- وياريتنى اتعالجت .. أنا زى ما أنا مشلوله .. وهفضل كده
أجهشت "سمر" فى البكار وهى تخفى وجهها بكفها .. وجت لو ألقت بنفسها بين أحضان "فيروز" .. بين أحضان أى أحد .. فقط تريد الشعور بذراعين تلتفان حولها .. وصدر يكن كوسادة يستقبل دموعها فى حنان .. لكن "فيروز" لم تفعل .. بل قالت ببرود :
- لو عايزة ترجعى تانى سليمة يبأه توافقى على الجواز .. مش هتلاقى جوازه أحسن من كده .. يارتنى أنا اللى كنت عجبته
ثم تحولت نبرتها الى السخرية وقالت :
- لكنه عايز بنت بكر
رفعت "سمر" رأسها بحده تنظر اليها بألم .. فقط لتجهش فى البكاء مرة أخرى .. قالت "فيروز" بحماس :
- الراجل غنى جداً وهيسعدك .. وكفاية انه مستعد يسفرك أى بلد تختاريها تقضوا فترة جوازكوا ويكشف عليكي عند أحسن الدكاتره
توقفت عن البكاء وقالت بألم :
- يعني ايه تقضوا فترة جوازكوا ؟
قالت "فيروز" بسخرية :
- وانتى فاكرة انه هيتجوزك طول العمر ولا ايه .. هى الحكاية كلها كام شهر .. يعني كام شهر وهتخلصى منه .. بس هتستفادى انتى بمهر وشبكة وكل اللى هتتشرطيه .. كل أوامرك هتكون مجابه .. الراجل غنى جداً أغنى مما تتصورى ومش هيستخسر فيكي أى حاجه لانك داخله مزاجه

فكرت "سمر" وهى حائرة فى أمرها .. فهى لا تدرى شرعية ذلك الزواج .. ولا تدرى حتى معنى زواج مسيار .. كل ما تعمله بأنها تشعر بإنقباض فى صدرها .. تركتها "فيروز" لتفكر .. لكن "سمر" كانت تشعر بحاجتها الى شخص ما تتحدث معه ويدلها .. لم تجد ممن تعرفهم شخص يصلح لتلك المهمة .. فلجأت الى أحد المساجد الكبيرة فى اسطنبول .. أرادت الحديث مع أحد الشيوخ .. أعطوها بالمسجد رقماً وأخبروها بأنه رجل صالح وسيجيب فتواها .. اتصلت به .. بقلب مضرب .. أسمعته سؤالها بأنفاس متلاحقة .. مضطربة .. وبنبرة باكية .. ساد الصمت الى أن قال :
- يا بنتى ربنا يحفظك .. زوج المسيار ده لو استوفى جميع شروطه وأركانه يبقى زواج شرعى .. أما لو خلى من أحد الشروط يبقى محرم .. الشروط هى موافقة الطرفين واذن الولى والشهود وعقد صحيح .. والفرق بينه وبين الزواج المتعارف عليه هو ان فى زواج المسيار بتتنازل المرأة عن حق السكن والنفقة
تجعد جبينها وهى تستمع اليه بإهتمام .. فليس هذا ما أخبرتها به "فيروز" .. أخبرتها بأنه ينفق عليها ببزخ .. وأنه سيعامها كملكة متوجة .. أكمل الشيخ قائلاً :
- وخلى بالك يا بنتى .. من شروط الزواج الصحيح انه لا يكون محدد بمدة .. يعني لو الطرفين اتفقوا على مدة محددة لانتهاء الزواج بالطلاق .. ده محرم .. لانه كده أصبح زواج متعه .. والنوع ده من لزواج محرم ومشهور عند الشيعة قبحهم الله .. الراجل يتفق مع امرأة على الزواج لمدة محددة يوم يومين شهر .. ثم يتطلقان بعدها .. ويسمى بزواج المتعة .. وهذا ليس بزواج بل هو باطل .. لانه تحدد بمدة محدده يتطلق الطرفان بعدها

