مرت الليلة ثقيلة لزجة على نفوس الجميع .. لم تتوقف "فريدة" عن البكاء وهى تدعو لأخيها بالرحمة والمغفرة .. كذلك تأثر "عدنان" كثيراُ لفقد "مهند" .. فقد كان له بمثابة الإبن وليس ابن الأخ .. جلست النساء فى غرفة المعيشة يعلو وجوههم الحزن والأسى تدمع الأعين من حين الى آخر .. جلس الرجال فى المكتب برفقة "عدنان" يجرون اتصالات طوال الليل فى محاولة استعادة جثة "مهند" ودفنه باالقاهرة الأمر الذى كان شاقاً للغاية لعدم وجود امكانية نقل الجثث من حيث موقع المجاهدين .. بل وعدم وجود ثلاجات لحفظها .. فكان القرار أن يدفن "مهند" فى الأراضى السورية .. جلست "لميس" برفقة "سمر" التى أمر الطبيب بإعطائها مهدئاً بين الحين والآخر .. ومحاولة تخفيف الصدمة عليها .. انهمك الجميع فى التفكير بمصابهم .....
أما "يسرية" فقد ظل عقلها يعمل دون توقف عن سر تأثر "سمر" بخبر استشهاد "مهند" الى حد أن تفقد وعيها وتحتاج الى مهدئات للسيطرة عليها ! .. لكن الوقف لم يكن مناسباً لبحث أمر كهذا .. كذلك شعرت "لميس" بالدهشة وهى جالسه معها فى غرفة النوم .. تسمع همساتها وهى نائمة على الفراش الوحيد بالغرفة .. تلفظ بإسم "مهند" بين الحين والآخر وكأنها تنادى على حبيبها الراحل ! .. حاولت "لميس" أن تفهم همهمتها لكن صوتها كان خافتاً لا تستطيع سوى تمييز كلمة "مهند" .. نهضت "لميس" تتجول فى تلك الغرفة التى تدخلها فيما ندر .. نظرت بحسرة الى الأثاث الذى ينم عن ذوق رفيع والذى يصلح لعرسان جدد ! .. وقفت أمام التسريحة تتأمل مقتنيات "سمر" المرصوصة فوقها فى عناية .. شعرت بوغز الدموع فى عينيها وهى تنظر الى كل ركن فى الغرفة .. لا تعلم كيف واتتها الجرأة على .. فتح الدولاب .. التفتت تنظر الى "سمر" لتجدها تغلط فى النوم .. فتحت الدولاب الجرار وأخذت تنظر الى ملابس "عدنان" المرصوصة بعناية .. فتحت الجهة الأخرى من الدولاب ونظرت الى ملابس "سمر" وفساتينها القصير منها والطويل .. اغلقت الدولاب بسرعة وقلبها يخفق بشدة لا تدرى سبب ما فعلت لكنها تعلم أن وجودها فى تلك الغرفة يزيد من لهيب قلبها اشتعالاً .. عادت لتجلس بجوار "سمر" فلاحظت انها عادت الى همهمتها من جديد .. قربت أذنيها فإستطاعت تلك المرة أن تميز كلماتها .. قفز قلب "لميس" الى حلقها واتسعت عيناها فى دهشة وهى تسمع "سمر" تهمهم :
- "مهند" متسبنيش .. أنا بحبــك
************************************************
جلس "دياب" يحرك الموبايل بين يديه شارداً .. بحث عن الرقم الذى أملته اياه "عاء" وأخذ ينظر اليه وهو يضع اصبعه على زر الإتصال فى تردد .. تنهد بعمق وهو يمعن التفكير فى تلك الخطوة التى تشغل عقله كثيراً فى الآونة الأخيرة .. أصبح الوضع لا يحتمل .. لم يعد يستطيع تحمل اهمال زوجته له .. وعدم تقديرها لمشاعره .. وكأنه جماداً وليس بشراً من لحم ودم .. تنهد بعمق وهو يسند ظههر الى الأريكة وهو يفكر فيما اقترفه من خطأ بتحميل تلك الصور والمقاطع الى هاتفه .. يعلم بجرم ما فعل .. وبالذنب الذى أوقع نفسه فيه .. بل وتقززت نفسه من أن يعيد الكرة مرة أخرى .. لكنه يخاف من نفسه .. ومن شيطانه .. يخاف أن يقع فى خطأ أكبر من مجرد ذنب تقترفه عيناه .. يخشى أن تبدأ باقى حواسه فى عصيان أمره .. وفى جره الى طريق لم يتخيل أبداً أن يفكر فيه فى يوم من الأيام .. ليس أمامه سوى حلين لا ثالث لهما .. إما أن يعف نفسه بالحلال .. وإما أن يلجأ الى الحرام ّ
نهض من مكانه وذهب الى الحمام وتوضأ وضوءه للصلاة .. لحظات وسمع آذان الفجر فارتدى خفه ونزل الى المسجد يؤدى الصلاة .. بقى بعد الصلاة يردد الأذكار الى أن طلعت الشمس من مشرقها .. عاد الى بيته ليجد "سحر" جالسه فى وسط الفراش ترضع الصغيرة .. توجه الى المطبخ وأعد لنفسه ساندوتش من الجبن وكوب من الشاى .. تناوله فى شرود .. عاد الى غرفة النوم فرآهما تغطان فى نوم عميق .. ارتدى ملابسه .. وتوجه الى عمله والشرود لا يفارق !