ازدادت امارات الغضب على وجه "سمر" .. كانت تشعر بريبة فى نفسها لكنها لم تكن لتظن أن تدفعها "فيروز" الى زواج باطل .. ما هو الا تستر على .. الزنـــا ..
دخلت "سمر" المنزل كعاصفة هوجاء وهى تصيح :
-انتى كنتى عارفه ان الجواز بالطريقة اللى انتى بتقوليها دى باطل مش كده يا "فيروز"
نظرت اليها "فيروز" بدهشة بينما كانت تحتسى كوباً من العصير وتضع أحد أقنعة البشرة على وجهها .. قالت ببرود :
- مين قالك انه باطل
هتفت "سمر" بحده وهى تمسك ذراعها المصاب :
- سألت شيخ .. قالى انه باطل .. قالى انه زى جواز المتعه عند الشيعه .. انتى ازاى تعملى فيا كده .. ازاى تعملى فيا كده يا "فيروز"
نهضت "فيروز" وقالت بعصبية :
- مفيش أدامنا حل تانى غير كده
نظرت اليها "سمر" بتقزز شديد وقالت :
- حقيرة
انفعت "فيروز" خلفها وأمسكتها من ذراعها لتوقفها وقالت بلهفة :
- طيب لو واحد وافق انه يتجوزك جواز عادى .. رسمى .. توافقى ؟
التفتت "سمر" تنظر اليها .. صدرها يعلو ويهبط بسرعة .. قلبها تتسارع نبضاته .. حيرة وألم وكسرة على عينيها .. تلمست ذراعها مرة أخرى ونظرت اليه .. ساكن .. لا يتحرك .. تجمعت العبرات فى عينيها وهى تتطلع الى "فيروز" التى قالت :
- محدش هيرضى يتجوزك كده .. مين هيتجوز واحدة مشلولة زيك .. اعملى العميلة وبعدها لو مرتحتيش ابقى اطلقى
شعرت "سمر" بغضة فى حلقها .. قالت وهى تسمع صوتها وكأنه قادم من بئر سحيق :
- ومين اللى هيرضى يتجوزنى ويعملى العملية ؟
ابتسمت "فيروز" وقالت بأعين تلمع بدهاء :
- متخفيش .. كتير .. بس مش شاب صغير وحليوه .. لازم تتنازلى شوية
قالت "سمر" وهى تنظر اليها بألم :
- يعني راجل عجوز زى صاحبك
قالت "فيروز" بحماس :
- وايه المشكلة .. راجل عجوز رجله والقبر .. عايز يتصابى ويرجع شبابه .. وكلها كام سنه ويموت .. ويمكن شهور كمان .. وتورثى انتى كل حاجه
أطرقت "سمر" برأسها تغشى عيناها العبرات .. رفعت "فيروز" وجه "سمر" بيدها وهى تقول :
- لو سمعتى كلامى هتكسبى يا "سمر" .. لكن لو فضلتى معانده هنخسر كل حاجه وهنلاقى نفسنا فى الشارع .. لو عايزة تتعالجى وتخفى وترجع ايدك تتحرك زى الأول .. يبقى وافقى
بلعت "سمر" ريقها بصعوبة .. ثم رفعت رأسها ونظرت الى "فيروز" للحظات قبل أن تقول بعناد وصرامة :
- بس جواز شرعى .. مش مسيار ولا متعة ولا أى مسمى تانى .. جواز شرعى يا "فيروز" .. غير كده مش هقبل
اتسعت ابتسامة "فيروز" وهى تقول بلهفة :
- متقلقيش .. خلاص زى ما تحبي

دخلت "سمر" غرفتها .. ألقت بجسدها فوق فراشها .. جسد بلا روح .. بلا حراك .. بلا حياة .. تماماً كذراعها المشلول .. شعرت بأن الشلل امتدت لكل جسدها .. شعرت بجسدها كله مشلول .. معطوب ... محطم .. بل شعرت بإمتداد الشلل الى روحها .. الى قلبها .. الى عقلها .. أغمضت عينيها دون أن تقوى على النهوض لتبديل ملابسها .. حتى ملابسها لم تعد تستطيع تبديلها بمفردها .. تحتاج الى الخادمة .. فى كل شئ .. تعتمد عليها حتى فى تصفيف شعرها .. لم تعد تصلح لأن تكون زوجة وأم مسؤلة عن بيت وأولاد .. لم تعد تصلح لأى شئ .. كانت "فيروز" على حق .. من ذا الذى سيرغب فى الزواج منها .. من أراد تكوين أسرة فسيبحث عن زوجة سليمة .. غيرها .. ليس أمامها سوى الموافقة على الزواج من رجل لمجرد أن تنعم بماله .. وأن يتكلف مصاريف علاجها .. إما ذلك .. وإما تبقى فى ظلام غرفتها .. حبيسه وحدتها .. تتجرع أحزانها .. تبكى وتنتحب .. تصرخ وتتألم .. دون أن يشعر بها أحد .. دون رفيق أو صديق أو قريب .. لمعت العبرات فى عينيها لتسقط على وجهها ساخنة .. حارقة .. ابتسمت بسخرية مريرة .. هتفت فى نفسها .. لقد حافظت على نفسى سنوات وسنوات رغم من حولى من ذوى الأخلاق السافرة .. والتصرفات المتحرره .. والنوايا الدنيئة .. حافظت على نفسى لكى أتزوج الآن .. كبائعــة هــوى .. جســد مقابــل مــال !