*******************************************
فتحت "سمر" عينيها لتجد نفسها وحيدة فى ظلام الغرفة الدامس .. جلست فى فراشها وهى تشعر بثقل شديد فى رأسها .. لحظات .. وتذكرت ما بها من نكبة فأجهشت فى البكاء وهى تشعر بكل ذرة فى جسدها تصرخ ألماً وقهراً .. أطبقت بيدها على ملاءة السرير تجعدها بين أصابعها فى عنف وجسدها يرتج لقوة بكائها .. شعرت بألم حارق يغزو ذراعها الأيسر .. أسندت بظهرها الى السرير وهى تبكى لما تحمله فى قلبها وذراعها من آلام .. طرقت "لميس" الباب ثم فتحته وهى تنظر الى "سمر" فى لوعة .. اقتربت منها قائله :
- مدام "سمر" .. حضرتك كويسة
التفت لها "سمر" بوجهها الباكى وهى تسألها بصوت مبحوح :
- فين "عدنان" ؟
قالت "لميس"بهدوء :
- سافر
قالت بصوت مرتجف :
- سافر فين ؟
قالت "لميس" بأسى :
- سافر سوريا .. أصر انه يشوف الجثة قبل ما تدفن .. حابب يتأكد من انه هو فعلاً "مهند"
قالت ذلك وقد لمعت عيناها بالعبرات .. فأجهشت "سمر" فى البكاء وهى تردد بلهفه :
- يارب ميكنش هو .. يارب يكون لسه عايش
ازدادت نزرات "لميس" حدة وهى تصوبها الى "سمر" التى لا تهتم بما تلفظه من كلمات .. بدت فى غير وعيها تماماً والا لما أخطأت بلفظ كلمات تجعلها موضع شك هكذا ! .. اقتربت "لميس" من الكمودينو بجوار الفراش وأعطت لـ "سمر" أدويتها .. ثم قالت :
- ارتاحى شوية زى ما الدكتور قال .. "عدنان" بيه وسانى عليكي وقالى أهتم بيكي بنفسى
لم تعبأ "سمر" بكلامها نهضت وتوجهت الى الحمام الملحق بالغرفة وغسلت وجهها .. وقفت تنظر فى المرآة الى أعينها الحمراء كالدماء .. ثم جففت وجهها وخرقت من الغرفة متوجهة الى غرفة "فريدة" التى رأتها جالسه برفقة "نهال" تبكيان سوياً فى لوعة .. لم تتحمل "سمر" وهى تراهما على هذا الحال فأجهشت بالبكاء هى الأخرى وهى تلقى بنفسها فوق احد المقاعد فى انهاك .. لحظات مرت قبل أن تقول بصوت مرتجف :
- ان شاء الله مش هيطلع هو اللى مات .. ان شاء الله هيكون عايش
مسحت "فريدة" عبراتها وهى تقول بلهة :
- يارب يا "سمر" .. يارب
نهضت "فريدة" فجأة وتوجهت الى الخارج .. وبعد دقائق عادت ثم حملت اسدالها وفرشت سجادة الصلاة ووقفت تصلى فى خشوع .. نظرت اليها "سمر" بأعين دامعة .. رأتها تسجد وتبكى فى سجودها تسمع همساتها بالدعاء الى "مهند" .. شعرت "سمر" فى داخلها بعجز كبير .. وكأن جوارحها كلها مشلولة .. شعرت بقهر غريب .. لا تقوى حتى الدعاء الى الله عز وجل .. تذكرت كلمات "مهند" لها عند النافورة فى ذلك الفندق .. عندما قال لها .. كيف تدعين الله وأن تعصيه .. كيف تجرؤين .. تساقطت العبرات من عينها حارقه .. مسحتها بظهر كفها وهى لا تزال تنظر الى "فريدة" الساجدة .. قبل أن تنهض وتعود الى غرفتها .. تناولت هاتفها النقال واتصلت بـ "عدنان" وهى تقول بلهفة :
- انت فين دلوقتى ؟
قال "عدنان" بصوت كمن انتهى للتو من البكاء :
- لسه واصل تركيا
- طيب انت عارف هتكلم مين وهتوصل ازاى
- أيوة عارف
- ضرورى تطمنا لما توصل لحاجة .. ضرورى
- أكيد .. هقفل دلوقتى .. هتصل بيكى أول ما أوصل سوريا
ألقت "سمر" الهاتف فوق فراشها .. ثم جلست بجواره وهى لا تزال تشعر بذلك الشعور .. بالعجز والشلل .. تنامى الى مسامعها آذان الفجر .. فبكت أكثر .. بكت وهى تسمع ذلك النداء الذى تجاهلته لسنوات طويلة .. تشعر بأنها عاجزة عن تلبية النداء وعن الاستجابة له وعن الخضوع له .. شعرت بنفسها تريد التضرع والهتاف .. يارب احميه .. يارب أعده سالماً .. لكن كيف .. كيف يستجيب الله لها ؟ .. كيف يلبى حاجتها ؟.. كيف وهى تعصاه سراً وجهاراً .. كيف وهى تأتى بما نهى وتعزف عما أمر ؟ .. انتهى المؤذن وبدأ الكون فى تلبية النداء .. ارتجف قلبها وهى تحمل اللاسلكى لتطلب من الخادمة الصعود الى غرفتها .. ولأول مرة منذ أن اتت الفيلا تطلب من الخادمة هذا الطلب :
- ساعديني اتوضا
أومأت الخادمة برأسها وتوجهت برفقة "سمر" الى الحمام .. كانت "سمر" تستعين بالخادمة فى كل شئ .. لم تكن تستطيع حتى ارتداء ملابسها بمفردها .. ولا أن تصفف شعرها بمفردها .. كانت تعتمد عليها فى كل شئ .. انتهت من الوضوء بحسب ما تتذكر .. ثم طلبت من الخادمة الإنصراف وهى تشعر بالاستحياء أن تصلى أمامها .. بل شعرت بالاستحياء أن تقف بين يدي الله .. أتت بسجادة "عدنان" وفرشتها أرضاً ثم وقفت وهى تشعر بشعور غريب يتملكها .. وقفت تطلقت تنهيدات وهى تشعر بتوتر .. يجفل قلبها كالموظف الذى عصى مديره كثيراً حتى طرده وأغلق بابه فى وجهه .. وبعد سنوات أراد العودة الى ذلك المدير واستسماحه أن يعطيه فرصة اخرى .. لكنه وقف على باب المدير يخشى أن يطرقه .. يتمنى أن يدخل .. لكنه لا يجرؤ . .يخشى أن يعود خائب صفر اليدين .. يخشى أن يظل المدير حاملاً له الغضب فى نفسه .. ولله المثل الأعلى !
بلعت ريقها ووقفت تغمض عينها للحظات تستشعر ما هى مقدمة عليه من صلاة يشاركها فيها الله عز وجل بالمعنى .. كما قال فى الحديث القدسى "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي. وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل "
رفعت كفها بمحاذات أذنها وكبرت للصلاة .. أطرقت برأسها فى خشوع تنظر الى موضع سجودها وقلبها ينبض داخل صدرها بتوتر .. لم تجد تنتهى من تلاوة الفاتحة حتى انفجرت الدموع من عينيها كنبعين صافيين يرويان ظمأ سنوات من الجفاف الذى لاقاه ذلك الوجه وتلك العيون .. حرموا سنين طوال من لذة البكاء من خشية الله .. ولذة الإنابة والخشوع والتضرع والتسليم .. شعرت بأنها أمة تقف بين يدي مولاها وسيدها .. ترجوه رحمته وتخشى عذابه .. نظرت الى موضع سجودها قبل أن تلمسه بجبهتها وأنفسها ككمال الذل والخضوع لله .. أغمضت عينها وهى تتمتم :
- سبحان ربى الأعلى
لم تكن كلمات عادية لتتم بها صلاتها .. بل استشعرت كل حرف فيها .. سبحانك ربى وأنت فوق عرشك مستوٍ عليه استواء يليق بجلالتك .. سبحان أعلى وأكبر من كل شئ .. سبحانك وأنت ملك الملوك تدير هذا الكون بمعرفتك كيفما شئت .. كل شئ فى هذا الكون أمره بين حرفين .. الكــاف والنــون .. من غيرك يدبر لى أمرى ويصلح لى حالى ويلبى لى طلبى ويكون منتهى رجائى .. من غيرك يغفر لى ذنبى ويزيل وحشة قلبى ويطهر لحمى وعظمى وروحى من ذنوب كستها وتشربتها وعششت فيها الى أن فاض بى الحال وجئت خاشعة ضارعة أعلن استسلامى وخضوعى وفشلى فى أن أنعم بحياتى فى بعدى عنك .. أعلن فشلى فى أن أدبر أمورى دون الرجوع اليك .. أعلن فشلى فى أن أكون سيدة امرى .. حره العقل والفكر .. علمت وأيقت أن ما أنا الا أمة تحتاج لسيدها ومولاها ليرشدها ويأمرها فتطيعه وينهاها فتنأى بنفسها عما نهى .. "أستغفر الله " .. كلمة ترددها الألسن حتى لربما فقدت الشعور بتذوق معناها وبإستشعارها بالقلب والروح .. استغفر الله من كل ذنب امتدت له يداى وذهبت له قدماى وتأملته عيناه وطربت له أذناى وتحدث به لسانى .. استغفر الله من كل ذرة كبر فى نفسى أبعدتنى ومدتى بقوة وهمية اشعرتنى بأننى مالكة أمرى ومديرة حالى .. لجأت اليك فلا ملجأ منك الا اليك .. أترد أمة ضعيفه تطرق بالك وتبتغى رضاك .. أترد أمة تبكى وتنتحب أن تغفر لها وتتنزل رحماتك عليها .. ظنى بك أنك لن تردنى .. ولن تغلق فى وجهى بابك .. أستحق عذابك لكن رجائى فى رحمتك كبير .. أعلم أن لتوبتى شروط .. وستجدها تامه بلا نقصان .. فتوبتى نبعت من اعماق قلبى وروحى .. لا ينقصها سوى أن تصدق عليها بعفوك .. أستغفرك ربي !
***********************************
فى الصباح خرجت "سمر" من غرفتها فقابلت "فريدة" وهى تنزل من الطابق الثالث للفيلا حيث غرفتها .. تمتمت "فريدة" :
- صباح الخير
- صباح النور
- فى جديد
تنهدت "سمر" قائله :
- كلمت "عدنان" من شويه .. قالى انه فى سوريا دلوقتى وأول ما يوصل للمعسكر بتاعهم ويشوف الجثة هيتصل بيا
لمعت العبرات فى عين "فريدة" وهى تقول :
- يارب .. يارب
لاحت ابتسامه صغيره على شفتي "سمر" وهى تقول :
- مماتس .. قلبى حاسس انه مماتش
قالت "فريدة" بلهفه وكأنها تتعلق بآخر أمل لها :
- يارب .. يارب يكون عايش
رن هاتف "سمر" فقالت بلهفة :
- "عدنان" .. ايه .. فى جديد ؟
تطلعت "فريدة" الى "سمر" بلهفة وهى تضم يديها الى صدرها تراقب تعبيرات وجهها .. فجــأة رأت ابتسامة كبيرة على وجه "سمر" وهى تهتف بلهفة :
- بجد ؟ .. واثق يا "عدنان" ؟
هتفت "فريدة" :
- "سمر" قوليلى .. عمو قالك ايه ؟
ضحكت "سمر" وهى تقول :
- طيب .. ماشى .. ربنا معاك
أنهت المكالمة وهى تقول لفريدة بحماس :
- مش هو
عانقتها "فريدة" بقوة وهى تهتف بأعين دامعة :
- الحمد لله .. اللحمد لله
نظرت اليها "سمر" بأعين دامعة وبسمة على شفتيها وهى تقول :
- قالى ان حصل انفجار وراأس الجثة مكنتش باينلها أى معالم .. بس شاف جسمه وحجمه ولون بشرته واتأكد انه مش "مهند"
هتفت "فريدة" بفرح :
- الحمد لله .. الحمد لله
عمت البهجة أرجاء البيت عندما علم الجميع بأن الجثة لم تكن لـ "مهند" .. استمر "عدنان" فى المكوث فى سوريا ليبحث عن ابن اخيه .. حياً أو ميتاً .. شعرت "سمر" بيقين أنه لايزال على قيد الحياة .. وكأن الحياة قد دبت فيها من جديد .. ليس لهذا الخبر فحسب .. بل لتلك المشاعر التى عادت للشعور بها مرة أخرى بعد هجر سنوات وسنوات .. عادت تحمل المصحف فى يدها تنهل من تلك الكلمات التى اشتاقت كثيراً اليها .. أصبح الدمع فى عينيها لا ينقطع .. تنظر حولها وكأنها ترى كل شئ بأعين جديدة وقلب جديد .. رق قلبها حتى أصبح كريشه رقيقه تطير داخل صدرها كلما فعلت طاعة .. واستشعرت عظمة خالقها
فوجئ الجميع بعودة "سمر" من الخارج فى أحد الأيام وهى محملة بحقائب كثيرة .. كانت نظراتهم اليها ما بين الدهشة و الاستنكار فمنذا الذى يجد في نفسه البال الرائق للقيام بالتسوق فى مثل هذه الظروف ! . .لكن دهشتهم تضاعفت لمرآى "سمر" الجديدة .. التى زين رأسها حجــابهــا .. وزادتها زينة واحتشاماً ملابسها التى تخيرتها بعناية .. وضعت "فريدة" نصب عينها كمثال يُحتذى به .. وقلدتها حتى فى ألوان ملابسها الداكنة الغير ملفته .. لبم يصدق الجميع ما يرون .. لعلها هى الوحيدة التى لم تستعجب ذلك التغيير المفاجئ الذى حدث لها .. لأنه كان بالنسبة اليها هو العودة الى طبيعتها ! .. العودة الى الفتاة التى تركتها فى الاسكندرية منذ سنوات ورحلت متحولة الى تلك الانسانة التى كرهتها الآن ولا ترغب فى عودتها من جديد .. شعرت أخيراً بأنها استعادت جزء كبير من نفسها .. وبأن روحها ردت اليها من جديد .. لم يكن التغيري ثقيلاً على نفسها وهى تتقرب به الى الله عز وجل تثبت به صدق توبتها ورغبتها فى طى الماضى والقائه خلف ظهرها
اراد "علاء" الاستمرار فى تلك الخطة الخبيثة التى وضعتها "يسرية" و "كوثر" للايقاع بـ "سمر" بين حبائله .. لكن "سمر" ردته صفر اليدين .. فإذا كانت "سمر" القديمة تضايقت من تصرفاته فـ "سمر" الجديدة تقززت منها ! .. أيقن تماماً أنها خطة لقيت الفشل مثل سابقتها .. لم يجد أمامه سوى الخطة (أ) التى اتفق عليها معه صديقه لولا سفر "عدنان" وانشغاله بموضوع "مهند" لكان وضعها فى حيز التنفيذ على الفور
**************************************************
فى غياب "عدنان" كان المسؤل عن الشركة هو "حسنى" و "نهاد" .. أما "علاء" فلم يتسلم سوى زمام الأمور التى اعتاد الاهتمام بها .. تزمر "علاء من قلة الثقة التى يتعمل بها "عدنان" معه .. لكنه لم يفصح عن شعوره وأبقاه بداخله الى حين تنفسذ خطته الشيطانية التى ظل يحلم بنجاحها وتحقيق هدفه منها .. "سمر" أيضاً لم تترك الشركة على الرغم من عملها البسيط .. لكنه كان يشغلها عن الانتظار واحتساب الأيام .. رميت فى البداية بنظرات دهشة من الموظفين خاصة مع استمرارها فى أداء صلواتها فى أول وقتها فى المكان الذى خصصه "مهند" كمصلى للنساء العاملات بالشركة .. رُفع الأذان فغادرت مكتبها متوجهه الى المصلى تقف مع النساء جنباً الى جنب لأداء الفريضه وتلبية النداء .. أنهت صلاتها وجلست فى مكانها وهى تخرج كتيب صغير من حقيبتها مكتوب فيه أذكار ما بعد الصلاة .. ظلت ترددها الى أن انتهت .. تقهقرت للخلف وأسندت ظهرها على الجدار لا تجد فى نفسها القدرة على العودة الى عملها .. لا قدرة .. ولا رغبة .. لمعت العبرات فى عيناها وقد عاودتها مخاوفها فى أن يكون "مهند" قد استشهد بالفعل .. فعلى الرغم من مرور اسبوع من البحث المضنى لم يجد له "عدنان" أثراً لا حياً ولا ميتاً ! .. رأت احدى السيدات اللاتى يرتدين الزى الرسمى لعاملات النظافة تقترب منها وتقول :
- انتى كويسة يا بنتى ؟
نظرت اليها "سمر" وهى تمسح عبراتها قائله بخفوت :
- أيوة كويسة
نظرت اليها المرأة بإشفاق وقالت :
- مالك يا بنتى ايه اللى مضايقك .. بقالى اسبوع بشوفك وانتى بتصلى معانا وبعد ما بتخلصى بتاخدى ركن وتفضلى تعيطى