*************************************

جلست "فيروز" وأمامها حاسوبها تتفقد ايميل زوجها الراحل .. قاطعها صوت جرس الباب الذى أخذ يصرخ فى اصرار .. رأت الخادمة وهى تتوجه الى الباب لفتحه .. ثم تطل صديقتها القريبة الى نفسها .. حيتها "فيروز" بإبتسامة مرحبة دون أن تنهض .. بينما اقتربت صديقتها مقبلة اياها .. تبادلا عبارات المجاملة .. ثم قالت صديقتها :
- قوليلى "سمر" قالتلك ايه .. وافقت ؟
ارتسمت امارات الضجر على وجه "فيروز" ولوحت بكفها قائله :
- لا موافقتش .. بتقول يا جواز عادى يا مش هتوافق
جلست صديقها بجوارها على الأريكة الوثيرة وهى تقول :
- مش عارفه تقنعيها يا "قيروز"
قالت "فيروز" بنفاذ صبر :
- أنا أصلاً ما صدقت انها وافقت على فكرة الجواز .. مش عايزاها تشم نفسها وتعند معايا تانى
قال صديقتها بحيرة :
- ومين ده اللى هيتجوزها وهى كده
قالت "فيروز" وهى تعاود النظر الى الشاشة :
- كتير .. فى بالى شخص معين بس للأسف محتفظتش برقمه .. هو كان صديق "حمدى" .. وكان على تواصل معاه لما بيكون مسافر .. كنت بشوف "حمدى" يكلمه على الايميل .. أديني أعده بدور على ايميله
مطت شفتيه قائله :
- بس أكيد ايميله مش بإسمه .. لانى دورت فى الايميلات كلها اللى عند "حمدى" وملقتش اسمه
قالت صديقتها بلا مبالاة :
- دورى فى الرسايل يمكن يكون بعتله رسالة تفهمى منها انه هو
تحرك السهم ليضغط على صندوق الرسائل .. مررت عينيها على الأسماء من الخارج تبحث عن الاسم المنشود بينما صديقتها تقول :
- اشمعنى ده يعني اللى بتدورى عليه
قالت "فيروز" وهى مستمرة بالبحث :
- راجل كبير .. تركى .. غنى .. طلب ايد "سمر" من "حمدى" قبل كدة بس "حمدى" رفض
- رفض ليه ؟
قالت "فيروز" بضجر :
- عشان سنه كبير
فجأة صاحت صديقتها قائله :
- استنى .. استنى .. انزلى تحت تانى
فعلت كما طلبت صديقتها .. فاتسعت عينا "فيروز" دهشة .. وهتفت صديقتها بدهشة وهى تتطلع الى أحد الأسماء :
- معقوله .. مش ده حبيبك القديم يا "فيروز" .. ولا ده تشابه أسماء ؟
تجمدت "فيروز" وهى لا تزال تتطلع الى الاسم بدهشة .. فهتفت صديقتها :
- انتى كنتى عارفه ان بينه وبين جوزك بيزنس
قالت "فيروز" ببطء وهى تفتح الرسالة .. تلتهما عيناها وعين صديقتها .. تقرآن الرسالة بإهتمام :
- فعلاً هو .. مش ممكن !! .. "حمدى" مجابليش سيرة أبداً
لمعت عينيها واتسعت ابتسامتها وهى تدون بياناته على احدى الأوراق بجوارها وتهتف ضاحكة :
- كنت بدور على راجل ولقيت راجل تانى
قالت بسعادة ببالغة ودهاء شديد :
- بس اللى لقيته أحسن مليون مرة من اللى كنت بدور عليه
نظرت اليه صديقتها بخبث وقد فهمت ما ترنو اليه صديقتها قائله :
- وهتعملى ايه دلوقتى ؟
قالت "فيروز" بثقة وحماس :
- هنرجع مصــر !