وكأن كلمات المرأة فجرت بداخلها رغبة قوية فى البكاء .. أجهشت فى البكاء وهى تحاول خفت صوتها .. غادرن جميع العاملات كل منهما الى مكتبها وبقيت "سمر" بمفردها مع تلك العاملة البسيطة التى افترشت الأرض بجوارها وهى تقول :
- ارمى حمولك على الله يا بنتى
أومأت "سمر" برأسها وهى تحاول التحكم فى دمعها .. قالت المرأة وهى تنظر اليها بإشفاق :
- انتى جديدة فى الشركة مش كده ؟ .. أصلى مشفتكيش هنا قبل كدة .. لو فى حد مضايقك قولى لصحاب الشركة دول ناس محترمين أوى
صمتت "سمر" دون ان توضح لها حقيقة نسبها الى أصحاب الشركة .. فوجدت المرأة وقد أجهشت فى البكاء فجأة .. التفتت "سمر" تنظر اليها بدهشة وقد اعتدلت فى جلستها وهى تقول :
- فى ايه ؟ .. بتعيطى ليه ؟
قالت المرأة بصوت باكى :
- فى واحد جدع ربنا يحميه .. من صحاب الشركة دى .. يا عيني سافر وأهله مش لاقينه ولا عارفين هو عايش ولا ميت
لمعت العبرات فى أعين "سمر" وهى تسألها :
- تقصدى "مهند" ؟
نظرت اليها المراة فى دهشة وهى تمسح عبراتها قائله :
- انتى تعرفى البشمهندس "مهند" ؟
تمتمت "سمر" بخفوت :
- أيوة أعرفه
قالت المرأة بتأثر :
- انا كمان أعرفه .. راجل بجد ربنا يحميه .. تعرفى انى أول ما شوفته شوفته فى الشارع كنت ببيع درة على الرصيف وهو جبنى وشغلنى هنا الهى يباركله ويرده لأهله بالسلامه
تمتمت "سمر" :
- يارب
قالت لها المرأة بتأثر وأعين دامعه :
- تعرفى انه ساعدنى فى جهاز بنتى .. الهى ربنا يستره دنيا وآخرة .. جابلها كل حاجة وخلانى رفعت راسى أدام أهل خطيبها بعد ما كانوا كلوا وشى وكانوا عايزين يفسخوا الخطوبة .. قالى ان جهازها كله عليه أنا فى الأول مصدقتش .. بس لقيته وعد ونفذ وجهزها لحد ما دخلت من اسبوعين
لاحت ابتسامه عذبة على شفتى "سمر" وهى تقول :
- هو دايماً كده .. بيحب يساحد غيره سواء معاه أو معهوش .. بيعمل اللى بيقدر عليه
نظرت المراة الى ذراع "سمر" قائله :
- مال دراعك يا بنتى كفا الله الشر
نظرت "سمر" بأسى الى ذراعها وهى تقول :
- معرفش ومحدش عارف .. مفيش دكتور عارف يعالجنى .. وآخر دكتورة روحتلها قالتلى معنديش اى حاجة عضوية .. قالتى ممكن تكون حاجة نفسية .. حتى موصفتليش علاج .. معرفش
ثم قالت بمرارة :
- خلاص أنا اتعودت عليه كده .. وعارفه انى هفضل على طول كده .. مش عايزه أروح لدكتور تانى ولا اعمل فحوصات تانى .. خلاص بأه .. تعبت .. وأصلاً مفيش فايده .. أمل على الفاضى .. وفى الآخر بيضيع وبتعب أكتر
أطلقت "سمر" تنهيدة عميقة أخرجت معها ناراً تعتمل بداخلها .. فقالت المرأة بحماس :
- طيب واللى يعالجك ؟
التفتت "سمر" تنظر اليها وقالت بحزم :
- أنا مش هروح لدكاتره تانى .. خلاص بجد .. مش عايزه
قالت المرأة بحماس :
- ومين قال بس دكاتره .. أنا اللى هعالجك
نظرت اليها "سمر" بدهشة .. فابتسمت المرأة وهى ترى سر دهشتها وقالت :
- يا بنتى انتى بتقولى جربتى دكاتره كتير ومحدش عرف يعالجك .. مش هتخسرى حاجة لو سمعتى كلامى .. وأنا بعون الله واثقة ان ربنا هيجعلنى سبب فى شفاكى
نظرت اليها "سمر" وهى متعجبه من ثقة المرأة بنفسها وهى تلقى على مسامعها تلك الكلمات ثم قالت بإستغراب :
- طيب هتعالجيني ازاى ؟
قالت وهى تربت على كفها :
- بكرة بعد صلاة الضهر هتعرفى ان شاء الله .. هستناكى هنا فى المصلى
************************************************** **
دخل "دياب" البيت فسمع أصوات ضحك في الصاله واستطاع تمييز صوت جارتهم .. ألقي نظرة علي "سحر" لبريها بأنه عاد من صلاة الجمعة .. نظرت اليه "سحر" وعادت الي الاندماج في الحدث مع جارتها .. دخل "دياب" غرفه النوم يبدل ملابسه وهو يشعر بالامتعاض لهذا الحديث الدائر بين المرأتين عن فلانه وعلانه .. اختنق من جلسة النميمة التي تشارك فيها زوجتها .. أرسل لها رساله عبر المحمول كتب فيها :
- مش كفايه بأه .. هفضل محبوس في الاوضة كدة كتير
وفي تبرم قالت "سحر" لجارتها :
- معلش يا حبيبتي "دياب" عايز يتغدي أحضرله الأكل وأجي نعد مع بعض شويه
قالت جارتها وهي تنصرف :
- ماشي مستنياكي .. ومتنسيش تقوليله علي الموضوع اللي اتكلمنا فيه .. دي فرصه مش هتتعوض
دخلت "سحر" الي المطبخ بينما حمل "دياب" الصغيرة ودخل خلفها قائلا :
- موضوع ايه اللي جارتك بتقول علبهويا "سحر" ؟
قالت "سحر" وهي مستمرة في عملها :
- جيبالي شغل
عقد جبينه قائلا :
- شغل ايه ان شاء الله ؟
تركت ما بيدها ونظرت اليه قائله بحماس :
- ممرضه عند ناس أغنية أوي .. عارف هيدوني كام في الشهر .. ألف ونص
هتف "دياب" بحدة :
- ممرضه عند ناس .. مش فاهم
اكملت "سحر" بنفس الحماس:
- دول ناس راجعين من دبي والست الكبيرة تعبانه وبتحتاج ادوية ياما ومرافق معاها 12 ساعه
هتف "دياب" بغضب :
- انتي بتستهبلي سا "سحر" .. ازاي يعني .. لا طبعا مش ممكن اوافق ان مراتي تشتغل في بيت غريب عند ناس معرفهمش 12 ساعه في اليوم .. وبعدين انتي ناسيه ان عندك بت صغيره
قالت سحر بحده:
- لا مش ناسيه .. ما انا هوديها عن أمي وأنا راحه الشغل ووأنا راجعه هبقي أخدها
قال دياب بحزم شديد :
- انسي الموشوع ده يا "سحر"
هتفت بغضب:
- انسي ايه دول الف ونص .. فاهم يعني ايه الف ونص .. في حد تجيله النعمه لحد عنده ويرفصها؟
قال "دياب" بصرامة:
- تغور الفلوس أنا مشغلش مراتي عند ناس معرفهمش الله اعلم اخلاقهم عامله ازاي
هتفت بتهكم :