***************************************

جلست "انجي" متكئة علي الأريكه تداعب الصغير "فريد" النائم في عربته .. ابتسمت لها "بيسان" قائله :
- عقبالك ان شاء الله لما يكون عندك بيبى قمر كده
قالت "انجي" بسخريه :
- مش باين
اختفت ابتسامة "بيسان" وقالت :
- مفيش امل ترجعوا لبعض
نظرت اليها "انجي" وقالت وامارات التقزز علي وجهها :
- مش ممكن ارجعله ابدا .. انسان مقرف .. خيانه وضرب واهانه .. خلاص جبت اخري معاه
نظرت اليها "بيسان" بحزن وقالت :
- حذرتك كتير يا انجي قولتلك مش مريح .. حتي لما عاكسني وانتوا مخطوبين جيت قولتلك علي طول .. حتى صحابنا كانوا عارفين ان أخلاقه مش تمام
تنهدت "انجي" قائله بنفاذ صبر :
- كنت فاكراه هيعقل بعد الجواز .. بس ديل الكلب بأه
ربتت "بيسان" علي قدمها قائله بحنان وهي ترمقها بنظرات عطوف :
- معلش .. بكرة ربنا يعوضك باللي أحسن منه
في تلك اللحظة دخل نهاد البيت وبيده باقه زهور انيقة .. ابتسم قائلا :
- اهلا "انجي"
ابتسمت انجي قائله :
- اهلا بيك يا "نهاد"
ثم نظرت الي الباقة التي يحملها بيده وقالت بلؤم :
- الورد ده عشاني اكيد
ابتسمت بيسان بينما اخرج "نهاد" زهرة من الباقه وقدمها الي "انجي" مبتسما
تناولتها "انجي" منه وقالت بمرح :
- ميرسي
التفت "نهاد" الي "بيسان" وابتسامه عذبه علي محياه يرمقها بنظرات محبه مقدما اليها الباقه .. مقبلا وجنتيها .. اتسعت ابتسامة "بيسان" قائله :
- ميرسي يا حبيبي
التفت "نهاد" يداعب الصغير بحنان حاملا اياه بين ذراعيه تحت نظرات المرأتان .. وكل منهما معجبة بصنيعه ! .. دخل "نهاد" بالصغير .. فالتفتت "انجى" قائله :
- جوزك ده سكر
ضحكت "بيسان" قائله :
- اوعى يسمعك بتقولى كده .. هيتفرعن عليا
ابتسمت "انجى" لصديقتها .. لكن تلك البسمة .. بدت مختلفة .. عن سابقتها !

*************************************

انطلق "بشير" بالسياره حاملا "نهال" في النقعد الخلفي .. تلاقت نظراتهما في مراة السياره .. فغض بصره سريعا .. ارتسمت بسمه صغيره علي شفتيه لا تكاد تكون ملحوظة .. وشعر بخفقات قلبه كالطبل في صدره .. لم يتعجب من ذاك الشعور .. فتلك المشاعر تغمره بين جنباتها كلما التقاها .. كلما اقترب منها .. ورغم مشاعره الجارفه تجاهها .. لم يفكر يوما في تخطي علاقة الخادم والمخدوم التي تجمعهما .. اختفت بسمته الصغيره ليحل محلها حسرة كبيرة .. تنهد بعمق .. وزفر ببطء.. اه لو تعلمين ما يكنه لكي قلبي من مشاعر تكاد تغرقني وتخنقني .. حب يائس بائس لا امل له .. حب يجب ان يوأد في مهده .. لكن نفسي لا تقوي علي قتله .. لم استطع .. اعلم ان الاستسلام له يعذبني .. يقتلني .. لكن ما بيدي حيلة .. تمكن حبك مني حتي تغلغل داخل كياتي وتشبث به بقوة .. لو حاولت نزعه لتخلخل كياتي وتحطم
اوقف "بشير" السياره في المكان المنشود لتهبط منها أميرته الحسناء .. وقبل ان يغادر .. رآي اصدقائها مقبلون نحوها .. تأمل بحنق ذاك الفتي الذي يقترب منها .. ويتحدث معها .. ويمزح معها .. صرخ قلبه .. اشقيني يا أميرتي .. عذبيني .. لكن من فضلك .. اشعري بي .. ولو يوم واحد .. ولو لساعه واحدة .. فلعلك تجدين ضالتك في قلبي الذي ينبض بحبك !

***********************************

نهض "عدنان" من فوق مكتبه .. وتوجه الى مكتب "حسنى" .. لم يجد السكرتيرة بالخارج فأدار مقبض الباب ودخل دون أن يطرقه .. كان الباب يقع على بداية ممر يؤدى الى المكتب .. ومن وقف أمام الباب لا يلاحظه القابعون فى المكتب الا اذا اجتاز الممر .. خط "عدنان" أول خطوة فقط ليسمع أخيه يقول :
- الحجر على "عدنان" هو اللى هيحفظلنا حقوقنا
تسمر "عدنان" فى مكانه وتجمدت ملامحه .. تنامى الى مسامعه صوت "يسرية" وهى تقول :
- أخيراً اقتنعت .. أنا و"كوثر" ريقنا نشف عشان نقنعك
قال "حسنى" بضيق :
- أعمل ايه مفيش حل تانى .. من يومين أخويا المحترم رفض صفقة كبيرة هتدخلنا مبالغ طائلة .. ورفضها ليه .. عشان بيقول ان صاحب الشركة حرامى وفلوسه حرام .. طيب احنا ملنا وماله حرامى ولا مش حرامى .. دى حاجه تخصه .. ليه نسيب صفقة زى دى تضيع من ايدينا
قال "علاء" بحنق :
- عمى بجد زودها أوى .. لا واللى زاد وغطى .. "مهند" باشا .. تحس انه نسخة مصغرة من عمى .. يمكن أمر منه كمان
قال "نهاد" بقلق :
- يا جماعة بس الموضوع ده ممكن يقضى على عمى .. يعني أكيد هيتألم وهيتصدم لما يلاقينا رافعين عليه قضية حجر .. مش بعيد يروح فيها
قالت "يسرية" بحزم :
- لا متخافش عمك ده عامل زى القطط بسبع أرواح .. ده محدش يقدر عليه .. راجل جبروت
قال "نهاد" بسخرية :
- وطالما راجل جبروت .. هتثبتوا ازاى ان مخه لسع
كان "عدنان" يستمع الى ذلك الحديث كما لو كان سكاكين تنهض فى قلبه وصدره وجسده .. ولكن القشة التى قصمت ظهر البعير هو أخيه "حسنى" الذى قال :
- هنقدر نثبت .. حتى لو بالكدب .. أخويا لا عنده زوجه ولا أولاد .. يعنى فلوسه كلها من حقنا احنا .. احنا الورثه ولازم نحافظ على ورثنا ونحميه