- وانت هتعرف ناس زي دول ازاي يا حبيبي .. دول ناس اغنية كبيرك تشتغلهم حارس علي البوابة زي عيلة "زياكيل" اللي انت بتشتغل عندهم اللي بياكلوا من خيرات ربنا وفي اخر اليوم يرمولك انت وزمايلك بواقي اكلهم
تجمد "دياب" في مكانه وهو ينظر اليها فأكملت بحزم:
- أنا مش هشيع من ايدي مبلغ زي ده .. نفسي بأه اعيش زي ما الناس عايشة
قال "دياب" بألم وقلب مطعون:
- هو انا حارمك من حاجه يا "سحر" .. انا لما بيتبقي فلوس بديهالك تجيبي اللي نفسك فيه
هتفت بتهكم :
- فلوس ايه يا أبو فلوس .. بقولك هيدوني الف ونص في الشهر .. نفسي بأ اعيش زي نا باقي الستات عايشة .. نفسي ألبس حتت دهب في ايدي ده انا من يوم ما اتجوزنا وانا بعت الخاتم والدبله اليتيمة اللي جبتهالي ومن يوميها وايدي فاضيه بتكسف لما جاره ليا تبص علي ايدي وهي فاضيه كده .. وايدها ما شاء الله الدهب ماليها
قال "دياب" بأسي:
- انا وعدتك اني هجبلك غيرهم لما الظروف تتحسن
هتفت بغضب:
-ولحد دلوقتي مشفتش منك حاجه ولا هشوف .. ليه بأه ارفض فرصه زي دي هو انت غاوي فقر وخلاص يا "دياب"
اخذ نفسا عميقا ثم قال بحزم:
- الشغل اللي بتقولي عليه ده مرفوض .. ومستحيل أوافق عليه ابدا .. ويكون في علمك الست جارتك دي أنا مبرتحلهاش وواضح انها بتملى دماغك بكلام فاضي .. مش عايزك تتكلمي معاها كتير وتدخليها البيت
هتفت بسخريه:
- وده اسمه ايه ان شاء الله مش كفايه ملطوعه لوحدي بين اربع حيطان طول اليوم كمان تقولي جارتك متعرفيهاش .. بطل خنقه بأه خنقتني
قال "دياب" بنبرة تهديد:
- "سحر" اسمعي الكلام اللي هقولهولك كويس لاني جبت أخري معاكي .. قدامك شهر لو متظبطتيش متلوميش الا نفسك
هتفت بغضب:
- يعني ايه ان شاء الله؟
هتف بغضب مماثل :
- يعني هتجوز يا "سحر"
اتسعت عيناها دهشه فأكمل بغضب:
- هتجوز واحدة تريحني .. واحدة تسمع كلامي .. واحدة عارف حقوق جوزها عليها .. واحدة مش نكديه وبتحب المشاكل .. واحدة تراعي ربنا فيا زي ما براعي ربنا فيها
- وضعت يديها في خاصرتيها وهي تهتف بتهكم شديد:
- ودي مين دي اللي هترضي بيك يا حبيبتي تكونش فاكر نفسك حاجه .. فوق لنفسك ده أنا عايشة معاك وأنا حطه جزمة في بقي ومستحمله .. مين دي اللي هتبص لواحد زيك وتقبل تعيش العيشة الهم اللي انا عايشاها
قال ببرود يخفي به كرامته الجريحه:
- اذا كنتي شايفه ان عيشتك معايا هم فغيرك تتمناها
اطلقت ضحكة ساخرة وهي تقول :
- لا ده انت مصدق نفسك بجد .. قال غيرك يتمناها قال .. اللي خدته القرعة تاخده أم الشعور
لم تتحمل كرامته الاستماع الي المزيد من تهكماتها وسخريتها .. ترك طفلته علي الفراش وخرج من البيت لا يلوي علي شئ .. جلس علي احدي الدرجات والعبرات في عيناه يميحها بأصابعه قبل أن تسقط علي وجهه وتزيد من جرح كرامته .. شعر بقلبه يكاد يتمزق ألما وبحمم تشتعل في صدره أوشكت علي خنقه بلهيبها
***********************************************
دخل "نهاد" الي بيته فتنامي الي مسامعه صوت "انجي" برفقة "بيسان" .. كاد أن يغادر البيت مرة اخري لولا ان رأته "بيسان" وهتفت:
- "نهاد" حمدالله علي السلام يا حبيبي
في تبرم أغلق "نهاد" باب البيت وتوجه الي "بيسان" مقبلا اياها وهو يقول:
- ازيك يا حبيبتي
ابتسمت قائله وهي تعانقه بعيناها:
- الحمد لله يا حبيبي كنت فاكراك هتبات النهارده كمان
قال وهو يتحاشي النظر الي "انجي" :
- خلصت بدري فرجعت وكمان عشان مسبش الشركة لوحدها .. بعد غياب عمي و "مهند" الحمل زاد عليا
امسكت بكفه قائله:
-طيب يا حبيبي ادخل خد شاور وغير هدومك علي ما اقولهم يحضروا الاكل
نهضت "انجي" وقالت بلؤم:
- طيب همشي انا بأه مبحبش ابقي عزول
التفتت اليها "بيسان" قائله بعتاب:
- اخس عليكي ليه بتقولي كدة .. انتي واحدة مننا .. خليكي اتغدي معانا
كاد "نهاد" أن ينصرف لولا أن صاحت "انجي" :
- "نهاد" عايزاك لو سمحت .. انت ناسي ان بينا شغل ولا ايه
تسمر في مكانه وهو لايزال يتحاشي النظر اليها .. تركتهما "بيسان" بنفردهما ودخلت الي الخادمة في المطبخ تشرف علي تجهيز الطعام .. اقتربت "انجي" من "نهاد" فرجع الي الخلف .. نظرت اليه بعتاب قائله:
- معدتش بشوفك ليه .. حتي الفلوس بتحولها علي حسابي في البنك وبتعاملني زي الغريب
قال "نهاد" بحده وهو ينظر حوله في توتر مخافة ان تسمع "بيسان" حديثهما:
- "انجي" ابعدي عني .. كفايه بأه
قالت بدلال:
- كفايه ايه يا "نهاد" .. انا بحبك وانت عارف كدة
ثم قالت بلؤم:
- وانت كمان بتحبني انا واثقه من كدة
هتف بحنق شديد بصوت خافت:
- لا مبحبكيش ولا عمري حبيتك .. اللي حصل بينا كان غلطه .. غلطة فظيعة مش اكتر من كده .. ملوش أي معني بالنسبه لي ولا هيكونله أي معني
ثم نظر اليها باحتقار وقال:
- ازاي بيجيلك الجرأة تبصي في عين صحبتك بعد ما خنتيها بالشكل ده
قالت بتهكم وبنظرة تحدي:
- بالظبط زي ما انت بيجيلك الجرأه انك تبص في عنيها بعد ما خنتها
امتقع وجه "نهاد" بشده حتي كان ان يبكي ثم قال بصوت مختنق:
- ابعدي عني وعن "بيسان"
قالت وهي ترفع حاجبيها بتحدي:
- مش هبعد عنك يا "نهاد" .. انا مش واحدة من الشلرع عشان تقرب مني وقت ما انت عايز وتبعد وقت ما انت عايز
تركها "نهاد" ودخل غرفة النوم .. جلس علي الفراش واضعا وجهه بين كفيه .. انتفض فجأه بعدما شعر بيد تمسح علي شعره .. ابتسمت "بيسان" وقالت بحنان:
- شكلك مرهق اوي .
أوما براسه وهو ينهض قائلا بصوت مختنق:
- شويه
لفت "بيسان" ذراعيها حول عنقه وهي تضمه اليها قائله بإشتياق:
- وحشتني أوي
اغمض "نهاد" عينيه بألم وهو يحيطها بذراعيه وامارات الأسي علي وجهه
- يعني ايه الخطه باظت ؟
هتفت "يسريه" بهذه العبارة فقال "علاء " بتبرم:
- معرفش ايه اللي شقلب كيانها فجأه كدة .. دي حتي معدتش بتسلم عليا بايدها .. هو في حد بيتغير 180 درجه فجأة كدة
قالت "كوثر" باستغراب:
- انا كمان مستغرباها جدا التغيبر بيكون تدريجي لكن دي اتغيرت فجأة .. نامت وصحت وبقت واحدة تانيه .. بأت نسخه من "فريدة" و "مهند"
عقدت "يسريه" جبينها بشدة وهي شارده ثم هتفت:
- "كوثر" .. خدتي بالك من اللي حصل ل "سمر" لما عرفت بخبر استشهاد "مهند"
هتفت "كوثر" :
- بنت حلال كنت لسه هتكلم في النقطة دي .. ده اذا كان اخته بنت امه وابوه ما اغماش عليها كده .. لكن دي بمجرد ما سمعت الخبر وقعت من طولها
قالت "يسريه" باستغراب:
- ازاي يعني .. بس دول محرمين علي بعض
قال "علاء" بسخريه:
- قولنا كده من الاول محدش صدقني
اتسعت عينا "كوثر" وهي تقول:
- ازاي يعني .. لا طبعا مستحيل .. تقصد ان في علاقه بين "سمر" و"مهند"
قال "علاء" بثقه:
- ايوة طبعا .. أمال اللي جرالها ده من ايه .. اكيد متحملتش تسمع خبر وفاة حبيب القلب
قالت "يسريه" شارده:
- طيب ازاي .. هي ماشي واتوقع منها كده .. اللي تقدر تلف علي راجل زي "عدنان" تقدر تلف علي غيره بس الغريب هو "مهند" ازاي يسمح بكده .. ده مبيسلمش عليا بايده يقوم يخون عمه ومع واحدة متحللوش كمان
قال "علاء" بغيظ:
- محسسني ان "مهند" ده ملاك .. ما هو راجل زي باقي الرجاله .. وارد انه يغلط ويخون كمان
******************************************
جلست "سمر" في المسجد بجوار المراة الطيبة التي قالت لها :
- اكشفيلي دراعك يا بنتي
نظرت "سمر" بشك الي الادوات الموضوعه في حقيبه المرأه وهي تقول:
- ايه ده؟
قالت المراه بثقه:
- بصي بأه صلي علي سيدك النبى
- عليه الصلام والسلام
- دي حاجه اسمها حجامه بتنقي الجسم من الدم الفاسد اللي بيأذيه وبيسبب أمراض كتير .. الحجامه دي سيدك النبى وصي بيها
ثم اخرجت ورقه كبيرة من حقيبتها مرسوم عليها هبكل لانسان وأسهم عديدز منطقه من كل مكان في جسده وقالت:
- دي خريطة لجسم الانسان .. وكل مكان بتعملي فيه الحجامه بيعالج مرض شكل .. يعني علي حسب المرض بنختار المكان اللي هنعمل فيه الحجامه .. والحجامه نوعين ناشف ودي من غير تشريط ومن غير دم .. والنوع التاني بالتشريط وده اللي هعملهولك
اخرجت المرأه موس نظيف فقالت "سمر " بخوف:
- هيوجعني؟
ضحكت المرأه وقالت:
- متخفيش ايدي خفيفه مش هتحسي بحاجه
ساعدت المرأه "سمر" علي كشف ذراعها وسمت بالله ثم بدأت في التشريط و شفط الدم الفاسد بالكاسات المخصصة للحجامة .. نظرت "سمر" بدهشة الي اللون الاسود للدماء وهي تقول:
- ليه الدم لونه كده؟
قالت المرأه بخبره:
- كل ما كان الدم فاسد كل ما لونه اغمق
ظلت المراة تشفط الدم بالكاسات الي ان انتهت .. ثم قالت بحماس وهي تخرج علبه صغيره من حقيبتها :
- بصي بأه يا ست البنات ده عسل جبلي .. طبعا عارفه ان العسل شفاء ان شاء الله .. هتاخدي منه معلقة علي الريق كل يوم الصبح .. انا قرأتلك عليه ودلوقتي بأه اديني دراعك هدلكهولك بزيت زتون وأنا برقيك
ثم ابتسمت قائله:
- الله يرحمها حماتي جالها مرض رقدها في السرير وما فاقتش الا لما واظبت علي رقيتها كل يوم .. مع العلاج اللي كان بيوصفهولها الدكتور .. ربنا يرحمها
نظرت "سمر" الي المرأه التي أخذت بضمير تمسد لها ذراعها وتمتم بآيات وأدعية الرقية الشرعية .. شعرت "سمر" بالراحة تسري بداخلها حتي وان لم تشعر بتحسن في ذراعها .. انتهت المرأه ثم قالت:
- بصي بأه يا بنتي .. عشان اللي بعمله يجيب نتيجه لازم روشته علاج تمشي عليها .. زي ما بتروحي لدكتور ويديكي روشته أد كدة عشان تخفي
قالت "سمر" بحماس:
- طيب قوليلي الادوية اللي اخدها وانا اشتريها
ابتسمت المرأه وقالت:
- لا الأدوية اللي هقولها مش بتشتريها
رفعت "سمر" حاجبيها باستغراب فاكملت المرأه بحزم:
- الروشته هي انك تصلي كل صلاة في معادها خاصة الفجر لانك لو مصليتيهوش في وقته الشيطان بيعقد عليكي 3 عقد كل يوم .. اذكار الصبح والمساء والنوم متفوتيش يوم من غير ما تقوليها .. ولازم ولابد تتصدقي بنية ان ربنا يشفيكي . سيدك النبي قال :"داووا مرضاكم بالصدقة" .. وكمان متنسيش الاستغفار كل يوم 1000 ولا 2000 ولا 5000 مرو علي اد ما ربنا يقدرك .. وكل يوم هتجيلي هنا المسجد هرقيكي وكل فترة هعملك حجامه وانا واثقه ان ربنا هيشفيكي من اللي صابك واللي محدش عارف يعالجك منه
ابتسمت "سمر" وهي تومئ برأسها وقد شعرت براحة تتسرب اليها وثقه في كلام المرأة البسيطة والتي ما هي الا عاملة نظافه لكن الثقه واليقين الذي كانت تتحدث بهما كان كفيلا بأن يبث الأمل و الثقة في نفس "سمر" وتوقن هي الاخري بأنه طريق الشفاء .. قالت المرأه بفضول:
- متأخذنيش يا بنتي في السؤال .. بس كنت عايزة اعرف انتي تعرفي البشمهتدس "مهند" منين؟ .. أصلك يغنى المرة اللي فاتت كنتي بتقولي "مهند" حاف كده من غير بشمهندس
اختفت ابتسامة "سمر" وأطرقت برأسها للحظات ثم نظرت الي للمرأه وقالت:
- السمك لو خرجتيه من البحر يحصله ايه ؟
نظرت اليها المرأه بدهشه وقالت:
- يموت طبعا
قالت سمر :
- لا .. ممكن تحطيه في حوض سمك وتمليه مايه ويعيش .. مش كده؟
قالت المرأة:
- ايوة صح
لمعت العبرات في عيني "سمر" وقالت بصوت مرتجف :
- أنا بأه لو بعدت عن مهند أموت .. أموت بجد
نظرت المرأة في مزيج من الفضول والدهشة الى ملامح "سمر" التى تنطق ألما والي عبراتها التي ملأت عيناها ثم قالت بصدق:
- ربنا يجمعكوا ببعض يا بنتي ولا يحرمكوا من بعض ابدا
قالت "سمر" بلهفه وهي تضع يدها فوق يد المرأة:
- ايوة عشان خاطري ادعيلي الدعوة دي .. ادعيها علي طول
قالت المرأة بإشفاق:
- حاضر يا بنتي هدعيلك .. وهدعيله ان ربنا يرجعه بالسلامة
قالت "سمر" وهي تتنهد بقوة:
- يارب .. يارب يرجع بالسلامة
*****************************************
توجهت "فريدة" الي "سمر" التي اتخذت زاويه في الحديقه وجلست فيها بمفردها شارده .. التفتت اليها "سمر" عندما اقتربت منها وقالت باهتمام:
- في جديد؟
هزت "فريدة" رأسها نفيا وهي تجلس بجوارها قائله:
- لسه مكلمه عمو "عدنان" قالي مفيش جديد
ثم تنهدت قائله:
- بس وعدني انه مش هيرجع الا و "مهند " في ايده
أومات "سمر" برأسها وعادت تنظر أمامها وتشرد من جديد .. تنهدت "فريده" قائله:
- مكنتش متصوره اني هتحرم منه تاني
التفتت اليها "سمر" فأكملت "فريده" وهي تنظر اليها:
- أصل ماما وبابا مطلقين من زمان .. وبعد ما اطلقوا اتفقوا ان ماما تاخد "مهند " وبابا ياخدني .. وانا عشت مع بابا في السعوديه .. و "مهند" فضل عايش مع ماما هنا في مصر .. للاسف مكناش بننزل مصر الا كل كام سنه مره .. ولما بابا اتوفي رجعت مصر ومن يومها ما افترقتش عن "مهند" ابدا
ثم لمعت عيناها بالعبرات وهي تقول:
- نفسي يرجع .. وحشني اوي
اطلقت "سمر" تنهيدة حارة .. فالتفتت "فريده" تنظر اليها وفي داخلها علامات استفهام كبيرة ودت لو القتها علي مسامعها لتجد لها اجابات شافيه .. تطلعت بتمعن الي "سمر" الشارده .. شردت هي الاخري وهي تشعر في داخلها بشعور ازعجها وافكار نبذتها فطرتها السليمة .. استعاذت بالله من الشيطان الذي يوسوس في صدرها ويبث فيها افكاره وسمومه .. وهي تقول :
- "مهند" صعبان عليا .. قاسى في حياته كتير
التفتت "سمر" تنظر اليها فاكملت "فريده" وهي لا تزال شارده سابحة في ذكرياتها :
- عاش مع ماما في مستوي صعب في الوقت اللي كنت انا عايشه مع بابا عيشه مرتاحه .. كان نفسي اوي نرجع نتجمع كلنا في بيت واحد زي ما كنا واحنا صغيرين .. بس للاسف مشاكل ماما و بابا كانت اكبر من انهم يحلوها او ينسوها عشانا
اطلقت تنهيده عنيقه وهي تقول:
- ومهند" قاسى كتير في حياته عشان يقدر يفتح بيت ويتجوز وكان بيرفض أي مساعده مني رغم انها كانت مساعدات عبيطة .. وللاسف بابا محاولش ابدا انه يساعده في جوازه اللي اتاخر كتير بسبب ظروفه
تساقطت العبرات بغزاره من عين "سمر " ووجهها يقطر ألما .. كانت "فريده" تنظر امامها فلم ننتبه لوجهها الباكي واكملت:
- بعد ما مراته ماتت في الحادثه اتالم اوي .. خاصة انه كان حاسس بالذنب مع انها مش غلطته
قالت "سمر" بشفتين مرتجفتين ونبرة حزينه:
- تفتكري لسه بيحبها؟
التفتت "فريده" بعدما التقطت اذنيها نبرة الحزن في صوت "سمر" .. نظرت اليها بفضول وهي مندهشة من تلك الدموع التي تتساقط من عينيها واحدة تلو الاخري وقالت :
- ايوة اعتقد انه لسه بيحبها بدليل انه مش راضي ابدا يتجوز تاني
اشاحت "سمر" بوجهها وهي تمسح عبراتها بكفها قائله :
- يمكن نساها .. ايه ضمنك انه لسه بيحبها
قالت "فريده" وهي لا تزال تراقب تعبيرات وجهها بتمعن:
- لا انا واثقه انه لسه بيحبها .. كانوا مبسوطين مع بعض ومرتاحين مع بعض .. صحيح انا معشتش معاهم الا كام شهر وبعدها حصلت الحادثه بس في الكام شهر دول حسيت ان مفيش اي مشاكل بينهم .. يمكن "مهند" مبيعبرش عن مشاعره بالكلام ومتقدريش تعرفي اللي جواه بس "نهلة" كانت بتموت فيه كانت بتحبه بجنون .. وانا واثقه انه هو كمان كان بيحبها ولايزال
اطرقت "سمر" برأسها وهي تغمض عيناها بألم ثم تفتحهما لتتساقط منهما العبرات غزيرة تحرق وجهها وهي تقول بصوت مرتجف :
- مش مهم أي حاجه .. المهم يرجع بالسلامة .. أي حاجه تانيه مش مهمة
شعرت "سمر" بغصه في حلقها بينما نظرت اليها "فريدة" قائله بدهشة:
- انتي بتعيطي بيه يا "سمر"
مسحت "سمر" وجهها المبلل وهي تنظر اليها قائله بابتسامه باهته:
- اصلي اتاثرت بقصة حبهم .. يعني صعب انك تلاقي دلوقتي اتنين بيحبوا بعض كدة
نهضت "سمر" وتوجهت الي الفيلا بينما تتابعها "فريدة" باهتمام .. وهي لا تصدق التبرير الذي سمعته !
**********************************************
تفاجأ الجميع بمكالمة "عدنان" التي أكد فيها عثوره علي "مهند" في منزل أحد السوريين بعدما لحقت به اصابة ادخلته غيبوبة لايام .. تكفل السوري بعلاجه وبمجرد ان استعاد "مهند" وعيه أخبره عن المعسكر الذي ينتمي اليه وطلب منه الاتصال ب "عدنان" ليطمئنهم عليه .. سجدت "فريدة" شكرا وحمدت سمر الله عز وجل وقد غشيت عيناهما بعبرات الفرح لعثورهم اخيرا علي "مهند" .. اخبرهم "عدنان" بانه متوجه الي منزل السوري لملاقاة "مهند"
بكت "فريدة" وهي تستمع الي صوت اخيها عبر الهاتف بدا متعبا منهكا .. هتفت باكيه:
- "مهند" انت كويس طمني علي
نظر اليها الجميع بتأثر وهي تتحدث اليه بينما لم تستطيع "سمر" التحكم في عبراتها المتساقطة .. هتفت "سمر" بلهفة:
- شغلي الاسبيكر يا "فريدة"
فعلت "فريدة" فخفق قلب "سمر" بقوة وهي تستمع الي صوت "مهند" الذي كان واضحا عليه اثار التعب والاجهاد وهو يقول:
- انا كويس الحمه لله متقلقيش
انتفض جسد "سمر" بالبكاء وهي تضع كفها فوق فمها تحاول السيطرة علي مشاعرها المتأججه في حين تتابعها نظرات "كوثر" و"يسريه" باهتمام شديد
هتفت "انعام" بأعين دامعه:
- "مهند" حبيبي هترجع امتي .. قلقتنا عليك اوي
تمتم "مهند" بصوت مجهد:
- شويه كدة يا عمتو لما اقدر اتحرك هاجي ان شاء الله
قالت "نهال" بقلق:
- "مهند" مالك .. فيك ايه؟
قال "مهند" بهدوء:
- مفيش اصابة بسيظة متقلقوش
سالته "فريدة" بقلق:
- يعني انت كويس؟
اجاب بنفس الهدوء:
- الحمد لله .. كويس اوي .. خلي بالك من نفسك يا "فريدة" .. وقريب اوي هكون عندكوا ان شاء الله
عم الارتياح قلوب الجميع بعد انتهاء المكالمة بينما هتفت "نهال":
- انا حسه ان "مهند" مخبي حاجه علينا .. وكمان عمو "عدنان" كان صوته غريب اكنه بيعيط
قالت "انعام" بحزم:
- لا بيتهيالك يا "نهال" .. هو بخير وكلنا سمعنا صوته واطمنا عليه وان شاء الله قريب هيكونوا هنا بلاش نقلق نفسنا .. ان شاء الله "مهند" هيقوم بالسلامة ويرجع وسطينا
قالت تلك الكلمات لتخفي شعورا بالقلق لازمها وهي تستمع الي صوت "عدنان" المضطرب عير الهاتف !
********************************************
بعد ما يقرب من اسبوعين تابع خلالها "عدنان" ادارة شركته عبر الهاتف لرفضه العودة دون "مهند" .. اتصل لينبأهم أخيرا بعودته هو و "مهند" في مساء اليوم التالي .. لكنه اتصل في الصباح ليخبرهم بتأخرهم يومين لعدم وجود أماكن شاغره علي الطائرة التي ستغادر تركيا الي مصر في ذلك اليوم .. وعلي الرغم من علم الجميع بتأخر وصولهما الا أن "سمر" جفاها النوم ونزلت الي غرفة المعيشة مرتدية حجابها بعدما قرر "علاء" المبيت في الفيلا .. وقفت في شرفة غرفة المعيشة تنظر الي الطريق وهي تعلم علم اليقين أنهم لن يأتوا اليوم بسبب الزحام علي خطوط الطيران لكن بقي لديها أملا أن يتمكنوا من القدوم .. أمسكت هاتفها واتصلت ب "عدنان" بلهفة قائله :
- ايوة يا "عدنان" .. لسه برده مش لاقيين أماكن فاضيه ؟
اتسعت ابتسامتها وهي تهتف :
- بجد .. يعني ايه .. وصلتوا مصر ؟
كادت أن تقفز في الهواء وهي تحتضن هاتفها وتدور في الغرفه قائله :
- طيب منتظراكوا .. تيجوا بالسلامة .. منتظراكوا
انتهت المكالمة وعادت الي الشرفة وابتسامة واسعة تزين محياها وهي تضع كفها فوق صدرها .. بينما كفها الآخر ترفعه ببطء شديد لتتمسك بسور الشرفه .. لم تكن سعادتها ببداية شفاء ذراعها بأكبر من سعادتها لرؤية "مهند" مرة أخري .. نظرت الي ذراعها وهي تتحسسه مبتسمة داعية بالخير الي المرأة الطيبة التي يسرت لها سبل الشفاء من شللها الذي لم يكن لسبب عضوي بل كان لأسباب نفسيه تتعلق بتعرضها لصدمات متتاليه .. وفاة والدها وخيارتها للشركة ولكل ما تملك واخيرا قرار باهر بالانفصال .. تذكرت ذلك اليوم الذي وقفت معه أمام النادي ليخبرها بقراره في فسخ الخطبه .. تذكرت شعورها بالدوار وبالالم يغزو ذراعها وبزغللة عينها وبشعورها بالقئ في السيارة .. والتي اكدت لها آخر طبيبة فحصتها بأن كل تلك العوامل هي التي أدت الي اصابتها بالشلل دون أن يكون هناك سبب عضوي لذلك .. وهذا ما حير الأطباء خاصة بعد شفاء كدمة رأسها والتي ظنوا بأنها السبب في اصابة ذراعها بالشلل .. نظرات الي السماء بتأثر وهي تحمد الله عز وجل ان رزقها بتلك المرأة التي عاونتها وبثت فيها الأمل في الشفاء بيقينها وصبرها واخلاصها .. دون أي مقابل مادي
مرت اكثر من ساعتين وهي لا تزال تنتظر في الشرفه بعدما فشلت في الاتصال ب "عدنان" بسبب نفاذ بطارية هاتفه من الشحن .. خفق قلبها كالطبل داخل صدرها وهي تتطلع الي أضواء مصابيح السيارة القادمة من بعيد تشق طريقها في الشارع الخالي من المارة في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل .. رأت سيارة أجرة تقف أمام بوابة الفيلا .. وانفتح الباب ليهبط .. "عدنان" .. لم تنتظر أكثر اندفعت للخارج تفتح باب الفيلا وهي تهرول نزولا فوق الدرجات وتقطع الممر الطويل الي البوابة التي فتحها الحارس ليدخل "عدنان" وبرفقته "مهند" .. توقفت فجأة وغارت الدماء في وجهها وارتجف جسدها وقلبها .. غزت العبرات عيناها وقد توقفت عن التنفس وهي تتطلع بحيرة ودهشة وألم الي "مهند" .. تقدم منها "عدنان" الذي أمسك "مهند" من ذراعه ليقطع المسافة الفاصلة بينهما ببطء ويقفا أمام "سمر"زهما ينظران الى ملابسها وحجابها فى دهشة .. بينما "سمر" هطلت الدموع من عيناها بغزارة وهي تنظر بألم وحسرة الي الفراغ الذي حل مكان ذراع "مهند" الأيسر !