اكتفى "عدنان" بما سمع .. خط خطوة ثانية فى اتجاه المكتب .. ود لو ظهر لهم وأفرغ فيهم جام غضبه وطردهم جميعهم من الشركة ومن الفيلا ومن حياته كلها .. لكنه أراد الانتقام منهم .. وبتلقينهم درساً لا ينسوه .. فتح الباب ببطء وخرج بهدوء كما دخل .. أغلق باب مكتبه بعصبيه واستند بكفيه على المكتب يحاول تنظيم ضربات قلبه المسارعه وهو يضم أسنانه لبعضها البعض ويقول بقسوة بالغه :
- آه يا ولا التيييييييييييييييييييييت .. والله لأربيكوا يا عيلة "زياكيل"
ازداد غضبه وهو يتذكر كلمات "حسنى" .. بأنه لا يملك زوجه ولا أولاد .. وأن ميراثه مآله الأخير اليه هو وأخوته وزوجته وأبناؤه .. فى تلك اللحظة دخلت سكرتيرة "عدنان" المكتب لتنبئه بإمرأة تريد مقابلته .. فصرخ بها قائلاً بعصبية :
- مش عايز أشوف حد دلوقتى .. اخرجى واقفلى الباب وراكى
ولكن قبل أن تلتفت السكرتيرة للإنصراف .. اتسعت عينا "عدنان" دهشة .. وهو يتأمل تلك المرأة التى دخلت مكتبه ووقفت أمامه .. التفت يقف أمامها مندهشاً .. غير مصدق .. تدور عيناه فى ملامحها .. تتفحصها .. تتذكرها .. هتف بدهشة بالغة :
- فيروز !
ابتسمت "فيروز" ورمقته بنظراتها قائله :
- كبرت وعجزت يا عدنان
ارتسمت علي شفتيه ابتسامه وهو يتأملها قائلا :
- وانتي لسه زي ما انتي يا "فيروز"
اشار الي السكرتيرة قائلاً
- سبينا دلوقتى
أومأت براسها وغادرت المكتب بهدوء .. وقف "عدنان" متأملاً اياها وهو يقول :
- ياااه مكنتش نتخيل اني هشوفك بعد السنين دي كلها
اقتربت منه قائله بدلال :
- مفاجأة حلوه طبعا مش كده؟
قال "عدنان" وهو يرفع حاجبيه ويتكئ بظره علي المكتب عاقداً ذراعيه أمام صدره :
- ايه اللي فكرك بيا يا "فيروز"
اقتربت منه اكثر ونظرت في عيناه مباشرة وقالت :
- هتصدقني لو قولتلك اني منستكش ابدا
ابتسم بسخريه وهو ينظر اليها بعدم تصديق قائلاً :
- انتي ناسيه يا "فيروز" اني اكتر واحد في اادنيا دي فاهمك وحافظك .. كلامك ده ميخلش عليا ابداً
ثم قال وهو يرفع حاحبيه بتهكم :
- أمال فين جوزك المصون .. سبتيه في تركيا وجيتى مصر .. ولا طلقك ؟
قالت بلؤم وهي تنظر اليه بنظرة ذات معني :
- جوزي مات يا "عدنان"
تجعد جبينه وهو يتأملها يتبين صدق ما قالت .. اقتربت منه حتي لمست ذراعه بيدها ونظرت اليه قائله بدلال :
- دلوقتي مفيش تبعدني عنك
أطلق ضحكة عاليه اغاظتها بشدة .. اختفت ابتسامتها وهي تنظر اليه بحنق .. توقف عن الضحك أخيراً ليقول :
- تعرفي .. مش لايق عليكي الكلام ده ابداً
اتسمت ملامحه بجديه وهو يسترجع ذكرياته معها قائلاً :
- انتي اللي فضلتي "حمدي" عليا .. كنتي فاكراني هقف محلك سر ومش هعرف اكبر ورثي .. طرتى علي "حمدي" اللي ورث في أبوه اكتر ما ورثت في أبويا .. اتجوزتيه وطرتي معاه علي تركيا .. حسبتيها غلط يا "فيروز" .. أهو فضل واقف محلك سر لحد ما مات
ثم قال بكبرياء وهو يشير بذراعيه الى ما حوله :
- أما أنا بنيت امبراطورية كبيرة أوى
ثم أخذ نفساً عميقاً وهو ينظر اليها بتهكم ويقول بصرامة وكبرياء :
- جايه دلوقتى تقوليلى مفيش حاجه تبعدى عنك !! .. أنا مخدش بواقي غيري يا "فيروز" .. لما أحب أتجوز مش هتجوز واحده كانت ملك غيرى
ابتلعت "فيروز" كرامتها مع تلك المهانه التي سببتها كلماته .. وقبل أن يعى ما يحدث رجعت عدة خطوات الي الوراء وفتحت باب المكتب وأومات برأسها .. دخلت سمر متوترة مضطربه .. ضاقت عينا "عدنان" وهو يتطلع الى تلك الفتاة الشابة ممشوقة القوام بفستانها القصير الذي أبرز جمال ساقيها و ذراعيها العاريتان .. وخصلات شعرها الأسود تتساقط فوق جبينها في رقه .. تأملها من رأسها حتى أخمص قدميها وعينا "فيروز" تتابعان تعبيرات وجهه في شغف .. بللت "سمر" شفتيها بلسانها وقد بلغ توترها أقصاه وهى تجعد فستانها بقبضه يدها .. التفتت تنظر الي "فيروز" التي نظرت اليها نظرة مشجعه .. عادت تنظر الي "عدنان" الذي لمعت عيناه وهو يمرر نظراته علي صفحة وجهها الأملس .. نظر الثلاثه الي بعضهم البعض وقد شعر كل منهم أنه وجد مبتغاه .. كل منهم يبحث عن شئ وجده في الآخر .. فكان ثلاثتهم بمثابة حلقه تصل احداها بالاخري وتكمل احداها الاخري .. تلاقت العيون .. وخفق قلب ثلاثتهم .. فأخيرا سيحصل كل منهم علي ما أراد .. أحدهم سيحصل علي غنيمته .. وأحدهم سيحصل علي مبتغاه .. وأحدهم سيحصل علي أقصى أمانيه !

Comments
0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق